السبت، 1 يونيو 2019

لافتة الإيمان




الطبيعي أننا نؤمن بالمعنى أولا، ثم نختار له الكلمات المناسبة،


فاللافتة لا تصنع المكتوب عليها، وإنما هي فقط تعبر عنه، فهي لاحقة له،

ولكن من عجائب الدين أن المؤمن يصدق النص أولا بكل جمود، حتى لو لم يفهم معانيه،

ثم قد يكون لديه استعداد مرن جدا لأن تتغير تلك المعاني، أو حتى تقلب رأسا على عقب بإعادة تأويلها،

فالمسلم مثلا يصدق بأن القرآن حق، هذه لا تقبل الجدل،

ولكن ماذا يقول القرآن أصلا؟ هذه فيها نظر،

فليس لديه مانعا أن يعيد تأويل الآيات، للتصالح مع العلم الحديث أو مع قيم الإنسانية،

فقد يقتنع أن "اقتلوا المشركين" تعني دافعوا عن أنفسكم، أو أن "ملك اليمين" تعني الخطيبة، أو أن "اضربوهن" تعني دغدغوهن،

كذلك المسيحي سيدافع عن قداسة نصوصه وأنها من الله،

ولكن قد لا يكون لديه مانعا أن يعترف بأن بعض تلك النصوص قد انتهى زمانها،
أو أن بعض القصص رمزية لم تحدث أبدا،

وكأن الإلهي عندهم هنا هو اللفظ نفسه، وأما المعاني فلتذهب إلى الجحيم،

اللفظ ثابت، وأما المعاني فمتغيرة حيث يمكننا إلصاق ما نشاء بالنصوص،

وكأنه يؤمن باللافتة نفسها، وليس بالمحتوى المكتوب عليها..

السحر الفاشل



تخيل أن أزورك ذات صباح، فأمنحك هدية لا تقدر بثمن: مصباحا نحاسيا!

لا، هو ليس مصباحا عاديا، وإنما هو مصباح علاء الدين السحري بنفسه، والذي - صدق أو لا تصدق- هو قادر على تحقيق جميع أمنياتك، مهما كانت، وكل ما عليك فعله هو قولها بصوت عالي، فينفذها!

لقد انبهرت كما أتوقع، واو، تقول لي: هيا لنجرب بسرعة : أيها المصباح أحضر لي فنجانا من القهوة..

ننتظر قليلا، لا يحدث شيء..

أقول لك: أوكي لابد أن تقوم أنت فتحضر القهوة بنفسك..

تسألني: فما دور المصباح إذن؟!

أجيبك: يا أخي، المصباح العظيم القادر على كل شيء لا يقوم بتلك الأعمال التافهة..

احتفظ به للأمنيات الكبيرة..

تفكر: همممم، حسن، أيها المصباح أحضر لي مليون دولار حالا..

أعترض عليك: لحظة، هل تظن أن الأمور تسير بتلك الطريقة؟!

تسأل: ماذا تقصد؟!

أجيبك: بالطبع المصباح قادر على منحك ما تريد، ولكن

يالك من كسول متواكل..هل تظن أن الأمور تسير بهذه الطريقة؟! لا، بل لكي تحصل على المال فعليك أن تعمل وتجتهد وتبتكر وتصبر، لتحقق ما تريد..

تعود لتفكر: حسن، لدي صديق مصاب بمرض خطير، سأطلب من المصباح أن يشفيه..

فأقول لك: نعم، هذه فكرة ممتازة.. ولكن بشرط أن يأخذ بالأسباب ويذهب إلى الطبيب، وفي تلك الحالة فهناك احتمال أن يشفى أو  لا يشفى..


هنا من يلومك لو أنك أطلقت اللعنات في وجهي؟ ، تبا، فما فائدة مصباحك السحري إذن؟!




رخص اليقين




ضعيف الإيمان = لديه عقل يفكر..

من مصائب الدين أنه يعتبر قوة الإيمان ميزة عظيمة،
بينما ما نراه كل يوم أن اليقين بضاعة رخيصة جدا، موجودة بوفرة عند الجاهل والمتعصب - أي جحش داعشي لا يعرف أن الأرض تدور لديه إيمان أقوى منا جميعا، وهو إيمان يجعله مستعدا للتضحية بحياته وحياتنا..

المتعصب اليهودي لديه يقين، والمتعصب المسيحي لديه يقين مختلف، والمتعصب المسلم لديه يقين ثالث.. ولكنهم لا يتفقون على شيء، وكل منهم غير قادر على إقناع الآخرين بيقينه، وذلك لأن يقينه هو مجرد حالة نفسية وانتماء إلى القطيع الذي شاءت الصدفة أن يولد وسطه، ولم يتم بناؤه على دراسة أو تجربة..

أما في العلم فالشك فضيلة وهو حياة العقل، وكل شيء يخضع للمساءلة والنقاش والتبدل..
وكما يقال: لا أقبل التضحية بحياتي في سبيل ما أؤمن به، لأنه قد يكون خاطئا..

يسمونه ضعف إيمان، وبالطبع هو كذلك، فالشك ينبع من إدراك العقل لمحدوديته، وأما قوة الإيمان فتنبع من الجهل وبساطة العقل والذوبان في الجماعة والتمسك الأعمى بالموروث..

لماذا تتوسلون العدل من العادل؟




ما أغرب الدعوات القرآنية التي تطلب من الله أن لا يظلم ولا يبطش بالأبرياء، وتتوسل إليه أن يكون عادلا، وأن يلتزم الهدوء ويتعقل قليلا..

مثلا:

رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا

رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَالَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْهَدَيْتَنَا

وأيضا الدعاء الإسلامي الشهير: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا..
فالحقيقة أن كل ما سبق هو متوقع من أي إله عادل، أو لنقل أنه حق طبيعي للعبد، إن كان للعبد حقوق!

فلماذا تدعون الله وكأنه طاغية مزاجي سريع الغضب عديم التمييز مستطير الشرور؟

استثناءات



وما من دابة إلا على الله رزقها، باستثناء القطة التي حبستها المرأة فماتت..

لا تبديل لكلمات الله، باستثناء النسخ والرفع والنسيان والصحيفة التي أكلتها الداجن..

لا إكراه في الدين، باستثناء حد الردة..

إن الله يدافع عن الذين آمنوا، باستثناء الأنبياء الذين قتلهم اليهود وأصحاب الأخدود وهزيمة أحد..

الطيبون للطيبات، باستثناء زوجة نوح وزوجة لوط وزوجة فرعون..

ما تسألهم عليه من أجر، باستثناء الزكاة والغنيمة والجزية..

لست عليهم بمسيطر، باستثناء التشريع والحكم والغزوات..

ولا تعتدوا، باستثناء أهل الكتاب الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر..

رحماء بينهم، باستثناء مقتل عثمان وصفين والجمل..

الإنسانية البلهاء



الأخلاق ليست منفصلة عن التطور، وإنما هي نشأت لدعمه، فكما أن البشر لديهم نزعات الأنانية والقسوة والخبث والطمع، وكلها تفيد بقاء الأفراد، فإنهم كذلك لديهم نزعات التعاون والرحمة والطيبة والإيثار، وهي أيضا تساهم في بقاء المجموعات الإنسانية..

فالأخلاق، وإن كانت متغيرة من حيث التطبيقات، إلا أنها ثابتة من حيث الهدف، وهو الحفاظ على البقاء والسعادة للجماعة.. ولهذا نحتاج إلى التوازن ما بين القسوة والرحمة، الشدة واللين، حفاظا على مصالحنا كبشر..

أما الأفكار والقيم والسلوكيات التي ينتج عنها ضرر عام، فلا يمكن اعتبارها أمورا أخلاقية، مهما بدت براقة أو مثيرة للإعجاب..

القصة كما رأيناها تتفجر في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي : طالبة سويدية تعطل إقلاع طائرة ركاب كانت متجهة إلى اسطنبول، لأنها علمت أنها تحمل على متنها رجلا أفغانيا كان على وشك الترحيل إلى بلده عبر تركيا..

امتنعت الفتاة عن الجلوس في مقعدها، وقامت بتصوير نفسها فيديو وهي دامعة منفعلة، ووسط مشادات مع بعض الركاب وتأييد وتصفيق من آخرين، انتهى الأمر بانتصارها وتم إنزال الرجل من الطائرة.. ليتم ترحيله في طائرة أخرى على كل حال..

انتشر الفيديو - المؤثر- كالنار في الهشيم، ووصفت الفتاة بأنها بطلة شجاعة وإنسانية..

مع إغفال تفصيلة واحدة لم تذكر بتلك العناوين : أن الرجل الخمسيني مجرم مدان، قضى فترة السجن في السويد، وقدم طلب لجوء، تم رفضه، وبالتالي فالإجراء الطبيعي جدا أن يتم ترحيله إلى بلده الأصلية..

أما الشيء المزعج الوحيد هنا فهو أن يتم تعطيل إجراءات وقوانين ومصالح شركات وركاب، لأن فتاة ما لديه شحنة عاطفة إنسانية زائدة..

وكعادة الشحنات العاطفية فهي تتضمن مغالطات، تركزت في جملة واحدة ظلت الفتاة ترددها بالتسجيل، مبررة خرقها للقانون وتعطيلها لمصالح الآخرين، وهي أن الرجل لو عاد إلى أفغانستان فسوف يتم قتله..

لا، ليس لأنها علمت أن هناك فرقة قتالية تنتظره بالأسلحة النارية في مطار كابول مثلا!، ولكن لمجرد أن الفتاة لديها انطباعا ما عن تلك البلد أن الجميع فيها يقتل الجميع..

(عودته إلى بلده = قتله)، ياله من منحدر زلق!

ويقابله منحدر آخر يبدو لي أكثر واقعية، وهو أنه طبقا لهذا المنطق فالواجب المقدس على السويد إذن هو أن تنقذ جميع المهددين، وذلك بأن تفتح ذراعيها وأراضيها- بلا انتقاء ولا حساب- لكل تلك الشعوب التي خربت بلادها وحولتها إلى جحيم، لينتقلوا بالملايين إلي بلاد الشمال، حاملين معهم ثقافتهم ومشاكلهم واحتياجاتهم.. ليس فقط الضحايا وإنما المجرمين أيضا، فالبلد تسع الجميع.. ثم - طبعا- يجب إعانة أولئك المهاجرين وتوفير لهم السكن والرواتب اللازمة، مع توقع كل الخير منهم، بناءا على أصولهم الطيبة والخلفيات الثقافية الراقية التي جاؤا منها..

وإلا فهو البكاء والعويل واللطم ترحما على الإنسانية التي ماتت..

هل علمنا الآن لماذا يكفر البعض بالإنسانية؟ ولماذا يتم انتخاب أوغاد مثل ترامب وسائر اليمينيين بالغرب؟

لأن غريزة البقاء ماتزال تعمل لدى البعض، تخبرهم أنه إن كانت المبادئ والأخلاق ستؤدي إلى خرابنا، فلتذهب تلك الإنسانية البلهاء إلى الجحيم..

------------------------

تحديث جديد في قصة الرجل الأفغاني الذي عطلت الطالبة "البطلة" الطائرة من أجل منع ترحيله إلى بلده..
تبين أن الرجل قد تمت إدانته وسجن 9 أشهر، بثلاث تهم اعتداء عنيف على زوجته وبنتيه - لأنهما لم يطيعا أوامره بغلق التلفاز، حيث قام بجلدهما بسلك كالسياط، وحين دخلت الزوجة جلدها أيضا، وضرب رأسها بالأرض..
أمثال هذا يدين البعض الحكومة السويدية "اللاإنسانية"، لأنها ترفض طلب لجوءه وتصر على إعادته لبلده.. ويمجدون الطالبة التي انفعلت لأجله - دون أن تحاول فهم أبعاد المسألة - فخرقت القانون وسببت مشاكل لشركة الطيران فضلا عن تعطيل مصالح الناس..

الكتاب المقدس والجنس



الكتاب المقدس اليهودي (التاناخ، العهد القديم) يحتوي نصوصا جنسية عديدة، منها تفاصيل زنا وحوادث اغتصاب ومنها غزل صريح جسدي، أشهرها ما ورد في سفر نشيد الإنشاد الذي هو أشبه بقصيدة حب جنسي..

ويحلو للبعض (على الأخص كثير من المسلمين، وبعض اللادينيين) أن يبرزوا تلك النصوص، متساءلين باستنكار أو سخرية: هل يعقل أن تلك الفواحش تعتبر من كلام الله المقدس الذي يُتعبد به؟!

حسن، من الناحية التقنية، لكي نقول هل هذا كلام الله أم لا، فيجب أولا أن تكون لدينا فكرة مسبقة عن شخصية الله، وما يحب وما يكره، ثم نطبق تلك الفكرة على الكلام أمامنا، لنرى مدى التطابق أو التناقض..

فمن أين تأتي تلك الفكرة عن طبيعة الله، إلا من الأديان ذاتها؟

فإن كانت صورة الإله في دينك لا تتماشى مع الحديث بالجنس، فهنا يحق لك الإعتراض من وجهة نظر دينك، فقط..

ولكن بسهولة يمكن القول أن الشخص (الإسرائيلي) الذي كتب ذلك الكلام، أو الذي زعم أنه من الله، لابد أنه لم ير فيه أي مشكلة، بل رآه كلاما جديرا بالإله، وإلا لما سجله ولما قدسه..

ثم من اتبعوه وآمنوا به لابد أنهم كذلك اتفقوا مع تلك النظرة، واستمر ذلك لقرون طويلة..

إذن بالنسبة لهم الجواب بنعم: يمكن للإله أن يتكلم بالجنس، ومن يعترض فليثبت العكس..

أما لاحقا، ومع تبلور الديانة المسيحية، والتي هي فرع متأخر عن اليهودية، فربما تغيرت صورة الإله، حيث نجد تعاليم المسيح تحذر الرجال، ليس فقط من الزنا وإنما من النظرة الشهوانية التي تعتبرها زنا أيضا، كما دعا إلى إخصاء النفس لو لزم الأمر للإمتناع عن الشهوات، ونجد أنه هو نفسه لم يكن له أي علاقات نسائية، بل وصل الأمر إلى أن أمه ولدته دون أن يكون لها أي علاقات رجالية!، واستمرت فوبيا الجنس مع الرسول بولس، الذي تشكل رسائله نصف الكتاب المقدس المسيحي (العهد الجديد) نجد أنه لم يتزوج، ونصح بعدم الزواج مطلقا، بالإضافة لنصوص أخرى من الكتاب تتحدث عن أن الجنة ليس فيها زواج، وأن من يدخلها هم الأطهار الذين لم يتنجسوا مع النساء، ومن هنا ظهر طقس الرهبنة وهو امتناع التقاة عن أي علاقات نسائية حتى بالزواج..

في هذا السياق كان من الطبيعي أن يشعر المسيحيون ببعض الحرج من وجود نصوص جنسية ذات طبيعة فاضحة في الجزء الأول - العبراني- من كتابهم المقدس..

ومن الطبيعي كذلك أن يتلقف المسلمون الكرة، ويستخدموا الأمر لانتقاد الكتاب المسيحي الذي يحتوي أمورا معيبة لا تليق بالإله..

وعلى سبيل محاولة الرد، ظهرت تأويلات مسيحية تواجه النقد بالقول أن النصوص الغزلية في سفر نشيد الإنشاد مثلا - التي تذكر الأثداء والسيقان والبطون- هي نصوص رمزية تتحدث عن الكنيسة!، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

وما يلفت النظر هنا ليس الهجوم أو الرد، وإنما اتفاق الفريقين على استنكار وجود نصوص ذات طبيعة جنسية في كتاب إلهي..

لكن المدهش هنا أن كلا الفريقين يؤمن تماما بوجود نصوص ذات طبيعة قتالية دموية في الكتب الإلهي:

فالمسيحي يؤمن بهلاك الله للبشرية في الطوفان، وتدميره لسدوم وعموره، بالإضافة للحروب العنيفة التي خاضها موسى ويشوع وداود وغيرهم من قادة اليهودية القدامى، والتي تضمنت ذبح أسرى وقتل أطفال وإبادات مفتوحة وصلت حتى للبهائم، ولا يبدو أنه يجد مشكلة في القول بأن ذلك هو كلام إله عظيم..

والمسلم كذلك يؤمن ببعض تلك القصص، خاصة الطوفان وهلاك لوط، ويضيف إليهم إهلاك الله لعاد وثمود وغيره، ثم هو يؤمن ببعض حروب اليهود، ويضيف إليها حروب محمد والتي تبدو استمرارا لما فعله داود، حتى أن قصة زواجه بزينب تبدو متشابهة تماما مع ما فعله داود بزوجة اوريا الحثي، وإن كان داود تفوق في الحقارة والخسة..

الخلاصة إذن أن المسيحي والمسلم لا يريان أي مشكلة في وجود نصوص قتل في كتاب إلهي، ولكن بعضهم يستنكر وجود نصوص جنسية بذلك الكتاب ويراه أمرا محرجا، سواء انتقده (المسلم) أو برره (المسيحي)..

والمسلم تحديدا، الذي ينظر في سفر نشيد الإنشاد ويقول "هذا لا يمكن أن يكون كلام إله"، نجد أنه يؤمن بقداسة عدد كبير من النصوص الجنسية الفاضحة، بداية من مشهد دخول زوجة العزيز الخائنة على عبدها لتحاول إغواءه، واقتراب النبي من أن يمارس معها الزنا، مرورا بفضائح محمد وزوجاته التي أفردت لها مئات الصفحات في السيرة والقرآن والتفاسير، وصولا إلى أحاديث رضاع الكبير وروايات عائشة عن قبلات محمد ومص اللسان وجنس الحيض والمني الذي كانت تفركه من على ثيابه بأظافرها..إلخ، مما يوقع صاحبنا المسلم في تناقض أشبه بالفصام، حين يتقبل الجنس في كتبه ويستنكره عند الآخرين..

ولكن الأخطر من ذلك أن هذا المسلم يستنكر على الله الكلام بالجنس، ولكنه لا يستنكر عليه الأمر بالقتل، ففي القرآن - كلام الله!- نجد أن رب السماء لا يكتفي بالأمر بضرب الأعناق، وإنما هو ينزل بنفسه ليرعب الأعداء، وينسب القتل لنفسه بشكل مباشر، ناهيك عن سماحه بجرائم أخرى مثل قتل الأسرى واغتصاب السراري وبيع البشر مثل المتاع وغيره..

تلك الأمور - القتل والوحشية والظلم والتعدي والإغتصاب- موجودة أيضا بالكتاب اليهودي، وهي فقط الجديرة بالإدانة والإستنكار، وليس الجنس..

بل على العكس، لا أجد أي عيب في وجود نصوص غزلية بكتاب مقدس، ولعلها من أجمل ما في ذلك الكتاب، ومن المؤكد - على الأقل- أن الحب أفضل من الكره، وأن ممارسة الجنس أفضل من شن الحروب، وأن الأخيرة هي الأحق بالخجل والحرج والرفض..

ويا إخوة، هذه النصوص المذكورة بشرية، كتبها أناس عاشوا في عصور قديمة، وفي حالة التاناخ فمما يميز ذلك العصر أنه- على ما يبدو- لم يكن فيه فوبيا واحتقار للجنس، مما يجعل النص ينتمي إلى عالم الإنفتاح القديم والذي يشمل نصوصا مثل ملحمة غلغاميش وصولا إلى ألف ليلة وليلة، وهو الإنفتاح الذي فقدناه تدريجيا مع سيطرة الأديان بصيغتها المنغلقة الكارهة للمرأة والحياة..

عن الشتم



حوار مع صديقي المهذب..

يقول الصديق ضد: ألم تر تلك الكوارث اللفظية التي تصادفنا كل يوم على فيسوك؟

يسأله مع: أي كوارث يا أخي؟!

ض: المنشورات، أصبحت تعج بالشتائم والبذاءات والألفاظ القذرة التي يستحي منها الإنسان!

م: ألا ترى أنك تبالغ قليلا؟

ض: أقسم لك لا مبالغة، بل اليوم لا أكاد أقرأ منشورا اجتماعيا أو سياسيا، إلا وهو يمتلئ باللعن وتوزيع السباب وذكر أعضاء الأمهات والإخوات بالسوء..

م: طيب، وما المشكلة في ذلك؟

ض: هل تمزح؟ أقول لك كوارث وليست مشكلة واحدة!

م: هات أسمعك..

ض: أول مشكلة هي أخلاقية، فاستخدام تلك الألفاظ السيئة علنا لا يليق، ويؤكد أننا صرنا نفتقد التهذيب والحياء ولياقة التخاطب..

م: يا أخي هذا الطرح يفتح الباب لأسئلة كثيرة : مثل ما هو التهذيب؟ ومن وضع معيار الأدب واللياقة؟ وهل الأعضاء الجنسية تختلف عن أية أعضاء جسدية أخرى؟ والأهم: هل أنا - الشاب- ملزم باتباع معايير الكبار لما هو صائب وخاطئ؟

ض: ألا ترى إنك تسفسط قليلا؟ التهذيب واللياقة مسألة عامة وثابتة تلزم الجميع، وتعني مراعاة الآخرين ومشاعرهم والإطار العام للمجتمع الذي نعيش فيه..

م: اسمح لي بالإختلاف معك، فمعايير التهذيب نسبية تختلف من مجتمع لآخر، مثلما تختلف معاني الإشارات والإيماءات التي قد تكون عادية في مجتمع وتعتبر بذيئة في مجتمع آخر.. فمثلا في بعض المجتمعات يقوم الإبن الشاب بالإنحناء لتقبيل يد والده ولا يجرؤ على الجلوس أمامه، بينما في مجتمعات أخرى يجلس الإبن واضعا ساق على ساق أمام والده وربما يقوم بالتدخين بلا حرج.. وهذا يعني أن معايير التهذيب تتغير وتتطور أيضا مع تغير العادات والتقاليد، كما تتطور الأغاني والملابس، وهو ما يحدث مع استخدام ألفاظ معينة، فما كان عيبا في الماضي لم يعد كذلك الآن بين الأجيال الجديدة..

ض: حتى لو صح ما تقول، فهذا لا يعفي الشخص من التزام معايير التهذيب السائدة في مجتمعه..

م: وهل معايير مجتمعنا هو الأدب فعلا؟ ألا تسمع تلك الألفاظ -وأقذر منها- بالشارع؟

ض: هذه من أمراض العصر، ويفترض بالشخص المثقف أن يسعى لرفع مستوى مجتمعه لا أن ينحط إليه..

م: ولكن ماذا لو أنني لست مصلحا اجتماعيا وإنما أريد التعبير فقط عما في نفسي وبالشكل الذي يريحني؟ بل ماذا لو كنت لا أعترف بمعايير مجتمعي أصلا بل أريد التمرد عليها وربما تغييرها؟ ألا ترى أن الأجيال المحافظة يتحكمون في كل تفاصيل حياتنا ويفرضون علينا معاييرهم الخاصة بالمنزل والشارع، فهل تريد لهذا التحكم أن يمتد إلى المنفس الوحيد الذي نعبر عن أنفسنا من خلاله، وهو بضع كلمات على الفضاء الإفتراضي؟

\ض: وهل لم تجد وسيلة للتمرد سوى قلة الأدب؟ وألا تراعي وجود أطفال وفتيات يستحين من تلك الألفاظ المتدنية؟

م: لو أنك تعيش بنفس القرن الذي نعيش فيه لأدركت أن الأطفال والفتيات صاروا يستخدمون تلك الألفاظ أيضا، فحتى تلك الفضيلة السخيفة الخانعة الخانقة المسماة بالـ"حياء" صارت موضة سلبية عتيقة من مخلفات الماضي البائد، وحان وقت التخلص منها..

ض: هذا يؤكد أن الكارثة أكبر مما توقعت وتتعدى مسألة الألفاظ، كما يؤكد أن فضاء الإنترنت الجديد يمنحكم حرية هائلة أكبر من حجمكم، بحيث أنكم لا تعرفون كيفية التعامل معها والإستفادة منها سوى بالضجيج والصراخ كالأطفال، فينطبق عليكم المثل المصري "هبلة ومسكت طبلة"، وهذا يؤكد أنكم لا تدركون حتى المعنى الحقيقي للتمرد..

م: بل هو يؤكد أنك لا تعرف المعنى الحقيقي للحرية، فهي لا تعني أن أتكلم وأعبر بشكل يرضيك أنت، وإنما يرضيني أنا، وهذا قد يتضمن أمورا تراها أنت عبثية، مثل قلة الأدب أو السخرية أو حتى العدمية..

ض: الحرية ليست هدية مجانية تأتيك مع الولادة، وإنما هي مسئولية يأخذها من يستحقها، وأما لو وضعت في الأيدي الخاطئة فستخرب المجتمع، فبئس الحرية!

م: المجتمعات لا تخرب بالحرية والتنوع والتعددية، وإنما تخرب بالقمع وهيمنة المحافظين ومحاولة قوبلة الناس في هيئة واحدة.. والألفاظ البذيئة لا تضر بالمجتمع كما تضره أمور تسكتون عنها مثل الدكتاتورية والفساد والمحسوبية..إلخ..

ض: هذه مغالطتان- رنجة حمراء ورجل قش- معا، فأنا لم أنكر ضرر تلك الأمور الأخرى، والمغالطة الأخرى أنك تقرن الحرية بالشتم، والذي يظل يحمل أضرارا أخرى كبيرة..

م: مثل ماذا؟

ض: مثل استحضار الكراهية ونشر التعصب في الفضاء الإفتراضي، فإذا كنا مختلفين بالرأي، وكانت وسيلتي للتعبير عن رأيي هي توجيه السباب للسيدة والدتك، فهذا سيدفعك للرد بذكر السيدة والدتي أيضا، وهذا يضيع أي أمل في التحاور العقلاني البناء الذي يقوم بالأساس على الإحترام المتبادل والإستعداد للإستماع المتفهم للمختلف..

م: هذه قد يكون معك فيها بعض الحق، ولكن من قال أن كل وجهات النظر جديرة بالإحترام أصلا؟ ألا ترى أن بعض الآراء بل وبعض الأشخاص يستحقون الشتم على كل حال؟

ض: ليست مسألة استحقاق وإنما مسألة جدوى، فما الذي يحققه الشتم بتلك الحالة إلا التنفيس عن مشاعر البغض والحقد، واستفزاز الآخر للرد بالمثل؟

م: ليكن، ولكن حتى هذا التنفيس العاطفي، نحن نحتاجه وإلا لما لجأنا إليه..

ض: ثم إن كثرة السباب تؤدي إلى ظاهرة أخرى خطيرة لا ينتبه لها أحد، وهي العجز اللغوي..

م: ما المقصود بهذا؟

ض: لو اتفقنا أن الثقافة والفكر هما ضمير ووعي الشعوب، فلنتذكر أننا نفكر عن طريق الكلمات، أي أن اللغة ليست فقط تعبر عما بداخلنا، ولكن العكس أيضا يحدث، فحصيلتنا وعمقنا اللغوي يساعدنا على تشكيل أفكارنا داخل الرؤوس.. وهنا أرى أن كثرة استخدام الشتم تجعل الإنسان أشبه بطفل أو مراهق لا يجيد التعبير عن أفكاره إلا بكلمات فجة قليلة مكررة تحمل شحنات انفعالية سلبية كارهة، بأكثر مما تحمل نقدا أو فكرا أو دقة أو موضوعية، ومع الوقت لا تصبح مشكلة تعبير فقط وإنما مشكلة تفكير أيضا، فيعتاد الشخص على التفكير بشكل مبسط انفعالي أبيض\أسود، يعبر عن مشاعره بأكثر مما يعبر عن أفكار موضوعية يمكن الإستفادة منها..

م: جيد، ولكنك هنا تفترض أن الشخص الذي يستخدم الألفاظ التي تسميها بذيئة هو بالضرورة شخص سطحي أجوف، فخلقت بدورك ثنائية زائفة، ولكن الحقيقة أنه ليس كل من يشتم يكون سطحيا كما ليس كل مهذب عميق، بل إنني أقرأ الكثير من المنشورات التي تحمل معا لغة بذيئة وفكرا ممتازا، فلا تناقض هنا كما تظن..

ض: صحيح، ولكني أعتبرها استثناءات، وأصر على أن كثرة الشتم غالبا تشبه الطفل الذي لا يستطيع أن يصيغ مطالبه أو احتجاجاته في شكل كلمات واضحة محددة، فيملأ الدنيا صراخا لكي يلفت الإنتباه لنفسه، أي أننا مرض فكري أصابنا بسبب هذه الموضة البغيضة التي تؤدي إلى إشاعة الكراهية وتقديم العاطفة على العقل وضياع اللغة ومعها الفكر..

م: صارت بضع كلمات غاضبة نكتبها على فيسبوك هي السبب في ضياع الأمة الآن يا شيخ؟ ونعم الرأي!

ض: لم أقل هذا يا فتى، وأراك تتعمد استفزازي، فاذهب بعيدا عن وجهي قبل أن تسمع ما لا يرضيك..

م: لن تفعل ذلك، فأنت ضد السب والشتم..

ض: وقد بدأت أندم على هذا منذ الآن..

المسلم والتحرش



عزيزي العلماني\الليبرالي العربي الطيب لحد السذاجة : أعتقد أن لديك سوء فهم كبير فيما يخص الإسلام والتحرش، فاسمح لي بتصحيحه..
ربما تعتقد أنت أن المسلم المتشدد يرى - مثلك - بأن التحرش الجنسي جريمة.. ولكنه يلقي باللائمة في تلك الجريمة على ملابس المرأة، وهذا ما يزعجك بشدة..

ربما تظن ذلك، وربما هذا ما يقوله المسلم أحيانا، ولكنه غير صحيح، فالمسألة أكبر وأخطر..

لكي تفهم موقف المسلم من التحرش، فعليك أن تدرك أن المسلم - وأخص المتدينين بشكل متشدد مؤدلج، بعيدا عن أهلنا المسلمين الطيبين - ذلك المسلم لا يؤمن بداخله بأن التحرش جريمة أصلا..

أو للدقة والإنصاف، لنقل بأنه لا يؤمن بأن التحرش جريمة توازي -في حجمها وتأثيرها- جريمة تحرر المرأة في ملابسها..

وإن شككت فقل لي : إن كان المسلم يستمد أفكاره ومرجعيته وأخلاقياته من القرآن والسنة وكلام الفقهاء وخطب المساجد ودروس المشايخ.. فبربك اخبرنا كم عدد النصوص الدينية والخطب المنبرية الإسلامية التي تدين التعري، وكم عدد النصوص والخطب التي تدين التحرش، واخبرنا أيهما أكبر..
ببساطة: نعرف أن الخطاب الإسلامي يدين - بكل وضوح وتشدد وإلحاح- إظهار المرأة لعورتها (شعرها مثلا) وتبرجها، وتعطرها، واختلاطها بالرجال، وخروجها بلا إذن زوجها، وسفرها بلا محرم..إلخ.. ونعرف أن المشايخ والدعاة وخطباء المساجد يتفننون ليلا ونهارا في التأكيد على وجوب تقييد النساء..

كما نعرف أن نفس ذلك الخطاب لا يحتوي - في أصوله أو فروعه - أي إدانة جدية لفعل التحرش بالمرأة..


أضف إلى ذلك الحقيقة الأخرى التي نعرفها: وهي أن ظاهرة التحرش - بنظر المسلمين- هي "عرض جانبي" لجريمة أكبر وأقدم، وهي تحرر المرأة وخروجها إلى الدراسة والعمل، وهي المصيبة التي أصابت العالم الإسلامي منذ زمن الإستعمار.. فلو التزمت النساء بأوامر الله - وأولها الحجاب - لاختفت جميع المشاكل، ومنها التحرش..
ويجد المسلم جذورا لهذا المعتقد في آيات الحجاب، بتحذيرها الشهير : يا مؤمن قل لنساءك يتحشمن في ملابسهن، حتى لا يؤذين.. والمعنى المفهوم ضمنا: أنها إن تعرضت إلى الإيذاء فملابسها هي السبب..

ومن يستمع إلى المشايخ وخطب المساجد يدرك تمادى رجال الدين في الأمر إلى حد الهوس، إلى درجة النواح والعويل بأن جميع مشاكل الأمة بدأت بتحرر المرأة، فذلك هو لب المؤامرة الإستعمارية الغربية على الإسلام، وحين خرجت النساء إلى الدراسة والعمل، وخلعن الحجاب وتبرجن وبدأن ينادين بالمساواة، حينها انهارت الدول وسقطت الخلافة وهزمتنا إسرائيل..!

والمغزى ؟

أنك - عزيزي العلماني- ربما تحتاج إلى تحديث نظرتك : فلعلك كنت ترى أن المسلم يقف معك في نفس الخندق، الذي يدين التحرش، ويبقى الخلاف حول من نلقي عليه المسئولية: همجية وانفلات الذكر أم ملابس الأنثى..؟

ولكن المسألة أكبر من ذلك، فجرب أن تنظر لها بهذا الشكل:
وجود التحرش في الشوارع بالنسبة للمسلم - أكرر: بعضهم - هو أمر غير مزعج بحد ذاته، بل لعل انتشار التحرش خير، لأنه بنظره عقاب إلهي على انفلات النساء، ودليل عملي على فشل القيم العلمانية..


المسلم المتشدد لا يشعر بأي شفقة تجاه ضحايا ذلك المجتمع، لأنه لا يمتلك أي انتماء لذلك المجتمع، الذي ترك الدين واتجه إلى العلمانية الغربية الكفرية.. ومن يكفر ويتحدى شرائع الله فهو يستحق ما يقع عليه..

ولهذا قد تجده يبرئ المتحرش، لأنه لا يرى المسألة جريمة، لها فاعل محدد هو المتحرش، بقدر ما يراها كعقاب إلهي، أو نتيجة طبيعية لتخلي الناس عن الشريعة والدين..

وحين يثور الكلام عن التحرش، فيذكر المسلم المتعصب ملابس النساء، فلا تتصور أنه مهتم بالتحرش مثلك، ولكن يختلف معك في سببه.. لا، وإنما هو مهتم بسيادة منهجه، مهتم بدرء الفتنة كما تعلم من المشايخ، وذكر التحرش هنا ليس سوى فرصة له ليمرر أفكاره..


فهو لا يروج للحجاب لأنه منزعج من التحرش، ويرى أن الحجاب سيقلل منه..

وإنما هو بالأحرى يستغل انزعاجك أنت من التحرش ليقنعك بالحجاب، وبالتالي ليقلب نظامك الإجتماعي والسياسي كله لصالح شريعته..

وفي تلك الحالة فلا تتعجب أن نفس المجتمع المسلم الذي يتعصب بجنون لو رأى صليبا مرفوعا على كنيسة، وتظهر أنيابه حين يسمع عن ملحد تجرأ على التنفس في بلاده، لا تتعجب أن نفس ذلك المجتمع هو الذي يقفز مادا يديه إلى أجساد النساء، في الطرقات والأماكن العامة..


هل قلت نفس المجتمع؟ لا بل نفس الشخص في كثير من الأحيان.. فلعل ذلك التحرش هو تعبير آخر عن تدينه..!
ليس لأن هناك نص ديني يقول له "تحرش"، ولكن هناك نصوص كثيرة تخبره أن المرأة مكانها المنزل، وأنها لو خرجت للدراسة والعمل وخلعت الحجاب فهي تستحق ما يحدث لها، كما تخبره النصوص بأن المجتمع إن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وإن كفر فلا حرمة لدمه أو ماله أو عرضه.. وقبل هذا تخبره النصوص أن المرأة متاع للرجل، أقل مكانة منه، مخلوقة من أجله، واجبها طاعته، وهي تصلح كمكافأة في الدنيا (كما أهدى المقوقس مارية لمحمد) وفي الآخرة (كما سيهدي الله الحور العين للمؤمنين في الجنة)..
نعم، شئنا أم أبينا فتلك بعض الأفكار التي تساعد في خلق المناخ المناسب لذهنية المتحرش، وتمهد الأرضية لتلك الظاهرة المنحطة..

عن الإصلاح الديني



1- ما هو الإصلاح الديني؟

كل من يعلم شيئا عن الإسلام وعن العصر يدرك وجود تضاربا وتعارضا بين الإثنين..

هذا التضارب ينطبق على العلوم (مثلا قصص الخلق مقابل نظرية التطور، والطب النبوي مقابل الطب المعاصر) كما ينطبق على السياسة (الخلافة مقابل الجمهوريات)، وعلى الإقتصاد (أمور مثل الربا والبنوك)، والقانون المحلي (العقوبات البدنية مقابل السجن الإصلاحي)، والقانون الدولي (الجهاد والإرهاب مقابل الحدود والسلام العالمي)، والإجتماع والفكر وحقوق الإنسان (حد الردة وحرية العقيدة، والذمية مقابل المواطنة، وقوامة الرجل ودونية المرأة مقابل المساواة)..


ويأتي الخلاف في كيفية التعامل مع ذلك التضارب، فالأصولي المتمسك بدينه حرفيا يريد تغيير العالم - بالقوة أو بغيرها- ليلائم النص المقدس، مما يؤدي إلى إرجاع عجلة الزمن إلى القرن السابع..
وأما العلماني فيقف على الجانب المقابل، إذ يطالب بتنحية الدين جانبا عن الحياة السياسية والإجتماعية داخل الدولة، وتطبيق قيم العصر كما هي..


وأما من يسمون بالمعتدلين أو المصلحين، فهم الذين إلى التوفيق بين الدين والعصر، وهم يتخذون في ذلك السعي مناهج مختلفة، بعضها يتفق مع العلمانية..
-----------------------------------

2- هل الإصلاح ضرورة؟

بالقطع نعم، بل يمكن القول أن جميع مشاكلنا المعاصرة ترتبط - بشكل أو بآخر- بالفكر الديني السائد في بلادنا، والذي يساهم - إلى جوار عوامل أخرى سياسية أو اجتماعية - في زيادة معدلات التطرف والإرهاب والإحتقان الطائفي، كما أنه يساعد على ترويج أفكار سلبية بالمجتمع مثل التواكل والقدرية واحتقار المرأة ونظرية المؤامرة وومعاداة الحريات والمساواة وقبول الدكتاتورية والسير وراء الدجل والشعوذة، كما يقف عائقا أمام كل أشكال التطور السياسي والإقتصادي والإجتماعي..
-----------------------------------

3- هل الإصلاح ممكن؟
الجواب يتوقف على المقصود بكلمة الإصلاح، فلو كان المعنى هو تغيير الدين كله وتبديل النصوص فهذا يبدو شبه مستحيل، وأما لو كان المقصود أن يتم تهذيب الفكر والمؤسسات الدينية لكي لا تعوق حياة البشر فهذا يبدو ممكنا، وقد حدث - بدرجات متفاوتة- مع كل الديانات، بما فيها اليهودية والتي تتشابه مع الإسلام ولا تقل عنه تعصبا وتدخلا في حياة البشر، بل وحدث مع الإسلام نفسه في بعض الفترات وفي بعض البلدان..


مع ملاحظة أن الحديث عن نجاح الإصلاح لا يعني اختفاء الأصولية والتطرف، فهذا لم يحدث مع أي دين، وإنما المقصود فقط هو تقليصهما وحصارهما بشكل يسمح باستمرارية حياة المجتمع ونجاحه كما أشرنا..
-----------------------------------

4- ما هي مناهج الإصلاح؟

المفكرون المسمون "إصلاحيون" يتخذون عدة مناهج مختلفة..

منها منهج التنقيح والذي يقوم على الإستبعاد الإنتقائي للنصوص الفقهية وربما الأحاديث التي يراها المصلح غير مناسبة لقيم العصر أوحتى جوهر الإسلام من وجهة نظره..


ومنها منهج الترقيع والذي يقوم على إعادة تأويل النصوص بشكل مستقل عن التراث الفقهي وأحيانا يتعارض معه..


ومنها منهج التأريخ الذي يقسم النصوص إلى قسم روحي صالح لكل زمان، وقسم تشريعي محصور بزمنه فقط ولا ينبغي تطبيقه اليوم..


فلو أخذنا مثال الحديث المنسوب إلى محمد والقائل "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله..إلخ"، فيمكن محاولة إصلاح ذلك الحديث عن طريق رفض صحة نسبته إلى محمد، أو عن طريق الإعتراف بصحته ولكن إعادة فهم معناه بأن المقصود هو قتال المعتدين فقط، أو عن طريق الإعتراف بصحته ومعناه والقول بأن هذا الحكم كان يخص تلك الحقبة الزمنية فقط ولا يصلح لعصرنا..
-----------------------------------

5- ما هي مزايا وعيوب كل منهج؟

منهج التنقيح يمتاز بأنه يقلص حجم المقدس فينزع الكثير من النصوص التراثية فيحل الكثير من المشكلات من جذورها، ولكن من عيوبه أنه انتقائي يتبع أهواء المصلح بدلا من اتباع منهج موضوعي محدد..


منهج الترقيع يمتاز بأنه مرن يجعل كل مسلم منوط بفهم النصوص كما يشاء هو، ولكن من عيوبه أنه يفترض أن جميع السابقين من صحابة وتابعين وفقهاء أخطأوا في فهم بعض النصوص، وهو فرض يصعب تصديقه وقد يبدو خطرا على الدين كله..
منهج التأريخ يمتاز بأنه يتخطى الخوض في المهاترات حول صحة النصوص وتأويلاتها وإنما يضع الحكم كله جانبا مما يجعله أقرب إلى روح العلمانية، ولكن من عيوبه أنه بالإسلام يصعب وضع خط فاصل بين العبادات والتشريع فهم متداخلان، ورفض جانب من الدين قد لا يعجب المؤمن لأن هذا يهدد برفض الدين كله..
ثم هناك بالطبع منهج اللادينية، والذي يرفض سلطة الدين بأكملها، ومن مزاياه أنه يتخلص من المشكلة برمتها دفعة واحدة، ولكن من عيوبه أنه - حتى الآن- يبدو محدود التأثير ويصعب تطبيقه على المجتمع بأكمله..


وبشكل عام، فمن مزايا حركات الإصلاح أنها أنزلت النص الديني إلى ساحة النقاش العام، وجعلت المسلم العادي يفكر، مما يمهد لسحب البساط من تحت أيدي الكهنة والفقهاء التراثيين والمؤسسات الدينية الرسمية المحافظة، وهذا يشبه ما فعله البروتستانت في أوروبا منذ القرن السادس عشر، ولكن هذا الفعل نفسه سلاح ذو حدين، إذ أننا نرى أن حركات الإصلاح تلك تقوم على جهود الأفراد، والذين ينجحون بمقدار ملكاتهم وكاريزماتهم الشخصية، بأكثر مما تقوم على منهج واضح كما هو الحال مع التراث الذي بنى منهجا ضخما يستند إلى مراجع قديمة أكثر ديمومة من الأفراد..
-----------------------------------

6- بأي منهج سيتم الإصلاح؟

ربما بالكل: بالتنقيح والترقيع والتأويل والتأريخ، وبالعلمنة واللادينية، وبالصوت الهادئ المهادن وكذلك بالصوت الحاد الساخر، فالحق أن البشر يختلفون وكل مسلم لديه طباع وعقلية معينة تجعله يقتنع بنهج معين، وبالتالي أرى أن التعددية مطلوبة وأختلف مع الذين يظنون أن هناك منهج نقدي واحد هو الذي يجب أن يسود وتختفي الأساليب الأخرى، فكل حجر يلقى بالمياه الراكدة هو مكسب، والتغير سيحدث بالكل..
-----------------------------------

7- من أين سيبدأ الإصلاح؟

كالعادة هناك نظريتان بشأن تغير فكر المجتمع: واحدة ترى أن التغيير يبدأ من الأعلى أي الحكام والنخب، وأخرى ترى أن التغيير يجب أن يبدأ من الأسفل أي الطبقات الدنيا وعامة الشعب..


وأرى أن طبيعة بلادنا وكذلك التجارب الأخرى ترجح كفة التغير من أعلى، فالعوام لا يأخذون المبادرة وهم بالعادة يميلون إلى الوضع القائم والمحافظة، وحتى الثورات تقودها بالعادة الطبقات الوسطى والمثقفة، وتحديدا في عصرنا وبلادنا فالدولة صارت تتحكم بكل شيء وهي الطرف الأقوى في المعادلة، أعجبنا ذلك أو كرهناه..
يضاف إلى ذلك مغالطة نقع فيها أحيانا حين نعتقد أن التغييرات تحدث عن طريق الكلام فقط، وهو غير صحيح، فمهما كان الكلام منطقيا أو مقنعا إلا أنه لا يحدث تأثيرا بالمجتمع إلا حين تكون التربة ملائمة، وحين يقال من الفم المناسب ويصل إلى الأذن المناسبة..
وكما أن الدين أصلا لم ينتشر بالكلمة وحدها، وإنما بالغزو وفرض القوانين وتغيير العادات، فكذلك تقييد الدين لن يتم بالكلمة وحدها وإنما بقوة الدولة وقوانينها، وهذا ما تؤكده التجربة، فالتطورات التي حدثت في بلادنا مثل وقف العبودية وتعليم النساء وإصلاح التشريعات وتبني الطباعة والإنترنت..إلخ، هي أمور لم تحدث إلا بسلطان الدولة الواعي، ولو أننا انتظرنا تأييد المشايخ أو حتى موافقة العوام لما تم أي تطوير..


بالتالي أرى أن الخطوة الأولى للإصلاح في بلادنا يجب أن ترتبط بإعادة النظر في مناهج التعليم والإعلام والقوانين، وبعدها سيتغير فكر الناس..


وأهم عناصر الإصلاح برأيي هي العلمنة، فالمطلوب قبل إصلاح الدين هو أولا تنحيته عن النظام الحكومي والقانوني، لأنه من ناحية يستحيل أن نرهن حياتنا بدين خاصة تحت الإصلاح، ومن ناحية أخرى ففرض قيم العصر هي أفضل وسيلة لجعل الأصولي يعيد حساباته..
هذا يطرح عدة أسئلة: ومن أين ستأتي تلك الحكومة الواعية؟ وما الذي سيجعلها تؤيد الإصلاح وليس المحافظة أو التطرف؟ وهل هذا الكلام يعني أن المصلحين والمفكرين ليس لهم دور؟
والجواب بنظري يكمن في ما يمكن تسميته الخطوة صفر، وأسميها كذلك لأن تأثيرها معنوي غير ملموس لكنه مهم، وهي المتمثلة في خلق تيار نخبوي واعي من المثقفين الذين يتحدثون بإسم الإصلاح ويطرحونه على المجتمع والدولة، ويعملون بمثابة العقل والضمير لرجال السياسة ويقنعوهم أن الإصلاح يخدم المصلحة العامة للجميع إذا تم بشكل ذكي لا يتصادم مع الرأي العام، وحين ينجح المثقفون في إقناع الدولة والنافذين بذلك فهنا سيبدأ الإصلاح..

الخطاب العلماني وسيكولوجية الفرد المسلم




الساحة الفكرية المعاصرة تشهد نقدا منوعا للأفكار التراثية والدينية، وهي ظاهرة إيجابية بنظري، ليس بغرض الإساءة لأحد أو التبشير بدين (أو لادين) معين، وإنما بغرض الترويج لقيم التنوير والإنسانية - فالتجربة ترينا أن المؤمن الذي يشك بعقيدته سيفكر ويقبل التعددية ولن يمارس الإرهاب، بينما المؤمن المتيقن من دينه لن يجد حاجة إلى التفكير أو قبول التعددية وقد يمارس الإرهاب..

أما عن أسلوب النقد فمتباين، يتراوح بين العقلانية الهادئة والهجوم الساخر، وأما عن المحتوى فأيضا متعدد- علمي وفلسفي وتاريخي - وأما عن استجابة المستمعين فأيضا تتباين حسب طباع كل متلقي وثقافته..

وهنا أود الإشارة إلى سمة نفسية مركبة أراها منتشرة بين عوام المسلمين (وأعني الغالبية، بلا تعميم)، وربما يجدر بكل مفكر أن يتنبه لها ويضعها في الحسبان بينما يختار موضوعات وأساليب النقد..

تلك السمة هي: المزاج الخشن وعقدة النقص وعبادة القوة..

بشكل عام فالشعوب الأقل حضارة قد تتميز ببعض الغلظة والخشونة، سواء على المستوى الإجتماعي مثل سهولة استخدام العنف البدني حتى مع الأطفال والنساء، مرورا بالمستوى القانوني مثل استخدام العقوبات البدنية القاسية ضد المجرمين، وصولا إلى المستوى السياسي كسهولة الدخول في المعارك والحروب ضد الجماعات الأخرى..

هنا تجد العوام بالعادة يعجبون بنموذج المحارب أو راعي البقر: الشخص القوي الباطش الشجاع، حتى لو كان ظالما، بأكثر من إعجابهم بنموذج المفكر أو العالم أو الفنان غير المقاتل..
السبب الواضح لهذا المزاج هو أن الإنسان في حالته الأبسط يكون معرضا للخطر بشكل أكبر، خاصة من الإعتداءات الخارجية، فتكون سمات القوة والبطولة أكثر فائدة للمجتمع من غيرها..

ولذلك فإن هذا المزاج يزداد تطرفا في حالات الشعور بالضعف والهوان أمام الجماعات الأخرى، فيزداد الشوق لقيم العنفوان والجبروت، والتي تصبح هي معيار الصواب والخطأ عند تلك الشعوب - هذا الوضع حصل مرارا عبر التاريخ، حيث أن الشعوب المهزومة في الحروب تميل عندئذ لتأييد الزعيم الذي يلوح لهم بشعارات البطولة والفتوة وحتى العدوان..

ولا شك أن الفرد المسلم المعاصر، خاصة بالعالم العربي، يعتريه شعور عام بالنقص والذل تجاه العالم المتقدم الذي سبقه سياسيا واقتصاديا وعسكريا، حتى لا نبالغ لو قلنا أن أقوى شعور يحرك هذا الفرد هو الرغبة في الكرامة، لا لنفسه كفرد وإنما لأمته..

هذا يمكن أن يفسر لنا إعجاب قطاعات كبيرة من العرب ببعض الزعماء المعاصرين، رغم أن بعضهم كان فاشلا مهزوما، وبعضهم كان طاغية أذاق شعبه الهوان، وبعضهم -حتى بالمقياس الإسلامي- كان شديد العلمانية، وبعضهم أباح الدعارة في بلده وأقام علاقات متطورة مع إسرائيل، ومع ذلك فقد حظى أولئك الزعماء بشعبية هائلة بين المسلمين خاصة العرب، فقط لأنهم اكتشفوا الكلمة السحرية التي يتعطش لها المواطن هنا : الكرامة القومية، فاصطنعوا أمام الكاميرات تلك الصورة المتجبرة المعادية للغرب، ولو بالكلام الدعائي فقط..

لكن بالفترة الأخيرة فإن بطل المقاومة لم يعد القومية أو الإشتراكية، وإنما الإسلام السياسي، والذي تغلغل في مجتمعاتنا بعد أن تشكل بصورة معينة تتلاءم مع عقدة النقص هذه - فتداخل معها بعدة مستويات نفسية وفكرية:

فالإسلام أولا لا يقبل المساواة أو التعايش الأفقي بين الجماعات الإنسانية، فهو يقنع المسلم العادي أن الحالة الإفتراضية له هي أن يكون سيد العالم وحاكمه، والبقية أسفل منه، وبالتالي فأي وضع دون ذلك هو بنظره وضع مزري مائل لا يمكن الصبر عليه - مما يزيد من شعور النقص والإحباط داخل المسلم، بزيادة الفجوة بين الواقع وبين ما يجب أن يكون..

ثم إن الإسلام يقنع المسلم بأن ثمة مؤامرة عالمية ضده، تسعى لهدم دينه وتمنعه عن الحصول على ذلك التفوق الذي يستحقه، وأن الآخرين يضمرون له الشر طوال الوقت، ولن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، مما يزيد من حالة الحرب بذهن المسلم، حيث يقوم بتأويل جميع الأحداث السياسية بشكل أحادي وكأنها موجهة ضده تحديدا، مما يجعله مضطرا للجهاد المضاد..

ثم إن الإسلام يركز على القوة المادية والعسكرية بالأساس، لا المنافسة العلمية أو الثقافية أو المعمارية أو الإقتصادية، وكأن الحالة الأساسية بين الشعوب هي الصدام والحرب المسلحين، على غرار القرون الوسطى..

وأخيرا فإن الإسلام يربط بين القوة والتدين، فهو يقنع المسلم أن سبب هزيمته هو تخليه عن الدين، وبالتالي فهو يعده بأن وسيلة الحصول على الغلبة هي عن طريق الإلتزام الديني، فالنصر من الله وبالتالي فأول خطوة للتفوق المادي هي إرضاء الرب بتنفيذ شريعته..

فالخلاصة أنه بالحالة الطبيعية بدون الأسلمة قد يشعر المسلم العادي بأن بلده متأخر وسيحاول اللحاق بالعالم سياسيا واقتصاديا وفكريا، لا بأس بذلك، ولكن دخول عنصر الأسلمة بالمعادلة يضع الصورة في إطار جديد: حيث يجعل المسلم يربط التقدم بالسيادة وهزيمة الأعداء، ويربط السيادة بالقوة، ويربط القوة بالتدين، مؤكدا عقدة النقص ومضخما ومستغلا لها، وفي ذلك المحيط الفكري تسبح شعارات مثل وحدة الأمة والخلافة والجهاد..

وأما أقوى سلاح لترسيخ تلك الأفكار بالأذهان، فهو النفخ في أساطير الماضي السعيد، فصار المسلم في بلادنا يصحو وينام يوميا على أوهام الأجداد، حين كنا خير أمة، رهبان الليل وفرسان النهار المنطلقون لنغزو الأراضي ونذل نواصي أعتى الإمبراطوريات - ذلك المجد العظيم الذي لم يزل إلا حين تهاونا في ديننا فتكالبت علينا الأمم، وهكذا يكون حلم الحاضر الأكبر هو إعادة هذا الماضي عن طريق استعادة ديننا ومعه حضارتنا وكرامتنا المفقودة..

وأما وسيلة استعادة الماضي، وكما ذكرنا، فلا تكمن في الجانب السياسي أو الإقتصادي أو الإداري أو التقني، وإنما في الجانب الديني، فأجدادنا العظماء لم يكن لديهم دستور أو برلمان أو فصل سلطات أو جامعات أو بنوك أو مصانع أو معامل أو أي من بدع الغرب هذه، وإنما هم تفوقوا أساسا عن طريق الإلتزام بأوامر الله وأخلاقيات الإسلام العسكرية الصارمة، فحققوا النصر، وهذا ما يجب أن يقودنا اليوم، حسب الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر..

ولهذا يعتقدون أن المؤامرة الغربية على الإسلام لا تعمل فقط في السياسة، وإنما ذلك الخطاب نجح في إقناع المسلم أن جميع مظاهر الحضارة- كالعلوم والفنون والمساواة- إنما هي موجهة ضده، لزعزعة عقيدته الروحية وصلابته الجهادية، وإشاعة الكفر الإنحلال في المجتمع - وهكذا يتأكد العداء وتترسخ الكراهية ليس فقط سياسيا ضد الغرب، وإنما حضاريا ضد كل مظهر إنساني لم ينبع من الإسلام أو يتعارض معه، وما أكثر المظاهر الإنسانية التي لم تنبع من الإسلام أو تتعارض معه..

واستكمالا لما سبق، فقد نجح الخطاب الإسلامي باستغلال نوازع التخلف المذكورة، فقام بربط الإسلام في ذهنية المسلم بالقيم التي يحبها ويحتاجها: القوة والبطولة والشرف والذكورة والفحولة..إلخ، كما نجح في ربط العلمانية ليس فقط بخيانة الهوية والتبعية للغرب، وإنما ربطها كذلك بالسمات التي يحتقرها العوام، وهي الضعف والخنوع والدياثة - ولعل تلك هي أبرز سمة تجعل المسلم العادي، حتى غير المفكر وغير المسيس، ينفر من العلمانية الناعمة الهشة المخنثة بنظره، ويفضل عليها الخشونة والرجولية الإسلامية..

فما علاقة ذلك بنقد الأديان؟

العلاقة أن جانبا كبيرا من حديث العلماني العربي يكون موجها لأمور منطقية وعلمية وتاريخية وأخلاقية، وبينما قد يجد ذلك الخطاب آذانا مصغية عند بعض المسلمين الذين نالوا حظا من التحضر والتثقيف، إلا أن هناك قطاعات كبيرة لن يجدي معها الجدالات الفلسفية أو الأخلاقية، لأن ما يحركهم ليس العقل أصلا، وإنما العواطف والغرائز والعقد النفسية المتعطشة- كما ذكرنا- للعزة والكرامة..

فمثلا نجد كثيرا من النقد يوجه إلى أخلاقيات الإسلام، وتحديدا إلى جانب العنف والظلم والبطش الإسلامي، المتمثلة في آيات القتال، وغزوات محمد وخلفائه، ودموية القادة الأوائل أمثال خالد ابن الوليد وعقبة ابن نافع، وممارسة المسلمين الأوائل للعبودية وتجارة الرقيق، بالإضافة إلى عادة ملك اليمين واغتصاب الأسيرات، وكذلك ظلم النساء، وقمع أهل الكتاب، وحد الردة، إلى غير ذلك من الأمور التي تعتبر مظاهر ظلم وبلطجة أو حتى جرائم حرب في عصرنا، لا يقبلها المجتمع الدولي أو أخلاقيات الشعوب المتحضرة..

ولكن المشكلة أن قطاعات كبيرة من المسلمين لا تعيش بذهنية الحضارة الحديثة أصلا وإنما بعقلية القرن السابع للميلاد، وبالتالي فهذا النوع من النقد الأخلاقي لن يلقى إلا آذانا صماء عند تلك الغالبية، لأن صاحبنا لا ينفر من العنف والظلم إلى الحد الذي تظنه، بل قد يقترن العنف والظلم عنده بالقوة والعزة، خاصة وهو يعاني من عقدة نقص جعلته لا يتمسك بالإسلام أصلا إلا لاستعادة تلك البلطجة المفقودة..

بصيغة أخرى: بعض الإنتقادات اللادينية الموجهة إلى أخلاقيات الإسلام قد تأتي بآثار عكسية، حيث ستبدو بنظر المسلم العادي، وحسب عقليته وثقافته، وكأنها مدح للإسلام، لأنه لن يراها بمنظور الأخلاق والتحضر وإنما بمنظور الخشونة والرجولة التي يعشقها ويعظمها..

فحين تتحدث- كعلماني- عن الغزو والجهاد والجزية، فقد تجد مسلما متحضرا يرفض الإحتلال ويحاول تبرئة دينه منه، ولكنك ستجد مقابله عشرات المسلمين الآخرين يقولون لك: وهل ذلت أمتنا إلا بترك الجهاد، مما جعل الكل يطمع فينا؟ فياليت ترجع تلك الأيام حتى نعود خير الأمم ونذل نواصي الأعداء..

وحين تتكلم عن ظلم الإسلام للمرأة، فقد تجد مسلما متحضرا يتبنى المساواة ويعيد تأويل النصوص على أنها وليدة عصرها، ولكن أمامه ستجد العشرات يقولون لك: وهل ضاعت الأمة إلا بخروج المرأة ونسيانها لدورها الأساسي بالمنزل؟ فياله من حلم أن يرجع القهر وتحبس النساء في المنازل ويحرمن من التعليم والكلام ويضربن بالسياط حتى يفرخن للأمة مئات من صلاح الدين..

وحين تتحدث عن تحريم الإسلام للفنون، فقد تجد مسلما عاقلا ينفي ذلك ويرحب بالرسم والموسيقى والنحب، ولكن بالمقابل ستجد العشرات من العوام يؤكدون أن الفن يشعل الشهوات ويضيع المال ويشغل الناس عن الجهاد ومواجهة أعداء الأمة، فمرحبا بتحريمه..

وحين تذكر الجزية وحد الردة مثلا، فقد تجد مسلما إنسانيا يعيد تأويل تلك الأمور ويحصرها بعصرها، ولكن إلى جواره ستجد العشرات يقولون لك أن الأمة أصلا ضاعت بانتشار الكفر فيها، وصار اليهود والنصارى متحكمين في مقاديرها، فكان من حكمة الإسلام أنه وضع أولئك الكفار في مكانهم، وليتنا نرجع إلى ذلك القمع الرائع..

باختصار فهناك قطاع كبير جدا من المسلمين لا يخجل من الجوانب الهمجية في دينه، وإنما على العكس: هو يشتاق بحرارة إلى عودة زمن الفتوة والبلطجة الدينية، لأنه يربط ذلك بالكرامة والمجد الذين يتعطش لهما بشدة، وهو مايزال يعتبر كل ذلك التشدد الإسلامي- السياسي أو الإجتماعي- إنما هو من مظاهر الفحولة السلوكية التي تستحق الفخر والتمجيد..

هذا يستلزم منهج مختلفا للخطاب العلماني، يضاف إلى جوار المناهج الحالية : من ذلك محاولة تفكيك منظومة التخلف كلها، وتوضيح أن الحضارة تختلف عن البلطجة، وأن التقدم لا يعني بالضرورة القوة، وأن القوة لا تعني الظلم، خاصة في عصرنا الذي لا يعتمد على السيف والخيل والعزيمة الجهادية، فهذه الأمور لم تعد تنفع، وإنما يعتمد على المنهج العلمي والكفاءة الإدارية والإنتاجية..

كما يستدعي إعادة مراجعة للفتوحات الإسلامية وإظهار أنها ليست معجزة تستحق الفخر وإنما هي نموذج لمشهد متكرر بالتاريخ وهو نجاح جماعات همجية في إسقاط مدن أكثر حضارة، وهو ما حدث من قبل الهكسوس والوندال والمغول وغيرها، وأما الحضارة المسماة إسلامية فهي استمرار للحضارات السابقة بالمنطقة، وليس لها علاقة بالدين أو الغزو، ثم إنها كانت واحدة من الحضارات الإنسانية، ولم تكن بالضرورة الأعظم أو الأنجح..

كما يجب تفكيك أفكار مثل الخلافة، وإظهار الحقيقة التاريخية أن المسلمين لم يكونوا أمة واحدة وإنما مئات من الممالك المقسمة سياسيا وطائفيا وعائليا، والمتحاربة فيما بينها..

وعلى المستوى التشريعي والإجتماعي فيجدر إبراز أن الإسلام لم يكن واحة من العفة والحشمة كما يصوره مشايخ السلفية لأتباعهم، وإنما تكمن به جوانب من الإنحلال والدعارة والقوادة، بداية من زواج المتعة والتلاعب بعقوبة الزنا وقضية المغيبات وتأخر فرض الحجاب وسيادة ثقافة الجواري الإباحية عبر التاريخ الإسلامي..

والمقصود هنا أن التركيز على جوانب الضعف والإنحلال في السيرة والتراث الإسلامي قد يكون أجدى (أي أكثر تأثيرا بنفس عوام المسلمين) من التركيز على جوانب البلطجة، حتى لو كانت الجوانب الثانية أسوأ أخلاقيا، فالواجب علينا أحيانا التفكير بعقلية المسلم، لا عقليتنا - وذلك حتى يتم تفكيك منظومة التخلف..
فعلى سبيل الأمثلة: بدلا من التركيز فقط على قمع المسلمين لسكان البلاد المفتوحة (الكفار)، ينبغي أيضا التذكير بما فعله المؤمنون ببعضهم البعض من مذابح وخيانات ودسائس..

