الاثنين، 1 أبريل 2019

أنبياء وملوك



هل تم صياغة سير الأنبياء المحليين على ملوك الشعوب الأخرى؟


الأنبياء المذكورون بالكتب المقدسة غالبا لا يذكرهم التاريخ، أو إن كان لهم ذكر فيكون مجرد سطور قليلة وغامضة.. ولكن على الجانب الآخر هناك شخصيات تاريخية واضحة، ملوك وعظماء، تتشابه سيرهم بشكل مدهش مع سير الأنبياء الإبراهيميين، مما قد يعتبر تفسيرا تاريخيا لما حدث، وقد يعني أن كتبة السير المقدسة اخترعوا - أو أعادوا صياغة- قصص أنبياءهم مستلهمين أحداثا ووقائع تخص ملوك الأمم الأخرى..


هي مجرد اجتهادات أو تخمينات، وربما لا تستند إلى وقائع يقينية، ولكن أعتقد أنها نظرية تستحق البحث..

1- من آدم إلى نوح..
الباحث العراقي خزعل الماجدي له كتاب بعنوان "أنبياء سومريون: كيف تحوّل عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين".. وكما يتضح من العنوان، فقد فحص الكاتب أسماء عشرة من أنبياء التوراة (آدم ، شيث ، إنوش، قينان ، مهلالئيل ، يارد ، أخنوخ (إدريس ) ، متوشالح ، لامك ، نوح) وقارن بينهم وبين قوائم ملوك سومر ببلاد الرافدين، ليخلص إلى أن كتبة التوراة قاموا باستلهام أسماء أولئك الملوك وحولوها إلى قصص لأنبياء البشرية القدامى..


 2- إبراهيم ونبونيد..
نبونيد هو آخر ملوك بابل (القرن السادس ق.م)، وجذر اسمه من "نبو" أي الحكمة، والتي صارت لاحقا "النبوة".. وتحكي قصته أنه ابتعد عن عبادة إله بابل الأكبر مردوخ، ومال إلى ديانة أمه الحرانية حيث عبادة إله القمر سين، حتى أنه هاجر من العراق إلى صحراء الجزيرة العربية واستوطن واحة تيماء حيث بنى معبدا لإلهه، وظل هناك نحو عشر سنوات..


وفي التوراة نقرأ أن إبراهيم هاجر من العراق إلى فلسطين، ولكنه (بدون سبب واضح) مر بحران أيضا، مما قد يعكس تتبعا جغرافيا لنبونيد، كما تم تسجيل رحلته إلى الصحراء والمرتبطة بمورد ماء، ويحكي لنا القرآن أن إبراهيم بنى الكعبة في وادي بالصحراء، كما يحكي أنه في مرحلة ما عبد الشمس والقمر وكوكب، قبل أن يتركها ويهجر قومه إلى عبادة الإله الواحد، مما يتوازى مع نقش شهير يصور نبونيد في بابل واقفا يتعبد أمام ثلاثي: شمس وقمر وكوكب الزهرة..

 3- يعقوب ويعقوب حار..
هناك ربط محتمل بين الهكسوس والعبرانيين، فبينما لا نجد أي دليل تاريخي على قصص دخول اليهود مصر زمن يوسف أو إقامتهم فيها أربعمائة سنة أو خروجهم منها زمن موسى، إلا أننا نجد أدلة متوازية على تواجد الهكسوس وخروجهم في نفس تلك الفترة تقريبا، كما أن الهكسوس استوطنوا نفس المنطقة التي خصصتها التوراة لليهود (شرق دلتا النيل)، وأخيرا يحتمل أن الهكسوس بعد ما خرجوا من مصر استقروا في فلسطين، مما يضع احتمالا جيدا أننا نتحدث عن نفس الشعب، ربما مع اختلاف المسميات..


يعقوب حار هو أحد ملوك الهكسوس، وقد وجد اسمه على خرطوش موجود بالمتحف البريطاني، ولا يعرف الكثير عن حياته.. وليس هناك سبب قوي لربطه بالنبي العبراني إلا تشابه الإسم وتطابق الفترة الزمنية.. فلو صحت تلك النظرية فيحتمل أن ملوك الهكسوس كان منهم أيضا يوسف..


4- موسى وأحموس..
أحموس هو الفرعون المصري الذي طرد الهكسوس وأسس الأسرة الثامنة عشر (القرن 16 ق.م)، واسمه مكون من مقطعين أه- موس، أي ابن آه، وهو إله قمر مصري.. ونلاحظ أن موسى يحمل اسم الإبن أو الوليد باللغة المصرية.. وقد ربط فرويد بين جماعة موسى وبين بعض الموحدين المصريين..


لو صح ذلك التشابه فيكون كتبة التوراة قلبوا الأوضاع وجعلوا التواجد في مصر استعبادا، كما جعلوا الملك الذي طردهم مخلصا إسرائيليا، ولتبرير نشأته في القصر استعانوا بفصل من قصة سرجون الأكادي لتفسير تلك النقلة.. أما لماذا قلبوا الوضع بهذا الشكل فلعلهم كانوا متأثرين بأجواء العداء لمصر، ولاحقا السبي البابلي، التي كانت تحدث في زمن كتابة التوراة بالقرن السابع والسادس ق.م..

 5- موسى وسرجون الأكادي
سرجون هو حاكم عراقي قديم (القرن 23 ق.م) وتقول أسطورته أن أمه حملت به وولدته سرا، ثم أنها وضعته في سلة وأغلقتها وتركته في مياه نهر الفرات الذي حمله إلى أحد الملوك حيث تربى بقصره، وهناك أسبغت عليه عشتار محبتها، ولم تمر سنوات حتى صار بدوره ملكا..


ومن السهل رؤية التشابه بين تلك القصة وبين حياة النبي والزعيم الإسرائيلي موسى..

 6- سليمان وشلمنصر الثالث..
شلمنصر هو ملك أشوري من القرن 9 ق.م، كان له نفوذ واسع وكان ملك إسرائيل أحد الذين يدفعون له الجزية.. جذر الإسم هو "شلمونو ينتصر" حيث شلمونو أو شلمان هو أحد الآلهة الرافدية، ونلاحظ تشابه الإسم مع سليمان..


لكن التشابه الأهم هو أن شلمنصر اشتهر بالبناء وكان له قصر عظيم، ونلاحظ أن وصف بناء المعبد اليهودي بالكتاب المقدس يحمل ملامح أشورية واضحة..

 7- محمد وهرقل
هرقل هو الملك البيزنطي الذي حارب الفرس في أثناء حياة محمد، وبدأت في زمنه الغزوات الإسلامية.. ونجد هناك توازيات لافتة بينه وبين حياة محمد كما نقلتها السيرة، حيث أن هرقل تولى الحكم عام 610، وهو نفس عام بعثة محمد بالنبوة، كما أنه تعرض إلى حرب وهزيمة في نفس فترة اضطهاد قريش لمحمد، ثم في 622 ترك مدينته وبدأ حملاته العسكرية المضادة، وهو نفس عام الهجرة وبدء سيرة محمد الحربية، ثم في 624 حقق انتصارا كبيرا على الفرس، وهو نفس عام بدر، وفي 627 تعرضت عاصمته القسطنطينية إلى حصار خطير، وهو نفس عام حصار يثرب وغزوة الأحزاب، وأخيرا في عام 630 دخل منتصرا إلى القدس، وهو نفس عام فتح مكة، وسبق ذلك مذابح أقامها هرقل ضد اليهود، بالتزامن مع غزوات محمد خاصة خيبر..

الفصام الإصلاحي




السيناريو الذي يؤمن به المسلم القرآني، الترقيعي، الإصلاحي، صاحب التفسيرات الحداثية التي تعيد تفسير الإسلام الحقيقي:

- بسم الله: المسلمون الأوائل الرائعون حفظوا القرآن بكل أمانة حتى وصلنا المصحف الحالي بدقة حرفية..

- المسلمون الأوائل الأوغاد حرفوا تماما أسباب النزول حتى اخترعوا قصص لم تحدث..

- المسلمون الأوائل الأوغاد زوروا جميع التفاسير حتى اخترعوا معاني لا علاقة لها بما قصده الله..

- المسلمون الأوائل الأوغاد لفقوا سيرة محمد وأحاديثه، فحشروا فيها قصص تجعله يقتل ويسرق ويغتصب..

- المسلمون الأوائل الرائعون لم يحرفوا معاجم اللغة، بل كتبوا معاني الكلمات بدقة لغوية مبهرة..

وبالتالي فلكي نفهم الإسلام بشكل صحيح، كل ما علينا هو أن نأخذ القرآن (المحفوظ) ونترك التفاسير (المحرفة) ونتجاهل السيرة (المحرفة) وننبذ الأحاديث (المحرفة) ونستعين بمعاجم اللغة (المحفوظة) وها قد صار لدينا دين رائع حقا..

هكذا يرى الإصلاحيون أنه بإمكانهم فهم القرآن بمعزل عن التراث (المزور)..

ولكي تقيم هذا الإدعاء، حاول أن تتخيل شخصا يابانيا من القرن الحادي والعشرين، لم يسمع بحياته عن محمد والإسلام ومكة والكعبة، ولم يقرأ حرفا من التراث والسيرة والأحاديث والفقه، أخذناه من يده فعلمناه قواعد ومفردات اللغة العربية، ثم أعطيناه مصحفا وقلنا له اقرأ باسم ربك.. وإذا بصاحبنا يفتح المصحف ليقرأ - لأول مرة بحياته- عن إيلاف قريش وأبي لهب وعزير وإليسع وذي الكفل وليس عليكم حرج أن تأكلوا من بيوتكم وأوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام وما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام وعن عرفات والمشعر الحرام وبكة ومكة والوادي غير ذي الزرع والبيت العتيق والهدي والقلائد والحج والعمرة وثمانية أزواج من الضأن والبقر والغنم وعن بني إسرائيل وحطة والمن والسلوى وموسى وفرعون والقمل والضفادع وما ملكت أيمانكم والذين يبايعونك تحت الشجرة والعاديات ضبحا والموريات قدحا والقارعة والحاقة وأمه هاوية نار حامية...إلخ.

ناهيك طبعا عن لغة الجن المتمثلة في كهيعص وعسق وطسم وألمص، تلك آيات الكتاب المبين جدا..

والآن تخيل أن ذلك الشخص سيفهم شيئا..

وبعد أن تفرغ من التخيل، ارجع إلى المسلمين الأوائل أصحاب التراث العفن، الذين كتبوا السيرة والأحاديث والفقه، واشكرهم أنهم صنعوا لك دينا، أو لنقل أنقذوا دينك من الضياع، بعد أن مات المؤسس وقال أكملت لكم دينكم، بينما نسي أن يجمع مصحفه أو يوصيهم بطريقة اختيار خليفته، فبدأوا قتالا أهليا لم يتوقف إلى اليوم..

وتخشى الناس



يحق للمسلم أن يحاول تبرير قصة محمد وزينب وأن لا يشعر بالحرج منها،
ولكن المؤكد أن محمدا نفسه شعر بالحرج منها، حتى خشي الناس وكلامهم في حقه..


(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ) الأحزاب 37..

ومن تفسير القرطبي لسورة الأحزاب نجد عدة مواقف تستدعي الحرج لأي شخص يستحي أو يخجل، لأنها أحداث تليق بفيلم بورنو، لا بسيرة نبي أو أب أو إنسان..

أنقل:
(زوّج النبيّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد فمكثت عنده حيناً، ثم إنه عليه السلام أتى زيداً يوماً يطلبه، فأبصر زينب قائمة، كانت بيضاء جميلة جسيمة من أتمّ نساء قريش، فهوِيَها وقال: "سبحان الله مقلّبِ القلوب"! فسمعت زينب بالتسبيحة فذكرتها لزيد، ففطِن زيد فقال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها).


(وقيل: إن الله بعث ريحاً فرفعت الستر وزينب مُتَفَضِّلة في منزلها، فرأى زينب فوقعت في نفسه، ووقع في نفس زينب أنها وقعت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما جاء يطلب زيداً، فجاء زيد فأخبرته بذلك، فوقع في نفس زيد أن يطلقها").

(ولما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن، ولا تجديد عقد ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطاً في حقوقنا ومشروعاً لنا.

وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، التي لا يشاركه فيها أحد بإجماع من المسلمين).


ونلاحظ أن جميع تلك المواقف المخجلة تم نسبتها لخالق الكون، فهو الذي أمر بتزويج زينب من زيد، وربما هو الذي وضع الكراهية بينهما، وهو الذي ألقى محبة زينب في قلب محمد حين رآها متعرية، بل وهو الذي أرسل الريح لترفع الستر وتعري الزوجة، فهو الذي قلّب قلب نبيه، وأخيرا هو الذي زوجها لمحمد..

ومن مجمع الزوائد للهيثمي نقرأ زينب تحكي كيف دخل عليها محمد (فلما انقضت عدتي ، لم أعلم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد دخل علي وأنا مكشوفة الشعر ، فقلت : إنه أمر من السماء ، فقلت : يا رسول الله ، بلا خطبة ولا شهادة ؟ فقال : " الله المزوج ، وجبريل الشاهد).

وفي صحيح البخاري ومسلم نقرأ حديثا لمحمد يحذر فيه الرجال من الدخول على زوجات أقربائهم، ويركز تركيزا شديدا على أب الزوج، فيقول (عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)..

بالطبع، فرسول الله هو أخبر الناس بالفتن التي تنتج عن دخول الأب على زوجة ابنه في غيابه..

لماذا محمد لم يدع الألوهية؟





يسأل بعضهم: إن كان محمد كذابا طامعا كما تقولون، فلماذا لم يدع الألوهية لنفسه؟
-----------------
1- ولكن لماذا يفعل ذلك؟ ما هي الفوائد التي حرمتها منه النبوة، وكانت الألوهية ستوفرها له؟

الرجل حصل على كل شيء يتمناه زعيم قبيلة في ذاك الزمن، سلطة ومال وجنس..
وكان يتحدث بإسم الإله، ويحصل على الطاعة من أتباعه كاملة..
-----------------
2- من قال أن الناس كانت ستقبل منه دعوة الألوهية؟ وهل صدقوا نبوته بسهولة حتى يفترض هو أنهم سيصدقوا ألوهيته؟

هو كان يتحرك في محيط معين، وكان يخاطب قوما يؤمنون بأن الإله عالي مختفي في السماء، حتى أنهم كانوا يتواصلون معه عن طريق وسطاء شفعاء..

فلم يكن معتادا أو مقبولا لديهم أن الإله ينزل للتحدث مع البشر.. حتى أنهم (عرب قريش) رفضوا المسيحية وكانوا أكثر احتراما لليهودية..

أما المسيحيون العرب فكانوا يؤمنون بتجسد إله وحيد هو يسوع، جاء فصلب ليخلص البشر، فلم يكن لديهم مكان لنزول آخر للإله..

إن كان ادعاء النبوة له صعوبات ومتطلبات، فهل يوجد شك أن ادعاء الألوهية أكثر صعوبة؟
-----------------
3- أليس من الواضح أن النبوة موقف أفضل من الألوهية، في حالة الخطأ أو التقصير أو الشهوات؟

فحين ادعى محمد النبوة طالبه خصومه بأن يأتيهم بآية، ففشل في ذلك، وكانت الحجة دائما أن الله لم يأذن بعد..

وحين تعرض إلى الإستهزاء والإهانة في حالات عديدة، فكيف كان يمكن تبرير ذلك في ظل الألوهية؟

هذا دين ينفي ألوهية يسوع، بحجة أنه يأكل الطعام وأنه ضرب وأهين ومات.. فهل كان يمكن لمحمد أن يدعي الألوهية وهو يتعرض لنفس الأمور؟

وفي غزوة أحد حين حوصر محمد وتعرض لإصابة ووقع مغشيا عليه، بأي منطق كان سيمكنه ادعاء الألوهية هنا؟

وفي كثرة زيجاته، واشتهاءه طفلة، واشتهاءه زوجة ابنه بالتبني، وفي موت أولاده الذكور.. هي أمور لا تليق بالإله..

وفي عدم علمه بالغيب، وفي تراجعه عن كثير من وعوده..

في كثير من تلك الأمور،لم يكن من المعقول نسبتها للإله..

ولكن كان من الممكن أن يتم تفسيرها بأنها من قبيل التدبير الإلهي، فالله هو الذي منع المعجزات عن محمد، وذلك بسبب تكذيب الأولين بها..

والله هو الذي سمح بهزيمة نبيه، على سبيل العقاب، لأن المؤمنين عصوا الأوامر وطمعوا في الغنيمة..

والله هو الذي زوج محمد بجميع نسائه واحدة واحدة، عن طريق جبريل، وهنا لا يكون لمحمد أي ذنب في المسألة..

حتى نقرأ في أحد التفاسير (القرطبي) أن الله هو من أرسل رياحا تزيح الستر عن زينب وهي متعرية، حتى يراها محمد ويقع في حبها، وهي زوجة ابنه بالتبني..

والله هو من بدل أحكامه نسخا، في حالات عديدة..

والله هو الذي جعل نبيه يرى حلما كاذبا، حين شاهد جيش قريش قليل العدد، بينما تمخضت الظروف عن مواجهة جيش كبير العدد، وكان التبرير أن الله فعل ذلك ليحرض المؤمنين على القتال (سورة الأنفال)..
-----------------
هل باتت الأمور واضحة الآن؟

محمد كان يدرك أن قبول نبوته مسألة صعبة جدا، ولكن المؤكد أن قبول الألوهية شبه مستحيل في قومه..

وهو لم يكن سيستفيد من الألوهية، بأكثر مما استفاد من النبوة..

بل العكس هو الصحيح: إن النبوة أفادته أكثر من الألوهية، خاصة في حالات الوقوع في الخطأ أو الشهوة أو التقصير، ففي كل الحالات كان المخرج عن طريق التحجج بالإله، والذي - بالطبع- لم يكن موجودا بين القوم ليؤكد أو ينفي ما قاله محمد بإسمه..

عن الإزعاج العلمي



يبدو أن الطريقة الصحيحة لظهور الإعجازات العلمية في القرآن - كما تعلمنا الصفحات والمواقع الإسلامية - هي أن يجتمع العلماء ليس لإيجاد إعجاز بالقرآن، نو، وإنما لإيجاد خطأ في القرآن..

حيث غالبا تبدأ القصة "اجتمع علماء الغرب ليجدوا خطأ واحد في القرآن.." ثم تحدث المفاجأة وتظهر الإعجازات ويمر اليهود ويجهشون بالبكاء ويسلمون..


هذه الصورة تجبرني على تخيل كبار علماء أمريكا وأوروبا وربما روسيا والصين واستراليا يجتمعون في قبو مغلق تحت الأرض يكمن تحت روما أو حتى إسرائيل، فيجلسون حول مائدة كبيرة، وفوق رؤوسهم شعار الماسونية الغامض البرجل وحرف الجي، وتحته صليب مسيحي، ونجمة داود سداسية يهودية، ونجمة الشيطان الخماسية، وصليب آخر معقوف نازي، ومطرقة ومنجل شيوعيين،
وفي الخلفية يتردد نشيد المؤامرة بصوت مؤثر يقول:
شيوعون، جذرا من يهود - صليبيون، في لؤم الذئاب،
تفرق شملهم إلا علينا - فصرنا كالفريسة للكلاب..


ثم يقوم رئيس المجلس بإحضار مصحفا كبيرا، ويبدأ في تلاوة أول آية بعربية ركيكة: يا أيوها اللذينا آمنو أوفو بالعوقود أحلت لكوم باهيمت الأنعام إلا ما يوتلا عليكم غير موحلي الصيد وأنتم حوروم.."


ويرفع رأسه إلى الحضور سائلا: هل يجد أحدهم خطأ في تلك الآية؟
فيرد أحد علماء المايكروبيولوجي الكنديين : لا أرى خطأ محدد هنا، الآية تبدو لي متسقة منطقيا وعلميا..


ويعلق أحد جراحي المخ والأعصاب النرويجيين : على العكس، فإن الآية تبدو لي معجزة بلاغيا..


فيضيف أحد علماء الذكاء الصناعي الأمريكيين من أصل ياباني: بل إنها تحتوي معارف علمية مبهرة لم نصل إليها بعد..

وهنا يتنحنح أحد علماء ناسا في حرج، ويسأل رئيس الجلسة: هل يمكنني الإنصراف باكرا اليوم؟ لدينا مشروع إطلاق مكوك فضائي خطير اقترب وقته، وأنا مدير المشروع..


فيقطب بوجهه رئيس المجلس، الذي يبدو مخيفا وشعار الماسونية كامن فوق رأسه مباشرة، ويسأل العالم: يا أخ جونسون، هل تعتقد أن مشروعكم أهم من إيجاد خطأ واحد بالقرآن؟!

فيرتبك جونسون: لم أقل هذا سيدي وإنما..

فيكمل الرئيس بصرامة : قل لي، هل جئنا اليوم لنتآمر على الإسلام الذي نعلم بداخلنا أنه دين الحق، أم جئنا لنلعب؟!

فيغمغم جونسون مطرقا رأسه للأسفل: بل لنتآمر على دين الحق سيدي، تقبل اعتذاري..


فيختم الرئيس: إذن لنكمل مؤامرتنا كما ينبغي..


ويرفع رأسه إلى الحضور مكملا: والآن لنتلو بعض الآيات من سورة الماعون، فقد سمعت أن بها خطأ لغوي، وأتمنى من قلبي أن لا نجد بها مزيدا من الإعجازات العلمية المبهرة كما يحدث في كل مرة، فيفضح الله كيد مؤامرتنا ونصبح أضحوكة عند الصفحات الإسلامية..

رب البدو



- هل تنكر وجود الله؟

- نعم، أنكر وجود شيخ قبيلة بدوي خفي جبار منتقم نرجسي يعشق اليهود ويكره النساء ويحكم العالم جالسا على عرش فوق السماء الممتدة كسقف خيمة فوق الأرض المسطحة معلقة فيها مصابيح منيرة تعمل كقذائف تمنع الشياطين من التجسس..

الأخلاق نسبية أم مطلقة؟



من يومين حضرت محاضرتين بإحدى الكنائس البروتستانتية، حول "مشاكل العهد القديم" وكان التركيز على الحروب والمجازر البشعة التي وقعت آنذاك، للكباروالأطفال وحتى الحيوانات، وكانت أبرز نقاط "رد الشبهة" أن تلك الحروب يمكن تبريرها أخلاقيا لأنها كانت وليدة ظروف معينة..


وأكثر من مرة أقرأ منشورات، بعضها كتبه لادينيين، يدافعون عن بعض سلوكيات نبي الإسلام، قائلين مثلا بأنه لا يمكن لومه لأنه تزوج طفلة، حيث أنها كانت عادة الناس في ذلك الزمان..

إذن خلاصة الفكرة -التي تتكرر في دفاعات المؤمنين عن تجاوزات أخلاقية في نصوصهم المقدسة - خلاصة الفكرة أن الأخلاق متغيرة، وأنه لا يصح إسقاط قيم عصرنا الحاضر على ظروف الماضي..
فهل هذا طرح منطقي؟


هل الأخلاق مطلقة أم نسبية؟ ثابتة أم متغيرة حسب الزمان والظروف؟ وهل يصح أن نأخذ معايير أخلاقية لزمن ما، ونطبقها على زمن آخر؟
سنناقش تلك الأسئلة في بضعة نقاط:
-------------------------


1- المشكلة مع مفهوم الأخلاق المطلقة..

يرى البعض أن الأخلاق ثابتة لا تتغير، على سبيل المثال فالقتل هو أمر خاطئ مهما كانت الظروف..

المشكلة في ذلك التصور أن هناك حالات معينة تجعل ما اعتبرناه غير أخلاقي يتحول إلى فعل مقبول.. مثلا:
- في حالة أن صادفت لصا حاول الهجوم الإعتداء على منزلي، وكنت مضطرا للدفاع عن نفسي وعن أسرتي، فقمت بقتل المعتدي..

- بشكل جماعي، دخلت البلد في حرب (عادلة)، فلابد أن تتضمن قتلا للاعداء..

- هناك مجرم قتل عددا من الناس، فحكمنا عليه بالإعدام - القتل - من باب القصاص..

- في معضلة القطار الشهيرة، حيث يضطر الإنسان إلى قتل شخص واحد، لينقذ عددا من الناس..

لو سألت أكثر الناس "هل أنت ضد القتل؟" فسيجيبون بنعم، ولكن على الأقل فإن بعض الناس سيؤيد القتل في بعض تلك المواقف المذكورة.. أي أن الحكم العام قد تغير مع تغير الظرف ووجود بعض الأحداث الطارئة..
وأكثرنا يمكنه التفكير في ظروف يصبح فيها الكذب مفيدا أو مقبولا: مثل جندي وقع في أسر الأعداء ويطالبوه بكشف أسرار بلده، فهل هنا لا يحق له الكذب لخداعهم؟


لدينا عامل آخر هو تغير الزمن وتبدل العادات والتقاليد: فمثلا زواج أبناء العمومة يتم تصنيفه كعلاقات محارم في بعض الثقافات، أي أنه أمر خاطئ ومنفر، ولكن في ثقافات أخرى تكون تلك الممارسة مقبولة ومعتادة..
من هنا يمكن القول أن مفهوم الأخلاق الواحدة المطلقة الثابتة في كل زمان ومكان، هو مفهوم تعترضه الكثير من الصعوبات..
-------------------------

2- المشكلة مع مفهوم الأخلاق النسبية..

على الجانب الآخر، يؤكد البعض على الجانب المتغير للأخلاق، ويرى أن لكل زمان معاييره الخاصة..

المشكلة في ذلك التصور أنه يصادم لكل ما نشعر به بأعماقنا : فهل يعقل أن تجريم القتل والسرقة والإغتصاب والتخريب، والكذب والخيانة هو مجرد عادة اجتماعية لا أساس لها، وقد تنقلب رأسا على عقب، فتغدو تلك الجرائم والشرور أمورا مقبولة أو إيجابية؟
وهل يمكن - تحت أي ظرف - أن يكون اختطاف طفلة وتعذيبها وقتلها - هو فعل لا غبار عليه أخلاقيا؟


المشكلة الأخرى أن ذلك الفكر يخلق منحدرا زلقا يحول الأخلاق إلى مجرد حالة مزاجية هوائية مائعة، لا تستند إلى أي أساس موضوعي..
فإذا سلمنا - مثلا- بعدم مؤاخذة محمد على زواجه بطفلة، بحجة أن تلك كانت أخلاق عصره، فسيكون علينا تعميم الحكم وعدم مؤاخذته في القتل والغزوات وقطع الطريق وسلب القوافل وسبي النساء وضرب الزوجات، فهذه أيضا كانت من عادات بيئته..
بل طالما اعترفنا أن الأخلاق نسبية متغيرة، فلماذا نفترض أن هناك أخلاق شاملة للعصر كله؟ بل الواجب أن نقيم كل حدث بأخلاق بيئته، فأخلاق العرب تختلف عن أخلاق الفرس والرومان..إلخ، وبالتالي - لو أردنا الدقة - فلنقيم محمد طبقا للمعايير الأخلاقية السائدة في قريش، أو يثرب..


وهنا لا مانع من الخطوة الأخيرة: وهي لماذا نقيم الشخص بأخلاق جماعة معينة؟ الأدق أن نقيم كل إنسان طبقا لمعاييره الخاصة، وبالتالي حين يقوم سفاح بارتكاب جرائم قتل، فإن القتل هنا مقبول، لأنه لا يتناقض مع المعايير الأخلاقة التي وضعها ذلك السفاح لنفسه - وتلك هي النسبية الحقيقية، والنتيجة هي زوال أي مفهوم للأخلاق، حيث يتحول إلى حالة مزاجية شخصية لكل فرد..
-------------------------

3- الدين يتبنى الأخلاق المطلقة، فلا يصح له أن يتحجج بالنسبية..

لو رجعنا إلى الحجة الدفاعية الدينية، بشأن اختلاف الظرف، فسنجد أن الأديان تشنق نفسها حين تلجأ إلى النسبية الأخلاقية.. ذلك أن الأديان تقوم على المرجعية الثابتة، وهي الله، حتى أن البعض يستدل على وجود الإله بما يسمى "الدليل الأخلاقي" والذي يقول أن بداخل كل إنسان معايير أخلاقية ثابتة، وبالتالي فلابد أن لها مصدرا واحدا، وهو - بنظرهم - الله.. ثم إن الأديان تقوم على أن ذلك الإله يمثل "الخير المطلق"، كما أن للأديان أحكام تستمر عبر القرون، يعتبرها أهلها خيرا، وبناءا عليه فلابد أن يكون للخير معنى ثابت، وإلا سقطت جميع الحجج الأخلاقية للأديان..


أما حين يلجأ الدين للتحجج بتغير الظروف وأن لكل زمان صوابه وخطأه المختلفين، فهنا الدين يناقض نفسه ويضرب أسسه في مقتل..
-------------------------

4- أما بعد، فما هي الأخلاق؟

ترى لماذا نعتبر أن العدل والحق والرحمة والصدق والأمانة والكرم والوفاء والشجاعة والسلام والتعاون أمور جيدة، بينما نعتبر القتل والسرقة والتخريب والظلم والقسوة والكذب والأنانية والنذالة والخسة والخيانة والجبن والعنف أمور سيئة؟

يتوهم البعض أن الأخلاق هي قواعد روحانية نزلت من السماء، ولكن الحق أن الأخلاق هي قواعد بيولوجية تطورية بشرية صرفة، خرجت من باطن الأرض، كما أنها وضعية، أي أننا اخترعناها بأنفسنا لندير حياتنا بشكل يرضينا..

بنظرة شاملة يمكن القول أن ما نسميه "أخلاق جيدة" هي الأفكار والسلوكيات التي تفيد المجتمع، وتساهم في سعادته وبقاءه.. وأما ما نسميه "أخلاق سيئة" فهي الأفكار والسلوكيات التي تضر المجتمع، وتساهم في تعاسته واندثاره..

ما ينفعني ويسعدني أسميه "مصلحتي"، وما ينفعك ويسعدك نسميه "مصلحتك".. ولكن لأننا نعيش بمجتمع واحد، فيحدث أن مصالحنا تتعارض، وهنا لدينا حل من اثنين: إما الصراع حتى يخضع أحدنا الثاني بالقوة، وهو أسلوب قد ينجح مرة بشكل جزئي، ولكن على المدى الطويل يؤدي إلى الفوضى وبالتالي خسارة الجميع، وربما يمنح الفرصة لطرف ثالث أن يخضعنا نحن الإثنين.. وبالتالي لجأنا إلى الحل الآخر وهو المساومة بين مصلحتي ومصلحتك، وذلك بالوصول إلى حل وسط يرضي الأطراف: ذلك ما نسميه "العدل"..

الأخلاق هي مصلحة الجماعة ككل، ولهذا هي تستلزم وضع قواعد نظام داخلي، يضمن تعايش الأطراف المختلفة بشكل منسق يرضي أكبر عدد من الناس..

لهذا نقول أن القتل والسرقة والتخريب أمور خاطئة، ليس لأنها عديمة النفع، إذ أنها قد تنفع مرتكبها كما تضر غيره، ولكن نعتبرها كذلك لأنها سلوكيات لو سادت في مجتمع لجعلته مجتمعا مفككا فوضويا متناحرا، ليس لديه فرص قوية للبقاء والإزدهار..


فكما أن الأنانية والقسوة والطمع ضرورية للبقاء، فكذلك الرحمة والتعاون والإيثار ضرورية للبقاء.. فكلاهما له سبب دارويني وجيه، وكلاهما نجده في الطبيعة بوفرة: نجد ما نسميه "خير" كما نجد ما نسميه "شر"..
-------------------------

5- وهل هي متغيرة أم ثابتة؟

هذا المفهوم يعني أن الأخلاق ثابتة في أهدافها، فهي قواعد سلوكية تهدف للبقاء والإزدهار والسعادة.. إلا أنها متغيرة في تفاصيلها : لأن ما يساعدنا على البقاء اليوم، قد لا يساعدنا غدا لو تغيرت الظروف..


ولنأخذ مثلا: الحروب في الماضي كانت أكثر ضرورية وأكثر نفعا، حيث لا قانون دولي ولا حدود مرسومة بين الممالك، ولم يكن هناك وسائل كثيرة للإنتاج والإثراء، إلا بالإستيلاء على ثروات الآخرين، كما كانت الحروب تحقق مصالح خاصة للملوك والفرسان المقاتلين.. ولكن في الأزمنة المتقدمة اختلف الحال، حيث صارت هناك وسائل أكثر للربح دون قتال، عن طريق التجارة مثلا، كما ظهرت وسائل مختلفة لحل الخلافات والمنازعات بين الدول، كما أن ظهور الديمقراطية جعل صاحب القرار (الشعب) هو نفسه المتضرر الأكبر من الحرب، مما يدفعه للتفكير ألف مرة قبل ذلك القرار، وهو ما لم يكن الحال في الماضي.. ونتيجة ذلك أن الحروب تراجعت كثيرا عما كان الحال قبل ذلك، كما لم تعد الأخلاقيات السائدة هي التفاخر بالنصر وذبح الأعداء كما كان الوضع..

 باختصار صرنا أكثر حبا للسلام وحرصا عليه من أجدادنا، كما صرنا نحقق مصالحنا بطرق أخرى أكثر ذكاءا وتعقيدا وأقل عنفا..

ذلك مع التأكيد على أن التغير محدود، فالقيم الأخلاقية لا تنقلب مائة وثمانون درجة، ولا يتوقع منها كذلك، لأنه ببساطة الظروف والمجتمعات لا تنقلب مائة وثمانون درجة..

 فسيظل دائما الحب والرحمة واللطف والنظام والتعاون والحرية والعدل أفضل من الكراهية والقسوة والغلظة والفوضى والأنانية والقمع والظلم.. وأما ما سيتغير هو الظروف التي تستلزم تغيير التركيبة السلوكية الملائمة للتعامل مع المحيط..


فيمكن القول أن الأخلاق متغيرة بقدر تغير المجتمعات الإنسانية، ثابتة بقدر ثبات طبيعة الإنسان..

تشابه أسماء مع اليهودية




صدف سعيدة:

عمر: هو اسم يهودي ورد في كتابهم المقدس..



الفاروق: هو لقب سرياني معناه "المخلّص" أي المسيح اليهودي المنتظر..


الصدّيق: هو لقب يهودي يطلق على الرجل العادل..


عائشة: هائشة هي المرأة أو الزوجة بالعبرية..

بكة: وادي في فلسطين مرتبط بطقوس حجيج..


هاشم: من أسماء الله عند اليهود الذين لا يتحدثون العبرية (حرفيا يعني: الإسم)..


علوي: صياغة عربية لكلمة لاوي نسبة للكهنة اليهود من نسل لاوي.. 

قريش: بنو قورش هم فرع من الكهنة اللاويين ورد ذكرهم في الكتاب المقدس اليهودي على أنهم سدنة المعبد المقدس..

عن شريعة الطبيعة



بما أن موضة "الحديث بإسم الله" لم تعد رائجة كما مضى، بفضل جهود التنوير الطويلة عبر القرون، فقد عثر أعداء الحرية الأعزاء على موضة جديدة، ذريعة أخرى لقمع البشر والتدخل في حياته، وهي "الحديث بإسم الطبيعة"..

"عليك أن تفعل ذلك لأنه أمر طبيعي" - "ممنوع أن تفعل ذلك لأنه ضد الطبيعة"..

عند البعض أصبحت الطبيعة هي الصنم الجديد، المشرع والحاكم الذي يحدد لنا ماذا نأكل وماذا نشرب ومن نضاجع وكيف نعيش حياتنا، ويتوجب علينا طاعة ذلك الصنم..

ولكن لأن الطبيعة - مثل الله تماما- صامتة لا تتكلم، فقد تطلب الأمر وجود من يمثل مطالبها ويتحدث بإسمها..

وبالتالي صار من العادي جدا أن تسمع شخصا يدعو إلى قمع الغير والبطش بهم واقتحام خصوصياتهم، فقط لأنهم لا يتماشون مع فكرته القاصرة والمحدودة عما يجب أن يكون طبيعيا، وربما يطالب بإقامة محكمة تفتيش تبحث في أدمغتهم وقلوبهم وربما مؤخراتهم، لكي تتأكد أن كل شيء يسير على ما يرضي - ليس الله، فنحن لسنا متطرفين دينيا والعياذ بالله- وإنما يرضي الطبيعة..

ماذا تريد الطبيعة؟ ما هي قوانينها؟ صاحبنا وحده يعرف.. فقد سمعت أنه استقال مؤخرا من مهنة "الكاهن" التي لم تعد تؤتي ثمارها، وتم تعيينه في منصب جديد هو "وكيل الطبيعة ومندوبها والممثل الأوحد لها".. كهنوت وحشرية وتطرف في ثوب عصري جديد، نتمني أن يحوز إعجابكم..

وبالطبع كلنا نعلم ما الله، وما الطبيعة، هي أسماء سميتموها أنتم وآباءكم، أطلقتموها على عادات قبيلتكم.. فكل ما تربيت عليه وتكاسلت عن الإطلاع على غيره، صار في نظرك قوانين كونية، إن لم يصيغها الله فقد حددتها الطبيعة، أو هكذا تتوهم..

تريد الطبيعة؟ ما رأيك أن تذهب وتعيش في غابة أمازونية، أو ربما الصحراء الأفريقية؟ صدقني هناك ستجد كل شيء يسير حسب قوانين الطبيعة.. وحظ سعيد في البقاء حيا قبل أن يفترسك نمر أو تلدغك حية أو يصيبك وباء قاتل..

هل تريد العيش فيما هو طبيعي لم يلوثه تدخل الإنسان؟ أول شيء تخلى عن هاتفك وجميع أجهزتك الإلكترونية، وقل وداعا للسيارات والمباني والكهرباء.. ولا تنسى الأدوية والطب..

بل إن أردت تبني قيم الطبيعة كما وجدناها، أو وجدتنا، فأول ما يجب أن تكفر به هو القوانين والمحاكم والحقوق، فلا شيء من ذلك في الغابة.. شعارات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان هي اختراعات إنسانية بحتة ليس لها أصل في الطبيعة..

أما ما ستجده بوفرة هناك فهو القتل مثلا - نعم، القتل شيء طبيعي جدا، وهو جزء أصيل من الحياة اليومية لكائنات الغابة.. كذلك القسوة والوحشية بأنواعها، والإعتداء على الأملاك وقهر القوي للضعيف وحتى الإغتصاب.. ولا ننسى الأمراض التي كانت تحصد الملايين من الأرواح بشكل مستمر..

وأي محاولة لتبديل ناموس العنف والقسوة، واستبداله بنظام علمي لطيف رحيم، هي محاولة غير طبيعية بالمرة..

بالعربي: يلعن رب الطبيعة أمنا العزيزة والمجرمة.. كما يلعن رب الله والأديان من قبل..

نحن البشر، لم نصنع شيئا إلا بالإعتماد على أنفسنا، والآن نحن نحتكم إلى عقولنا وضمائرنا وقيمنا وقوانيننا وخبراتنا ووأعرافنا الحالية، والتي تطورت كثيرا عما مضى، والتي تم صقلها عبر قرون من التجربة والتفاعل الإنساني.. وتكون مصيبة لو أن الطبيعة هي مرجعنا الأخلاقي، فقررنا أن نستلهم سلوكياتنا من الضباع والفئران والخنافس!

ألم تنتبهوا إلى أننا خرجنا من الغابة منذ زمن طويل، وصرنا أكثر تقدما وإنسانية وسعادة من أسلافنا؟

فإن كنا حيوانات بيولوجيا، فمن المؤكد أننا صرنا بشرا فكريا واجتماعيا وأخلاقيا..

ومن المؤكد أننا لم نتحرر من عبودية الكهنوت لنستبدل به عبودية أخرى..

الفارق بين الملحد الغربي والعربي




أن أحدهما يسبح وسط مسيحية متعلمنة، أي في أسوأ الأحوال جنون مروض غير خطر يمكن مخاطبته بشكل بشري بالكلمات والإقناع، وأما الثاني فيسبح وسط إسلام فظ خشن غير ممهد، أي جنون خطر وغابة حقيقية تستلزم تعاملا خاصا مثل مهارة مدرب حيوانات السيرك..

بلا عقدة خواجة فارغة: الملحد العربي العائش في العالم العربي هو ابن ثقافته بخيرها وشرها، ولكن يكفيه أنه يعاني ويحفر في الصخر ويحاول تعليم نفسه وسط محيط من الجهل والتهديد والهمجية ، وهو يدفع الثمن كل يوم من حريته وأمنه وسمعته وعلاقاته وعمله، ولا يمكن مقارنة كفاحه بالملحد الغربي المحظوظ المرفه المتنعم في رحاب علمانية صنعها أجداده بأظافرهم وولد هو في ظلالها..

إسلام أم إسلامات؟



مع ما صرنا نراه في عالم المنتديات والمواقع والصفحات النقاشية، ربما لم يعد ينبغي التعامل مع الإسلام باعتباره دين واحد..

من تعريف الدين، أو حتى الإطار الفكري أو الأيديولوجي، أن يكون لديه مرجعية موحدة يمكن النقاش من خلالها..

أما الإسلام اليوم فلا تنطبق عليه تلك السمة، إذ بداخل ذلك العنوان توجد تيارات كثيرة ومتناقضة معا، بحيث لا أنك لو أردت مناقشة المسلم فليس هناك مرجعية واحدة يمكن التحاكم إليها..

فهناك كتب التراث، الأحاديث والسيرة والأحكام الفقهية، وهي تختلف تماما ما بين كتب السنة، وكتب الشيعة، حتى أن كل فريق يستنكر كتب الثاني ويسخر منها، ولا يعترف بـ"علماء" الآخر ويطعن فيهم..

وبشكل أوسع فهناك مذاهب وطوائف رسمية معروفة ينقسم إليها المسلمون، سواء على المستوى العقائدي أو المذهبي أو السياسي، مثل الشافعية والمالكية والزيدية والإباضية والأشعرية والمعتزلة والصوفية والسلفية..إلخ، ولكل فريق منهجه وكتبه ورموزه وحتى دور عبادته..
 
ثم اليوم هناك تيارات معاصرة تمارس أنواعا مختلفة من الإنتقاء تجاه التراث، أو حتى لا تقبل بكتب التراث أصلا، بل تقرر انتزاع الإسلام من سياقه التاريخي وإعادة فهمه بشكل فردي، كل شخص حسب اجتهاده أو ما يقتنع به أو الداعية الذي يعجب بكاريزمته - ويصل الأمر في ذلك إلى ذروته مع القرآنيين، الذين يرفضون التراث بالكامل ويحاولون فهم النص القرآني بشكل مقطوع الصلة بالسياق التراثي، حتى صار كل داعية معاصر اليوم وكأنه نبي جديد مستقل وله أتباع، ولا يكاد يجمعه بباقي المسلمين سوى الإسم وبعض العبادات واللافتات..

وهذا يذكرنا بأنه حتى القرآن نفسه، وهو النص الأقدس عند المسلم، ورغم ما يبدو من اتفاق المسلمين جميعا حول ذلك النص، إلا أنه اتفاق نظري كلامي أكثر منه واقعي، وهو اتفاق على تقديسه وليس على معانيه وتطبيقاته، إذ ما قيمة الإتفاق على نص مع الإختلاف على سياقه وأسباب نزوله ومعاني كلماته؟

خاصة أننا أمام نص غير منظم ويتسم بالتشويش والإبهام وعدم الوضوح، وهو في محتواه يقفز من قضية لأخرى ويحيل إلى وقائع وشخصيات لا يذكرها بدقة، ثم أنه يحتوي ما يبدو أنه تناقضات (أو نسخ) لأحكام معينة، مما يتناسب مع سياقه التاريخي الذي يخبرنا أنه كتب على مدى أكثر من عشرين سنة، مر فيها الدين بتطورات وصراعات مختلفة، ثم أن الكتاب تم جمعه بترتيب يخالف الترتيب الزمني للأحداث، وكل ذلك يترك المجال مفتوحا للإختلاف والتخمين والتأويل، والنتيجة غالبا أن كل صاحب فكر لا يكون فكره من خلال النص القرآني، بقدر ما هو يستخدم النص القرآني كوعاء تبريري لفكره الشخصي أو الطائفي..

فإذا كنت غير مسلم، وقررت أن تناقش قضية تخص الإسلام، فأي مراجع تعتمد؟ لو ذكرت حديثا ستجد مسلما من أهل السنة يعترض بأن الحديث ضعفه فلان وعلان من علماء أهل السنة، ولو ذكرت حديثا صحيحا عند أهل السنة ستجد مسلما شيعيا يعترض، ولو اقتبست وقائع عن السيرة ستجد مسلما حداثيا ينكر السيرة بالمجمل ويؤكد أن محمدا شخصية مختلفة تماما عن ذلك الذي قدمته الرواية الإسلامية، ثم لو أنك ذكرت آية فستجد على اليمين مسلما تقليديا يطالبك بأن تلتزم بالتفاسير كالطبري وابن كثير والقرطبي..إلخ، وستجد على اليسار مسلما قرآنيا يطالبك بإلقاء التفاسير في سلة المهملات وفهم النص كما يريدك هو أن تفهمه..
وأبسط إجراء تجاه تلك الفوضى الدينية هو أننا حين نناقش مسلما فلا يجب أن نكتفي منه بأن يعلن هويته كمسلم، إذ إن تلك الكلمة لم تعد تعني أي شيء على المستوى الفكري والنقاشي، وإنما يجدر الإهتمام بالتقسيم الديني الحقيقي لمن يسمون بالمسلمين اليوم، فالمسلم السني ليس كالشيعي، والمسلم الصوفي ليس كالسلفي، والمسلم الأزهري ليس كالقرآني، وإنما بين كل تلك الفرق تناقض وخصومة بل وأحيانا كراهية وعداء تفوق كراهية المسلم للمسيحي أو اليهودي أو الملحد، مما يجعلنا نكاد نكون أمام أديان إسلامية، وليس دينا واحدا..

وعظ أم حقد؟



ثمة تناقض غريب جدا، ما بين تأكيد المسلم الملحّ على أن الإنحلال يضر بصاحبه، أي أن شرب الخمر والعلاقات الجنسية المفتوحة هي- كما يكرر - أمور تؤدي بالنهاية إلى اعتلال الصحة وفراغ الروح وتفسخ المجتمع، وبين ما نراه من غيظ المسلم الشديد تجاه الملحد الذي تحرر من الدين ليمارس ذلك الإنحلال..


إن كان الغوص في "الإنحلال" (والكلمة بين قوسين) سيضر الملاحدة، فما بالك أنت تبدو منزعجا إلى هذا الحد؟ هذا شخص حسب إيمانك هو من أهل الجحيم على كل حال، فما يضيرك لو أصيب بالإيدز أو تليف الكبد؟


فإن كانت تلك هي نتيجة الإنحلال فالشعور المتوقع منك إما الشفقة على الملحد (إن كنت رحيما) أوالشماتة به (إن كنت قاسيا كإلهك)، وأما غيظك الظاهر هذا من انحلال الملحدين فكيف يمكن تفسيره؟ حقد مثلا؟


المسلم يعرف أن الجنس - وربما الخمر- هو أمر ممتع جدا إلى درجة أن إلهه يستخدم تلك الأمور لإغراؤه بالجنة، وفي الحالات الطبيعية فإن ذلك "الإنحلال" لا يؤدي إلى ضرر لو مورس بذكاء واعتدال، ولكنه يعرف أن دينه يقيده ويكبحه - ليس بإسم الأخلاق، فالأخلاق هي عدم الإضرار بالآخرين - وإنما بإسم التشدد والتعصب وعادات الأعراب، حتى نجد أن أنواع الإنحلال الموجودة بأصل الإسلام (ملك اليمين أو زواج المتعة) قد تم منعها عبر التاريخ، ولم يبق للذكر المسلم خاصة السنّي إلا تعدد الزوجات، وهو أمر مكلف وله قيوده وتبعاته غالبا أكبر من متعته..

وطالما تذكرت أن الإنحلال موجود بالإسلام، ومتاح للذكر المسلم الغني خاصة، حتى أن اليوم هناك مشايخ يغيرون الزوجات كما يغيرون هواتفهم النقالة ولا يبدو أن المسلم المتحمس يشعر بالإستفزاز منهم كما يشعر بالإستفزاز من الملحد المسكين الذي لديه غيرل فريند واحدة، بل إن نفس ذلك المسلم نراه يبرر زيجات نبيه التي تصل بالعدد إلى فريق كرة قدم بحارس مرماه.. طالما تذكرت كل ذلك فيمكن إعادة النظر للقول أن ما يغيظ المسلم ليس ممارسة الإنحلال بحد ذاته، وإنما ممارسته بعيدا عن دينه، وبالخروج على تقاليد أجداده وكتابه المقدس..


المسلم المغتاظ المحتج على الإنحلال، هو لا يحقد على الملحد لأنه أكثر استمتاعا بحياته منه ، فكثير من المسلمين يستمتعون بحياتهم - عن طريق الإنحلال أو غيره - بشكل يفوق الملحدين..

هو يحقد عليه لأنه أكثر حرية..

الصحوة الإسلامية



سأتحدث عن البلد الذي أعيش فيه وأعرفه أكثر، فالكل يعلم أنه بالستينات من القرن العشرين لم يكن الحجاب (غطاء الرأس) يكاد يوجد بالشارع، ناهيك عن النقاب، وكذلك الحال مع اللحى والجلابيب، وكانت الملابس والسلوكيات أكثر تحررا، والفكر أكثر علمانية، كما كانت الطقوس والشعائر عموما تمارس بشكل هادئ وشخصي لطيف، ولم يكن الدين متدخلا بقوة في الحياة العامة، وربما لم يكن أحد يسمع عن الجهاد والخلافة، أو عن الإعجاز العلمي والطب النبوي وفتاوى رضاع الكبير ونمص الحاجبين..إلخ..

ثم انطلقت الصحوة الإسلامية غير المباركة في بلادنا منذ سبعينات القرن، وإن كان لها جذور أقدم.. 

ففي القرن التاسع عشر تراجع نفوذ العثمانيين ووقعت المنطقة تحت الإحتلال الإنجليزي والفرنسي وغيره، وفي تلك الفترة بدأت بعض الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية هنا وهناك، تحاول اللحاق بما كان يحدث في أوروبا، فبدأ إلغاء العبودية والسخرة، ومنحت للمرأة عدة حقوق، وظهرت البرلمانات والنظم القضائية والقانونية، ناهيك عن بعض التطورات المادية في البناء ووسائل المواصلات والجيوش والمصانع..

 ولما قسمت الدول وسقطت الخلافة نشأت (بفارق أربع سنوات) جماعة الإخوان المسلمين، أم الإسلام السياسي العالمي، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية تم إنشاء دولة يهودية في القلب العربي، ثم قامت الإنقلابات العسكرية العربية مسقطة عددا من الملكيات، وبدأت دعوات القومية والإشتراكية والناصرية والبعثية، والتي نجحت في تحقيق استقلال بلادها ولكن سرعان ما تلقت ضربة مدمرة معنويا فيما يسمى نكسة سبعة وستين، ولاحقا حروب الخليج، مما سيمهد السبيل للبحث عن بديل أيديولوجي آخر..


بتلك الأثناء كانت الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والسوفيتي قد تصاعدت، وتزامن ذلك مع صعود المد الديني حتى بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى دعم الغرب للتيارات الدينية داخل المجتمعات الإسلامية، منذ الخمسينات من القرن العشرين، بهدف استراتيجي هو خلق حزام ديني يوقف المد الشيوعي الروسي، وهو ما وصل إلى ذروته في الجهاد الأفغاني المدعوم أمريكيا وعربيا، والذي لعله كان المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية السوفيتية حيث تفككت بعد ذلك..


فإن كان التيار الإسلامي تلقى دعما محدودا- لأسباب سياسية- من الإنجليز ثم الأمريكيين، إلا أن دفقة الحياة الكبرى له جاءت مع اكتشاف البترول في دولة الوهابية، فبدأ نشر هذا المعتقد عبر أنحاء العالم الإسلامي كله، بل وفي الغرب أيضا، وتم إنفاق عليه أضعاف ما أنفق السوفيت على نشر الشيوعية، فبنيت المساجد ومدارس القرآن بأموال البترودولار، وأنشئت هيئات كبرى تنشر الإسلام بصيغته الوهابية المأخوذة عن ابن تيمية وابن حنبل..


وأما الإسلام السياسي فكان أفراده قد تعرضوا لكثير من البطش والتعذيب على أيدي الأنظمة الإشتراكية العربية، مما أفرز فكرا أكثر تطرفا من سابقه المتطرف أصلا،
وظهر الأساس النظري الفكري لتكفير الحاكم بل والشعب بأكمله، وهنا ستولد التيارات الجهادية والإرهابية..


ثم إن كرة الثلج الدينية العالمية التي أسست إسرائيل ونشرت الوهابية ورفعت اليمين الديني بأمريكا، وصلت إلى إيران في الثورة الخمينية، وإلى تركيا في تيارات مرتدة عن علمانية أتاتورك، وحتى في البلاد التي لم تحكمها أنظمة إسلامية، يمكننا بسهولة أن نرى مدى نفوذ المد الإسلامي الوهابي في المظهر والملبس- والأهم- والعقول..

زرع إسرائيل بالمنطقة - الحرب الباردة وصعود المد المسيحي بالغرب، وتأييد الغرب للإسلام السياسي بالشرق - ظهور البترودولار الوهابي - الدكتاتورية العسكرية العربية - فشل المشروع القومي، والنكسة - هذه بنظري من أهم أسباب الصحوة الإسلامية التي نعيشها..
--------------------------------------
وبرأيي فإن أخطر ما أنتجته تلك الصحوة، وأكثره ضررا، هو أمرين مترابطين، أحدهما سياسي والثاني فكري:

أما الضرر السياسي فهو خلق ثنائية صراع بين شرق إسلامي وغرب مسيحي\علماني، فالأدبيات الإسلامية صورت العالم لنا وكأنه ساحة صراع بين هذين العملاقين، والأيام دول بينهما، فإن كنا نعيش اليوم مرحلة هزيمة الإسلام فالواجب أن نتكاتف ونعيد بناء أمتنا الإسلامية حتى تعود لنا الغلبة من جديد، ونعيد أمجادنا الغابرة..


لكن الحقيقة الواقعية أن العالم لا ينقسم إلى إسلام وغرب، وإنما إلى دول، بعضها متقدم وبعضها متخلف، ولو أردنا التعميم وتركنا المكابرة فسنقول أن الحضارة الحديثة هي صنيعة أوروبية أمريكية بالأساس، وهذا حدث ليس بشكل تراكمي طبيعي، وليس عن طريق استلهام حضارة الإسلام كما يروجون لنا، وإنما هو حدث بسبب مجموعة من الطفرات أكثرها يتعلق بنبذ التراث وليس باستلهامه - وبعد ذلك حتى الدول الشرقية التي لحقت ببعض ذلك التقدم - مثل روسيا أو الهند أو اليابان أو الصين- إنما فعلت ذلك عن طريق واحد هو اتباع المنهج العلمي الحداثي الغربي والذي صار عالميا، وهو منهج لا يكاد يدين بالفضل إلى أي تراث شرقي أو غربي إلا شكليا، وإنما الأصح القول أن التمسك بالتراث كان عائقا عن ذلك التقدم، أي أن التقدم حصل برغم التراث وليس بفضله.. 

على الجانب الآخر، فالحقيقة أنه لا يوجد حضارة إسلامية، ولا يوجد أمة إسلامية، وإنما هناك جماعات عربية وكردية وإيرانية وأمازيغية، سنية وشيعية وقبطية ومارونية وبهائية ودرزية..إلخ، وفوق ذلك يوجد دول لكل منها خصائصه التاريخية والسياسية ولا يكاد يجمع بينهم شيء إلا افتعالا وتعسفا..

لولا وهم الصراع الحضاري هذا لكانت الأمور واضحة تماما : بلدي متخلف، والحضارة عند الغرب، فلنستلهم منهم ونحاول الإستقلال بأنفسنا بعيدا عن أي استغلال أو تبعية لأحد، أو حتى لنتفوق عليهم - تلك الرؤية التي كانت واضحة أمام بلاد الشرق غير المسلم، كما كانت واضحة للعديد من مفكرينا الكبار أوائل القرن العشرين، ولكن الصحوة الدينية شوشت تلك الرؤية تماما، واستبدلت بها أسطورة تقول أننا كنا أمة واحدة (غير صحيح) تعيش مجدا عظيما (غير صحيح) وأن الغرب تقدم بفضل علومنا (غير صحيح) وأن سبيل إعادة المجد هو أن نعيد إحياء ديننا..


تلك الأكذوبة الأخيرة هي الأخطر، وتقودنا إلى النتيجة الثانية- الفكرية- للصحوة، وهي نجاح دعاتها في ربط القوة والتقدم بالتدين، بدلا من العلم أو الحرية، فصارت هزيمة النكسة بسبب بعدنا عن الله، كما قال أشهر المشايخ..


وهي حيلة قديمة مارسها كهنة اليهود على الشعب كما نقرأ بالتاناخ، فحين ننتصر فهذا حصل بفضل الله فاشكروه، وحين نهزم فهذا بسبب بعدنا عن الله فتوبوا إليه، وبذلك يربح الكهنة في كل الحالات، مستغلين الظروف للحصول على مزيد من السيطرة على الشعب..


والنتيجة أن الدين يكاد يحل محل كل شيء: فبدلا من الديمقراطية صرنا نحلم بالخلافة، وبدلا من الطب صرنا نلجأ إلى الرقية والحجامة، وبدلا من الإنشغال بالأمور الكبيرة صرنا منشغلين بالملبس والمظهر والذكر والدروشة..إلخ..


والكارثة الكبرى أصابت الثقافة، ففي أجيال سابقة كانت القراءة موزعة ما بين الأدب العالمي والسياسية والفنون والتاريخ، ولكن في مراحل تالية صارت الموضة هي القراءة الدينية، بداية من أحكام الطهارة وصولا إلى علامات الساعة وعذاب القبر.. ولم يعد مستغربا أن تجلس بين رجال كبار يعدون من الطبقة المتعلمة، ويريد أحدهم استعراض ثقافته أمام الآخرين، فلا يكلمك عن أرسطو أو المعري أو فولتير أو كونفوشيوس أو شكسبير أو نيتشة أو فرويد، وإنما يترك القديم والحديث والشرق والغرب ويحصر نفسه فقط بصحراء الجزيرة بالقرن السابع، فيكلمك عن قصة سيدنا القعقاع أو سيدنا حنظلة أو سيدنا عكرمة، مستلهما الحكمة والفضيلة وربما المعرفة من تلك العصابات من قطاع الطرق الذين صاروا أسيادنا في غفلة من الزمن..

ولأن المسألة ليس لها علاقة بالفكر وإنما بالأحرى بعقدة النقص والبحث عن هوية، فقد صارت الموضة أن ديننا فيه كل العلوم والفنون والمعارف بحيث لا نحتاج إلى غيره، وهذا المناخ الجنوني هو الذي سمح بانتشار مهزلة مثل مهزلة تفتيش كلام البدو بحثا عن الإعجاز العلمي، وهو وباء آخر لم يكن لينتشر إن لم يتوفر المناخ القذر المناسب له..

ولهذا تحديدا نجد الإعجاب الجماهيري الحار بالمشايخ الجهلاء وبالحكام الطغاة، فالشعوب متعطشة لشيء واحد هو الكرامة التي تم إهدارها مرارا، فيكفي أن تغذي هذا الشبق إلى الهوية والمجد الزائلين لكي يقبلوك، ولا يهمهم كثيرا إن كنت دجالا أو سفاحا..


هذا الوضع المزري بدأ يجد نقيضه الإيجابي بالسنوات الأخيرة، مما يمنحنا أملا بحدوث بعض التغير، والذي يتمثل بنظري في ثلاثة أمور: أولها فشل النظم والجماعات الإسلامية وكشفها على المستوى السياسي والأخلاقي، وهذا يحدث بالفعل، والثاني هو قيام بعض الحكام والنخب بعدد من الإصلاحات، وهذه ماتزال لا تحدث بالقدر الكافي، وأحيانا تتراجع، وأما الأمر الثالث والأهم فهو التغير الذي يحدث ليس بيد العوام المغيبين ولا بيد النخبة المنافقة للعوام والحكام معا، والمستفيدة من كليهما، وإنما يحدث بيد شباب عادي مستنير، استطاعوا- بفضل الإنترنت- الإطلاع على الثقافات الأخرى، وبدأوا يتبنون أفكارا مغايرة والترويج لها أحيانا، فظهر منهم من يقوم بترجمة المقالات أو تبسيط العلوم وإتاحتها للناس، فيعيدون مفهوم الثقافة العامة إلى الساحة، وربما تكون هذه هي البداية الصحيحة، من العقل..

مواجهة التحرش



مواجهة ظاهرة التحرش لا تكون عن طريق المزيد من تغطية النساء، وإنما عن طريق تمكين النساء وإقرار المساواة بالمجتمع..


فالذكر لا يتحرش لأنه رأى جسدا عاريا فثارت غرائزه - هذا تبسيط مخل للمسألة..


إنما هو يفعلها لأنه - بفعل الموروث الخاطئ- يعتبر المرأة كائنا جنسيا، مخلوقا فقط لهذا الغرض، فمجرد وجودها يعطيه الحق في أن يستغلها، ولأنه يحتقرها كأنثى فهو لا يرى بأسا في امتهانها، ولأنه يراها أضعف فهو لا يخاف عاقبة ذلك الإمتهان..



فالتحرش ليس فقط ظاهرة جنسية، وإنما هو متعلق بالإستغلال والإحتقار والإستقواء وأحيانا الكراهية والإنتقام..


وأكثر ما يشجع الذكر على التحرش بالمرأة ليس ملابسها، وإنما رؤية الذكر لقوته ولضعفها واحتقار المجتمع لها، ولإيمانه بأنه يستطيع النجاة بفعلته..



ولذلك فالمواجهة تكون بتنشئة الإثنين منذ البداية - الذكر والأنثى- على الإنسانية والتساوي والإستقلال، عمليا وليس كلاما، فلو ولد الذكر ليرى أن المرأة ليست تحت قوامة الرجل، يسيطر عليها أو يحميها، وأنها تتحرك وتدرس وتعمل وتخرج إلى الشارع مثله، ترفع رأسها وترفع صوتها وترفع عينيها في الوجوه، وأن ملابسها تخصها وحدها، وأن الذي يحميها بكل صرامة هو الدولة ممثلة في ذات النظام القانوني الذي يحمي الرجال أيضا - لو رأى الذكر ذلك فلن يعتبر المرأة كائنا جنسيا ضعيفا محتقرا وإنما إنسان ومواطن مثله عليه أن يحترمها باختياره أو رغما عنه، وحينها فقط- أتصور- ستتراجع تلك الظاهرة المقرفة..

رجل القش الإسلام



من أساليب الترقيع الإسلامي هي ممارسة نوع معين من مغالطة "رجل القش" بكل فجاجة، وملخصها أنه حين يطرح خصمك حجة معينة وتعجز أنت عن الرد عليها، فلا يعود أمامك إلا أن تخترع حجة أخرى جديدة - لم يقل بها الخصم- ومن ثم ترد عليها وكأنها هي الحجة الأصلية..


في تلك الحالة فإن رجل القش هو نفس التهمة ولكن بعد تحويرها وتضخيمها إلى درجة غير معقولة، ثم تصور أن نفي النسخة المشوهة - التي لم يقل بها أحد- هو رد على النسخة الحقيقية الأصلية..

  
سأكتفي بمثالين مشهورين:
الأول عن الغزوات والمظالم الإسلامية تجاه الشعوب المغزوة ، يقول المرقع المسلم:
الإسلام بريء، والدليل: انظروا، فالأقليات ماتزال تعيش بأمان في ديارنا التي غزوناها، أي أن الإسلام دين رحمة فقط لأنه لم يقم بقتل جميع الشعوب التي غزاها..

ولكن هل ادعى أحد أن الإسلام فعل ذلك، حتى تنكروه؟


وهل الظلم والقسوة والتعدي تكون فقط بالإبادة الجماعية لكل فرد من الشعوب المغزوة، وأما لو بقي بعضهم حيا فهنا يكون الغازي مثالا للرحمة والعدل؟!


وفي تلك الحالة يكون الإحتلال الإنجليزي والفرنسي للشعوب العربية - بل والإسرائيلي لفلسطين- هو احتلال عظيم رحيم، بدليل أنه أبقى على السكان في تلك البلاد أحياء - فياله من منطق معوج سقيم!


بالطبع فإن المسلمين حين دخلوا البلاد غزاة لم يقوموا بإبادة أهلها، وأكثر المحتلين لا يفعلون ذلك، ببساطة لأنه لا حاجة لهم بذلك، فالإستعمار يقوم على استغلال الشعوب والإستفادة من خيراتها، بدلا من إبادتها عن بكرة أبيها..


فلو كان العرب قد قتلوا الشعوب في الشام والعراق ومصر وغيرها، فمن كان سيزرع الأرض ويدفع الخراج للسيد العربي؟ من أين كان سيحصل الحكام على عبيد وجواري وعمال سخرة يبنون ويحفرون ويخدمون؟ في تلك الحالة كان الصحابة الكرام سيضطرون للعمل بأيديهم- حاشا لله- وهو طبعا أمر لا يليق بسيد الحرب المجاهد..


-----------------------------------------------
أما الترقيع الثاني الذي نسمعه فهو عن حد الردة، حيث يقال: يا شباب لا تظلموا الإسلام فهو ليس ضد الحرية، إذ نحن لا نقتل المرتد بمجرد تركه للدين، وإنما نقتله فقط لو أنه أعلن عن ذلك الترك وانتقد الإسلام..


أما لو احتفظ برأيه لنفسه فلن نقتله..


أي: أننا لا نقوم بقراءة ما بداخل عقول الناس ومن ثم محاسبتهم عليها - هل رأيتم رحمة وفضل أعظم من ذلك؟!

تتكلموا جد؟

على أساس أن أكثر الأنظمة بطشا في التاريخ كانت تحاسب الناس على أفكارهم وإن لم يتفوهوا بها؟! وعلى أساس أن هذا ممكن أصلا؟!

وعلى أساس أن "حرية الفكر" يقصد بها حرية التفكير الداخلي، وليس حرية التعبير والكلام والنقد والنقاش.. ومن ثم، حسب هذا التعريف الأبله، يكون الإسلام مؤيد لحرية الفكر؟!

فهكذا يعمل عقل المرقع المسلم: لو اتهموك بتهمة معينة لا يمكنك التملص منها، فما عليك إلا أن تبالغ في تلك التهمة بشكل كاريكاتوري، ومن ثم تنفي المبالغة، وتظن أنك نفيت التهمة نفسها..

العمامة والقبعة



يقال أحيانا أن الإسلامي يرفض قيم الحداثة كالعلمانية والحرية والديمقراطية والمساواة..إلخ، وهذا- تالله- ظلم مبين:

فالحق أن الإسلامي فقط يرفض أن يلتزم هو بتطبيق قيم الحداثة في تعامله الآخرين،
ولكنه يرحب بتلك القيم- بل يطالب بها بكل حرارة - حين يتعلق الأمر بتعامل الآخرين معه..

الإسلامي يحتفظ في جعبته النقاشية- السياسية الإجتماعية - بغطائي رأس متناقضتين، لنقل قبعة وعمامة، يستخدمها على التوالي، ويبدل بينهما بسرعة الضوء، وكأنه يمتلك آلة زمن تنقله من القرن الحادي والعشرين إلى السابع، وبالعكس..

القبعة تمثل قيم الغرب الكافر المعاصر: العلمانية، الديمقراطية، الليبرالية، حرية التعبير، حقوق الأقليات، المساواة أمام القانون..إلخ،

أما العمامة فهي القيم الإسلامية الأصولية: الحكم الشمولي الثيوقراطي، الولاء والبراء، الجهاد والغزو، القمع، العقوبات البدنية، التراتبية الذكورية، ضرب النساء، تزويج الأطفال، قهر الأقليات..إلخ..

أما أيهما يبرز لك، فيعتمد على القضية المثارة للنقاش : إن كانت تتعلق بأفعاله هو ارتدى العمامة وأغلظ صوته وتكلم، وإن كانت تتعلق بأفعال الآخرين تجاهه ارتدى القبعة ورقق صوته وتكلم..
 
فإن كان أقلية في بلد ما إذا به يتكلم عن العلمانية وضرورة احترام المواطن، ومنها حقوقه في ارتداء ما يشاء من ملابس وممارسة طقوسه بحرية بما في ذلك الصراخ بالآذان أو قطع الطريق للصلاة- أهم شيء الحرية..

فإن كان أغلبية تبدلت اللغة وسمعت عن ضرورة احترام الأقلية للأغلبية ودينها وفقهها البدوي، بما يتضمن أن تخرس الأقلية فلا يسمع لهم صوتا ولا تؤدي شعائرها جهرا ولا تظهر صلبانها ولا يأكلون علنا في الشهر الذي تصوم فيه خير أغلبية أخرجت للناس - أهم شيء النظام الإجتماعي..

وإن شارك الإسلامي بالعملية السياسية وفاز بالمقاعد إذا بقبعة الديمقراطية تخرج إلى حيز النقاش، فتسمع مصطلحات شرعية الصندوق وصوت الشعب والسلطات التي يكفلها الدستور لصاحب المقعد- وهي أمور لم يعرفها الإسلام وإنما هي وليدة الحداثة الكفرية..

وإذا لم يحالفه التوفيق بالديمقراطية أو أنه تمكن من الحكم بسبيل آخر- ثورة أو انقلاب- فستسمع حديث القرون الوسطى بما فيه الخلافة والولاية وربما الجهاد..

وإذا كان الإسلامي مستضعفا مظلوما ستجده يتحدث عن مواثيق حقوق الإنسان وحرمة الدم وهمجية التعذيب والمعاملة الوحشية التي تعرض لها من السلطات حيث منعوا عنه الكورن فليكس وعصير الأناناس..

وإذا كان حاكما يسجن معارضيه فستسمع نغمة مغايرة تماما تحكي كيف كان الرسول يأمر باغتيال منتقديه وكيف كان يسمل أعين المتمردين ويعذبهم بالنار بأبي هو وأمي، وتلك هي الغلظة الحلال- بل المحمودة- التي أمرنا بها شرع الله تجاه الكفار..

فالحداثة عند الإسلامي الإنتهازي ليست سوى أداة لتمكينه من الحكم وتطبيق شريعته المعادية لجميع قيم الحداثة.. وهي أداة سيتخلى عنها فورا أول ما يمتلك القوة اللازمة..
وهذا - للحق- يقدم لنا أداة معيارية ممتازة لقياس مدى أخلاقية منظومة قيمية ما، فالمنظومة الأخلاقية الجيدة ليست هي التي ستود أنت تطبيقها على الآخرين، وإنما هي التي ستود أن يطبقها الآخرون عليك..

الدعاء والقدر





يقول محمد عن الإيمان بالقدر (تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)، (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ)


وقبل غزوة بدر يحكى (فاستقبل نبي الله القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)

اقتباسا من الإعلان الشهير: انت مو انت وانت داخل حرب..

الخطة الإسلامية للقضاء على العبودية



بسم الله، الرد على شبهة الرق في الإسلام :

يا إخوة، الإسلام لم يكن باستطاعته منع العبودية دفعة واحدة بسبب ظروف اجتماعية واقتصادية، وبالتالي فقد وضع الله خطة عبقرية لإنهاء الرق تدريجيا..


وتتمثل الخطة في أن لا يفعل المسلمون شيئا لمنع العبودية طوال 1400 سنة، حتى يقوم الغرب الكافر بالقضاء على الرق، ومن ثم ينسب المسلمون الفضل لأنفسهم..

العملة المعنوية



من القوانين المهمة في الحياة أن القيمة ترتبط طرديا بالندرة،
والشيء المتاح المشاع يفقد قيمته مهما كان ضروريا..

هذا القانون لا يعمل على المستوى الإقتصادي فحسب، ولكن على مستوى المشاعر والتعامل الإنساني أيضا..

فقيمة "الإحترام" مثلا لا يجب منحها لكل شخص ولكل فكرة.. فلا أتفق مع الذين يدعون لاحترام جميع العقائد، لأنه في تلك الحالة نبدو وكأننا نسوي بين الصواب والخطأ، الحق والباطل، المنطقي والعبثي، والعلم والخرافة، أو بين الخير والشر..


وحتى "الحب" لا يكون للجميع.. فمثلا لا يمكنني الإعجاب بإله يقدم محبته بشكل غير انتقائي إلى الضحية والمجرم، المظلوم والظالم، ولا أرى في ذلك عظمة أو حكمة، وإنما اعتباطية وظلما وحماقة..


كذلك "التقارب" والألفة لا يستحقها الجميع.. ولم أستسغ أبدا ذلك الشخص الذي يحرص على إزالة كل كلفة في كل تعاملاته، بل إن الحواجز المعنوية بين البشر ضرورية حتى نمرر منها فقط من يستحق الدخول إلى دائرتنا الأقرب..


وكما أننا لا نثق بالجميع، ولا نعطي أموالنا مثلا لكل من هب ودب، وإنما فقط لمن يستحق أو سيؤدي لنا خدمة جيدة بالمقابل، فكذلك مشاعرنا لا يجب أن تكون مجانية رخيصة، وإنما يجب أن تكون انتقائية نادرة وغالية..


أما لو أننا قدمنا الإحترام والحب والتقارب للجميع بلا تمييز، فهذا يعد أكبر امتهان لتلك القيم ذاتها، واستهانة بكل من استحقها عن جدارة..

بالطبع هي ليست دعوة لتوزيع الإحتقار والكراهية والجفاء بين الناس، بل هي دعوة للإنتقائية والتدرج، فإن كان من الجيد منح بعض القيم بسهولة للجميع تقريبا على السواء (مثل الإنصاف والتهذيب وبعض اللطف) فهناك بعض القيم الأسمى والأخص، والتي يتوجب منحها فقط لمن يستحق التميز بها..

الإله والشر



يتساءل البعض: إن لم يكن هناك إله فمن يحاسب المخطئ والمجرم والشرير؟


وهي مغالطة تعرف بإسم "تفكير الأمنيات".. طالما أريد الشيء فلابد أن يكون حقيقيا..

على أساس أن الكون الواسع ملزم بتلبية طموحات وأحلام تلك القردة العليا الساكنة على إحدى أذرع مجرة ضمن مئات المليارات من المجرات..


وكان ينبغي أن يكون السؤال: إن لم يكن هناك إله فمن يمنع المجرم من ارتكاب جرائمه؟

ولكنهم لا يسألونها بهذا الشكل.. لماذا؟ لأنهم يرون بوضوح إن إلههم لمن يمنع مجرما في حياته، فهو جالس في سمائه يراقب، لا يمنع الشرور ولا يوقف الظلم..
 
رأينا ونرى الحروب والمذابح والمحارق والكوارث الطبيعية والفوضى والظلم والإستغلال والعبودية والإغتصاب.. وكل من له عينان يرى أنه لا يوجد أي عدل أو نظام، باستثناء المحاولات الناقصة التي يقيمها البشر لأنفسهم، وأما الآلهة فلا تنفع ولا تضر..


ولهذا حين تحدث مصيبة، فكلنا - مؤمنين وغير مؤمنين- نطمع بجهود البشر حصرا: الأطباء وجهود الإغاثة المؤسسية وحتى الفردية، ولا يوجد عاقل ينتظر نزول ملاك من السماء لإطفاء حريق أو دعم لاجئين أو إعادة إعمار منطقة متهدمة.. ولهذا حين نجد مصيبة لا يتدخل أحد لوقفها، نقول أن الضحايا "لهم الله"، وهو تعبير عن يأسنا من أن يتدخل أحد لإنقاذهم..

ولو كان الله يفعل شيئا، لكان تعبير "لهم الله" يعني أننا مطمئنون أنه لن يحدث لهم سوء، ولكنه يعبر عن النقيض تماما..

فلو كان إلهك موجودا، فلماذا يترك الشرور تحدث؟ (ناهيك طبعا عن الشرور الطبيعية التي يحدثها هو، إن كنت تؤمن به)..

هل من باب الإختبار؟ وهو يعرف النتيجة؟ هو يترك مجرما يغتصب طفلة ويقتلها، ويجلس على عرشه يتفرج على استمتاعه وألمها، وعلى شعورها الجارف بالوحدة والخوف بشكل لا يمكن لأحد منا تخيله، وذلك حتى يختبر البشرية، وهو يعلم تحديدا ما سيحصل؟

فإن كان كل ما نراه هو الظلم وسكوت ربك عليه، فما يضمن لنا أنه سوف يحقق العدل يوما ما؟ ما أدراك أنه رحيم أو يريد العدل أصلا؟ هل ترى أي إشارة على تلك الرحمة وذلك العدل؟

كونك تشعر بقسوة الدنيا، وتعترف بوجود الظلم فيها، وتحيل الرحمة والعدالة إلى عالم غيبي مستقبلي تتصور أنه يأتي بعد الموت.. كل هذا يشكك في صحة إيمانك، ولا يؤكده..

بالطبع هناك ظلم في الدنيا، ولهذا اخترعنا الإله الرؤوف العادل، وتصورنا أنه سيعوض كل آلامنا ويصلح كل ما تعرض للكسر فينا..


ولأننا لا نرى أي تأثير لوجود ذلك الإله، فلا هو يشفي المرضى ولا ينقذ القتلى ولا يوقف المجازر ولا يمنع المظالم.. فقد افترضنا أنه سيتدخل في لحظة ما قادمة.. متى؟ بعد أن نموت جميعا! حينها سيحضر المغتصب ويعاقبه بشدة، وربما يحضر الطفلة الضحية ويكافئها.. (باستثناء طبعا لو كان المغتصب تاب ومات على دينك، وكانت الطفلة على دين مخالف، فحينها سينعكس الوضع، فياله من عدل إلهي منتظر!)

ولو نظرت إلى السيناريو الديني فستجد أنه يتسم بجميع سمات الكذبة، ويتصرف كالنصابين والدجالين تماما.. فهو يغريك بكل ما تفتقده في حياتك، ويعدك بأنه سوف يتحقق مستقبلا، ثم إنه يحيل كل ذلك إلى مكان لا يمكنك أن تراه أبدا، بعد الموت!.. وذلك حتى لا يكون بإمكانك استخدام أي منطق أو الإستناد إلى أي شواهد لتكذيب كلامه..
 
ويفعل ذلك في كل شيء: فالله في السماء، أو خارج الزمان والمكان.. والملائكة والشياطين مختفين لا يمكن رؤيتهم.. والمعجزات كلها وقعت في الماضي السحيق..
 والعدل والرحمة والخير والسلام الإلهيين، كلهم قادمون بعد الموت إن شاء الله.. فقط كن مطيعا واغلق عقلك وانبذ الشك واقبل هراءنا وتمسك بعقيدتنا الآن، ثم فور أن تواري جثتك التراب سوف تلقى كل ما تريد، صدقني..

لو كنت قدمت لنا دليلا هنا والآن، لربما صدقناك في ما تعد به في المستقبل..

ولو كان هناك شواهد على وجود ربكم، تتعلق بالعدل والرحمة، لما احتجتم إلى التحجج بظلم الدنيا لإثبات وجوده!

الحرية المقرفة



من حين لآخر نرى صورة موضة مقرفة ما: شخص يشوه وجهه عمدا أو يرتدي أقراطا في أنفه أو يرسم وشومات بارزة قبيحة،

ويكتب تحت الصورة "حرية شخصية؟"

ويبدو أن الرسالة المقصودة هي الإحتجاج على "فوضى الحرية الغربية العلمانية الكفرية غير المسئولة والتي تنتج هذا القبح والقرف..إلخ"..

المغالطة الواضحة هنا هي الإحتجاج بالعاطفة، وكأن الناشر يريد إثارة اشمئزازك لكي يجذبك إلى موقفه (الديني أو الإجتماعي أو حتى السياسي)..

وكأنه يريد أن يقول: طالما هي مقرفة أو مزعجة بصريا فهي إذن ليست حرية..

والجواب البسيط: نعم، بل هي من صميم الحرية..

ولو كنت تتصور الحرية وكأنها سمة ملائكية وردية لا تحتوي إلا على ما هو جميل ومشع ومبهج، فأنت واهم مخدوع..
لأن الحرية -بالتعريف- لابد أن تشمل، إلى جوار العظيم والجيد والذكي، أيضا المقرف والمزعج وغير المريح، بل وتشمل الأحمق والسخيف والتافه، طالما لا يحتوي اعتداءا على الآخرين..

ولو أن الحرية شملت - فقط وحصريا- ما يسعدك ويرضيك، فهي ليست حرية..

ولو أنك تقبلت فقط ما يسعدك ويرضيك فلا يصح أن تسمي نفسك مؤمنا بالحرية..

ويكون السؤال: إن كانت الحرية تنتج سخافة وقبحا فلماذا نتمسك بها وندافع عنها ونعتبرها أمر عظيما؟

والجواب لأننا نقيم الحرية بتقييم مجمل نتائجها، فهي حق من حقوق الإنسان تتيح له الحياة باستقلالية ومسئولية ونضج، وهي أداة عظيمة لتقدم المجتمعات عن طريق النقد والنقد المتبادل للأفكار والأنظمة، وتعلمنا التجربة أن مكاسبها أكثر من مساوئها..

فالحرية لا تعصم الناس من الخطأ، بل هي تتضمن حرية ارتكاب الخطأ، ولكنها تعطي فرصة للناس أن يتعلموا من أخطائهم، وتمنحهم فرصة لتحمل مسئولية أفعالهم..

ولأن الحرية وحدة مترابطة يصعب تقسيمها لأخذ الجيد وترك السيء، فبمجرد أن تقرر ممارسة الغربلة والإنتقائية فهذا يعني أن تضع جهة ما حكما مهيمنا على ألسنة الآخرين وآذانهم وملبسهم ومأكلهم، وتكون النتيجة أن تلك الجهة - المكونة من بشر بطبيعة الحال، لهم أغراض- لا تتسم بالحياد، وإنما ستستخدم تلك القوة لتحقيق أغراضها ومصالحها..

ولأن البديل عن الحرية ليس نصف حرية وإنما طغيان تقوم به الجهة التي تملك التحكم في البشر، فتحول البشر إلى أطفال قصر خائفين منافقين خاضعين تابعين لها، لا يملكون حتى التفكير إلا بما تقرره لهم تلك الجهة..

وهذا الوضع الإجتماعي والسياسي هو - صدقني - أكثر قرفا وأكثر ضررا بكثير من قرط بالأنف أو وشم بارز..

لماذا نكره الحرية؟



ربما لأننا لا نكاد نفهم معنى الحرية..

في تراثنا القديم: الحرية هي نقيض العبودية، وترتبط بالمكانة الرفيعة والشرف..

وفي تراثنا الحديث: الحرية هي نقيض الإستعمار، وترتبط بزوال المحتل..

أما الحريات الشخصية: حرية الفكر والتعبير والحركة والعمل والدراسة والجنس، فما نزال ننظر لها بنظرة ريبة..

فطالما الفكر التقليدي يربط الحرية بالتمرد (تمرد العبد على سيده، أو تمرد الشعب على مستعمره)، ذلك التمرد الذي كان يستدعي صداما وربما حروبا (مثل حروب العبيد أو حروب الإستقلال) فنحن بالتالي نسقط تلك النظرة على من يطالب بحريته وكأنه ينوي التمرد وإعلان الحرب على المجتمع..

ولذلك نرتعب بشكل خاص من تعبير "حرية المرأة"، فلا نفهمه على وجه التمكين أن تدرس وتعمل وتتحرك بشكل مستقل، وإنما نفهمه على وجه أنها ستتمرد على الأب والأخ والزوج ومنظومة الأسرة..

وطالما أن المرأة- كما نعلم جميعا وكما ثبت في تراثنا العزيز- هي مخلوق جنسي ناقص العقل والدين، عورة متحركة تمشي على قدمين، من أكثر أهل النار، فتمردها هنا له معنى واحد: هو أنها ستتحول إلى قنبلة جنسية تجري عارية بالشوارع وتزني مع كل من هب ودب..

والنتيجة مرعبة طبعا: اختلاط الأنساب، فلن نعرف العدناني من القحطاني، ولن نعرف القرشي من الساساني، تخيل المصيبة؟ إذن كيف سنتمكن من اختيار خليفة قرشي شرعي للمسلمين، بعد أن نتحد وننتصر على جيوش أمريكا والصين ويأجوج ومأجوج؟

وحينها- الكابوس الأكبر الشخصي- لن أضمن تمرير جيناتي العزيزة، فقد أفرح بإنجاب ولد أخيرا يرثني ويرث من آل يعقوب، بعد أن كنت أخاف الموالي من ورائي، ثم بعد أربعين سنة وأنا على فراش الموت أكتشف أن الحقيرة خانتني وأنني كنت أقوم بتربية ابن ساعي البريد مثلا، وهكذا ستختفي سلالتي المباركة إلى الأبد كما اختفت سلالة الإمام الحسن العسكري، وكل ذلك بسبب حريتكم الملعونة..
هذا كل ما يشغل بال أصحابنا ويرعب خيالهم الواسع..

وهو لا ينطبق على المرأة وحدها، فحرية السياسة يسموها حرية الخروج على الحاكم، وحرية التعبير يسموها حرية الإلحاد ويتخيلون حينها أن تتحول المساجد إلى صالات للرقص والقمار وحظائر الخنازير..إلخ..

فهم يجدون صعوبة في الفهم خارج منطق التمرد والصراع والغلبة، والذي كان الأصل في الماضي، حتى حل محله التعايش والتعددية بين المختلفين، ليمارس كل منهم حياته كما يشاء بدون الإعتداء على الآخرين، وتلك هي الحرية ببساطة..

يسوع ومغالطة الخطيئة





(من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر)

بغض النظر أن القصة يبدو أنها مضافة لا وجود لها بالمخطوطات الأقدم للأناجيل..

لكن ما يدهشني هو تفاخر البعض بها وكأنها تعبير عن التسامح والمحبة اليسوعية،
وحتى الآن مازلت غير قادر على فهم المغزى العظيم من القصة: الزنا جريمة حسب العهد القديم، ويسوع أعلن إيمانه الكبير بوصايا الكتاب، بل بالغ عليها إذ حذر ليس من الزنا وإنما من مجرد النظرة الشهوانية، ففي رأيه ماذا كان المطلوب من الكهنة أن يفعلوا؟!

هل يتركوا الزناة دون عقاب؟ وهل ينطبق ذلك على الزنا فقط (حينها يكون يسوع تقدميا يؤيد الحرية الجنسية) أم ينطبق على كل الجرائم؟

وأي منطق في القول بأنه لكي تعاقب مجرما لابد أنت أن تكون بلا خطيئة؟ لو طبقنا هذا الخرف فيجب إلغاء الشرطة والمحاكم والقضاء بالكامل..

وهنا أتخيل سفاحا يقتل ويسرق ويغتصب، فيأتيه شرطي يقبض عليه، فيظهر يسوع من العدم ويقول للشرطي: انتظر لحظة، هل أنت بلا خطيئة؟ فيصمت الشرطي ليفكر: في الحقيقة لقد نظرت أمس إلى امرأة جميلة عابرة بالطريق، ثم أنني مارست النميمة وتكلمت عن صديق لي بالسوء.. فيرد يسوع: أوبس، يبدو إنك مخطئ مثله، ثم يلتفت نحو السفاح بابتسامته الوديعة قائلا "اذهب ولكن لا تذبح أحدا مرة أخرى"..

بشكل عام، أجد أن كل تعاليم يسوع ومواقفه بالأناجيل تقريبا لا تتسم بأي منطق أو عملية، ولا تهدف إلا إلى جذب الإنتباه على طريقة "خالف تعرف"، فهو يعاند الكهنة ويشهر نفسه بأي ثمن، ولو أن تلك التعاليم طبقت اليوم - من أول إدارة الخد للضاربين، حتى الإمتناع عن غسل اليدين قبل الأكل - فلن تؤدي إلا إلى كوارث وتفسخ اجتماعي..

دين إرهابي



سؤال من أحد المسلمين: لماذا تصفون الإسلام بالإرهاب، رغم أن عدد الإرهابين لا يزيد عن 1% من عدد المسلمين؟
----------------------
الجواب:
نقول أن الإسلام دين إرهابي لأنه دين إرهابي: نصوصه (القرآن والسنة والسيرة والفقه) تكفر المخالف وتأمر بقتل المرتد وبإعلان الحرب الدينية - اعتداءا- على جميع البشر..

على المستوى الديني فالقرآن يهدد المخالفين - جميعا- بالجحيم وهو عذاب ناري أبدي بشع، وهذا نوع من الإرهاب الذي يهدد الناس بسبب عقائدهم..

وحتى منذ النصوص المبكرة في السيرة - بمكة- نجد محمدا يتوعد قومه بالذبح، ويتحدث عن غزو العرب والعجم..


وبعد الهجرة بدأ مسيرته كقاطع طريق وغازي ومهدد لأمن المنطقة، حيث لم نقرأ عن حروب شاملة أو دينية دخلت فيها قريش قبله، بل كانت مكانا لتعايش نسبي بين أديان مختلفة في إطار وثني متسامح، ولكن دعوة التوحيد المحمدي - المستقاة من اليهود- حولت الجزيرة إلى ساحة حرب أهلية وفتنة دينية..

ولو فرضنا أن تلك الدعوة تعرضت إلى الإضطهاد والظلم كما تقول السيرة، فكان الطبيعي للمؤمنين أن يدافعوا عن أنفسهم، وهذا لا يحتاج إلى نصوص دينية أصلا بل هي غريزة فطرية تفعلها حتى الحيوانات، وحينها لن يلومهم أحد..

ولكن القرآن احتوى على ما يقرب من 70 آية تأمر بالحرب وتحرض على القتال وتستدعي الأعراب من كل أنحاء الجزيرة، بغرض الدخول في صراع ديني شامل مع الوثنيين الذين أِشركوا بالله، ثم مع اليهود والنصارى لأنهم قالوا فلان وعلان أولاد الله، ثم مع كل شعوب المنطقة المجاورة، فيما سمي لاحقا بالفتوحات، حيث تم فرض الحكم الإسلامي والجزية والعبودية أو السخرة أو الإغتصاب أو الظلم على جميع تلك الشعوب..

وتمتلئ النصوص بعناصر إرهابية معتدية لا تتفق مع حقوق الشعوب أو الأفراد، منها قول محمد أن الله جعل رزقه تحت ظل رمحه، وأنه أمر بقتال الناس حتى يشهدوا أنه رسول الله حتى يعصموا دماءهم وأموالهم، وأن من مات ولم يحدث نفسه بالغزو فهو منافق، مع نصوص تبشر بغزو تلك الأرض أو تلك العاصمة، مع تأكيد بأن الجهاد مستمر إلى يوم القيامة، ووعود بحرب اليهود وغيرهم..إلخ، وتجسدت تلك النصوص في حروب دموية بين المسلمين وكل الأطراف تقريبا، بل وبين المسلمين وأنفسهم في حروب أهلية بشعة وطويلة..

ويكفي إرهابا سيرة محمد نفسه، والتي تحتوي اغتصاب أسيرات الحرب بالجملة،وقيام النبي بقتل امرأة بين جملين، وقتل امرأة أخرى وهي ترضع طفلها، وقتل شاعر بسبب بعض الأبيات، وإقامة مذبحة إبادة لقبيلة كاملة، مع بيع النساء والأطفال ليشتري بهم محمد خيلا وسلاحا لرجاله..


ثم إن الإرهاب الإسلامي لا يتجلى فقط في إعلان الحرب على كل البشر، وإنما في عناصر كثيرة منها الأحكام الهمجية والظالمة التي تشمل الذبح والقطع والجلد والرجم، والسماح بنكاح الطفلات، وضرب الزوجات، وتجارة البشر في الأسواق مثل البهائم، بالإضافة إلى التشريعات الجائرة ضد أهل الأديان الأخرى، فإن لم يقتلوا أو يتم اغتصابهم أو بيعهم بالأسواق، فتكون ديتهم النصف من المسلم لو تم قتلهم، ولا تم قتل المسلم قصاصا بمسيحي أو يهودي، كما لا تقبل شهادتهم ضد المسلم..إلخ..
----------------------

أما عن نسبة 1%، ولو سلمنا بكلامك، فأولا من معرفتنا بالنصوص والتاريخ يمكن القول أن تلك النسبة هي التي تطبق الإسلام بشكل مخلص وحقيقي وتحيي الركن الأهم منه وهو الجهاد..

وثانيا فإن تلك النسبة تكفي تماما لجعل الدين كله ساحة مرعبة..


إذ تخيل طريقا كبيرا تسير به ألف سيارة، ثم هناك عشر سيارات يقودها مجانين، كيف تتصور شكل الشارع كله بعد دقائق من القيادة؟

أو تخيل أن أدعوك إلى حضور مباراة كرة قدم بها جمهور تعداده مائة ألف شخص، ثم أخبرك أن بين الجمهور ألف مجرم قاتل إرهابي (فقط!) لن يتورع كل منهم عن ذبحك لو رآك، فهل ستقبل الحضور وتعتبرها مباراة آمنة، بحجة أن 99% من الحضور هم قوم مسالمون؟

لا أعتقد، إذ أن نسبة 1% من المجرمين في مكان ما، هي نسبة مخيفة وكافية جدا لتحويل الساحة إلى جحيم..


ولو نظرنا إلى أي نظام إجرامي، مثل النازية الهتلرية، فكم تتصور نسبة الذين ارتكبوا جرائم فعلية من النازيين؟ أتصورهم أقل من 1%، ربما القادة وبعض التابعين فقط، هم من قاموا بالقتل والتعذيب والظلم، بينما البقية اكتفت بالتشجيع والتأييد أو حتى الصمت..
وهذا يقودني إلى النقطة التالية: لو كان 1% من المسلمين إرهابيين، والبقية ترفض ذلك الإرهاب وتقاومه، لهانت المسألة، ولكن هذا غير متوفر مع الأسف، حيث لدينا ما سلمنا جدلا أنه 1% من الإرهابيين بمعنى الذين ينخرطون بشكل مباشر في قتال أو تنظيم جهادي أو أعمال عنف وتحريض، ولكن كما يشير سام هاريس فحول هؤلاء تكمن دائرة أوسع من المسلمين، هم المشايخ الذين يصدرون الفتاوى الداعشية المؤيدة للقتل والتفجير والذبح والحرق، والمتدينين الذين يتبنون ذلك الفكر ولا تسمح ظروفهم بالسفر وممارسة الجهاد فعليا، ثم هناك دائرة أوسع من عوام المسلمين الذين لايمارسون الإرهاب ولا يصدرون الفتاوى ولكنهم يتعاطفون مع ممارسات الإرهابيين ويرددون الأدعية الإرهابية خلف الإمام، وإن لم يجرؤوا على الذهاب إلى الجهاد بأنفسهم، وأخيرا - بالطبع- هناك المسلمون المسالمون أو الرافضون للإرهاب..


ثم أذكر بأن الإرهاب لا يعني فقط القتل والتفجير والذبح، وإنما هناك أنواع أخرى من الإرهاب الأصغر، تتجلى في اضطهاد نصف المجتمع وهن النساء، مثل تزويج الصغيرات أو ضرب الزوجات أو فرض الحجاب على البنات والأخوات، كما تتجلى في النظرة الدونية تجاه الجار المسيحي والتعامل معه بشكل عدواني، أو حتى المطالبة بقتل المثلي والمرتد، والتدخل الحشري في حياة الناس وخصوصياتهم، وكراهية الحرية والفنون والحضارة بأنواعها، ذلك الإرهاب الذي نراه في إعلامنا وشوارعنا كل يوم..

 الخلاصة أن المشكلة أكبر كثيرا من مجرد نسبة 1% من الإرهابيين يتم تعميم حكمهم على بقية المسلمين، وإنما المشكلة أننا بالفعل أمام دين وفكر وتراث إرهابي، يؤثر بالملايين بدرجات مختلفة، ولا يتم تجنب تأثيره الكارثي إلا نشر التعليم والثقافة والفنون العلمانية..