الاثنين، 20 أبريل 2020

قصة السكينة


لغز الحضور الإلهي في اليهودية والمسيحية والإسلام..

 

الجذر العبري "ش ك ن" له أصل سامي، ونجده كذلك في العربية في كلمة "سكن" بنفس المعنى تقريبا :  أي أقام في مكان واتخذه موضعا.. وقد ورد الجذر في التوراة بهذا المعنى عدة مرات، فقيل مثلا أن يافث "يسكن" في خيام سام (تكوين 9-27)..

ولكن في سفر الخروج نجد ذات الجذر يستخدم تجاه الرب نفسه، بمعنى الإقامة أو ربما الحلول، فقيل أن مجد الله "يسكن" على جبل سيناء (خروج 24-16)..

مع رحيل الشعب يأمر الرب موسى أن يكلم بني إسرائيل لكي يبنون للرب "مقداش" (أي ملجأ آمن، أو حرم) لكي "يسكن" وسطهم (25-8)، ويحدد يهوه لهم بالتفصيل كيف يبنون ويزينون هذا "المسكن" (25-9)، وهو تابوت العهد المزخرف والمغلق بغطاء من الذهب الخالص..

وبعد ذلك يأتي الأمر ببناء خيمة  (الإجتماع) ليتم وضع التابوت بداخل غرفة مخصصة فيها - والخيمة هي نواة الهيكل اليهودي، وتسمى أيضا "مسكن" (منذ خروج 26-1، وتتكرر التسمية عبر الكتاب)..

ولكي نفهم الصورة يمكننا تذكر أن الدين ينشأ عن دمج عدة مصادر وأفكار معا، بتناقضاتها: فبينما ظهر الله (إيل) عدة مرات في سفر التكوين لآدم وإبراهيم ويعقوب مثلا، إلا أنه حين ظهر لموسى في سفر الخروج أعلن أنه يظهر لأول مرة بإسم جديد هو يهوه (خروج 6-3)، ويخبرنا علماء الآثار أن الإله يهوه لا ينتمي إلى أرض كنعان وإنما ترجع أصوله بالفعل إلى بدو سيناء وصحراء الأردن (مما يجعل وجود اسم يهوه أحيانا في سفر التكوين هي إضافات متأخرة، في إطار تحول اليهود اللاحق من الوثنية إلى التوحيد ودمج إيل مع يهوه ليصبحا نفس الإله).. ولأن اليهودية تدمج بين عدة عقائد مختلفة ، فلا غرابة أن نجد لله خصائص مختلفة، فبينما نقرأ  في عدة مواضع أنه يسكن السماء، إلا أن آيات أخرى تخبرنا أنه كذلك يسكن - مثل كثير من الآلهة القديمة- على جبل مقدس..

وبينما كان الرب يتجلى في شكل شجرة محترقة (لموسى في أول لقاء، خروج 3-2)، أو في الصحراء على هيئة عمود سحاب نهارا، وعمود نار ليلا (لكي يهدي الشعب الطريق في سيناء، خروج 13-21)، فإنه بعد بناء التابوت والخيمة المتنقلة وتأسيس الكهنوت الهاروني، صار يتجلى لقومه في شكل سحابة  عند الخيمة، يأمرهم بأن يقدموا له الذبائح عند باب الخيمة حيث يجتمع الرب معهم ليكلمهم، ويكون دائما وسطهم (خروج 29)..

وكأن اليهود عرفوا الرب يهوه في طريقهم للخروج من مصر، فأخذوه معهم من سيناء، محمولا في التابوت، إلى أرض فلسطين!

-------------------------------------

وقد حظى التابوت والخيمة (المسكن) بقداسة تليق بتواجد الله فيهما، ليس فقط من ناحية عناية البناء والزخرفة الفاخرة، ولكن كذلك من جهة التعامل: حيث يأمر الرب الكهنة اللاويين - أبناء هارون- أن يحملوا الخيمة ويعتنوا بها ويخيموا حولها، كما يهدد أي فئة أخرى تقترب من الخيمة بالموت (العدد 1-48،51).. وهو تهديد يتكرر مع تابوت العهد (العدد 4-20) بل ويتم تنفيذه لاحقا في عهد داود حين قام رجل بمد يده ليسند التابوت، خوفا عليه من السقوط، فيضربه الله فيموت فورا (صموئيل الثاني 6-6)..

ويرتبط مصير مسكن الله مع مصير شعبه، حيث نقرأ في أسفار يشوع وقضاة وصموئيل وملوك وأخبار الأيام أن الإسرائيليين ظلوا يحملون الخيمة معهم في رحلاتهم وغزواتهم.. وبعد دخول فلسطين وتقسيم الأرض بين القبائل، تم نقل الخيمة إلى أرض إفرايم (قبيلة يشوع، خليفة موسى)، حيث ظلت هناك طيلة فترة القضاة (نحو ثلاثة قرون)، ولاحقا سيحل محلها الهيكل السليماني كمسكن للتابوت..

وأما التابوت فقد أخذه الإسرائيليون معهم ليساندهم في الحرب ضد الفلسطينيين، ولكن بعد هزيمتهم قام أعداءهم بأخذ التابوت إلى ديارهم، وتحكي القصة أن الفلسطينيين أصابتهم عندئذ البلاءات كالأورام والطاعون، حتى اضطروا لإعادة التابوت لشعب الله، حيث تبادلته عدة عوائل إسرائيلية حتى وصل إلى الملك داود الذي بنى له خيمة مخصصة، إلى حين جاء سليمان وبنى هيكله، واضعا تابوت الرب في غرفة خاصة (قدس الأقداس)، ويحكي أنه عندها امتلأ المعبد بسحابة، حيث أن مجد الله ملأ بيت الله (ملوك الأول 8- 10،11)

وبعد الغزو البابلي للقدس وتدمير الهيكل وسبي الشعب إلى بابل، لا نعرف ماذا حل بالتابوت الإلهي..

-------------------------------------

هذا الزوال لمركزية الكهانة في القدس، وضياع التابوت، سيزلزل العقلية اليهودية ويفتح المجال لفكر جديد راديكالي، أكثر ديمقراطية دينية إن جاز التعبير، فالقداسة لن تزول وإنما بالأحرى سيتم توزيعها على الشعب كله..

ففي سفر إرميا (وإن كانت تدور أحداثه في القرن السابع ق.م، إلا أنه كتب على مراحل واحتوى إضافات متأخرة حتى القرن الثاني ق.م) نقرأ (3-16) توجد نبوءة بأثر رجعي تحكي أن الإسرائيليين سيأتي عليهم زمن يزدادون عددا ثم لا يذكرون تابوت الرب ولا يهتمون به.. وفي تفسير الحاخام راشي للآية (أواخر القرن الحادي عشر  للميلاد) يعلق بأن الشعب كله سوف يتشرب روح القداسة حتى أن الحضور الإلهي سيكون عليهم بشكل جمعي، وكأن تجمعهم هو ذاته تابوت العهد..

وفي سفر المكابين الثاني (2-4،8) يحكون أن الله تعمد إخفاء الخيمة والتابوت، حيث أصدر أوامره للنبي إرميا أن يحملهما معه، ويخفيهما في كهف لا يعرف مكانه أحد، ويغلق المدخل، وذلك حتى يأذن الله بعودتهما مرة أخرى..

-------------------------------------

وكان هناك عامل آخر ساهم في اللامركزية الدينية وهو الترجومات، إذ أن اليهود - منذ بعد السبي- بدأوا يتخذون الأرامية كلغة رئيسية، وإن ظلت الطقوس والتلاوات تقام بالعبرية، حتى ظهرت الحاجة إلى وجود ترجمات (خاصة أرامية) يفهمها الشعب، كانت تتلى على الشعب إلى جوار النصوص العبرية الأصلية، وذلك منذ منتصف القرن الأول للميلاد..

وفي تلك الترجومات، وفي التلمود والتراث اليهودي الحاخامي، ظهرت نزعة متجردة تبعد الله عن الأنسنة والتجسد، فلم يعد من اللائق عليه أن يتمشى وينزل ويتصارع ويحبس في التوابيت كما كان الحال سابقا، وبالتالي ظهرت تعبيرات بديلة تعبر عن الظهور الإله بشكل غير شخصي وغير مباشر..

-------------------------------------

من تلك التعبيرات كلمة "شكينه"، سكينة، وهي كلمة عبرية لم ترد في التناخ بتلك الصيغة، بل وردت بالمعنى كما ذكرنا، ثم صارت تستخدم في الكتابات اللاحقة بعد هدم الهيكل عام 70 للميلاد، بشكل يرتبط بالبركة والعناية الإلهية، بديلا عن ذكر الإله نفسه، حيث نقرأ أنه حين يقوم المؤمن بدراسة التوراة فإن السكينة تكون بينهم، وكذلك الحال حين يجتمع عشرة للصلاة، أو يجلس ثلاثة للقضاء، كما أن السكينة تنزل على الناس تدعمهم في المرض والشدائد..

وهكذا صار الإله أكبر ابتعادا وتجردا عن كل ما هو أرضي، وبنفس الوقت صار أكثر إتاحة للمؤمن العادي..

وقد وصفت السكينة بأنها نور مشع يعبر عن بهاء الله، كما ارتبطت مع الروح القدس، وهي روح الله الواردة في أول سفر التكوين، فشبهت بالحمامة وأن لها أجنحة.. كما قيل بأن لها صوت رنين مثل الجرس..  

وأما في بعض الكتابات القبالية والغنوصية، فقد اكتسبت السكينة هالة أنثوية، بل وتوصف بأنها "ابنة الله"..

-------------------------------------

التعبير الثاني يظهر في الترجومات والأدب الحاخامي كتعبير عن الحضور الإلهي هو "ممرا"، وهي كلمة أرامية مرتبطة بالجذر العبري "أمر"، والتي تعني - كما  في العربية- كلاما أو خطابا أو حكما، ولعلها مرتبطة بإسم المكان الذي تلقى إبراهيم الوحي عنده "بلوطات ممرا)..  

لاحقا صارت تلك الكلمة بديلا لله أو وكيلا عنه، فيقال مثلا أنه في البدء قامت ممرا الله (أمر الله أو حكمه أو حكمته) بخلق الكون، كما يقال "صوت ممرا" بدلا من صوت الرب، كما أن ممرا تحفظ إسرائيل وتقوم بالمعجزات في مصر وهكذا..

ذلك الإستخدام لم يكن بدعة تماما، فأول سفر من التوراة يخبرنا أن الله خلق العالم بكلمة، بشكل يبدو مشابها للإله المصري القديم بتاح (الفتّاح) والذي خلق العالم بأن فتح فمه- ولكن الجديد هنا أن الكلمة بدا وكأنها تتحول- بفضل التلاعبات الفلسفية واللغوية- إلى كيان مستقل..  

      

ثم بالطبع هناك التأثير اليوناني، حيث مفهوم اللوغوس (الكلمة، المنطق، العقل، الفكر).. ذلك التأثير كان بدأ يتسرب إلى العقلية اليهودية، فنجد مثلا أن فيلون- الفيلسوف اليهودي السكندري 30 ق.م- 50 ب.م- يكتب باليونانية عن اللوغوس وكأنه الوكيل  الذي خلق الله العالم، ويديره، من خلاله، كما فسر النص التكويني الذي يقول أن الرب خلق الإنسان على صورته، مستنتجا أن اللوغوس إذن هي صورة عن الله، تنعكس على الأشياء، كالظل الذي يمتلك شكل الشيء ولكن لا يعكس نوره وبهاءه..  

تلك المقارنة - بين الأصل المقدس والإنعكاسات الظلالية- تذكرنا مباشرة بفلسفة أفلاطون عن عالم المثل وانعكاساته على عالم الواقع، وهو تأثير يظهر مع الرواقيين الذين تأثروا بأفلاطون وبلوروا مفهوم لوغوس سبيرماتيكوس، وهو جوهر الوجود الذي يخلق الأشياء، ولاحقا  ستتبلور الأفلاطونية الجديدة، والتي تربط اللوغوس فلسفيا بأقانيم الوجود (العقل والنفس والروح)..

ولعل تلك التطورات مرتبطة بفقدان الشعب اليهودي لحضور الإله بذاته في طقوس الهيكل، فصار البديل هو تلاوة واستحضار كلمات الله المقدسة التي تقوم بدورها في طمأنة المؤمنين وحفظ المجتمع، فكما أن مراسيم الملوك تعبر عن حضورهم وإن غابوا بالجسد، فكذلك الكلمة المقدسة هنا هي حضور الله ووكيله والواسطة بينه وبين شعبه..

 -------------------------------------

كلمة ثالثة مستخدمة هي "مجد الله" يقرا"، وهي كلمة أرامية تستخدم في الترجوم، فمثلا حين يتحدث النص في سفر الخروج عن جبل الله، تأتي الترجمة "جبل مجد الله"، مما يستبعد الله من أي حضور جسدي مادي، ويستبدل به هالة معنوية من المجد..  

 -------------------------------------  

هذا هو السياق الذي ستتبلور فيه، وبالتوازي معه، المسيحية كدين وكفلسفة، بمفاهيم الأقانيم والروح القدس كمصدر للوحي، والكلمة كوسيط بين الله والبشر، وإن تجسد في شخص يسوع، فتلك الأفكار لا يمكن فهمها إلا بفهم الخلفية الثقافية التي أفرزتها..

وكذلك نجد معنى الحضور الإلهي، مثلا في متى18-20 يقول يسوع (لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ)..  

كما نجد تلك التأثيرات مبطنة في هذا النص من إنجيل يوحنا 1-14 (وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ).. فالكلمة هي اللوغوس، ممرا، أي الحضور الإلهي على الأرض.. والحلول هنا هو السكن، إذ أن الكلمة اليونانية  "سكنو" مرتبطة بميثلتها العبرية، وهنا إحالة للسكن الإلهي أو الشكينة الحاضرة مع الشعب.. وأما المجد فهو الكلمة الأرامية الترجومية "يقرا"..

 -------------------------------------  

لو سألت المسلم العادي عن معنى "السكينة" فسيكتفي أنها شعور بالطمأنينة، بدون أي أبعاد لاهوتية أخرى..

والكلمة ترد في القرآن في عدة مشاهد، بالفعل أكثرها تتعلق بطمأنة الله لقلوب المؤمنين..

(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) الفتح 4

(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) الفتح 18

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى) الفتح 26

(ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) التوبة 26

(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) التوبة 40

ومن اللافت أن جميع تلك الآيات - التي وردت في سورتين فقط- جاءت كلها في سياق مرتبط بالحرب والجنود الإلهية القادمة لنصرة المؤمنين، مما يمكن أن يمنح السكينة معنى روحي أقوى من مجرد التعبير المجازي عن الهدوء النفسي..

وفي موضع وحيد تأتي السكينة بمعنى يرتبط مباشرة بالسياق الموسوي المذكور، فيحكي القرآن عن قصة تنصيب صموئيل لشاؤول ملكا (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) البقرة 248..

إن المسلم العادي قد يمر على تلك الآية مرور الكرام، ولكن حين نطلع على الخلفية اليهودية لتابوت العهد والشكينه الكامنة فيه، فإن ذكرها بالقرآن بهذا الشكل لا يمكن أن يكون صدفة، فإما أن الكاتب يقصد الحضور الإلهي على النمط اليهودي الترجومي، وإما أنه ينقل عن اليهود كلمات لا يدرك معناها ويفرغها من محتواها اللاهوتي، فيجعلها مجرد شعور عادي بالطمأنينة..

في تفسير الطبري للآية المذكورة من سورة البقرة يحكي تفاصيل كثيرة عن قصة ضياع التابوت من وجهة نظر إسلامية، ثم يأتي إلى تفسير السكينة فيقول أن أهل التأويل- كالعادة -اختلفوا فيما تعنيه:

فبينما رأى البعض ببساطة أنها الطمأنينة والوقار ، فهناك أقوال جعلت لها أبعادا أعمق، فينقل الطبري قولا عن علي ابن أبي طالب أن السكينة : هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان..

والريح هنا تذكرنا بالروح (فالكلمة واحدة في العبرية، وفي سفر التكوين أن روح الله كانت ترف على وجه المياه، فيهوه هو إله هوائي بامتياز كما نرى من ظهوراته)..

ونجد أقوالا أخرى خيالية : السكينة ريح خجوج, ولها رأسان- السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان-السكينة لها جناحان وذنب- لها جناحان وَذَنَب مثل ذنب الهرة - وقال آخرون: بل هي رأس هرة ميتة، وعن وهب بن منبه, عن بعض أهل العلم من بني إسرائيل قال: السكينة رأس هرة ميتة، كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ هر، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح.. وقال آخرون: إنما هي طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.. أو أنها طست من ذهب يغسل فيها قلوب الأنبياء, أعطاها الله موسى, وفيها وضع الألواح. وكانت الألواح، فيما بلغنا، من در وياقوت وزبرجد... و يحكي أحدهم: سألنا وهب بن منبه فقلنا له: السكينة؟ قال: روح من الله يتكلم، إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون.

وفي الحديث نجد ما يشبه النصوص التلمودية المذكورة، ففي صحيح مسلم (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)..

وفي عدة مصادر (كسنن أبي داود وعمدة التفسير وتخريج المسند) توصف حالة الوحي المحمدي بأن رسول الله "غشيته السكينة"، وهو تعبير يبدو غريبا لو تذكرنا حالة الإرتعاش والتعرق والثقل والإرهاق التي كانت تصيبه- فالأقرب أن السكينة هنا لا علاقة لها بالطمأنينة، وإنما بروح الوحي ذاته..    

وفي روايات أخرى نكتشف أن السكينة ليست فقط مشاعر مجردة، وإنما هي كيان مستقل، ففي البخاري ومسلم : (قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ ، وَفِي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ ، أَوْ سَحَابَةٌ قَدْ غَشِيَتْهُ ، قَالَ : فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : اقْرَأْ فُلَانُ ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ).. وبالطبع فوصف السحابة هنا لا يمكن إدراك مدلولاته إلا بالرجوع إلى الخلفية اليهودية المذكورة..

وهناك روايات عديدة تربط السكينة بمعنى الروح الإلهية، ففي مسند أحمد ومجمع الزوائد وغيره ينقل عن علي أنه قال ( لا خيرُ هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكرٍ ثمَّ عمرَ رضي اللهُ عنه وما نبعد أنَّ السكينةَ تنطقُ على لسانِ عمرَ رضي اللهُ عنه)..

فيبدو أن بعض التعبيرات تجد طريقها بالوراثة إلى النصوص الدينية، حتى وإن فقدت الكثير من وظائفها، وذلك بشكل يمكن مقارنته بعالم التطور البيولوجي حيث نرى الأعضاء الآثارية التي نرثها مع فقدانها لفائدتها (كشعر الجسد وضروس العقل وعضلات الأذن وبقايا الذيول والجفن الثالث..إلخ)، وهي عناصر يستحيل فهمها بدون فهم الخلفية التاريخية التي أنتجتها، فالأديان- مثل الكائنات- هي شجرة واحدة متصلة، وإن اختلفت أشكال فروعها..

https://en.wikipedia.org/wiki/Shekhinah

http://www.jewishencyclopedia.com/articles/13537-shekinah

http://www.jewishencyclopedia.com/articles/10618-memra

http://www.thefirstgospel.com/rich_text_2.html

الأحد، 12 أبريل 2020

إسلامات مصرية



الدين بنظري يشبه الفايروس، من حيث أنه يدخل الأجساد- أو العقول- ويكمن بداخلها لفترة، ثم يبدأ في استغلال مواردها لصالحه فينمو فيها، ويمرضها، ثم إنه ينتقل من جسد لآخر حتى يصبح وباءا منتشرا مدمرا للأفراد والمجتمعات..

ومثل الفايروس، فإن الدين أيضا يتطور ليبقى، فهو يتخذ أشكالا عديدة حسب المرحلة، سأناقش بعضها هنا..

----------

في العصر الحديث، وفي مصر تحديدا، رأينا الإسلام الإشتراكي بالستينات، متماشيا مع الأجواء الناصرية الشائعة، فظهرت الكتابات الإسلامية اليسارية، تمجد الفقراء العاملين وتلعن الطبقات المستغلة، وتقدم الإسلام على أنه أيديولوجية ثورية ضد الإستعمار، وبرزت رموز أبو ذر الغفاري (لص وقاطع طريق، في ثوب ثوري يساري) إلى جوار علي والحسين، في ثورتهم الهاشمية البروليتارية ضد البرجوازية الأموية - وكانت الآية المفضلة للمرحلة هي "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"..

وأما في عصر الإنفتاح الساداتي فقد اكتشفنا أن الإسلام بطبيعته يؤيد الحرية الإقتصادية، كما اكتشفنا- فجأة، وبرعاية الرئيس المؤمن- أن الشيوعية مذهب إلحادي، فرأينا الكثير من المفكرين ينتقلون من معسكر اليسار إلى الأسلمة، ويؤيدون أمريكا باعتبارها أهل كتاب وليسوا ملاحدة مثل الماركسيين- وبعد معاهدة كامب دافيد ستصير الآية المفضلة للمرحلة هي "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله"، وأما على المستوى الإجتماعي الرأسمالي فأية المرحلة هي "ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا"، والتي تفنن الشعراوي في شرحها..

والشعراوي هنا له أهمية خاصة للمرحلة، فقد روج للإسلام اليميني حيث يجب على الفقير أن يرضى بقضاء الله العادل، ولا يتطلع إلى ما في يد الغني..إلخ، كما صرح متفاخرا أنه سجد لله شكرا  على هزيمة مصر الشيوعية أمام إسرائيل في 67 ، بل وكان له دور كبير في الترويج لما سمي بموجة توظيف الأموال والتي تم النصب فيها - بإسم الإقتصاد الإسلامي- على آلاف من المصريين..

ولكن أهمية الشعراوي الكبرى بنظري تكمن في تأسيسه لتيار إسلامي شعبوي جديد يمكن تسميته "الإسلام الفلّاحي"..

فمع الهجرة المتزايدة من الريف للقاهرة، وعودة كثير من المصريين من الخليج الوهابي، تم استقبالهم بالإسلام مناسب لهم: شيخ يجلس على مصطبة ويفسر الكتاب القرشي بلهجة ريفية مصرية فيضرب الأمثال بالحمار والجاموسة والجلة والقلة والدود وأبو قردان، بشكل يشبه جلسات الكتّاب التي كان يتم تحفيظ الأطفال للقرآن فيها ، أمام الجماهير الجالسة على الأرض مفغورة الأفواه من فرط الإنبهار..

وبعد أن كان الإسلام يتسم بنوع من النخبوية- مع شيوخ على مستوى عالي مثل محمد عبده أو شلتوت أو عبد الحليم محمود- صار له نسخة شعبية رائجة تصل للمواطن البسيط- تلك النسخة التي ستنجح أخيرا في إزاحة الشعبوية اليسارية الناصرية..

وبالطبع لم يكن الشعراوي هو النسخة الوحيدة، فمثلا كان هناك الأكثر شعبوية وهو الشيخ  الكفيف كشك، والذي يمتاز بالقفشات (النكات) مع طول اللسان والجعير بشكل غوغائي، فيسخر من الفنانين في أقاويل مشهورة (شريفة فاضل، لا هي شريفة ولا أبوها فاضل.. عبد الحليم حافظ ظهرت له معجزتين: أنه يمسك الهوى بإيديه وأنه يتنفس تحت الماء.. وعن أم كلثوم قال: امرأة في السبعين تقول "خدني لحنانك خدني"، يا شيخة خدك ربنا.. كما قال: كنا نبحث عن إمام عادل فجاءنا عادل إمام..إلخ).. وبعكس الشعراوي- الذي كان صديقا للفنانات التائبات وسببا في هدايتهن- فقد كان كشك يمثل المعارضة الثورية للنظام والنخب، وإلى الآن تحكى الأساطير عن شجاعته أمام الجهات الأمنية وكيف أنه مات ساجدا كما تمنى، بشكل حوله لأسطورة شعبية في أذهان العوام..

وأما للشباب الأفضل تعليما وثقافة فقد ظهر نموذج مختلف أنسب لهم: دكتور العلم والإيمان، والذي يربط - بكل وقار- حقائق الدين بمكتشفات العلوم، ويهزم صديقه الإفتراضي الملحد (الشيوعي ربما؟) بالضربات القاضية..

ثم هناك- بالطبع- الإسلام الإخواني، والذي هو خط شعبوي من الإسلام السياسي يرجع إلى عصر سقوط الخلافة، وظل محافظا على شعبيته التي تزايدت مع عصر الصحوة في السبعينات، يتراقص ما بين المعارضة والمداهنة لكل حاكم..

كما تم فتح المجال للتيار السلفي الوهابي  لينتشر كالطاعون تحت جلد المجتمع، وأكثره بعيد عن السياسة لا يتكلم في حكم ولا يعرف الفارق بين البار والبرلمان، وإنما يكتفي بحشو أدمغة متابعيه بالصلوات والنوافل والأذكار ورياض الصالحين، إلى جوار حكايات عذاب القبر ، والحنين إلى زمن واإسلاماه، والمرأة العفيفة التي لا تخرج من دارها إلا إلى بيت زوجها ثم القبر..

وكانت الثمانينات هي عصر الحجاب: روج له المشايخ والسلفيون، كما قام الإخوان - المسيطرين على الجامعات- بشراء وتوزيع قطع القماش على الفتيات، كما تكفلت الأسلمة الريفية باستخدام سلاحها الفلاحي الأثير ضد السافرات، وهو تشويه سيرة الفتاة والطعن في رجولة أبيها أو أخوها أو زوجها، حتى يتقي الله ويستر عوراته خوفا من الفضيحة والعار، لا اقتناعا بأوامر الله..

وفي التسعينات، وإلى جوار الإسلام اليساري واليمين والأزهري والريفي والغوغائي والسلفي ظهر الإسلام المودرن الكيوت المخفف، متمثلا في عمرو خالد، والذي سيفرخ بعد ذلك معز مسعود ومصطفى حسني وغيرهم- شباب مهندمين متأنقين، لا يشبهون السلفيين إلا في بعدهم عن السياسة، ولا يشبهون الإخوان إلا في سطحيتهم وجهلهم بأصول الدين، إلى جوار اشتراكهم جميعا في اليمينة المحافظة، ولكن بشكل يتناسب مع قيم السوق الحديث - فهكذا تحول الإسلام إلى سلعة يتم تزيينها وإخفاء عيوبها وتقديمها لمستهلك لا يقرأ ولا يتحزب، في شكل مخدر لذيذ وبديل لأي فعل حقيقي..

وتدور الأحداث: الموت السياسي والإحتقان الشعبي في عصر مبارك، ثم الثورة ثم صراعات الحكم، وعلى المستوى الإجتماعي مزيد من الإحباط والضياع والإستهلاكية، إلى جوار الغوغائية الشعبية المتمثلة في انهيار سلوكي وفني وثقافي عام..

وكالعادة تحور الإسلام ليفرز شكلا جديدا، يمكن أن نسميه "الإسلام الشوارعي" أو "الإسلام السرسجي"..

والكلمة الأخيرة يصعب شرحها لغير المصريين: فهو تعبير شبه عنصري نقيض للرقي والتهذيب، موجه لمجموعة من الشباب المراهقين القاهريين السوقيين أصحاب السمات المتشابهة: يرتدي ملابس لامعة فاقعة، أحزمة غريبة الشكل، سراويل ضيقة، شعر محلوق من الجانبين فقط مع كتلة أمامية مرتفعة، وغالبا ستراه يسمع الأغاني الصاخبة (المهرجانات) أو يرقص عاري الصدر بالشارع حاملا المطاوي، أويقف على النواصي يجعر بفم مفتوح أو يتحرش بالفتيات، مع الكثير من "لامؤاخذة" و"خلصانة" و"أوقسم بعهد الله"..إلخ.. باختصار يمكنك تخيل الممثل محمد رمضان..

هذا الجيل في العموم لا يمكن أن نصفه بأنه إسلامي النزعة بالشكل التقليدي، بل قد يحتوي عناصر علمنة شعبية، كما قد يمتلك معايير أخلاقية بدائية فطرية تنبع من "الجدعنة والرجولة والتكاتف وأخد الحق وزمالة الشارع"، لا من الدين أو القانون- مما يتجلى مثلا في ظاهرة الأولتراس التي تخلط الكرة بالسياسة بالثورة..

ولكن هذا لا يمنع وجود عناصر إسلامية نابعة من التربية ودروس المساجد، والتي لا يقابلها  بديل فكري أو أيديولوجي يصل للشارع سواها: تلك العناصر تتجلى في بعض سلوكيات ريفية محافظة تستخدم مصطلحات العورة والدياثة وتحقر المرأة بشكل عام (فالتحرش الشوارعي مثلا يظهر في ألفاظ تعبر عن الإشتهاء والشتم والدعوة بالهداية، مما يعكس الكثير عن الفصام الذي نعيشه)..

ولو كان الإسلام الكيوت المودرن يؤيد النظام العام ولا يتدخل بالسياسة، فإن الإسلام الشوارعي يرتبط بالمعارضة، أو لنقل أن المعارضة الإسلامية تستغل الشعبوية السرسجية- فالأولتراس مثلا يتم اختراقهم ليس فقط من قبل التيارات اليسارية والأناركية، ولكن من الإسلاميين أيضا..

هذا الإسلام الجديد يجمع ما بين سمات الإسلام وسمات الشارع المصري، على تناقضها: فالمتابع للخطاب الإسلامي السياسي عموما- سواء رموزهم الإعلامية أو جماهيرهم- يلاحظ منذ فترة زوال هالة التهذيب اللفظي التي كانوا يرفعونها، على أساس أن المسلم ليس بفحاش ولا طعان..إلخ، فعلى العكس: منشوراتهم ومقاطعهم وتعليقاتهم صارت تمتلئ بالسب والفحش بأقذر الألفاظ لكل من يخالفهم، ولا يعرفون في ذلك حدودا ولا أخلاقا..

هذا نراه في نموذج مثل أحمد البحيري، والذي وصف الراحل فرج فودة بسبة قذرة في عنوان أحد مقاطعه، وكذلك يفعل بشكل منحط للغاية تجاه كل خصوم جماعته .. كما نراه يتجسد في ظاهرة إخوانية معارضة هو عبد الله الشريف، صاحب البرنامج الشهير، فالرجل خطابه سياسي، ولغته شعبية تليق بسائقي التوكتوك، إلا أن لحيته سلفية، وهذا - ولا شك- من أهم أسباب شعبيته- فكأنه رأس داعشي تم تركيبه على جسد شاب ثوري شعبي..

وعبد الله، صاحب السمت السلفي والذي كان يعمل خطيبا لأحد المساجد، لا يلتزم بالبروتوكلات الإسلامية التقليدية، فهو يتساهل في إيراد أي معلومة أو شائعة تؤيد موقفه، بل ويبدو أحيانا وكأنه يتعمد الكذب (متجاهلا وصية "فتبينوا")، وهو يسخر من خصومه (ضاربا عرض الحائط بآية "لا يسخر قوم من قوم") كما أنه يتجاهل "ولا تنابذوا بالألقاب" فيطلق الأوصاف المسيئة على خصومه..

وربما تفسير تلك اللغة هي أن الخطاب الإسلامي السرسجي يجمع ما بين ثقافة دينية تكفر (ليس علينا في العلمانيين سبيل)، وما بين ثقافة شعبية شوارعية لا تستطيع التعبير عن مشاعرها بشكل مهذب حضاري..

عبد الله مثلا  حين يسيء إلى خصومه فهو ينتقي الألفاظ النسائية متعمدا  (مثلا يسمي أحد منتقديه بلقب "سماح بعد بكرة)، والتفسير بنظري أن صاحبنا يجمع ما بين ثقافة دينية ترى المرأة عورة ومسبة، وبين ثقافة شعبية تستخدم الألقاب المهينة كسلاح في الحروب وخناقات الحواري.. وحين أراد الإنتقام ممن يصفون الإخوان بأنهم "خرفان" (قطيع)، قال لنطلق نحن أيضا على خصومنا السياسيين لقب "معيز" (ياللإبداع!).. وذلك- يقول- لأن المعزة بطبيعتها أنثى، مما يزيد المهانة طبعا.. وقال في برنامجه"ستقولون لي "لا تنابذوا بالألقاب"- ويرد :أنا مش شيخ يا معزة.. وكأن الآية تلزم المشايخ فقط)..

هذا الشاب الشوارعي هو الذي تجده في المنتديات يدافع عن الإسلام بالسب والشتم دون أن يكلف نفسه قراءة كتاب، وهو الذي تجده في الشوارع يثور دون أن يفهم ما الذي يثور ضده أو ما الذي يريده.. فهو يتعامل مع قضاياه كما يتعامل تجاه خناقة شارع..

وهكذا نجد لدينا إسلامات بقدر حال المجتمع وثقافته.. 

وللإنصاف فلا يجب الفصل بين تحولات الإسلاميين، وتحولات المجتمع عموما، فهذا التيار بالنهاية هو جزء من المجتمع، يرتقي بارتقائه وينحدر بانحداره..