الاثنين، 1 أبريل 2019

الحرية المقرفة



من حين لآخر نرى صورة موضة مقرفة ما: شخص يشوه وجهه عمدا أو يرتدي أقراطا في أنفه أو يرسم وشومات بارزة قبيحة،

ويكتب تحت الصورة "حرية شخصية؟"

ويبدو أن الرسالة المقصودة هي الإحتجاج على "فوضى الحرية الغربية العلمانية الكفرية غير المسئولة والتي تنتج هذا القبح والقرف..إلخ"..

المغالطة الواضحة هنا هي الإحتجاج بالعاطفة، وكأن الناشر يريد إثارة اشمئزازك لكي يجذبك إلى موقفه (الديني أو الإجتماعي أو حتى السياسي)..

وكأنه يريد أن يقول: طالما هي مقرفة أو مزعجة بصريا فهي إذن ليست حرية..

والجواب البسيط: نعم، بل هي من صميم الحرية..

ولو كنت تتصور الحرية وكأنها سمة ملائكية وردية لا تحتوي إلا على ما هو جميل ومشع ومبهج، فأنت واهم مخدوع..
لأن الحرية -بالتعريف- لابد أن تشمل، إلى جوار العظيم والجيد والذكي، أيضا المقرف والمزعج وغير المريح، بل وتشمل الأحمق والسخيف والتافه، طالما لا يحتوي اعتداءا على الآخرين..

ولو أن الحرية شملت - فقط وحصريا- ما يسعدك ويرضيك، فهي ليست حرية..

ولو أنك تقبلت فقط ما يسعدك ويرضيك فلا يصح أن تسمي نفسك مؤمنا بالحرية..

ويكون السؤال: إن كانت الحرية تنتج سخافة وقبحا فلماذا نتمسك بها وندافع عنها ونعتبرها أمر عظيما؟

والجواب لأننا نقيم الحرية بتقييم مجمل نتائجها، فهي حق من حقوق الإنسان تتيح له الحياة باستقلالية ومسئولية ونضج، وهي أداة عظيمة لتقدم المجتمعات عن طريق النقد والنقد المتبادل للأفكار والأنظمة، وتعلمنا التجربة أن مكاسبها أكثر من مساوئها..

فالحرية لا تعصم الناس من الخطأ، بل هي تتضمن حرية ارتكاب الخطأ، ولكنها تعطي فرصة للناس أن يتعلموا من أخطائهم، وتمنحهم فرصة لتحمل مسئولية أفعالهم..

ولأن الحرية وحدة مترابطة يصعب تقسيمها لأخذ الجيد وترك السيء، فبمجرد أن تقرر ممارسة الغربلة والإنتقائية فهذا يعني أن تضع جهة ما حكما مهيمنا على ألسنة الآخرين وآذانهم وملبسهم ومأكلهم، وتكون النتيجة أن تلك الجهة - المكونة من بشر بطبيعة الحال، لهم أغراض- لا تتسم بالحياد، وإنما ستستخدم تلك القوة لتحقيق أغراضها ومصالحها..

ولأن البديل عن الحرية ليس نصف حرية وإنما طغيان تقوم به الجهة التي تملك التحكم في البشر، فتحول البشر إلى أطفال قصر خائفين منافقين خاضعين تابعين لها، لا يملكون حتى التفكير إلا بما تقرره لهم تلك الجهة..

وهذا الوضع الإجتماعي والسياسي هو - صدقني - أكثر قرفا وأكثر ضررا بكثير من قرط بالأنف أو وشم بارز..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق