الجمعة، 1 مارس 2019

عن الحرية الجنسية



فكرة تجريم أي نوع من العلاقات الجنسية قانونا، ألا تبدو بالمطلق فكرة سخيفة وغبية؟
ال
سواء كانت العلاقة "أخلاقية" أم "غير أخلاقية"، فإن تدخل الدولة في ما يفعله الناس بغرف نومهم، واهتمامها بتقويم سلوكهم الجنسي، يبدو لي أمرا غريبا وغير عملي..

الإستثناء الواضح هو الإعتداءات، مثل التحرش والإغتصاب، حيث تتوفر أركان الجريمة ويكون هناك ضحية ومعتدي يجدر إيقافه، فلا يمكن التهاون مع الأمر..

أما العلاقات بالتراضي، مهما كنا نراها خاطئة ومقرفة أو مشينة، مثل العلاقات المثلية، أو الخيانة الزوجية، أو حتى علاقات المحارم.. لا أفهم لماذا يفترض أن الدولة تتدخل أو حتى كيف يمكن أن تثبت..

بعضنا يسخر من شرط إثبات الزنا بالشريعة الإسلامية، عن وجوب تواجد أربعة شهود يرون العملية الجنسية بالتفصيل، وإلا تسقط التهمة - وهو بالفعل شرط مضحك لا أظنه ممكن التطبيق في أي ظرف واقعي..

ولكن هل أحد لديه بديلا أفضلا لإثبات علاقة جنسية محرمة؟

على سبيل المثال في المسيحية يحدث التطليق لعلة الزنا، أي يتم الطلاق لو قام أحد الزوجين بخيانة الآخر، ويظل السؤال: كيف يمكن إثبات ذلك؟ مثلا هل وجود تواصل بين الشخصين أو وجود رسائل على هاتفيهما أو حتى تواجدهما في شقة واحدة يعتبر إثباتا يقينيا على حدوث العلاقة؟ وهل "الشبهات" تكفي للحكم على علاقة زوجية وتشويه سمعة بشر؟

ربما لدينا استثناءا مهما قابل للإثبات، وهو الحمل الذي يمكن رؤيته وفحصه لاحقا لمعرفة الأب.. وفي حالة العلاقات المثلية أيضا يبدو أنه توجد لفحص حدوثها من عدمه.. وأما الحالات الأكثر انتشارا فغير قابلة للإثبات..

وهذا ينقلنا إلى السؤال الأعم والأهم: هل من دور الدولة والشرطة والقانون أن تستغل أموال دافعي الضرائب في تقصي ماذا يفعل الناس في غرف نومهم، وأين يضعون أعضائهم الحميمية؟

وهل أنا كمواطن يعيش بدولة، أهتم بشئوني ومصالحي، يفترض أن يهمني قيام ذكر بمعاشرة ذكر آخر، أو قيام امرأة بخيانة زوجها، أو حتى قيام أخ وأخت بالوقوع في العلاقة المحرمة، بل وقيام رجل بمعاشرة كلبه؟

إن تضمنت تلك العلاقات إجراما أو عنفا، فسيهمني أن أحمي أسرتي من المجرم وبالتالي سيسسعدني أن أساهم بضرائبي لكي تقوم الدولة بهذا الدور..

ولكن لو لم يوجد إجرام، ولو أن تلك العلاقة - المشينة والمقرفة والمحرمة وقل ما تشاء - لم تمس حياتي من قريب أو بعيد، فما الذي يهمني لكي أتحمس لتقوم الدولة- مثلا- بعقد محاكمات وتكلف مراقبة لأناس يفعلون ما يفعلون في غرف نومهم؟

الحفاظ على الدين؟ الشرف والفضيلة؟ قداسة الحياة الزوجية؟ الحفاظ على ناموس الطبيعة؟.. شعارات..

أو ربما يهمني الحفاظ على تماسك المجتمع، على أساس أننا سمعنا يوما عن مجتمع انهار بسبب التجاوزات الجنسية؟

هذا لا يعني أن العلاقات الجنسية لا تهم، أو أن كل شيء مباح ولا ضرر فيه، فبالطبع العلاقات الجنسية مهمة وهي جزء محوري من نسيج أي مجتمع، ولكنه يعني أن بعض المسائل الإجتماعية يمكن أن يديرها الناس أنفسهم، بدون حاجة إلى قوانين تحرم وشرطة تراقب وقضاء يسجن، فلو حدثت علاقة ما سيترتب عليها ضرر للمحيط الصغير المسمى الأسرة، فهو واجب الأسرة نفسها أن تحل المشكلة بالنقاشات والضغط وحتى المقاطعات الإجتماعية، في حدود القانون طبعا..

لو ابنك مثلي تفاهم معه أو قاطعه، لو زوجتك تخونك طلقها أو سامحها، أنت حر، ولو جارك يمارس سلوكا في منزله لا يعجبك فانصحه أو توقف عن حشر أنفسك في حياة البشر.. هذه كلها مشاكلك الشخصية ولا يصح استدعاء القوانين والشرطة لإصلاحها..

وأما أن يتم حشد الشرطة واستنفار القضاء وعقد محاكمات وسن قوانين من أجل ما يفعل الناس في غرف نومهم، فهو بنظري إهدار وقت وجهد ومال بلا طائل وبشكل غير عملي ولا يفيد..

على الأرجح ستجد نفسك مختلفا بشدة مع ما يقال..

ربما المشكلة أن أكثرنا ما يزال يخلط بين القانون والأخلاق، ولا يفصل بين دور الدولة ودور الأب والأم داخل الأسرة، حيث يعتقد أن كل ما هو غير أخلاقي يجب منعه بقانون، ويتصور أن دور الدولة هو تربية الناس وتنشئتهم على الحق والفضيلة وكأنهم أطفال يجب تقويمهم، ولكن في المجتمعات الحديثة هذا غير صحيح بالمرة، فدور الدولة هو حماية حقوق الناس وتنظيم أمورهم العامة، وليس تربيتهم..

في الماضي كانت التدخلات لها ما يبررها، إن كنا نعيش في مجتمع صغير منغلق إلى درجة أن كل فعل أقوم به يؤثر على الآخرين، وفي عالم لا توجد فيه وسائل تنظيم نسل أو منع حمل، في تلك الحالة فإن العلاقة الجنسية الخاطئة قد تسبب مشكلة للقبيلة بأسرها.. وذلك ناهيك عن رغبة الحكام في الهيمنة أكثر على حياة الناس عن طريق اختراق خصوصياتهم بإسم الدين - بدعم الكهنة طبعا- وبإسم الفضيلة والمصلحة العامة..

وهناك عامل آخر مايزال يحكم عقول البعض، وهو أن الفساد الأخلاقي يستجلب غضب الرب، وهو رب لا يؤمن بالفردية وإنما يعاقبا الأكثرية بذنوب الأقلية، وبالتالي فلا غرابة أن تجد مواطنا يبدو عليه النضج يعتقد أن قيام امرأة بخيانة زوجها هو سبب الغلاء والأزمة الإقتصادية.. في تلك الأجواء ليس هناك تصرفات شخصية!

هذه أفكار تنتمي للماضي؛ وأما عصرنا فهو عصر الفردية والعقلانية والحرية والعلمانية، وبالنهاية الأخلاق تختلف من إنسان لآخر، والدولة كيان إداري، والقوانين تهتم بتنظيم التعاملات والحقوق فقط، وليس بالحفاظ على العفة والأخلاق وإبقاء ناموس الطبيعة (أيا كان ذلك) في مكانه..

فحين ترى شيئا مشينا أو مقرفا أو لا يبدو لك طبيعيا أو ربما يجرح مشاعرك الداعشية المرهفة، فهذا ليس سببا كافيا لتقوم الدولة بمنعه من أجلك.. بل في تلك الحالة هو دورك أنت وحقك الطبيعي (كفرد في المجتمع) أن تحاول الترويج لقيمك وأفكارك ، مع تذكر بأنها بالنهاية تظل تلزمك وحدك، أنت ومن يقتنع بها معك، ومع تذكر بأن الطرف المخالف أيضا سيكون من حقه الترويج لقيمه وأفكاره..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق