الجمعة، 2 يناير 2015

عن الدعوة السلمية في مكة





يشاع بيننا أن بداية الإسلام في دعوته الأولى كانت سلمية تماما، و أن أهل مكة الوثنيين هم من بدأوا باضطهاد أتباع محمد لسنوات، مما اضطر المسلمين في النهاية للرد بعد الهجرة، و هكذا كانت بداية الحروب و الغزوات النبوية.

يُراد منا أن نبتلع تلك القصة، على الرغم من أن التاريخ الإسلامي ذاته يخبرنا أن قريشا في الجاهلية، كالوثنيين بشكل عام، كان يعيش في ظلها الكثير من الطوائف المختلفة الموحدة و غير الموحدة ، يهود و مسيحيين و صابئة و غيرهم، دون أوجود ما يستدعي التوتر أو الصدام الديني.. فما الذي أضرهم في دين إضافي؟!


لن نسعى هنا لفرض جوابا محددا على ذلك السؤال، و إنما سنكتفي بطرح أربعة مشاهد مبكّرة من السيرة ، دون تعليق، لعل التأمل فيها يلقي بعض الضوء على المسألة.
1- مشهد  ذهاب كبار قريش إلى عم محمد في بداية دعوته.. يطلبون منه أن يكف عن سب آلهتهم, فيعدهم بحرب العرب و العجم..

( لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقال إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته)



(عن ابن عباس قال مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وعند أبي طالب مجلس رجل فقام أبو جهل كي يمنعه وشكوه إلى أبي طالب فقال يا ابن أخي ما تريد من قومك قال إني أريد منهم كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية قال كلمة واحدة قال كلمة واحدة قال يا عم قولوا لا إله إلا الله فقالوا إلها واحدا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق قال فنزل فيهم القرآن ص والقرآن ذي الذكر)

 سنن الترمذي   » كتاب تفسير القرآن » باب ومن سورة ص.
2- قصة بعد إسلام أبو ذر في مكة : يشتم أديان قريش, فيحدث بينهم عراك, فيمارس البلطجة ضدهم..

(بعد أن ضيف أبو بكر الصديق أبا ذر في منزله أقام أيَامًا ثمّ رأى امرأة تطوف بالبيت وتدعو بأحسن دُعاء في الأرض تقول: " أعْطني كذا وكذا وافعلْ بي كذا وكذا"، ثمّ قالت في آخر ذلك: "يا إساف ويا نائلة"، قال أبو ذرّ: " أنْكِحي أحدهما صاحبه". فتعلّقت به وقالت: " أنت صابئٌ". فجاء فِتْيَةٌ من قريش فضربوه، وجاء ناس من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة - وبنو غفار من بني بكر - فنصروه وقالوا: " ما لصاحبنا يُضرَبُ وتتركون صُباتَكم؟ " فتحاجَزوا فيما بينهم.



فجاء إلى النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: " يا رسول الله أمّا قريش فلا أدعُهم حتى أثْأرَ منهم، ضربوني". فخرج حتى أقام بعسفان وكلّما أقبلت عِيرٌ لقريش يحملون الطعام يُنَفِّرُ بهم على ثنيّة غَزال فتلقى أحمالها فجمعوا الحِنَطَ، قال يقول أبو ذرّ لقومه: " لا يمسّ أحد حَبّة حتى تقولوا لا إله إلاّ الله "، فيقولون لا إله إلا الله ويأخذون الغرائر)

 الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - ج ٤ - الصفحة
3- من بيعة العقبة الأولى: تحالف و تعهد بحرب عالمية.. قبل الهجرة!

(فقال أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حزام: نعم يا رسول الله، فاشترط لنفسك ولربك.



فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «تمنعوني مما تمنعون أنفسكم، وتمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم وأولادكم؟ »


قالوا: فما لنا على ذلك؟


قال: «الجنة، تملكون بها العرب في الدنيا، وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكا».


فقالوا: قد رضينا.


فقام العباس بن نضلة وكان من الأوس فقال: يا معشر الأوس والخزرج، تعلمون على ما تقدمون عليه؟ إنما تقدمون على حرب الأبيض والأحمر، وعلى حرب ملوك الدنيا، فإن علمتم أنه إذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه فلا تغروه، فإن رسول الله وإن كان قومه خالفوه فهو في عز ومنعة)

4- من بيعة العقبة الثانية: تجديد للتحالف و تلويح بالحرب مرة أخرى..

في روايةِ كعبٍ التي رواها ابنُ إسحاقَ (ثم قال - يقصد رسولَ الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) -: أُبايعكم على أنْ تمنعوني ممَّا تمنعون منه نِساءَكم وأبناءَكم، فأخَذ البراءُ بنُ معرورٍ بيدِه، ثم قال: نعَمْ، والذي بعثَك بالحقِّ نبيًّا، لنمنَّعك ممَّا نَمنع أُزرَنا منه، فبايعْنا يا رسولَ الله؛ فنحن واللهِ أبناءُ الحرْب وأهل الحلْقة، وَرِثْناها كابرًا عن كابر، فاعترض القولَ أبو الهيثم بنُ التيِّهان، فقال: يا رسولَ الله، إنَّ بيننا وبيْن الرِّجال حبالاً، وإنَّا قاطِعوها - يعني: اليهود - فهل عسيْتَ إنْ نحن فعَلْنا ذلك ثم أظهرَك الله أن تَرجِع إلى قومِك وتدَعَنا؟ فتبسَّم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال: "بل الدَّمَ الدَّم، والهَدْمَ الهَدْم، إنَّا منكم وأنتُم منِّي، أُحارِبُ مَن حاربتُم، وأُسالم من سالمتُم")

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق