الجمعة، 1 مارس 2019

الخجل من المقدس





من أشهر الإنتقادات لمحمد أنه مزواج شهواني، وبعض ما يقال يكتب بصيغة معينة أعرف أن المتكلم مسيحي - يعتبر الجنس نجاسة وأن الشهوة بحد ذاتها عيب ونقيصة في الإنسان..

ولكن من وجهة نظر إنسانية فالأمر يختلف تماما: الشهوة ليست عيبا..

وما يستحق الإنتقاد في سلوك محمد وصحابته والمشايخ ليس الجنس بحد ذاته، وإنما بالأساس النفاق والظلم : أي ادعاء العفة والزهد وأمر الشباب بالصوم ثم ممارسة الدعارة والمتعة بشكل مفتوح، ثم فعل ذلك بالغزو والقهر والإستبعاد واحتقار النساء..

وأما لو أنهم لم يمارسوا النفاق والظلم، وقضوا حياتهم يستمتعون بالجنس بأي شكل، فلا يوجد في ذلك عيبا ولا نقيصة من الناحية الإنسانية..

على الجانب الآخر، من أشهر الإنتقادات الإسلامية للمسيحيين هو النص الأشهر بالكتاب المقدس: نشيد الإنشاد، بما فيه من غزل جنسي إباحي..

ولكن من وجهة نظر إنسانية فالحب والغزل- العفيف أو الجنسي- هو أمر مقبول بل مطلوب وجميل..

وما يستحق الإنتقاد في موقف المسيحية من الجنس فهو ليس الإباحية وإنما العكس: التضييق والفوبيا التي تجعل الشهوة نجاسة والنظرة جريمة والمرأة مخلوق أدنى تابع للرجل..

وياليت كتبهم المقدس امتلأت بالحب والغزل بكل أنواعه، بدلا من الغزو والقتل والخرافات والتعصب والإدانة والتهديد بالهلاك والجحيم..

أسئلة عن الحضارة





البعض يتصور أن التقدم العلمي والحضارة الإنسانية هي مسيرة بدأت منذ القدم وتستمر صاعدة خطوة بعد أخرى مثل درجات السلم، وأنها بالتالي جاءت نتيجة تراكم الخبرات والمعارف التي ساهمت فيها الشعوب المختلفة على مر القرون - فهل هذا حقيقي؟

أول ما يمكن ملاحظته أن البشرية عمرها نحو مائتين ألف سنة، وأما الحضارة بمعناها الشائع المركب (المدن والمباني والكتابة والفنون والتكنولوجيا والنظم السياسية والإدارية، والقانونية والإجتماعية والدينية) فيقدر عمرها بنحو ستة آلاف سنة فقط، وأما التقدم العلمي التكنولوجي فيبدو وكأنه طفرة بدأت منذ ثلاثة قرون لا أكثر..

بمعنى آخر: لو تمكنا من أخذ عينات- صور ثابتة- لمراحل التطور الإنساني، فلن نجد فوارق كبيرة بين لقطة عمرها مائة ألف سنة وأخرى عمرها ثلاثين ألف سنة، ففي الحالتين نحن أمام ذات الإنسان الجوال المتعيش على الصيد والقنص وجمع الثمار، وإنما هناك طفرات محددة حدثت في أزمنة معينة (مثل اكتشاف النار ثم الزراعة ثم الكتابة ثم الحديد وغيرها) وهي التي غيرت شكل البشر والمجتمعات، وهذا حدث ببطء شديد، وبالطبع لم يحدث على التوازي بنفس السرعة في كل مكان..

ولو انتقلنا إلى مرحلة الحضارة، والتي ترتبط بنشأة الكتابة تحديدا، فيمكننا أخذ لقطة لزمن المصريين القدماء مثلا، ولقطة ثانية لعصر الفاطميين، أي على امتداد ثلاثة آلاف سنة، فهل سنجد فوارق كبيرة بين العصرين فيما يخص تكنولوجيا البناء أو استخدام الأدوات أو الطب أو الفنون أو حتى الأسلحة؟ على الأرجح لا، بل وربما ينحاز البعض إلى الزمن القديم فيراه أكثر تطورا - إذن فنحن لسنا أمام درجات سلم بحال من الأحوال..

ولو أننا تذكرنا مثال الفورة العقلية في العصر الذهبي للإغريق، وقارناه بالعقلية السائدة في أوروبا العصور الوسطى، فسنكتشف أيضا أن الحضارة لا تسير إلى الأمام دائما، فقد تتراجع العقول أحيانا وتضيع التكنولوجيا، وقد ينحط الناس إلى الخرافة والجهل بعد أن مروا بفترات من العلم والعقلانية، وقد تتسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية في تدمير مجتمعات وحرق كتب وقتل علماء وتدمير مراكز معرفية وفلسفية..

ولو نظرنا إلى النهضة العلمية الحديثة، بداية من التنوير في القرن السابع والثامن عشر ثم الثورة الصناعية في التاسع عشر وحتى ثورة الإتصالات التي نعيشها، فسيتوجب الإعتراف أن النهضة التي نعيشها اليوم هي نهضة أوروبية\أمريكية تحديدا، ليس فقط لأنها بدأت من أوروبا، ولكن لأن جميع الدول التي نجحت في أخذ بعض أدوات التقدم بعد ذلك، في آسيا مثلا، قد فعلت ذلك عن طريق واحد لا غير وهو التعلم المباشر واستلهام الفكر أو التكنولوجيا من الغرب - ولا يوجد استثناء واحد لبلد تقدم بشكل مستقل بدون الأخذ عن النهضة الأوروبية: اليابان الصين روسيا الهند تركيا..إلخ، كل تلك البلاد قرر حكامها- أو أُجبرها المستعمر - في لحظة ما بالقرن التاسع عشر أو العشرين أن تستورد الحضارة الغربية استيرادا، ولهذا حققت بعض النجاح، وبعضها تفوق على كثير من الدول الغربية ببعض النواحي..

إذن، فلو كانت الحضارة- كما يقولون- هي درجات سلم متصاعد لتوقعنا أن نرى بعض التدرج والإستمرارية والتناغم في ذلك الصعود، ولو كانت الحضارة - كما يقولون- هي عملية تراكم إنساني، لتوقعنا أن كل شعب يتمكن من التقدم عن طريق تطوير تراثه الخاص، ولكن هذا لا يحدث، فالحقيقة المزعجة لكل من يتفاخر بحضارته هي أن الحضارة الحديثة، كما تمتد جذورها من القرن الثامن عشر- هي طفرة غربية، ولا يمنعنا من الإعتراف بذلك إلى نزعة الكبر والإعتزاز الطبيعي لكل شخص بحضارة أجداده..

وهنا يجدر ملاحظة شيء آخر مزعج لمحبي الإنسانية والمساواة، وهي أن ليس كل الشعوب تسهم في الحضارة أصلا، وإنما هناك قبائل عديدة حوال العالم في الغابات والصحاري الرملية والجليدية لم يسهم أفرادها بشيء في مسيرة التقدم هذه، وإلى اليوم ربما مايزالوا يعيشون بنفس نمط حياتهم - في الملبس والطقوس والمعتقدات- كما كان الحال من عشرات الآلاف من السنين - وهذا لا يعني بالضرورة أنهم سيئون أو أقل سعادة، وإنما فقط أقل تقدما ومساهمة بالتقدم..

ولكن ألم يستفد الغرب من منجزات الحضارات الأخرى، مثل الإسلامية، كما يحلو لنا القول؟

نعم، يمكن القول أنهم استفادوا بالتراث الإسلامي وما نقله وطوره عن اليونانيين، ولكن الحقيقة أن ذلك التراث كان موجودا منذ البداية عند المسلمين، ومن قبله عند اليونانيين، وظل ذلك الحال لمئات السنين، فهنا يكون السؤال: ما هي الوصفة السحرية التي أضافتها أوروبا للمكون التراثي، ولم تكن متوفرة عند الآخرين، فجعلت الطفرة الصناعية والرأسمالية تحصل؟

أو لنسألها بصيغة أخرى : ما هو الخط المنطقي الذي يمكن أن يأخذ من كتابات أرسطو أو ابن سينا أو الفارابي، فيصل إلى صواريخ الفضاء والإنترنت ووتكنولوجيا النانو والسيارة ذاتية القيادة والذكاء الصناعي والخلايا الجذعية؟

نعم بالطبع في الماضي كان هناك ومضات معرفية مبهرة، لكنها جاءت نتيجة عبقرية شخصية أو حتى تخمين ذكي، ولكن المهم أنها لم تستمر ولم تتفاعل لتؤدي إلى النتائج المركبة التي نطلق عليها تكنولوجيا حديثة، ولهذا مثلا قال طاليس منذ زمن طويل أن الماء هو أصل الموجودات، وهو تخمين ذكي، ولكن مقولته لم تتحول إلى حقيقة علمية تفيد البشرية وإنما ذابت إلى جوار مقولات أخرى أقل علمية، وكذلك نجد أن ابن الهيثم مثلا استخدم المنهج العلمي التجريبي ببراعة، ولكن هذا لم يجعل المنهج يتم ترسيخه وتعميمه بعد موته - فيجب الحذر من الخلط بين الومضة المعرفية والنهضة الحضارية..

أما الحضارة فلا يصح القول أنها جاءت نتيجة تراكم معرفي، فنحن لم نجد هذا التراكم يحدث بالماضي، إذ أن القرون الوسطى لم تكن أفضل بكثير مما سبقها، بل وربما أسوأ في بعض الجوانب كما ذكرنا، بل إن النهضة الحديثة ولدت في ثلثمائة سنة فقط، بينما القدماء - الذين كان لديهم ذلك التراث وربما أفضل لم يصلنا - كان لديهم عشر أضعاف ذلك الزمن، وكان أمامهم كل التراث الذي يزعم البعض أنه أصل الحضارة، فلماذا استمروا في الدوران ولم يجدوا درجات السلم الصاعدة نحو الفضاء؟

حديث التراكم هنا يذكرني بنكتة قديمة عن الصحافي الذي كان يقيم حوارا مع مليونير كبير بدأ من الصفر، فسأله بشغف: ما سر ثروتك الكبيرة سيدي؟ فتنحنح المليونير وأجاب: إنها قصة طويلة يا ولدي، سأحكيها لك، فقد كنت معدما فقيرا لا أملك في جيبي سوى سنتا واحدا، فاشتريت به تفاحة وقمت بغسلها جيدا حتى صارت لامعة وبعتها بسنتين، اشتريت بهما تفاحتين وقمت بغسلهما جيدا وبعتهما بأربعة سنتان، اشتريت بهم أربع تفاحات وقمت بغسلها جيدا لأبيعهما بثمانية سنتات.. وفي تلك الأثناء توفى عمي سميث وترك لي ثورته البالغة خمسين مليون دولار!

أما عن سؤال "لماذا تقدمت أوروبا قبل أمم أخرى ربما كانت لديها إمكانيات مشابهة بالقرن السابع والثامن عشر (الصين مثلا)؟"، فهو سؤال ليس سهلا، ويتناول ظاهرة معروفة تسمى بالتباعد الأوروبي - مصطلح صكه صمويل هنتنغتون وصار عنوانا لكتاب لكينيث بوميرانز- أو المعجزة الأوروبية - وهو عنوان كتاب لإيريك جونز- والكتابات يناقشان نفس السؤال..

يحتمل وجود عوامل عديدة: فهل السر يكمن في الإستعمار مثلا ونهب خيرات الشعوب؟ هذا يجعلنا نخلط السبب بالنتيجة، فالحقيقة أنه لولا التقدم التكنولوجي لما تمكنت أوروبا من استعمار العالم القديم، فهل السر في الإختراع العبقري المسمى المؤسسات التي تضمن استمرارية العمل بشكل يفوق عمر الأفراد؟ هل السر في الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أم أن التقدم الفكري جاء نتيجة للتقدم الإقتصادي الذي أدى لارتفاع مستوى المعيشة؟ هل السبب هي اختراعات معينة مثل البوصلة التي ساعدت في اكتشاف العالم الجديد، أو السكك الحديدية التي جعلت نقل البضائع أسهل وأسرع، أو البارود الذي مكنهم من النصر في الحروب، أو الطباعة التي نشرت المعرفة بشكل غير مسبوق؟ لا شك أن هذه الإختراعات ساعدت على التقدم، ولكن يظل السؤال : ما الذي جعل تلك الإختراعات تظهر في أوروبا وفي تلك الفترة تحديدا؟ هل هي مجرد صدف سعيدة أم أن تلك المخترعات هي نتيجة للنهضة قبل أن تكون سببها؟ وحين ظهرت، فما الذي لم يجعلها مجرد ومضة أخرى مثل ومضات الماضي تظهر ثم تختفي؟

لنلاحظ أولا أنه لو تصورنا الحضارة كتراكم معرفي فلن يكون للسؤال أي معنى أصلا، وإنما هنا يكون التقدم مسألة طبيعية تحصل مع مرور الزمن، وهو تصور خاطئ تماما كما رأينا، مما يجعل السؤال "لماذا؟" هو سؤال وجيه يستحق البحث - ووجاهة السؤال هي ما يعنيني إثباته هنا، بأكثر مما تهمني إجابته..

لا شك أن الجواب صعب، وأن عوامل تقدم أوروبا مركبة ومتداخلة وبعضها قد لا يخطر بالبال، فعلى سبيل المثال هناك عامل محوري لقيام الثورة الصناعية وهو الفحم، فربما لولا توفره طبيعيا بإنجلترا لما حدثت النهضة التكنولوجية - ولكن ألا يوجد الفحم في الصين مثلا؟ بلى، ولكنه موجود في المناطق الشمالية، بينما أكثر المدن آنذاك كانت مركزة في الجنوب - لماذا أكثر المدن مركزة بالجنوب؟ سبب ذلك هو الهجمات المغولية بالقرن الثالث عشر والتي دمرت الشمال وأزاحت المدنية الصينية جنوبا - فهل لولا هجمات المغول كان يمكن أن نشهد الرأسمالية الحديثة تظهر بالصين قبل أوروبا ويتغير وجه التاريخ كله؟ من يدري؟

لكن بالنهاية الفحم هو أداة وليس سببا، وقد كان موجودا على الدوام وهو لا يكفي وحده لصنع النهضة، وكذلك الحال مع بقية الموارد وأيضا مع التراث ومع البشر، فما الجديد هنا؟

ربما الجواب يكمن في تضافر العوامل المذكورة هنا، فيمكن القول أن الإتحاد السياسي والمخترعات العلمية وانتشار المعرفة واستكشاف العالم الجديد والرفاهة الإقتصادية هي كلها عوامل ساعدت بعضها البعض، فصنعت تلك الخلطة التي نسميها تقدما حضاريا..

وأما الجانب الفكري للمسألة، والذي أظن أنه حجر الأساس لتلك النهضة، فهو ما يمكن أن نسميه : الغربلة..
الملاحظ أن النهضة اقترنت ليس فقط بتبني أفكار معينة، والتي معظمها وجد قبلا بالتراث، فربما لا جديد تحت الشمس، وإنما الأخطر بنظري أنها اقترنت باستبعاد أفكار معينة، وتحديدا الخرافات والأساطير التي كانت تشكل الجانب الأكبر من الفكر الإنساني - وإن لم نقل أن البلاد التي تقدمت قد نبذت الخرافات بالكامل، فيمكن القول أنها نجحت في تنحيتها جانبا بحيث تظل معتقدا مسالما شخصيا لا يؤثر كثيرا على سير ماكينات السياسية والإقتصاد والتصنيع وحتى الفكر والثقافة، والتي تميزت بسمة العلمانية أي إدارة الأمور وفقا لقواعد نفعية منطقية بعيدا عن المقدسات والأهواء والأمزجة..

التفكير العلمي هو الذي يجعل البشر يفسرون الأمور بشكل طبيعي لا غيبي، فيبحثون عن كيفية حدوث الأشياء بدلا من نسبتها إلى قوى خارقة خفية، وهو يجعلهم متقيدين بالواقع يعرفون الحق ليس بالوحي أو بالنصوص أو حتى بالتفلسف المجرد وإنما بالحس والتجربة التي يقودها العقل النفعي، وهذا بالتالي يجعلهم قادرين على التعلم من أخطائهم، فيدركون أن الهزيمة ليس سببها لعنة إلهية أو خطايا جنسية وإنما سببها قصور في جوانب معينة يمكن معالجتها، ثم أن هذا التفكير العلمي يجعلهم متحررين من أي مفاهيم مقدسة بحيث يكونوا قادرين على تغيير نمط حياتهم بمرونة بما يضمن لهم كفاءة أفضل، كما يجعلهم راغبين في الإستفادة من كل التجارب والخبرات المتاحة بغض النظر عن مصدرها، فيعمل الجميع من كل الأجناس والمعتقدات داخل المجتمع الواحد، ويكون المعيار الأوحد هنا هو النتائج العملية على الأرض..

الإله المسيحي يريد عبيدا أيضا




بعض الإخوة المسيحيين ينتقد الإسلام لأنه يجعل البشر عبيدا لله، ويزعم بالمقابل أن الكتاب المقدس يجعل البشر "أبناء الله" وليسوا عبيدا..

والحقيقة أن هذا كذب صريح، ويمكن إثبات ذلك بالإحالة لإصحاح واحد فقط من الكتاب المقدس، وهو أخبار الأيام الثاني، 6..

حيث أنقل (أيها الرب إله إسرائيل، لا إله مثلك في السماء والأرض، حافظ العهد والرحمة لعبيدك السائرين أمامك- الذي قد حفظت لعبدك داود - احفظ لعبدك داود أبي ما كلمته به - فالتفت إلى صلاة عبدك وإلى تضرعه أيها الرب إلهي، واسمع الصراخ والصلاة التي يصليها عبدك أمامك - لتسمع الصلاة التي يصليها عبدك في هذا الموضع - واسمع تضرعات عبدك وشعبك إسرائيل - واقض بين عبيدك - واغفر خطية عبيدك وشعبك إسرائيل- اذكر مراحم داود عبدك)... فانظر كم مرة وردت العبودية لله، سواء العبد هو داود أو هو الشعب كله، في إصحاح واحد..

وفي مواضع عديدة يتم وصف الأنبياء بأنهم عبيد لله، أو المسيح:

مثلا من العهد القديم: دانيال بأنه عبد الله (سفر دانيال 6: 20)،
كذلك في العهد الجديد: يعقوب عبد الله (رسالة يعقوب الأولى 1:1)،
بولس عبد الله (رسالة تيطس (1:1)،
وموسى عبد الله (سفر الرؤيا 15: 3)

كما يصف بولس جميع المسيحيين بأنهم (رجعوا الى الله عن اصنامهم ليصيروا عبيدا لإله حيّ حقيقي) (‏١ تسالونيكي ١:‏ 9)..

ولمن يحاول قلب معاني الكلمات بالقول أن العبودية هنا معناها المحبة أو القرب أو حتى التحرر(!)، فيمكن الإشارة إلى نص آخر في (كورينثوس الأولى 6: 20) يقول فيه بولس للمسيحيين (لأنكم اشتريتُم بثمن)، فالعبودية هنا هي الخضوع والتبعية التامة لسلطان الإله، تماما كما هو الحال في الإسلام..

قبائل العرب






العرب هم فرع من الشعوب المسماة سامية، وينتشرون في أنحاء شبه الجزيرة العربية بالإضافة إلى أماكن أخرى..

أقدم ذكر تاريخي للفظة عرب يرجع إلى نص آشوري باللغة الأكدية من القرن التاسع قبل الميلاد، كما وردت بصيغ منوعة (عريبو، عريبي، عربايا) في نصوص أخرى بابلية وسبئية وغيرها، وويبدو أن الكلمة أصلا تعني "أهل البادية"، والمقصود البادية الصحراوية بين العراق والشام، جنوب الهلال الخصيب، ثم امتد المعنى لاحقا ليشمل بقية أنحاء شبه الجزيرة..

وقبل أن نبدأ بذكر أنساب العرب نبدأ بنبذة عن الأنساب العبرانية المذكورة في التوراة والمصادر اليهودية، خاصة سفر التكوين، حيث أن التأثير قوي وواضح بين الثقافتين اليهودية والعربية في هذا الشأن، كما في غيره..

مع الأخذ في الإعتبار أن تلك الأنساب والشخصيات التي ترمز لها لا تتضمن بالضرورة دقة تاريخية، بل وقد لا تعبر عن علاقات نسب واقعية بين القبائل، بقدر ما تعبر عن علاقات تقارب وتحالفات سياسية وقعت في مراحل معينة، بل وفي أحيان كثيرة يتم اختراع أسماء الشخصيات وفقا لأسماء قبائل موجودة أو مناطق جغرافية معينة، وربما هذا لا يقلل من أهمية تلك الأنساب تاريخيا، فهي إن لم تكن تمثل حقائق دقيقة إلا أنها تعكس تصنيفات القوم لأنفسهم والعلاقات فيما بينهم..

--------------------------------------
حسب التوراة فآدم وحواء أنجبا ثلاثة أبناء هم هابيل وقايين (قابيل) وشيث، ومن الأخير جاء المواليد وصولا إلى نوح، والذي أعاد إعمار البشرية بعد هلاك البشر الطوفان عن طريق أبناءه الثلاثة يافث وحام وسام..


من نسل يافث جاء الأوروبيين واليونانيين والفرس والأكراد، ومن نسل حام جاء المصريون والأفارقة والأمازيغ، ومن نسل سام جاء الأشوريين والعبرانيين والعرب والأراميين..


والذي يهمنا هو سام ابن نوح، فمن نسله جاء شالخ ومن الأخير جاء عابر (الذي ربما تنسب له لفظة العبرانيين) والذي ولد يقطان، والذي من نسله جاء تارح، أبو إبراهيم..
إبراهيم أنجب اسماعيل، ثم إسحاق، والأخير ولد عيصو ويعقوب، وهو الملقب بإسرائيل، وأولاده يسمون الأسباط، وهم أجداد القبائل الإسرائيلية: رأوبين ويهوذا ودان وأشير وشمعون ويساكر ونفتالي وزبولون وجاد وبنيامين ولاوي ويوسف (ويتم استبعاد لاوي سبط الكهان الذين ليس لهم أرض محددة كالآخرين وإنما يعملون بخدمة الهيكل، وبدلا من يوسف يتم وضع ابنيه أفرايم ومنسى، فيظل العدد اثنى عشر)..

وينتسب القادة والأنبياء اليهود اللاحقين إلى تلك الفروع، فمثلا موسى وهارون ينحدران من سبط لاوي (المختص بالكهانة)، بينما داود وسليمان من سبط يهوذا (المختص بالحكم)، وكذلك عيسى (يسوع)..

وكذلك قام الإسرائيليون بربط الشعوب المجاورة لهم بتلك الشجرة، فمثلا لوط هو ابن أخو إبراهيم، وتحكي التوراة أنه واقع بنتيه وأنجب من الأولى شعب العمونيين، ومن الثانية المؤابيين، ثم إن عيصو ابن إسحاق تزوج فتاة من نسل عمه إسماعيل، ومنهما نشأ شعب الإدوميين..

--------------------------------------
وقد تبنى العرب تلك الشجرة التوراتية بشكل عام، فنسبوا أنفسهم إليها، ولاحقا في العصر الإسلامي سيقوم الإخباريون والمؤرخون والنسابون بتقسيم العرب إلى : عرب بائدة، أي زائلة مندثرة، وعرب باقية قسموا بدورهم إلى عرب عاربة ومستعربة..


العرب العاربة الأصليون هم القحطانيون، المنتسبون إلى جد إبراهيم قحطان (يقطان) ابن عابر (أحيانا يقال عنه هود) ابن شالخ (صالح؟) ابن أرفشخذ ابن سام ابن نوح..


وأما العرب المستعربة الأحدث، العدنانيون، فهم من نسل اسماعيل ابن إبراهيم، والذي هاجر إلى البرية مع أمه (بسبب غيرة زوجة أبيه الأولى سارة) ثم هناك تزوج من امرأة جرهمية واندمج مع العرب..

والجدير بالذكر وجود خلافات كبيرة بين الأقوال، فعلى سبيل المثال هناك من نسب قحطان إلى اسماعيل..

--------------------------------------
العرب البائدة هم السكان الأصليون للجزيرة العربية، والذين انقرضوا جميعا قبل الإسلام، ومنهم عاد وثمود والعماليق ووجديس وعبيل وجرهم..


وتتسم سيرة وقصص العرب البائدة بملامح أسطورية، ذكر بعضها القرآن على سبيل العبرة والموعظة، فمنهم قوم عاد الذين سكنوا الأحقاف وأهلكهم الله بعد رفضهم الإستجابة لأحد أنبياءه، هود (عابر؟)، ومنهم ثمود أصحاب الناقة الذين عصوا نبيهم صالح (شالخ؟) فتعرضوا لهلاك مماثل، ومنهم جرهم الذين يحكى أنهم سكنوا مكة في القديم وهاجر إليهم اسماعيل وتزوج إحدى فتياتهم، وهي أم العرب المستعربة..

--------------------------------------
العرب العاربة ترجع أصولهم إلى اليمن وجنوب الجزيرة، فمنهم القبائل السبئية، أهمها كهلان وحمير (بكسر الحاء وفتح الياء)، وهما أخان من أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وصولا إلى نوح، إلى جوار قبائل أخرى..


من القبائل الكهلانية مذحج وطيء (الذين منهم حاتم الطائي) والأزد، ومن القبائل الحميرية حضرموت وقضاعة (على خلاف)، ولكل منها فروع كثيرة..


هذه القبائل اليمنية قامت بعدة هجرات شمالية في القرن الثاني أو الثالث، فاستوطنوا العراق والشام وأسسوا عدة ممالك، منها المناذرة والغساسنة والكنديين..


المناذرة اللخميون من أقوى الممالك العربية وقد حكموا العراق قبل الإسلام، وترجع أصولهم إلى قبيلة لخم الكهلانية، وهي العمود الفقري لاتحاد التنوخيين القبلي..
كذلك الكنديون الذين حكموا وسط الجزيرة العربية كان لديهم أصول كهلانية، ويتلاقون مع اللخميين في جد مشترك هو مرة ابن أدد ابن كهلان، وكانت مذحج كذلك جزءا من التحالف الكندي..

ومن التنوخيين أيضا قبيلة الغساسنة التي حكمت الشام، وترجع أصولهم إلى الأزد الكهلانية اليمنية، وقد ظل الغساسنة حلفاءا لبيزنطة لكنهم لاحقا انضموا إلى الغزوات الإسلامية مع بقائهم على عقيدتهم المسيحية..


ومن الأزد كذلك قبائل يثرب التي هاجر إليها نبي الإسلام (الأنصار: الأوس والخزرج) حيث ينتسبون إلى غسان ابن الأزد الكهلاني القحطاني..
--------------------------------------

العرب المستعربة ينتسبون إلى نزار ابن معد ابن عدنان، والذي جاء من نسل اسماعيل، وأحيانا ينتسبون إلى أي من أولئك الأجداد، فيقال لهم العرب العدنانيون أو النزاريون أو المعديون..


وتنقسم القبائل العدنانية إلى قسمين كبيرين: مضر وربيعة، وكلاهما ابن نزار..


وأما مضر فتنقسم إلى خندف وقيس عيلان، فمن خندف قريش (قبيلة محمد) وكنانة وبنو أسد (يشتهرون بالكهانة ومنهم طليحة الأسدي الذي ادعى النبوة زمن الردة) وهذيل وتميم (الذين حكموا شرق الجزيرة قبل الإسلام، ومنهم مالك ابن نويرة الذي قتله خالد ابن الوليد في حروب الردة)، ومن قيس عيلان هوازن وسليم وثقيف وغطفان (والتي منها بنو عبس قبيلة عنترة ابن شداد)، وكلها تتفرع منها أقسام كثيرة..


وأما ربيعة فمنها بكر وتغلب، والذين جرت بينهما حرب البسوس الشهيرة قبل الإسلام، ومن البكريين أيضا قبيلة بنو شيبان التي استقرت في جنوب العراق، وبسببها قامت معركة ذي قار التي انتصر فيها العرب على الفرس قبل الإسلام، كما كان لبني شيبان دور مهم مع الغزوات الإسلامية لفارس..

هذه القبائل العدنانية هاجرت أيضا إلى الشمال واستوطنت عدة مناطق قبل الإسلام، حيث نجد ديار بكر في شمال العراق قرب تركيا، وجنوبها ديار ربيعة، وإلى الغرب قرب الشام ديار مضر..

وقد اختلف النسابون في تصنيف عدة قبائل، منها خزاعة الذين سكنوا مكة والحرم قبل قريش، حيث نسبهم البعض إلى مضر العدنانية، بينما قال البعض أنهم ينتمون إلى الأزد القحطانية، كما اختلف النسابون في إضافة قضاعة إلى العدنانيين أو تصنيفها مع القحطانيين، ويحكى عن أحد أقوى فروع قضاعة (الكلبيين) أنهم كانوا حلفاء معاوية وساعدوه على إقامة ملكه الأموي، فهناك احتمال أنه أغراهم بنقل تصنيف نسبهم من القحطانية إلى العدنانية لتقريب التحالف معهم..

--------------------------------------
أما قريش فمن الفرع الكناني الخندفي من مضر من عدنان، وهم ينتسبون إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ويحتمل أنهم - مثل تنوخ- أقرب إلى حلف سياسي انتسب إلى بعضه في فترة متأخرة..

وتنقسم قريش عدة أقسام، أهمها هم بنو قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة..إلخ، وكذلك بنو زهرة ابن كلاب (منهم آمنة أم محمد)، وبنو تيم ابن مرة ابن كعب ابن لؤي (ومنهم أبو بكر الصديق) وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي (ومنهم خالد ابن الوليد)، وبنو عدي بن بن كعب بن لؤي (ومنهم عمر ابن الخطاب) وغيرهم..

أما بنو قصي المذكورون فينقسمون إلى بني عبد مناف وبني أسد (وهم يختلفون عن قبيلة أسد الخندفية المضرية، ومنهم خديجة زوجة محمد والزبير ابن العوام) وبني عبد الدار وبني عبد قصي (انقرض نسله)..


اما بنو عبد مناف فينقسمون بدورهم إلى بنو هاشم (أسرة محمد) وبنو المطلب (لاحقا منهم الإمام الشافعي) وبنو عبد شمس (ومنهم بنو أمية الذين كانوا أسياد قريش قبل الإسلام، ومنهم عثمان ابن عفان ومعاوية ابن أبي سفيان) وبنو نوفل..

الشيوعية والدين




كنت أقرأ مؤخرا عن التأصيل الفلسفي للماركسية، ولاحظت توازيا ملفتا بينها وبين بعض الأفكار الدينية، في المحتوى، وإن بدا أنهما متعارضتان في الظاهر..

المعروف أن ماركس من خلفية يهودية حاخامية، قام أبوه وأمه باعتناق المسيحية للحصول على فرص عملية أكبر بأوروبا..وفي محتوى نظريته، كما صاغها وكما أكملها رفاقه وأتباعه، توجد أفكار دينية كامنة، وإن تم التعبير عنها بشكل لاديني فلسفي سياسي اقتصادي..

1- هناك قوة عظمى وحيدة متحكمة في الوجود .. الله = المادية الديالكتيكية..
2- تلك القوة تقود العالم إلى مراحل حتمية مكتوبة.. القدر الإلهي = المادية التاريخية..
3- هناك جماعة مضطهدة مظلومة، يتكالب عليها الجميع..
اليهود، شعب الله المختار = البروليتاريا، الطبقة المختارة..
4- إلا أن القوة العظمى تحمل لصالحها بالنهاية..
5- العالم مقسم إلى جماعتين، خير وشر..
كفار ومؤمنين = برجوازية وبروليتاريا..
6- ثم إن قوى الشر والإستغلال هي التي تحكم العالم..
7- إلا أن النصر قادم حتما للجماعة المختارة..
8- علما بأن ذلك النصر سيأتي من خلال العنف والحروب والثورات..
القيامة = الثورات الشيوعية..
9- وفي النهاية ستكون النتيجة هي سيادة الطبقة المختارة على الجميع، وفناء الأشرار، ونعيش في عالم مثالي إلى الأبد..
الجنة = المجتمع الشيوعي الأخير..

التوازي بين الماركسية والدين كامن في النظرة الحتمية إلى الوجود، حيث لا تأثير حقيقي لدور الفرد، إلا لخدمة القوة الوجودية الكبرى التي تحرك العالم إلى مصير محدد مسبقا.. وهنا ينتقل إلى تقسيم العالم إلى أبيض وأسود، فريق استغلالي ضد التقدم (كفار، برجوازية)، وفريق مظلوم ثوري تقدمي (مؤمنين، بروليتاريا).. ورغم أن ظاهر الأمور يبرز تفوق قوى الشر، إلا أن القوة المسيطرة على الوجود (الله، المادية) تعمل لصالح نصرة الخير، بشكل مطلق حتمي لا راد لقضائه.. وما علينا سوى الإنتظار ورفع الوعي استعدادا للحظة التحول الكبرى، والتي سيليها جنة مثالية لا ظلم فيها ولا تعب ولا استغلال ولا طبقية ولا دولة.. مع ملاحظة أن ذلك النصر لا يمكن أن يأتي بالإصلاح أو بالمصالحة التدريجية، وإنما سيأتي عن طريق واحد هو الحرب الداخلية، الثورات المسلحة العنيفة..

ومن يقرأ تنبؤات ماركس عن الرأسمالية، وتوقعه لانهيارها عالميا بشكل مدوي، لا يملك إلا أن ينظر إلى تلك اللحية الكثة، ويتصور نفسه أمام إحدى نبوءات الخراب في العهد القديم، والتي كان يلقيها أنبياء ناقمون على كل مظاهر الحضارة في بابل أو مصر فينتظرون سقوطها بكل شوق وغل حاقد..

هذا التشابه الفكري يخلق أنماط سلوكية متشابهة، فنرى التنظيمات الشيوعية المتطرفة والإرهابية أحيانا، ونرى الدكتاتوريات السلطوية تحكم بإسم تلك الشعارات البراقة، وتذبح الملايين قربانا على مذبحها، كما نرى نفس التمسك الجامد بالأفكار وعدم القدرة على رؤية متغيرات الأمور، والأسوأ من ذلك هو عدم القدرة على التعايش مع المختلفين، بل الإصرار على أن الصراع هو الأصل، وأن العالم ليس سوى ساحة حرب كبيرة، نحن فيها مضطهدون حتى يأتي النصر، وهو قادم لا محالة..

ويمكن ملاحظة التشابه العملي بين الشيوعية والدين في كيفية التعامل مع بعض القادة، تم ذلك في الإتحاد السوفيتي والصين وكوريا الشمالية وحتى في البلاد العربية التي جنحت في زمن ما نحو الإشتراكية، مثل مصر الناصرية وسوريا والعراق البعثيين، حيث تم تمجيدهم بشكل جنوني، بالتعارض مع التنظير الشيوعي الذي يدعي أنه لا يعبأ بدور الفرد.. وسنكتفي بمثال واحد هو ستالين، ذلك اللص السابق الذي حكم البلاد، وكان يتم التعامل معه كإله حي، بكل ما تحمل الكلمة من معاني..

نقلا عن صفحة خاصة عن هذا الموضوع في ويكيبيديا، فقد كانت صور ستالين في كل مكان، ويتم الحديث عنه وكأنه يعلم كل شيء وقادر على كل شيء، وكان يوصف في الخطابات والإعلام بأنه "عظيم"، "محبوب"، "شجاع"، "حكيم" ، "ملهم"، "عبقري" وبأنه "نجمنا الهادي"..إلخ.. وفي الإحتفالات كان يتم إظهاره مع الأطفال، مع لافتات من قبيل "نشكرك على أنك قدمت لنا طفولة سعيدة"، وقد ألصق به لقب "الأب"، الأمر الذي يذكرنا بالألقاب المسيحية الدينية، حتى أطلق عليه "أبو الأمم" و "باني الإشتراكية" و"مهندس الشيوعية" و"قائد الإنسانية التقدمية" وغيرها، حتى يمكن القول أنه لم تبق سمة من سمات التمجيد الديني لم يحظ بها القائد اللاديني الشيوعي، بما في ذلك التماثيل العملاقة التي تشبه تماثيل الفراعنة، وإطلاق اسمه على أسماء المدن والقرى والميادين والشوارع..

على الجانب الآخر فقد كان من المحرم نقد الزعيم بكلمة، وعلى سبيل المثال حين قام العالم والأديب الروسي والمجند الشجاع الحاصل على الأوسمة والشيوعي المخلص للدولة ألكسندر سولجنيتسين بانتقاد ستالين في بعض كتاباته الخاصة، تحولت حياته إلى جحيم، وقضى سنوات طويلة في الغولاغ المخيف..

وإحدى النصوص المذكورة بالصفحة هي "أنشودة لستالين" جاء فيها "أشكرك ستالين، أشكرك لأنني سعيد، أشكرك لأنني بخير، لا يهم كم بلغت من العمر، فلن أنسى أبدا كم استقبلنا ستالين منذ يومين، ستمر القرون وستنظر إلينا الأجيال كأسعد الكائنات، وكأوفر الرجال حظا، لأنها عشنا في قرن القرون، لأننها حظينا بشرف رؤية ستالين، زعيمنا الملهم.. كل شيء ملك لك، زعيم بلدنا العظيم، وحين تلد محبوبتي طفلا، فإن أول كلمة ستخرج من فمه ستكون: ستالين"..

ورغم أن موقف ستالين من ذلك التقديس كان غامضا، فأحيانا يبدي علامات اعتراض، وأحيانا يبدي الرضا، إلا أن ذلك التقديس الديني قد استمر بقوة، ولم ينته إلا مع موت ستالين وحكم خلفه الذي قلب المائدة وكشف الكثير من مساوئ النظام قبله.. ولكن من المؤكد أن ذلك التقديس لم يكن جنوحا استثنائيا، وإنما رأيناه في كل بلد حكمته الشيوعية.. وهي إحدى السمات الدينية الكامنة في الشيوعية، وليست الوحيدة..

مقدمة إلى الكتاب المقدس






لعله أكثر الكتب تأثيرا في تاريخ البشرية، وأوسعها انتشارا وقراءة وترجمة..

هو اسم جامع لمجموعة كتب (أسفار)، تم تدوينها على مدار قرون كثيرة، وبأيدي عدة كتاب في أزمنة وأماكن مختلفة، يقدسها في المجمل المسيحيون - ويقدس نصفها اليهود- باعتبارها وحي إلهي..

الكتاب المقدس ينقسم إلى مجموعتين رئيسيتين:
1- الكتاب المقدس اليهودي (يسميه المسيحيون العهد القديم)،
و2- الكتاب المقدس المسيحي (يسميه المسيحيون العهد الجديد)..
----------------------------------------

أولا: الكتاب المقدس العبري..
هو الكتاب المقدس عند اليهود، كما يقدسه المسيحيون أيضا إلى جوار العهد الجديد المسيحي، مع بعض الإختلافات بين الطوائف، ويتكون من 24 إلى 39 سفر (حسب التقسيمات المختلفة)..

والكتاب يركز على تاريخ شعب إسرائيل وتراثهم وعقيدتهم، وأحيانا يتم تصنيف أسفاره إلى ثلاث مجموعات: أسفار التوراة والنبيين والكتب، وبأخذ الأحرف الأولى من كل مجموعة يشتهر الكتاب المقدس أيضا بإسم "تا- نا- ك" أو تاناخ..
----------------------------------------

لنبدأ بسرد الترتيب الزمني لأحداث التاناخ الرئيسية، مع ملاحظة أن التواريخ كلها تقريبية، وأن الأحداث مذكورة كما وردت بالكتاب، بغض النظر عن المصداقية التاريخية:

خلق الكون والإنسان - 4000 ق.م
الطوفان - 2500 ق.م
إبراهيم- 2100 ق.م
دخول العبرانيين إلى مصر - 1800 ق.م
قصة موسى والخروج من مصر - 1450 إلى 1400 ق.م
دخول فلسطين وبدء مرحلة القضاة - 1400 إلى 1000 ق.م
مملكة داود وسليمان - 1000 إلى 930 ق.م

انقسام المملكة إلى مملكتين، إسرائيل وعاصمتها السامرة، ويهوذا وعاصمتها القدس - 930 إلى 722 ق.م

الأشوريون بقيادة سنحريب يقومون بغزو المملكة الشمالية، وتنجو القدس من الحصار - 722 ق.م

تحتفظ المملكة الجنوبية بفترة من الإستقلال والقوة تصل إلى ذورتها في زمن الملك يوشيا - 600 ق.م

تصعد بابل ويقومون أخيرا بغزو القدس بقيادة نبوخذ نصر، ويحدث السبي - 586 ق.م

الفرس يحكمون المنطقة ويسمحون لليهود بالعودة وإعادة بناء المعبد (الهيكل الثاني) - منذ 539 ق.م
----------------------------------------

أ - التوراة..
اسم يطلق على الأسفار الخمسة الأولى من التاناخ، والتي يؤمن اليهود والمسيحيون التقليديين أنها أنزلت على النبي موسى في سيناء، نحو عام 1400 قبل الميلاد، وهي بالترتيب : سفر تكوين، خروج، لاويين، عدد، تثنية.. الأول يحكي تاريخ الخلق وأجداد الشعب، والأربعة الباقون يحكون قصة الخلاص الموسوي والوحي والشريعة..

ب - الأنبياء..
تتكون من مجموعة تسمى أنبياء مبكرين (هي أسفار: يشوع، قضاة، صموئيل، وسفر الملوك)، وأنبياء متأخرين (وهي: إشعياء، إرميا، حزقيال، بالإضافة إلى سفر رابع يضم الإثني عشر نبيا الصغار، وهم: هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا، ملاخي)..

ج - الكتابات..
يتم تقسيمها إلى الكتب الشعرية (مزامير، أمثال، أيوب) والمخطوطات (نشيد الإنشاد، راعوث، مراثي إرميا، الجامعة، إستير) والنبوءات (دانيال) والتاريخية (عزرا، نحميا، أخبار الأيام)..

الأسفار القانونية الثانية..
إضافة لما سبق، فهناك ما يسمى "الأسفار القانونية الثانية"، وهي أسفار تقبلها بعض الطوائف المسيحية وتضمها إلى الكتاب المقدس (الكاثوليك والأرثوذوكس)، بينما يرفضها البروتستانت، وكذلك اليهود لا يقبلونها.. وهي سفر طوبيت، يهوديت، المكابيين الأول والثاني، الحكمة، يشوع بن سيراخ، باروخ، وتتمة سفر إستير، وتتمة سفر دانيال، ومزمور 151)..
----------------------------------------

وفيما يلي نبذة عن كل سفر، بالترتيب، مع ملاحظة أن تاريخ السفر المذكور، أو اسم النبي المنسوب له كتابته، هو حسب الإيمان الديني التقليدي، بعيدا عن رأي الباحثين والمؤرخين والذي يكون مختلفا بطبيعة الحال..

1- سفر التكوين : يبدأ السفر بخلق الله للسماوات والأرض، وقصة آدم وحواء الشهيرة، ثم تأتي قصص طوفان نوح وبرج بابل، ثم ظهور الأنبياء المسمون "الآباء" أو "البطاركة"، ويسرد الأنساب المختلفة لشعوب المنطقة، مركزا على أجداد الشعب الإسرائيلي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف، الذين منحهم الله وعدا بالحصول على أرض كنعان، وفي نهاية السفر يقوم أبناء يعقوب (إسرائيل) وأولاده (أسباط بني إسرائيل) بمغادرة كنعان للذهاب إلى مصر فرارا من المجاعة..

2- سفر الخروج: يبدأ بموت يوسف، وبداية اضطهاد العبرانيين في مصر لأكثر من أربعمائة سنة، ثم يدور السفر حول قصة موسى وصراعه مع فرعون وقيادته للشعب للخروج من مصر عبر سيناء، حيث يكشف الله\يهوه لهم عن اسمه، ويعطيهم عهده وشريعته، وينزل عليهم التوراة، ويأمرهم بعدم التوجه إلى أي إله سواه، كما يحكي السفر عن خرقهم للعهد وعبادتهم للعجل الذهبي..

3- سفر اللاويين: الإسم منسوب لجماعة الكهنة اليهود، الذين هم من سبط "لاوي" (أحد أبناء يعقوب)، ويتضمن السفر تشريعات دينية مفصلة لليهود عن الطقوس والطهارة والذبح والأكل الحلال والأضحيات والقرابين..

4- سفر العدد: يتناول رحلة الشعب الإسرائيلي من سيناء وحتى حدود كنعان، حيث عصوا الله فحكم عليهم بالتيه لمدة أربعين سنة في الصحراء، ومصدر الإسم أن الله هنا يأمر موسى بإجراء إحصاء (عد) لأفراد الشعب القادرين على حمل السلاح..

5- سفر التثنية: هي مجموعة خطب ألقاها موسى على الشعب قبل دخول كنعان، ومصدر الإسم من التكرار، لأن موسى قام بتكرار سرد الشرائع مرة "ثانية" على الشعب، مذكرا إياهم بعهد الله، وينتهي السفر بموت موسى واستخلاف يشوع للقيادة، وسماح الله لليهود بدخول أرض كنعان، وبدء الغزو..

6- سفر يشوع: يبدأ بعد موت موسى واستخلاف تلميذه يشوع، ويغطي السفر الحملات العسكرية التي قادها الإسرائيليون إلى كنعان، وحروبهم وانتصاراتهم ضد خصومهم، وتقسيم الأرض بين قبائل الأسباط الإثني عشر..

7- قضاة: أخيرا يستقر الإسرائيليون في الأرض الموعودة، وتبدأ مرحلة تعرف بحكم القضاة، حيث لم يكونوا مملكة بعد، ويحتوي السفر على عدة قصص متنوعة، أبطالها جدعون وشمشون وغيرهما، تحكي عن مغامرات ومناوشات ضد أعداء اليهود..

8- راعوث: يحكي قصة راعوث المؤابية، والتي اعتنقت اليهودية وصارت منتمية إلى إسرائيل، والتي سيأتي داود من سلالتها..

9- صموئيل أول، و10- صموئيل ثاني: يحكي عن رغبة الشعب في أن يكون له ملك، ويقوم النبي صموئيل بانتداب شاؤل لتلك المهمة، ليصبح أول ملك لإسرائيل، ولكن شاؤل يثبت عدم جدارته وينتقل المنصب إلى داود، الذي يهزم أعداء إسرائيل ويؤسس القدس..

11- ملوك أول، و12 - ملوك ثاني: يحكي عن موت داود واستخلاف سليمان، الذي يمثل ذروة المجد للمملكة، ثم بعد وفاة سليمان يحكم ابنه رحبعام، فتثور ضده عشرة من القبائل الإسرائيلية الإثني عشر، وينتج عن ذلك انقسام الدولة إلى مملكتين، إسرائيل الشمالية ويحكمها يربعام الذي سيروج للوثنية مرة أخرى، ويهوذا الجنوبية ويحكمها رحبعام ابن سليمان، ومن ثم يتوالى الملوك على المملكتين، بعضهم مخلص للرب وأكثرهم ليسوا كذلك، حتى يحدث التشتيت لأهل الدولتين تباعا..

13- أخبار أيام أول، و14- أخبار أيام ثاني: يتضمن إعادة سرد للتاريخ منذ البداية، فيحكي عن قصة آدم ثم الطوفان وصولا إلى مرحلة شاؤل وداود وسليمان، ويختم الجزء الأخير بدمار القدس وحدوث السبي، وفي الآيات الأخيرة يظهر الفرس على الساحة سامحين لليهود بالعودة وبناء الهيكل..

15- عزرا، و16- نحميا: يلهم الله الملك الفارسي قورش لأن ينتدب قائدا من الشعب الإسرائيلي لأداء ثلاث مهمات: بناء الهيكل الثاني (وهو ما سيشرف عليه زربابل، الحاكم الفارسي ليهوذا) وتطهير الشعب من العادات (خاصة الزواج المختلط، وهو ما سيقوم به عزرا الكاتب)، وبناء سور حول القدس (وهي مهمة نحميا)..

17- طوبيا: تجري أحداثه بعد ترحيل سنحريب الأشوري لسكان إسرائيل الشمالية بعد الغزو، ويحكي قصة طوبيا المخلص الذي رفض عبادة العجل الذهبي الذي وضع أساسها ملك إسرائيل يربعام، وكان حريصا على توفير دفن لائق للإسرائيليين ضحايا الغزو الأشوري..

18- يهوديت: تجري الأحداث أثناء حصار الأشوريين لليهود، ويدور حول الأرملة الجميلة والذكية، يهوديت، والتي تنقذ قومها من الحصار الأشوري عن طريق اكتساب ثقة القائد الأشوري ثم الدخول إلى خيمته وقتله، مما يؤدي إلى تفكك الحصار ونجاة المدينة..

19- إستير: يدور حول فتاة يهودية يعجب بها الملك الفارسي وتصير زوجة له، وبعد أن تنقذه- مع ابن عمها موردخاي- من مؤامرة لاغتياله، يعترف الملك بجميلهما ومن ثم يمنع وزيره الشرير هامان مما كان ينويه من قتل جميع اليهود بالإمبراطورية..

20- أيوب: يحكي عن الرجل الصالح الذي يصاب بأوبئة ومصائب ويفقد كل شيء، أبناءه وصحته وممتلكاته، ويجتهد في فهم ما حل به ودور الله في كل ذلك..

21- مزامير: هي مجموعة صلوات وتسابيح شعرية منسوبة تقليديا للنبي داود، تحتوي أدعية ومناجاة وتعبيرات عن المعاناة والأمل في تدخل الله..

22- أمثال: هي مجموعة حكم ومواعظ أخلاقية عن الله والإيمان والتقوى والأخلاق، منسوبة تقليديا لسليمان ابن داود..

23- جامعة: أيضا منسوب لسليمان، وهو خواطر لملك القدس يعبر فيها عن حكمته وخبراته ومعنى الحياة، بشكل فلسفي يبدو أقرب إلى العدمية والكآبة..

24- نشيد الإنشاد: هو سفر مميز في أنه لا يحتوي على تعاليم دينية أو أخلاقية أو حكم أو تشريعات، وإنما يحتوي غزلا بين حبيبين مشتاقين، مع محتوى جنسي واضح، وأيضا نسبه البعض لسليمان..

25- الحكمة: هو سفر موجه للحكام، ويتحدث عن العدالة والحكمة وقدرة الله، وهو كذلك منسوب لسليمان..

26: يشوع بن سيراخ: تعاليم ومواعظ ونصائح أخلاقية منسوبة لابن سيراخ (القرن الثاني ق.م)، عن جوانب متنوعة في الحياة، الآباء والأبناء والأزواج والزوجات والشباب والكبار والأصدقاء والغني والفقير..

27- إشعياء: منسوب تقليديا للنبي إشعياء بن آموص (القرن الثامن ق.م)، ويتناول بعض الأحداث والمعاناة المريرة التي مر بها الشعب على يد أعدائه، ويتنبأ السفر بقدوم العدل والخلاص الإلهي في النهاية، على يد مخلص منتظر ملكي (مسيح)، حيث ستصبح القدس مركز العالم وتأتي الشعوب إليها، ويجدد الله عهده مع الشعب مرة أخرى..

28 - إرميا: منسوب للنبي إرميا (القرن السابع والسادس ق.م)، ويدور في فترة صعود بابل وقيامها بغزو القدس، وبدء مرحلة السبي، ويتضمن السفر حديثا لإرميا عن نفسه ووحيه ورسالته، كما يتضمن أشعار وتنبؤات ومواعظ عن عهد الله مع الشعب..

29 - مراثي إرميا: مجموعة أشعار تتركز حول دمار مدينة القدس..

30- نبوة باروخ: باروخ ابن نيريا كان من رفاق النبي إرميا، حيث أرسله الأخير إلى بابل برسالة إلى اليهود المسببين هناك، ويحتوي السفر على حكم ومواعظ وتأملات في الدين والتاريخ اليهودي، وهو موجه إلى الإسرائيليين العائشين في الشتات..

31 - حزقيال: النبي حزقيال (القرن السادس ق.م) كان أحد المسبيين إلى بابل، ويحتوي السفر رؤيا جاء الله فيها إلى حزقيال، لينبئه بدمار القدس، ويبشره بأنها سوف تبنى من جديد، وسوف يتم جمع الشعب فيها ومباركته من جديد..

32- دانيال: هو سفر أخروي، منسوب تقليديا للنبي دانيال (الذي كان أيضا ضمن اليهود المسبيين)، ويحكي عن مجموعة أحلام (يراها نبوخذ نصر، ودانيال نفسه) ترمز إلى الممالك المتعاقبة التي تحارب بعضها البعض، وتنتهي الأحلام بنبوءة عن قدوم ملاك من السماء ليعلن انتهاء معاناة الشعب، وقرب الخلاص عن طريق مملكة الرب الآتية..

33- هوشع: يحكي قصة هوشع، وهو نبي من القرن الثامن، كان يتجول ليبشر في مملكة إسرائيل الشمالية، محذرا من عبادة الآلهة الوثنية وداعيا إلى عبادة يهوه وحده..

34- يوئيل: كتاب غامض لنبي غامض، يحكي عن كوارث وأسراب جراد وجفاف، ربما بشكل رمزي، وفي النهاية يحذر من غضب الرب ويبشر بقدوم العدل في النهاية وإعادة البركة للشعب..

35- عاموس: يحكي عن نبي آخر كان نشطا في المملكة الشمالية بالقرن الثامن ق.م، وتركزت دعوته حول التوحيد وقدرة الله والعدالة الإجتماعية..

36- عوبديا: هو نبي يفترض أنه عاش فترة السبي، ويدور السفر حول توقع هلاك مملكة إدوم، التي ساعدت البابليين على غزو ونهب القدس..

37- يونان: يحكي عن النبي يونان (القرن الثامن ق.م) الذي يأمره الله بالذهاب إلى مدينة نينوى بالعراق ليحذرهم ويأمرهم بالإمتناع عن شرورهم، ولكن يونان يحاول الهروب من تلك المهمة، فتأتي عاصفة على سفينته وينتهي به الأمر في بطن سمكة عملاقة لثلاثة أيام، ولكنه يتوب فينجيبه الله، ويعود لتحذير نينوى، فتنجو بدورها من عقاب الله..

38- ميخا: يحكي عن نبي من المملكة الجنوبية، القرن الثامن ق.م، وفيه يحذر ميخا الحكام الظالمين، ويدافع عن حقوق الفقراء والمظلومين، ويبشر بقدوم مملكة الرب تحت قيادة المخلص القادم..

39- ناحوم: نبي آخر من المملكة الجنوبية، القرن الثامن أو السابع ق.م، وفي السفر يتنبأ بدمار نينوى، عاصمة المملكة الأشورية القوية، بعد تحذير يونان السابق..

40- حبقوق: نبي من القدس أواخر القرن السابع ق.م، ويتضمن السفر جدالا بين الله وبين حبقوق حول حكمة الله ووحيه وعدله والمظالم التي وقعت على الشعب..

41- صفنيا: نبي من القدس في زمن يوشيا (600 ق.م)، ويدور السفر حول نبوءة خراب القدس، ثم مجيء يوم الرب ونزول العقوبات على الشعوب المعادية ليهوذا، وحلول العدل مع أنشودة احتفالية..

42- حجي: نبي عاش في زمن ما بعد السبي وإعادة بناء الهيكل (520 ق.م)، ويتضمن حثا للشعب على الإسراع ببناء الهيكل، مع نبوءات بهلاك الممالك المحيطة..

43- زكريا: نبي معاصر لحجي، في زمن الفرس، والسفر يركز على العودة من السبي، ويتضمن رؤى وتشجيع وتنبؤات مستقبلية متفاءلة عن قدوم المسيح وتحقيق مملكة الرب..

44- ملاخي: نبي من مرحلة ما بعد السبي، القرن الخامس ق.م، ويتضمن السفر خطابا صارما للشعب والكهنة، يسعى لتقويم سلوكياتهم، ويذكرهم بمحبة الله وعدالته..

45- مكابيين أول، و46- مكابيين ثاني: يدور حول جماعة المكابيين اليهود الذين قادوا بثورة على حكام سوريا السلوقيين في القرن الثاني ق.م..
----------------------------------------

ثانيا: الكتاب المقدس المسيحي..
أما الجزء الثاني من الكتاب المقدس، فهو العهد الجديد، والذي كتب بعد وفاة يسوع (حوالي 33 ب.م) على فترة تمتد من 50 إلى 100 ب.م، أو بعد ذلك بقليل..

يتكون الكتاب من 27 سفر،
منها 4 أناجيل،
وسفر أعمال الرسل،
و21 رسالة منها 14 لبولس و7 لرسل آخرين،
وأخيرا سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي..

أما الأناجيل الأربعة فهي : 1- إنجيل متى، و2- مرقس، و3- لوقا، و4- يوحنا، والتي تحكي سيرة يسوع المسيح : ولادته - تعميده - محاولة الشيطان إغواؤه - موعظة الجبل - تجلي المسيح - دخوله إلى القدس - العشاء الأخير - تعرض يسوع للخيانة، والقبض عليه، ومحاكمته، وإعدامه - قيامته وصعوه..

حسب النظرة التقليدية فمتى ويوحنا هما من التلاميذ، وأما لوقا فطبيب يوناني وربما كان مصاحبا لبولس، وأما مرقس فربما أيضا كان ممن تحولوا على يد بولس لاحقا.. أما عن الترتيب الزمني فمرقس هو الأقدم، والأخير هو يوحنا، وهو كذلك الأكثر اختلافا عن الثلاثة الآخرين..

5- سفر أعمال الرسل: يفترض البعض أن كاتبه هو لوقا، ويحكي عن كيفية انتشار الدعوة بعد وفاة يسوع ، فيبدأ بذكر ظهوراته بعد الموت للتلاميذ، حيث أمر تلاميذه بنشر كلمته إلى العالم، ويحكي عن معجزات للتلاميذ وعلاقاتهم ونشاطهم، ثم يذكر تحول بولس من العداء للمسيحيين إلى اعتناق المسيحية بعد ظهور يسوع له، ويكمل الحديث عن تأسيس الجماعة الدينية الأولى (الكنيسة) ونشر الإيمان بين اليهود وبين الأغيار..

ثم هناك 14 رسالة منسوبة للرسول بولس، واسمه الحقيقي شاول الطرطوسي، وهو مواطن روماني لكن بنفس الوقت من أصل يهودي ويبدو أنه دارس للكتاب المقدس، ولم يذكر أبدا أنه التقى بيسوع أو عرفه، ولاحقا حين ظهرت الحركة المسيحية اعتبرها حركة ضد اليهودية وحاربها واضطهد أتباعها بنفسه، ثم يحكى أنه ذات يوم كان بطريقه إلى دمشق فظهرت له رؤيا وشاهد نورا من السماء، فاعتبر أنه رأى المسيح، وتحولت حياته تماما، فصار من أتباع المسيحية وأنصارها، وتجول يبشر بأفكاره وتعاليمه، كاتبا تلك الرسائل التي صارت تشكل نصف أسفار العهد الجديد، وهي ترجع زمنيا إلى ما قبل الأناجيل كلها..

من 6 وحتى 19، الرسالة إلى أهل رومية - كورنثوس 1، كورنثوس 2 - غلاطية - افسس - فيلبي - كولوسي - تسالونيكي 1 و2 - تيموثاوس 1 و2 - فيلمون - عبرانيينن..
لا تكاد تحتوي الرسائل شيئا عن حياة يسوع أو أقواله، وإنما تحتوي على سرد شخصي عن بولس وحياته، مع شروحات للعقيدة الإيمانية التي تجعل الخلاص نابعا من تضحية يسوع بالصلب، مع انتقادات للتعاليم الأخرى المخالفة، ومواعظ عن الأخلاق والزواج والجماعة المسيحية (الكنيسة)..

ثم تأتي 7 رسائل أخرى لرسل آخرين:
20- رسالة يعقوب الأولى : منسوبة ليعقوب البار، والذي يقال أنه أخو يسوع المسيح، وتدين الرسالة عدة خطايا مثل الغرور والنفاق، وتشجع المؤمنين على العيش بتواضع وفقا لتعاليم الله، واللافت أنها لا تذكر موت يسوع أو قيامته أو ألوهيته..

21- رسالة بطرس الأول: بطرس هو أحد أهم تلاميذ يسوع، والرسالة موجهة إلى المسيحيين في عدة أماكن، والذين يتعرضون إلى الإضطهاد، تطالبهم بالصبر والتمسك بالإيمان..

22- رسالة بطرس الثانية: في المحتوى والأسلوب مختلفة عن الرسالة الأولى، وتحتوي تأكيدا على القيم المسيحية، وتحذيرا من التعليم المزيفة، وتتضمن إشارات واقتباسات كثيرة من الكتاب العبري (العهد القديم)..

23- رسالة يوحنا الأولى: تقليديا منسوبة إلى يوحنا التلميذ، وهو نفسه كاتب الإنجيل، وتركز الرسالة على مهاجمة جماعة آمنت بأن يسوع لم يأت بجسده وإنما في هيئة روح، وتشرح الرسالة كيف ينبغي معرفة المعلمين الحقيقيين وتمييزهم عن الزائفين..

24- رسالة يوحنا الثانية: الرسالة مكتوبة إلى سيدة ما، وفيها يحذر الكاتب من فتح البيوت أمام المعلمين الزائفين، وينصح بالأخلاق والصدق..

25- رسالة يوحنا الثالثة: رسالة قصيرة إلى شخص يدعى غايس، وتتحدث عن شخص آخر يدعى ديوتريفس يقوم بتبشيرات مضادة منافسة للكنيسة..

26- رسالة يهوذا: منسوبة ليهوذا والذي يحتمل أنه أخ آخر ليسوع، وتطالب الرسالة السامعين بأن يحافظوا على العقيدة، وتحذرهم من المرتدين، وتذكرهم بتدخلات الله كما وردت في الكتاب اليهودي..

27- سفر رؤيا يوحنا : تقليديا منسوب ليوحنا نفسه كاتب الإنجيل وكاتب الرسائل، ويتحدث عن رؤى غريبة تتعلق بالأحداث الأخروية ونهاية الزمان، وتتضمن كائنات مثل الحية والوحش وتنين بسبعة رؤوس، وفي النهاية تترقب عودة يسوع المسيح للمرة الثانية..

من الفصام اللغوي: المحصنات



تخيل أن لك صديقا عبقريا أنجب ثلاثة أبناء، وقرر أن يطلق عليهم جميعا نفس الإسم: طارق مثلا..

وبالتالي حين ينادي أحدهم: يا طارق، يجد الثلاثة يتخبطون للإستجابة، وقد يبادر أحدهم قائلا: لم أقصدك أنت يا طارق وإنما قصدت طارق، والآن من فضلك قل لطارق يرسل لي طارق..

ما رأيك في قرار الأب باختيار تلك التسمية؟ ليس أمرا ذكيا وعمليا بشكل خاص، أليس كذلك؟
------------------------

الإحصان: كلمة واحدة بعدة معاني: يرجع جذرها اللغوي إلى "المنع"، فالمحصنة بشكل عام هي غير المتاحة جنسيا، ومنه اشتقت المعاني الآخرى المختلفة :

1- فالإحصان هو العفة، فيقول القرآن عن مريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) التحريم 12.. ويقول للمؤمنين تزوجوا المحصنات، أي العفيفة التي لا تزني، سواء المسلمات أو من أهل الكتاب (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة 5..

2- والإحصان هو الحرية، بعكس العبودية، فهنا يقول للمؤمنين من لم يستطع أن يتزوج محصنة فليتزوج أمة (جارية) (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) النساء 25

3- والإحصان هو الزواج، فيقول للمؤمنين حرمت عليكم بعض النساء منهن المحصنة أي المتزوجة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) النساء 23-24
------------------------
والنتيجة أن هذا الكتاب يحتوي أمرا للمؤمنين أن يتزوجوا من المحصنات (المائدة 5) ثم ينهاهم أن يتزوجوا من المحصنات (النساء 24)، والمقصود في الآية الأولى هن العفيفات، بينما المقصود في الآية الثانية هن المتزوجات..!

هذا التداخل يخلق معاني عجيبة متناقضة، تكون فيها المحصنة غير محصنة، أوغير المحصنة محصنة، مثنى وثلاث ورباع :
1- فقد تكون المرأة محصنة (حرة) ومحصنة (متزوجة) ومحصنة (عفيفة)،
2- وقد تكون محصنة (حرة) ومحصنة (متزوجة) وغير محصنة (زانية)،
3- وقد تكون محصنة (حرة) وغير محصنة (عزباء) ومحصنة (عفيفة)،
4- وقد تكون محصنة (حرة) وغير محصنة (عزباء) وغير محصنة (زانية)،
5- وقد تكون غير محصنة (جارية) ومحصنة (متزوجة) ومحصنة (عفيفة)،
6- وقد تكون غير محصنة (جارية) ومحصنة (متزوجة) وغير محصنة (زانية)،
7- وقد تكون غير محصنة (جارية) وغير محصنة (عزباء) ومحصنة (عفيفة)،
8- وقد تكون غير محصنة (جارية) وغير محصنة (عزباء) وغير محصنة (زانية)،
------------------------

وجعك راسك من اللوغارتيمات الإلهية؟

لننهي بفقرة واحدة (آيتين) من سورة النساء، تحتوي على لفظ الإحصان 6 مرات، وتحتشد فيها كل تلك المعاني، ولنحاول فك طلاسمها:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ... وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ... فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) النساء 23-25..

التفسير، أو الترجمة :
أيها المؤمنون حُرّمت عليكم المحصنات (المتزوجات) من النساء،
وأحل لكم أن تتزوجوا ما عدا ذلك على أن تظلوا محصنين (ملتزمين بالعفة)،
أما من لم يستطع أن يتزوج المحصنات (الحرائر) فليتزوج جارية،
بشرط أن تكون تلك الجارية محصنة (عفيفة)،
أما لو صارت الجارية محصنة (متزوجة) ثم زنت فعليها نصف ما على المحصنة (الحرة) من العذاب..

أو لنحاول ترجمة الآية وفقا للتقسيمة المرقمة السابقة:
حرمت عليكم الفئات رقم 1 و2 و5 و6،
إن لم تستطيعوا أن تتزوجوا من الفئة 3 فعليكم بالزواج من الفئة 7
واحذروا أن يكن من الفئة رقم 8
فإذا أصبحن من الفئة 5 وانتقلت إلى الفئة 6، فعليهن نصف ما على الفئة 4 (أو 2) من العذاب..
------------------------
ختاما: نجد أن الآية الأخيرة مشوشة وأثارت بعض الجدل الطريف، فهي تقول أن الجارية المتزوجة زنت فعقوبتها تكون نصف عقوبة المحصنة..

ولكن أي محصنة يقصد؟ الحرة أم المتزوجة؟

لو كانت الأولى فالمقصود هو الجلد: 50 جلدة..

ولو كانت الثانية فحكمها (حسب السنّة) هو الرجم.. ولكن المشكلة أن الرجم ليس له نصف!

هذا جعل بعض "المجددين" يستشهدون بتلك الآية لإثبات أن الرجم دخيل على الإسلام،
فكأن الآية دليل على أن عقوبة الزانية المتزوجة هو مائة جلدة..

فيرد عليهم الأصوليون بأن الإحصان هنا يا جهلة لا يقصد به المتزوجة وإنما الحرة العزباء..

فمن المخطئ برأيكم: المجدد أم الأصولي، أم الأب العبقري الذي قرر تسمية ثلاثة من أبنائه بنفس الإسم؟

هل الدين مفيد؟



هل الدين ضروري أو مفيد، للفرد والمجتمع؟


يرى البعض أن الدين هو أمر مفيد للبشرية، حتى وإن لم يكن حقيقة إلهية..

هذا الرأي يتبناه كثير من المؤمنين، بالإضافة إلى بعض اللادينيين..


مجمل تلك الرؤية أن الدين، حتى لو كان منتجا أرضيا، إلا أنه منتج ضروري لا يمكن الإستغناء عنه، وذلك من وجهين رئيسيين:

الأول أن الدين يقدم دعما نفسيا وراحة للفرد، فيمنحه المعنى في الحياة والأمل في الخلود..

والثاني أن الدين يقدم رادعا أخلاقيا يمنع الإنسان من الشرور، مما يجعله صمام أمان مهم لتماسك المجتمعات..

ويرى أصحاب ذلك الرأي أنه بدون الدين يكون الفرد ضائعا، متروكا للإنتحار أو الجريمة، والمجتمعات متروكة للتفكك والإنهيار..
فهل هذا حقيقي؟


هذا ما نحاول مناقشته هنا في عدة نقاط..
-------------------------------------------

1- هل الدين له جوانب إيجابية؟ نعم..


يجب الإعتراف بأن بعض الناس يجد راحته النفسية في الدين، والذي يمنحه راعي أكبر مهمين وهو الله، كما يمنحه معنى مرضيا لحياته، إضافة إلى الأمل في حياة أخرى قادمة، ويزداد ذلك أهمية في أوقات الضعف والأزمات، حيث يكون الدين أحيانا مصدر قوة وطمأنينة ودافعا إيجابيا..

يجب الإعتراف أيضا أن البعض يعتمد في أخلاقه، ولو بشكل جزئي ظاهري، على المعنى والنصوص الدينية، والتي تحضه على التزام الصدق والأمانة والتراحم والتعاون..إلخ..

بعض اللادينيين يرفضون الإعتراف بذلك، على أساس أن هذا يمنح الدين "نقطة قوة"؛ ولكن يجب تذكر أن المسألة ليست حربا، وأنه حتى لو كان الدين خاطئا (ليس من إله) فهذا لا يعني بالضرورة أنه كله شر مطلق، لا يحتوي ذرة خير واحدة؛ وإلا فما سر تمسك الناس به عبر تلك القرون؟
-------------------------------------------

2- هل تلك الجوانب الإيجابية تعمل مع الجميع؟ لا..


على الجانب الآخر، يجب الإعتراف أن النقطة السابقة لا تنطبق على الجميع؛ فبعض الناس لا يجد أي راحة أو معنى في الكتب الدينية، أو حتى في القرب من لله..

كما أنه ليس كل إنسان يستطيع أن يعتمد في أخلاقه على الأديان ونصوصها..

بعض المؤمنين يرفضون الإعتراف بذلك، على أساس أن هذا يخصم من قوة الدين بصفته "حلا إلهيا شاملا"، ولكن من الواضح أنه ليس وصفة سحرية تعمل مع الجميع بنفس القدر..

والخلاصة أن الناس تختلف في طبائعها وتنشئتها وميولها؛ ويجب على الطرفين (مؤمنين أو لادينيين) أن يدركوا تلك الحقيقة البسيطة، وأن يتجنبوا تعميم حكما واحدا على الجميع..
-------------------------------------------

3- هل الدين يخلو من جوانب سلبية؟ لا..


البعض يركز على الجوانب الإيجابية في الدين، ليخلص إلى أنه مفيد وضروري للبشر؛ وقد اعترفنا بوجود تلك الجوانب، ولكن نظرة شاملة ترينا أن للمسألة عدة وجوه..

وسنتطرق إلى الجانبين المذكورين:
الراحة النفسية: حيث قلنا أن الدين بالفعل يقدم ذلك للبعض؛ ولكن على الجانب الآخر يمكن القول أن الدين يقدم عوامل حيرة وقلق وتوتر وحزن..


ثم الجانب الأخلاقي: وسنرى أن الأخلاق التي يقدمها الدين ليست دوما جيدة، وأن تأثيره على الفرد والمجتمع ليس دوما إيجابيا..

-------------------------------------------
4- بعض المخاوف والأحزان التي تقدمها الأديان..


أ - المراقب الأبدي: الله قد يكون عامل رعاية وأمان، وقد يكون أيضا عامل تخويف وبطش، ليس للأشرار والمجرمين فحسب، وإنما للعصاة أيضا؛ فها هو كائن يراقبك 24 ساعة، 7 أيام في الأسبوع، يرى جميع نقائصك وهفواتك، وهو (حسب النصوص الدينية) دوما غاضب مستعد لعقابك عند أقل خطأ، خاصة في مجالات حميمية مثل الجنس..

ب - جهنم: الدين (على الأقل الإبراهيمية) كما يعد المؤمنين بمكافأة أبدية، فإنه يعد المخالفين والعصاة بجحيم أبدي، يتمثل في عذاب ناري مخيف وبشع، يتضمن زيتا مغليا ومعادن مصهورة وسلاسل وطعام شوكي أو ظلام ودود وصرير أسنان..إلخ؛ وهذا كفيل بإلقاء الكثير من الهلع والرعب في قلوب المؤمنين، خاصة من الأطفال أو الخاطئين..

وحتى لو كنت أنت شخصا مؤمنا يمتلئ قلبه بالإطمئنان تجاه الله؛ فقد يكون لك قريب أو حبيب مات على غير دينك، أو مات في ظروف لا تناسب معتقدك الديني (على سبيل المثال: لي قريبة مؤمنة شديدة التدين مواظبة على الصلاة، توفى ابنها الشاب بسبب جرعة مخدرات زائدة، ولنا أن نتخيل حجم عذابها حين لا تدري ماذا سيفعل الله به)..


ج- احتقار النفس: الدين قد يكون عامل في الشعور بالفخر والمعنى، وقد يكون عاملا قويا في الشعور بالدناءة والوضاعة؛ وذلك يأتي من عدة طرق:
منها أن المبالغة في تمجيد الإله يجعلك تشعر بالضآلة أمامه، فكلما ازداد عظمة ازددت أنت - بالمقارنة - وضاعة..

فذلك السيد المهيمن يغرقك بالنعم التي لا يمكنك أداء شكرها، وهو يتوقع منك استقامة كاملة تعجز عن تحقيقها؛ والنتيجة أن الفارق الكبير بين ما هو متوقع منك كخليفة للإله أو ابنا له (بالمعنى المجازي)، وبين ما أنت قادر على تحقيقه في الواقع، قد يورث مشاعر قاسية من الندم والشعوب الذنب واحتقار النفس..

يزداد ذلك سوءا مع صعوبة الإلتزام الكامل ببعض التكليفات الدينية (مثل الإنتظام في الصلاة الإسلامية، أو التحرر الكامل من الشهوات في المسيحية، وغير ذلك)، كما يزداد مع التهديد المخيف السابق ذكره بالعذاب الأبدي لك، وربما لجميع من تحب..

وعلى سبيل المثال نجد أن الأديان تؤمن بأن الإله مطلق الخير، وبالتالي فهي تحاول تبرئته من جميع الشرور التي تحدث في الدنيا، ومن ثم فهي تنسب أكثر تلك الشرور إلى الفعل الإنساني، والنتيجة أن الإنسان يصير مسئولا عن أكثر المصائب في الدنيا، مما ينتج عنه نظرة شديدة السلبية إلى الإنسان، ذلك الكائن الخاطئ الشهواني الأناني (الذي ورث الخطيئة كما نرى في المسيحية تحديدا)..

ويتماشى احتقار النفس مع احتقار الدنيا، وتصويرها وكأنها مجرد "محطة" مؤقتة للحياة الحقيقية في الآخرة؛ هذا ينتج عنه مظاهر سلبية كثيرة، ويصل إلى ذورته مع استعداد الإنسان للتضحية بحياته (وربما حياة الآخرين) من أجل خدمة القضية الدينية المقدسة..

د - الشعور السلبي تجاه غير المؤمنين: يتناسى البعض أن الدين يقدم الخلاص (أو الجنة) حصرا للمؤمنين بدين معين من الأديان، والنتيجة حرمان أكثر البشرية من تلك النعمة (في القرآن أن أكثر الناس - ولو حرصت- فليسوا بمؤمنين، وفي الأناجيل أن الخلاص هو باب ضيق لا يمر منه إلا قليلون)؛ وينتج عن ذلك مزيجا غريبا من الشعور بالبغض، أو الشفقة الحزينة، تجاه الكفار، حيث سيقوم الإله (العادل) بتعذيب الآخرين فقط بسبب اختلافهم عنا في العقيدة؛ وفي الحالتين (الكره أو الشفقة) هي مشاعر قاسية تؤثر سلبا على صاحبها، وعلى علاقته بالآخرين من ذوي الأديان أو الطوائف المختلفة؛ ونرى ذلك في ساحات الجدال والخلاف الديني المختلفة..
-------------------------------------------

5- هل الدين يضمن الخير، ويمنع الشر، ويقدم أخلاقا جيدة؟
 

 في المجمل لا..
بالطبع هناك نصوص دينية عديدة تحض على قيم إيجابية، مثل الصدق والأمانة والفضيلة والتعاون والكرم..إلخ، كما كان للأديان بعض الدور في إنصاف بعض الفئات المستضعفة؛ كما يقال أن الدين يقدم رادعا قويا للأشرار والمجرمين، حيث يهددهم بعدالة إلهية قادمة لا محالة، حتى لو فشلت العدالة البشرية في القصاص منهم..

ونعقب بعدة نقاط :
أ- أي دين نعني؟ في الحقيقة لدينا عشرات وربما مئات الأديان والمذاهب والطوائف، وكلها تتعارض ويزعم كل منها أنه يقدم الحق الوحيد، كما يطعن كل منها في أخلاقيات الآخرين، فتجد المسيحي يعيب على المسلم تعاليمه الجنسية والحربية، وتجد المسلم يعيب على المسيحي شربه للخمر، وتجد السني يعيب على الشيعي زواج المتعة، وهكذا؛ فأول ما يلاحظ في الأديان أنها لا تقدم نموذجا واحدا للعقيدة أو الأخلاق، والمؤمن لا يذكر كلمة "دين" إلا وهو يتحدث مع اللادينيين أو العلمانيين، ولكنه في العادة يقصد دينه فقط..


ب - عن الدين كمرجع أخلاقي؛ هذا يطرح سؤال: هل نحن (كبشر) قادرون على تقييم الصواب والخطأ من خلال العقل والتجربة؟

فإن كان الجواب بنعم، فما حاجتنا إلى المعيار الديني؟

وإن كان الجواب بلا، أي أننا عاجزون عن تقييم الخير والشر بمفردنا، ففي تلك الحالة كيف نحكم أن الدين يقدم أخلاقا جيدة؟

في كل الأحوال لا يبدو أننا بحاجة إلى مرجعية خارج العقل والحواس والتجربة..


ج- هل الأخلاق مصدرها داخلي (الضمير) أم خارجي (الأوامر والترهيب)؟ وهل يمكن الوصول إلى أخلاق مثلى عن طريق الأمر والنهي؟ أم أن ذلك كفيل بأن يجعل الإنسان، في أفضل الأحوال، بمثابة آلة مطيعة تنفذ أوامر سيدها؟
د - هل ارتكاب الخير انتظارا لجزاء، أو تجنب الشر خوفا من عقاب، يعتبر أخلاقا حقيقية؟ في تلك الحالة فاللص الذي يتجنب السرقة فقط خوفا من الشرطي هو إنسان عظيم يستحق التحية!، وفي تلك الحالة يكون الكلب المطيع لسيده، خوفا من عصاه، هو كائن أخلاقي جدا!
هـ - حين يكون الإله هو مصدر الخير، فإن هذا كفيل بمحو الجانب الإنساني؛ فإن كنا سنلتزم بالخير فقط بسبب أوامر الإله، ألا يعني ذلك استعدادنا لارتكاب الشرور حين نعتقد أنها من أوامر الإله أيضا؟ هذا الحال لا ينطبق فقط على جندي الحروب الصليبية الذي يعتقد أنه يدافع عن دين مقدس، أو على الداعشي الذي يفجر نفسه وهو يعتقد أنه يقوم بخير مطلق، وإنما ينطبق أيضا على شيخ كبير أمسك سكينا وكاد يذبح ابنه، لأنه هكذا أمره الإله، ثم صار ذلك الفعل الإجرامي خيرا، بل صار نموذجا يحتذى عند اليهودي والمسيحي والمسلم..

لهذا يقال أن الأخلاق مضادة للدين؛ فالأخلاق هي أن تفعل الصواب بغض النظر عما يأمروك به، وأما الدين فهو أن تفعل ما يأمروك به بغض النظر عن الصواب..

و - والخلاصة أن الأخلاق الدينية يمكن تسميتها "أخلاق عبيد" فهي لا تقوم على الفهم، أو الحكم الإنساني، أو الضمير الشخصي، أو التعاطف العفوي، أو الإيثار المتجرد الذي لا ينتظر جزاءا، وإنما هي تقوم على الأمر والطاعة العمياء، والطمع والخوف..

قد يقول قائل أن الدين يقدم حوافز راقية للأخلاق، وأما الطمع والخوف بالجنة والنار فهو لأصحاب النفوس الضعيفة معدومي الضمير، والذين يجب ردعهم بالعصا؛ ولكن هذا القول مردود عليه بأن الدين يقدم أعظم الأنبياء والشخصيات الدينية خاضعين للخوف والرهبة من الله، مما لا يجعله أمرا استثنائيا للمجرمين وإنما هو الأصل في الدين..

والأهم من ذلك أن تأكيد الدين على تلك الثنائية (الطمع والخوف) وجعلها هي الأصل، يساهم في تراجع العوامل الأخرى الأرقى (الضمير والتعاطف) حيث يحول الإنسان إلى ماكينة سباق تسعى فقط لطاعة الإله (أو النبي، أو النص المقدس، أو الشيخ) بشكل أعمى، بغرض الفوز في السباق الأخروي ونيل الجنة أو الملكوت..

ز - وأما لو جئنا لمسألة "الردع" الديني، بالجحيم، فسنجد أنه ردع قد ينجح في تعذيب ضمائر المؤمنين الطيبين أصلا، ولكنه غالبا يفشل في كبح جماح شرور المجرمين؛ ويرجع ذلك لعاملين رئيسيين: الأول أن العقاب الديني "مؤجل" فهو يأتي بعد الموت، وبالنسبة لشاب ينوي ارتكاب الشرور فالموت يبدو بعيدا للغاية، ويمكن مقارنة ذلك بنظام شرطي وقضائي يتركك ترتكب ما تشاء، لكنه يتوعدك بأن يعاقبك بعد خمسين سنة، وهو ولا شك تهديد ضعيف بالنسبة لأكثر الناس الذين ينظرون تحت أقدامهم..

وهذا يتصل بالعامل الثاني، وهو أن العقاب الديني قابل للمحو بكل سهولة، عن طريق التوبة والإستغفار، ويمكن مقارنة ذلك بنظام قضائي يترك القاتل حرا طليقا إن وعدهم بعدم تكرار فعلته، ثم إن كررها فالقاضي غفور رحيم مرة أخرى، وهكذا، مما يضعف من تأثير الرادع المزعوم، خاصة إذا تذكرنا طول مدة "السماح" في الدنيا..

والنتيجة أن الرادع الديني يمكن التغلب عليه بكل سهولة، بالنسبة لإنسان ضعيف الضمير..


ح - إضافة لما سبق، فإن تلك الأخلاق الدينية تحتوي مظالم ونقائص أخرى خطيرة، وهي أنها تأتي بعد الإيمان الديني؛ فكما ذكرنا الأديان تمنح الجنة - لا للأحسن أخلاقا - وإنما للمؤمنين بالدين الفلاني والعلاني؛ فلو كنت تمارس القتل والزنا والسرقة فذنوبك مغفورة ومصيرك إلى الجنة والملكوت، طالما أنت على ديننا (الوحيد الصحيح)، وأما لو كنت أحسن الناس أخلاقا وأكثرهم علما وأنفعهم للبشرية، لكنك كنت على دين آخر، فمصيرك الجحيم الأبدي بلا رحمة..

هذا يشبه نظاما قضائيا يحاكم الناس ليس طبقا لأفعالهم، وإنما طبقا لصلتهم الخاصة بالقاضي، فلو كنت قاتلا سارقا لكنك تمنح بعض المال وبعض المديح للقاضي، فسيتم الإفراج عنك وربما تربح وساما رفيعا، وأما لو لم ترتكب أي جريمة وعشت مستقيما، لكنك تتجاهل القاضي ولم تمنحه الإهتمام الذي يستحقه، فمصيرك أسوأ العقوبات؛ والنتيجة فوضى وظلم ولا شك..


وهذا ما نراه: أن المؤمن عادة لا يعبأ بالأخلاق بقدر ما يعبأ بصحة العقيدة والإيمان، وما يتبع ذلك من طقوس؛ فلو ارتكبت جميع الذنوب فتظل أفضل عند الله من زميلك المستقيم القادم من عقيدة مختلفة؛ وأما أنت فيمكنك أن تغش وتسرق، ثم تمنح بعض المال للكنيسة أو تزور السعودية لتطوف حول حجر، حتى تغفر جميع ذنوبك..

ط - والأخطر من ذلك، ومما يتصل به، أن الأخلاق الدينية الطيبة عادة تنصب - حصريا - على أهل الإيمان؛ فالمسلم من سلم "المسلمون" من لسانه ويده، ومن "غشنا" فليس منا..إلخ، وأما الآخرون فلهم الحرب والبراء والبغض والتضييق في الطرقات والجزية، أو في أخف الأحوال يجب الحذر منهم وعدم موالاتهم؛ وفي المسيحية نصوص تؤكد أنه لا يجوز الدخول مع غير المؤمنين "تحت نير واحد"، وهو ما جعل الكنائس تحرم الزواج مع أهل الملل المختلفة؛ وأما في اليهودية فلا حاجة لنسرد العنصرية البشعة التي يلقيها التلمود على غير اليهود وكيف يجب معاملتهم..

والخلاصة أن الأخلاق الدينية تأتي بعد الإيمان وهو الأهم، ثم أن الإيمان قد يغني عنها، والأهم أنها تكون أخلاقا حصرية لأهل الدين فقط، مع وجود معاملة خاصة، قد لا تكون سيئة بالضرورة، وإنما على الأقل يشوبها الحذر والتحفظ، تجاه أهل الأديان الأخرى..

-------------------------------------------
6- بعض الشرور التي تقدمها الأديان..

قلنا أن الأديان قد لا تنجح في صنع خير كثير، كما قد لا تنجح في ردع شر كثير؛ ولكن يضاف إلى كل ذلك أن الأديان أحيانا تأمر بالشر، وبعضها شرور لم يكن الإنسان ليرتكبها بلا أديان..

أ- من ذلك أن كراهية المخالفين من أهل الأديان الأخرى (الكفار) يمكن أن يؤدي، وبالفعل أدى، إلى حدوث حروب دينية خارجية أو إلى حروب أهلية داخلية، وقد رأينا ذلك في ما لا يحصى من الأمثلة، منها الفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية وفي حروب الكاثوليك والبروتستانت بأوروبا خاصة القرن 17، وفي أيرلندا حديثا، وغيره ؛ وفي أخف الأحوال يمكن لتلك الكراهية أن تسبب احتقانات وتشاحنات داخل المجتمع الواحد..

فهل من الممكن أن تصلح العلاقة بين شخصين، يعتقد كلا منهما أن خالق الكون (العادل جدا) يكره الآخر، أو حتى أنه أضله عمدا؟

وقد يقول قائل أن الحروب المسماة دينية لها أسباب أخرى، مثل الأطماع السياسية، وأن الأديان لم تكن سوى ستارا يخفي الأغراض الحقيقية لتلك الحروب؛ ولكن إن صح ذلك الطرح، ألا يثبت أن الدين هو أداة ملائمة جدا لتبرير الحروب، بحيث أن كل صاحب طمع يجدها في متناولة، ويستخدمها بشكل فعال جدا لحشد الكراهية وحث الشباب على التضحية بحياتهم؟

ب - وفي أحوال عديدة يقترن تدين الدولة مع ميلها لقمع المعارضين واضطهاد المخالفين، ليس فقط على المستوى السياسي (وهو أمر طبيعي لدى جميع الدكتاتوريات) ولكن أيضا على المستوى الفكري والعقائدي، بما يشمله ذلك من هدم دور العبادة والمدارس وحرق الكتب..إلخ، وهو ما فعلته المسيحية مثلا تجاه الأديان الوثنية خاصة في القرن الخامس..

ج - بشكل عام الأديان - كونها تنتمي إلى ثقافات قديمة، وغالبا بدوية - فهي بطبيعتها تحتقر المرأة وتهمش من دورها، ولا تساوي بينها وبين الرجل في الإنسانية أو القيمة، والنصوص الدينية تمتلئ بأحكام ظالمة منحازة ضد النساء عموما..

د - الأديان - غالبا- قامت بمعاداة العلم والعلماء والفلاسفة وكل صاحب فكر حر؛ فبطبيعتها تميل إلى المحافظة والنظام السياسي والإجتماعي القائم على وحدة العقيدة؛ وبالتالي تعتبر كل فكرة جديدة خطر يجب مواجهته، ليس بالمنطق والحجة طبعا، وإنما بالبطش والقمع والحرق في أحيان كثيرة، كما فعلت أوروبا الكاثوليكية (وأحيانا البروتستانتية) بالقرون الوسطى..

هـ - في أحيان كثيرة قامت الأديان بمعاداة الفنون، كما فعل الإسلام حين حرم الرسم والتماثيل والموسيقى؛ والتي يتم ربطها بالوثنية والشيطنة؛ ومن يدرك أهمية الفنون في تهذيب النفوس، بل وأثرها الهام في تنشئة أطفال أذكياء، كما تدل العديد من الأبحاث النفسية الموثقة، يدرك مدى خطورة تهميش الفن أو تحريمه، وتأثير ذلك سلبا على مستقبل -وأخلاق- الأمم..

و - الدين يقوم على الإيمان بالغيب، وبالتالي فهو يفتح الباب للإيمان بطوفان من الغيبيات، مثل السحر وتلبس الجن أو الأرواح الشريرة؛ مما يمثل مجالا خصبا لنمو الجهل والخرافة، كما يمثل أرضية خصبة لتضخم الدجالين والمشعوذين، كما نرى في جميع المجتمعات المتدينة..

ز - وبالإضافة للضرر المباشر لانتشار الخرافات في مجتمع من المجتمعات، إلا أن هناك ضررا غير مباشر لكنه خطير، ألا وهو إهمال العلوم؛ ففي مجتمع يؤمن بأن السحر يسبب الأمراض هو مجتمع لن يأخذ المريض إلى طبيب، وإنما إلى دجال أو مشعوذ؛ كما أن ذلك المجتمع سيفقد عقله ويميل إلى أن يكون مغيبا، ولن يأخذ بأسباب العلوم في أي من المجالات..

ح - كل ذلك يعني أن التدين يعوق تقدم المجتمع على المستوى العلمي والإنساني؛ وتاريخيا نجد أن الأديان تحالفت دائما مع السلطة، وساهمت في تكريس أوضاع كثيرة ظالمة، فكان للمسيحية والإسلام دور في استمرار العبودية، كما كان للهندوسية دور في تكريس النظام الطبقي البشع الذي ساد في الهند..

(مع ملاحظة أن كل ما مضى لا يعني التعميم؛ بل يمكننا إيجاد مجتمعات اتسمت بالتدين وكان بها علماء وفلاسفة، بل وعبر تاريخ البشرية كان هناك أخلاقيين وعلماء وفلاسفة مؤمنين بالإله، وربما بالأديان؛ ولكن كلامنا هنا على سبيل الترجيح والتغليب؛ فلا شك أن هناك علاقة إحصائية بين انتشار التدين في مجتمع ما، وبين غياب التفكير العلمي والتنويري من ذلك المجتمع، كما لا شك أن المجتمعات التي تتحرر من سلطة الدين على الحكم وعلى العقول تتقدم أكثر من غيرها؛ بالتالي إن كنا لا نقول أن الأديان كلها شر، فيمكننا القول بثقة أن الأديان تجاوزها العصر)..

ط - الأديان تمتلئ بأحكام مخالفة ورجعية، لكل ما اصطلحنا على تسميته بأخلاق؛ من ذلك ظلمها ضد المخالفين عقائديا كما ذكرنا، وضد النساء، وضد العبيد، وضد التفكير الحر عموما، ومن ذلك احتواءها على أحكام همجية لم تعد تصلح لعصرنا (إن سلمنا بأنها كانت تصلح لعصرها) مثل الرجم والجلد وبتر الأعضاء، ومثل إصرارها على التدخل في تفاصيل حياة الناس بشكل عملي، ومثل تركيزها على التوافه في حالات كثيرة، فتخبرنا ماذا نلبس وماذا نأكل وكيف ندخل إلى دورات المياه، وكأن البشر هم أطفال يجب قيادتهم تفصيلا في كل صغيرة وكبيرة، أو كأنهم أوغاد أشرار بطبعهم يجب تخويفهم بشكل دائم..

ي - ولو أخذنا الإسلام على سبيل المثال، وهو الدين الغالب في مجتمعاتنا، والذي يرى أتباعه أنها ستنهار إن اختفى الدين أو تراجع أثره، نجد أن ذلك الإسلام يحتوي أحكاما ظالمة مثل الجهاد (وهو غزو غير شرعي بمقاييسنا اليوم)، ومثل الغنيمة والفيء وفرض الجزية وغيرها من استباحة أموال الناس، ومثل العبودية والسبي (وتجارة البشر لحسن الحظ صارت ممنوعة دوليا، وإن ظلت تمارس في بعض الأماكن)، ومثل زواج الأطفال وهو جريمة في كل الأعراف اليوم، ومثل ظلم النساء في مسائل مثل الميراث والشهادة والدية والتعدد..إلخ، ومثل ظلم "الكفار\أهل الكتاب" في مواضع عديدة، حيث أن الفقه عموما لا يساوي بين المسلم والذمي، إلى غير ذلك من المظالم المخالفة لقيم الإنسانية الحديثة..

-------------------------------------------
7- البديل اللاديني..

أ- إذن، فهل غياب الدين يسبب فراغا نفسيا للمرء؟

ربما نعم، وربما لا، (تذكيرا بنقطة 2) وذلك على حسب تكوينك وتنشئتك؛ ويمكن هنا اللجوء إلى التشبيه الشهير للدين بأنه كالأفيون، أو المخدر؛ حيث نعلم أن احتياج الشخص للمخدر يختلف باختلاف طباعه، فهناك ما يسمى "الشخصية الإدمانية"، كما يختلف باختلاف اعتياده على ذلك المخدر، فالذي يتناول الأفيون قد يرى أن ذلك المنتج هو معنى حياته وسر الوجود، وهو السعادة التي لا سعادة دونها؛ ولكن نعرف أن الأمر يختلف مع الشخص "الطبيعي" الذي لم يدمن، فهو لا يهتم بوجود المخدر من عدمه، ولا يعني له الكثير؛ وكذلك الحال مع الدين، هو مهم ومريح فقط لمن اعتاده منذ الطفولة، فردا أو جماعة..

ب- فهل هناك بديل؟ حتما..
نعلم أن الدين يقدم الخلود ويقدم اليقين ويقدم الراحة النفسية ويقدم إجابات جاهزة لكل سؤال؛ هذا الوضع ينتج أطفال العقول، يطلبون السعادة والراحة في كل شيء..

ولا بديل عن ذلك إلا النضج؛ وتعريف النضج بكلمتين هو "قبول الواقع"، أو لنقل رؤية الأمور في حجمها، والتكيف مع ما لا يمكن تغييره من الواقع..

ربما لا نمتلك الكمال، ولكن بإمكاننا أن نستمتع بالناقص..


ربما لا نمتلك الخلود واليقين والأجوبة الجاهزة المعلبة، والساذجة؛ ولكن بإمكاننا تعلم الإستمتاع بالحياة الناقصة، التي تكمن روعتها في كونها محدودة، وبالمعرفة الناقصة، التي تزداد باستمرار..

كما يمكننا أن نجد عزاءا وسعادة في كثير من الأمور، العلوم والفلسفة والموسيقى والتأمل الذهني..إلخ، وعلى سبيل المثال فالفلسفة الرواقية، وإلى حد ما البوذية، تقدم أفكارا جميلة تمكن الإنسان من التأقلم مع صعوبات الحياة، بشكل واقعي لا وهمي، متواضع لا مغرور..

تلك البدائل ممكنة، ويمارسها الكثير من البشر، ولا يرفضها إلا إنسان اعتاد على وهم الكمال، فلم يعد يقبل بالواقع؛ مثل المدمن الذي يرفض أي بديل لمخدره الأثير..

وأما بالنسبة للبعض الآخر، فسعادة ناقصة واقعية، مع حيرة وشك وتعلم مستمر، تظل أفضل من اليقين والراحة الكاملة، لأن المتع في عمر النضوج تظل أكثر عمقا من سعادة الأطفال الساذجة، والتي لا يمكن لمن بلغ الرشد الرجوع لها على أية حال..


ب - إذن، فهل غياب الدين يهدم الدنيا؟

لا؛ وإضافة لكل التنظير السابق عن فشل الدين كرادع من جهة، وإسهامه في إفساد الكثير من جوانب الأخلاق من جهة أخرى، فالأهم هو الواقع الذي يخبرنا أن هناك الكثير من الأمم التي تخلت عن حكم الدين، مثل الدول الغربية، أو التي لم يكن الدين (بمعناه الإبراهيمي) يحتل حيزا ذو شأن في حياتهم، مثل اليابان والصين، ونجد أن تلك الأمم بخير من الناحية الأخلاقية، إذا ما قورنت بالشعوب الأكثر تدينا..

وحين نرى الإحصائيات، نجد أن قائمة "أقل الدول تدينا" تشمل السويد والنرويج واليابان وهولندا وهونغ كونغ..إلخ، كما نجد أن "أكثر الدول تدينا" تشمل ملاوي والنيغر واليمن والصومال وأفغانستان..إلخ، وأكثرها دول تسجل معدلات منخفضة ليس فقط على المستوى العلمي والإقتصادي والسياسي، وإنما على المستوى الإنساني والأخلاقي، وفي مقياس السلم الإجتماعي؛ ومن هنا يصعب القول أن الدين يحفظ المجتمعات، أو يحرض على مكارم الأخلاق..

على سبيل المثال، بينما نجد بعض الدول الإسلامية تتحمس في القطع والجلد للعصاة، والسجن لأصحاب الرأي، وتعلن الحرب على المذاهب المارقة، نجد أن دولا مثل السويد أو هولندا تغلق سجونها تباعا، نظرا لانخفاض عدد المجرمين؛ وهذا لا يعود لرفاهة تلك الدول فحسب، وإنما لحسن معالجتها للخارجين على القانون، بأشكال لم يكن يحلم بها أنبياء الأديان وفقهاؤها..

وعلى مستوى أكثر تحديدا، تخبرنا الإحصائيات (في الولايات المتحدة مثلا) أن نسبة الملحدين بين السجناء قليلة، بالقياس إلى عددهم في المجتمع الأمريكي..
كما تخبرنا إحصائيات أخرى أن الأطفال الذين نشأوا في أسر لادينية يكونون أكثر كرما..

ولا يرجع ذلك إلى أن الدين - بالضرورة وبشكل مباشر - يحض على الأخلاق السيئة؛ وإنما لأنه بشكل غير مباشر يجعل الإنسان يستمد أخلاقه من مرجعية خارجية متمثلة في نص مقدس، فيطغى على دور العقل والحس والضمير الداخلي، ويمنع نموها بشكل سليم، ثم أن التدين يقدم الإيمان على الأخلاق، فيجعل المعتقد والطقوس سبيلا للتحلل من المسئوليات الأخلاقية، خاصة مع الإيمان بإله غفور رحيم لطائفتنا، ثم أن ذلك الإله غضوب منتقم من الطوائف الأخرى، الأمر الذي يقسم البشر إلى مؤمنين طيبين وكفار أشرار، وينعكس على التعامل مع الآخرين على كافة المستويات..

أما بعد؛ فالأديان تاريخيا امتازت بأنها احتكرت كل جوانب الحياة البشرية، فيوما ما كان الدين يحتكر تفسير الوجود، والحياة، ووجود الإنسان على الأرض، كما كان يحتكر إدارة الحكم والإقتصاد، وأحوال الزواج والطلاق والإنجاب وتنشئة الأطفال، وكان الكهنة يمنعون الكتب والتعليم عن سائر الشعب، تاركين إياه في أمية تسهل لهم السيطرة على مقاليده؛ ثم رويدا تحرر الناس وبدأ فصل الدين عن نواحي الحياة، فظهرت العلوم الطبيعية والإنسانية، الفلسفة والفيزياء والكيمياء والسياسية والإجتماع والإقتصاد، تبحث الأمور وتفسرها بعيدا عن سلطة رجال الدين؛ فصرنا نفسر الكون بالمعايير الفيزيائية بعد أن كنا نلجأ إلى الأنبياء، وصرنا نفسر الأمراض طبيا بالرجوع إلى علوم الفايروسات ووظائف الأعضاء والجينات، بعد أن كنا نلجأ إلى الكاهن والشيخ..إلخ..

واليوم يحاول رجال الدين التمسك بالأرضيات القليلة التي بقيت ملكا لهم، لم تقتطعها منهم العلوم العلمانية؛ وربما آن الأوان كي نحرر الأخلاق أيضا من سلطان الدين وأهله..
وكما يقال: إن كان في الدين ما يخالف العقل، فيجب رفضه..

وإن كان في الدين ما يوافق العقل، فقد عرفناه بالعقل، وبالتالي لم تعد لنا حاجة لأن نستلهمه من نصوص كتبها رجال لم يكونوا يعرفون أن الأرض كروية..

الرسالة الخاتمة



رحلة داخل عقل الله وهو يكتب رسالته الأخيرة إلى البشرية..

لنبدأ التأليف، دعوني أفكر قليلا.. آها وجدت بداية ممتازة جدا :
1- (حاء ميم عين قاف ألف لام نون، تلك آيات الكتاب العظيم)

الآن لنستهل ببعض المواعظ والحكم والوعد والوعيد :
2- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، من يعمل الخيرات يذهب إلى الجنة، ومن يعمل الشرور يذهب إلى النار، هذه فيها فاكهة ونساء، والثانية فيها سلاسل وزقوم)

ثم لندخل مباشرة إلى سيرة أحب نبي عندي :
3- (هل أتاك حديث موسى؟ حيث تحدى فرعون وقام بمعجزات مبهرة مثل تحويل العصا إلى ثعبان)

شعرت برغبة مفاجئة في أن أوصي المؤمنين بشعيرة هامة جدا:
4- (يا أيها الذين آمنوا كونوا حريصين على أداء العمرة والحج، وارموا الجمرات بكل دقة)

أوك يمكننا الآن أن نرجع إلى قصة موسى مرة أخرى:
5- (وإذ قال موسى لقومه أطيعوا الله يؤتكم أجرا عظيما، وإذ انتصر موسى على السحرة وهم ينظرون)

لحظة، ما بال أتباع محمد يتكاسلون عن الجهاد؟! دعني أحذرهم قليلا:
6- (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الكفار ولا تتكاسلوا فتصبحوا من المنافقين)

محمد وصله خبر أن قبيلة الجعالطة والبراشطة يتآمرون ضده، لننزل فيهم آية :
7- (يا أيها الذين آمنوا احذروا من قوم يتآمرون ضدكم)

حسن، هناك تطورات جرت، لقد تاب الجعالطة وبايعوا محمدا، وأما البراشطة فاستمروا في عنادهم، هذا يستلزم تعديلا:
8- (إلا القوم الآخرين الذين سالموكم، فهؤلاء فاتركوهم بسلام، وأما القوم الذين تآمروا ضدكم فاسحقوهم وكذلك جزاء الكافرين)

الآن صارت الأمور واضحة.. اللعنة، هناك بعض الصحابة يسترقون النظر من نافذة محمد ويتطلعون إلى نسائه!، هذا يستلزم آية سريعة:
9- (لا تنظروا إلى نافذة النبي فيحولكم الله إلى خنازير كما فعل بالذين من قبلكم، قد يعلم الله الذين ينظرون منكم ويعلم المهذبين، والله عزيز عليم، أو ربما عليم حكيم)..

والآن لننتقل إلى قصة هود:
10- (واذكروا هودا إذ قال لقومه اتقوا الله، فعصوه واستكبروا، فنزلت عليهم الصواعق وجعلتهم مثل الهريس، والله منتقم جبار غفور رحيم)..

محمد يبدو محتارا، ابن خالته يسأله إن كان الأفضل أن يطلق زوجته أو يحتفظ بها، لننهي حيرته بآية سريعة:
11 - (يا أيها الذين آمنوا لا تطلقوا زوجاتكم إلا أن يكون هناك سبب لذلك)..

تبا، لقد فهموا أنني قمت بمنع الطلاق مثل النصارى، لننسخ تلك الآية اللعينة في الآية التالية:
12- (الآن خفف الله عنكم فطلقوهم إذا شئتم ولكن لا تسرفوا والله رقيب مقيت حسيب دقيق)

تساورني رغبة فجائية في أن أسرد أسماء بعض الأنبياء بلا سبب محدد:
13- (واذكر في الكتاب إبراهيم وذو الكفل واسماعيل وشعيب وموسى وهارون.. ومن أيضا؟.. وعيسى ويحيى وزكريا..إلخ، وكلهم كانوا قوم ممتازين حقا)

صار لي فترة لم أتحدث عن موسى، دعني أتذكر مشهدا آخر من قصته:
14- (وإذ تلقى موسى الألواح وعبد قومه العجل فأنزلنا عليهم الهلاك، أولئك الملاعين الأوغاد)

طالت السورة أكثر من اللازم، الآن لألعن اليهود والنصارى بلا مناسبة:
15- (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا مثل اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم قاتلهم الله أنى يؤفكون)

ثم لنختم ببعض المواعظ والتذكير بالآخرة..
16- (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ، من يعمل الخيرات يذهب إلى الجنة، ومن يعمل الشرور يذهب إلى النار - أشعر أنني سمعت هذه العبارة من قبل؟)

برمجة الديكة





أحيانا أعتقد أن ظهور الملحدين العرب على الساحة أزعج الإخوة المسلمين، ليس لأن الملاحدة الملاعين يهاجمون الإسلام العظيم، فالإخوة النصارى يفعلون ذلك منذ عقود (في ردة فعل محمودة طال انتظارها)..

ولكن السبب الحقيقي هو أن ظهور الملحد المزعج صنع تشويشا في البرمجة العقلية التي أشرف عليها المشايخ لأتباعهم عبر تلك العقود، حيث حشوا أدمغتهم بأفكار محفوظة مكررة، ليردوا بها على شبهات النصارى بشبهات أخرى مضادة، بداية من نشيد الإنشاد مرورا بتحريف الأناجيل وصولا إلى غموض الثالوث وفضائح الكهنة..

ولكن المشكلة أن الملحد ليس لدين كتاب مقدس يمكن الزعم بتحريفه، ولا معبود يمكن الطعن في ألوهيته، ولا كهنة يمكن تتبع عوراتهم.. تبا له!

هذا النقص كان كفيلا بأن تضيء جميع المصابيح الحمراء المثبتة على أدمغة المؤمنين المتحمسين، مع رنين مزعج يشير إلى أن شيئا ما ليس على ما يرام..

والحق أن بعض المشايخ استوعبوا المتغيرات الجديدة، وبدأوا فورا عمليات إعادة البرمجة، فدخلت مصطلحات جديدة عن التطور والإنفجار الكبير، مصحوبة باعترافات ليلية لكولين ويلسون وأنتوني فلو ومايكل بيهي..

ولكن رغم جهود المشايخ، يظل المسلم العادي أحيانا يصاب بالخلط والتشويش، بسبب تداخل البرمجة القديمة مع التحديثات الجديدة، فترى المسلم مثلا يسأل الملحدين عمن يكون إلهكم؟ أو من أين تستمدون شريعتكم؟ أو يستحضربعض مشاهير الملحدين ويبحث عن فضائحهم، على أساس أن الملحد العربي ترك الإسلام لأنه منبهر بدوكنز وهيتشنز، وليس- طبعا- لأن الإسلام نفسه دين يستحق الترك..