وبدلا من التركيز على غزوات محمد فقط، يمكن كذلك إبراز مشهد هروبه من الكفار واختباؤه في الغار خوفا على حياته، مع ترك طفل ينام في سريره معرضا حياته للخطر..

وبدلا من التركيز على حادثة بني قريظة فقط، يجدر أيضا توضيح محاولات محمد التودد إلى اليهود والتحالف معهم وتقليدهم والأخذ عنهم..

وبدلا من التركيز على ملك اليمين أي اغتصاب الأسيرات، يجب أيضا ذكر إباحة محمد للمتعة وهي دعارة صريحة، حيث يسمح للرجل والمرأة بالإتفاق على قضاء بضعة ليال سويا مقابل أجر..

وبدلا من التركيز على قمع الإسلام للنساء بفرض الحجاب، ينبغي إظهار الجوانب العكسية للتشدد، ومن ذلك أن عورة الجواري كانت مكشوفة من زمن محمد وعمر الذي كان يضرب الجارية إذا تغطت، مرورا بكل مراحل التاريخ الإسلامي حتى العصر الحديث..

وبدلا من التركيز على تضييق الإسلام للحرية الجنسية، فيجدر أيضا التذكير بمحاولات محمد التغاضي عن عقاب الزناة عن طريق تصعيب شرط الإثبات، ومحاولاته منع الرجال من العودة مبكرا إلى المنزل ومفاجأة الزوجات، ثم قوله أن الولد للفراش، وإطالة الفقهاء لمدة الحمل، وكلها إجراءات تهدف للتغطية على الفضائح..

ومع التركيز على اشتهاء محمد لطفلة في التاسعة، فربما ينبغي أيضا إظهار الأحاديث الجنسية اللاحقة لعائشة وكيف كانت تدخل الرجال عليها واستغلالها لمسألة أخوة الرضاعة..

كما يجدر إبراز المقابلات بين الماضي والحاضر، لتقريب الصور، من ذلك مثلا المقارنة بين مخالفات الصحابة كما سجلتها كتب السيرة وبين ما يفعله المشايخ اليوم من فساد ونفاق واتباع للشهوات، ومن ذلك أيضا أن الحركات الإسلامية اليوم قد تنجح في الترهيب والقتل، ولكنها غالبا تسحق وتضرب، وحتى مع نجاح بعضها فقد فشلت فشلا ذريعا في إقامة دولة واحدة محترمة، مما يؤكد أن معايير الماضي لم تعد تنفع اليوم..

في كل جوانب النقد هذه، أرى أن السخرية تلعب دورا شديد الأهمية، كونها تؤكد عمليا على عدم صلاحية هذا الفكر لعصرنا، وكونها تزعزع من صورة الرهبة والقوة التي يربطها المسلم بدينه وتراثه..

باختصار يجب توضيح أنه حتى الصورة البطولية الرجولية العفيفة التي يحاول المشايخ وضع التراث فيها، هي صورة كاذبة يوجد ما يخالفها، وبالتالي فهي لا تستحق الإعجاب سواء على المقياس الحضاري الإنساني، ولا حتى على المقياس الشعبي..

الزوجة المسلمة وأسير الحرب




مقارنة بين حقوق الزوجة في الإسلام، وحقوق أسرى الحرب في المواثيق الدولية..

يروى في الحديث عن محمد أنه يقول (ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم)، كما ورد بصيغ عديدة عند الترمذي والنسائي وابن ماجه والهيثمي وغيرهم، وفي الحاشية يقول الترمذي أن العاني هو الأسير..

وكذلك جاء في معجم لسان العرب: أن العاني هو الأسير، والعوان عموما هو التسليم والخضوع والطاعة والقهر والقسر والذل والغلبة، وعنيته أي أسرته وحبسته وضيقت عليه، والعناء هو الحبس في شدة وذل (وفي الحديث: اتقوا الله في النساء؛ فإنهن عندكم عوان، أي : أسرى أو كالأسرى)، (يقول : إنما هن عندكم بمنزلة الأسرى، قال ابن سيده : والعواني النساء؛ لأنهن يظلمن فلا ينتصرن)..

ويقول الإمام ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (إنّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهى تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير)..

ويقول الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" (القول الشافي فيه أن النكاح نوع رقّ، فهي رقيقة له، فعليها طاعة الزوج مطلقًا)..

ويقول الفقيه ابن علي الجوزي في "أحكام النساء" (وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج)، (وينبغي للمرأة أن تصبر على أذى الزوج كما يصبر المملوك)..

هل هذا يعني أن حال الزوجة في الإسلام يشبه فعلا وضع الأسير؟ دعنا نقارن ونرى الإختلافات والتشابهات بين الوضعين..
-------------------------------
الأسير يمسك في الحرب، بينما الزوجة تطلب من أهلها..

من وثيقة جنيف، المادة الرابعة، نعلم أن أسير الحرب هو شخص كان مسلحا أو يشارك في عمليات داخل ساحة الحرب، وتم أسره من قبل القوات المعادية..

في الإسلام الزواج هو صفقة، جنس مقابل مهر، كما نقرأ في القرآن، النساء 24 (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، وفي الحديث عن محمد، ورد في البخاري ومسلم وغيرهما، يخبر النبي رجلا أن الصداق الذي دفعه لزوجته إنما هو لقاء الجنس الذي مارسه معها، فيقول له (إن كنتَ صدقتَ عليها فهو بما استحللتَ من فرجِها)، ولذلك يتم وصف الرجل المتزوج بأنه (رجلٌ ملكَ بضعَ امرأةٍ) أي رجل امتلك فرج امرأة (عضوها الجنسي) ، و هو ما ورد في أحاديث عديدة عن محمد في البخاري ومسلم وغيرهما، كما يتم وصف الزواج في الأدبيات الفقهية السنية والشيعية على أنه "عقد تملك بضع"..

هنا تبدو المنظومتين مختلفتين، ولكن كما سنرى فالتشابه أكبر مما قد نظن، بل وكفة الميزان قد تميل إلى ما لا نتوقعه..
-------------------------------

كلاهما تابع لجهة ما تتسلط عليه وتحدد إقامته..

كلاهما لا يحق له التحرر من المنظومة بإرادته، إلا بإذن ولي الأمر..

الأسير لا يتلقى مالا، بينما الزوجة تتلقى المهر..

بالمقابل الأسير لا يكون مطالبا بحقوق جنسية تجاه آسره، بينما الزوجة تطالب بذلك ولا يحق لها الإمتناع..
-------------------------------
الأسير لا يحق لأحد اغتصابه، بينما الزوجة مباحة من تلك الجهة..

من معاهدة جنيف لحقوق أسرى الحرب، المادة 13، الجزء الثاني (أسير الحرب يجب أن يتم حمايته طوال الوقت، خاصة ضد ممارسة العنف أو الترهيب، وضد الإساءة والإهانة)..

..ومن المادة 14 (أسرى الحرب يحق لهم كل الظروف التي تمنحهم الإحترام لشخصهم وشرفهم، ويجب معاملة النساء بالإعتبار لجنسهن)

ففي الحديث عن محمد في البخاري (إذا دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فراشِهِ فأَبَتْ ، فبات غضبانَ عليها ، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبحَ)، و في سنن الترمذي أنه قال (ثلاثةٌ لا تُجاوزُ صلاتَهم آذانَهم... منهم "وامرأةٌ باتتْ وزوجُها عليها ساخطٌ")، وفي صحيح الألباني أنه قال (إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشِه فلْتُجبْ، و إن كانتْ على ظهْرِ قَتَبٍ)، أي لو كانت راكبة على بعير، و المقصود مهما كانت ظروفها، التي لا تهم هنا كونها مجرد أداة جنسية مؤجرة للرجل بعد أن دفع ثمنها (مهرها)..

-------------------------------
كلاهما يتم الإنفاق عليه من الجهة الآسرة، ويحق له الحصول على المأكل والملبس..
-------------------------------
الأسير يحق له الحصول على العلاج، بينما الزوجة محرومة من هذا الحق..

من وثيقة الأمم المتحدة للقواعد القياسية الدنيا لمعاملة الأسير، المادة 62 (الخدمات الطبية التابعة للمؤسسة يتوجب عليها فحص وعلاج أي مرض أو مشاكل صحية، سواء جسدية أو عصبية، للسجين، كما أن جميع الخدمات الطبية والجراحية والنفسية يجب أن تكون متوفرة بالكامل)..

ومن المادة 22 (وأما السجناء المرضى الذين بحاجة إلى علاج تخصصي، فيتوجب نقلهم إلى مؤسسات مختصة أو مشافي مدنية، حيث يتم توفير الإمكانيات والأدوات الطبية والأدوية اللازمة وتوفرالطاقم العلاجي المناسب..

على الجانب الآخر رأى أكثر الفقهاء أنه لا يجب على الزوج علاج زوجته المريضة أو شراء الدواء لها، كما ورد في العديد من الفتاوى للشيخ ابن جبرين و فتاوي اللجنة الدائمة و غيرهما، فيما نقلوه عن فقهاء المذاهب الأربعة.. .

بعض تلك الفتاوى استشهد بكلام للإمام ابن قدامة، يشبه فيه علاقة الرجل بالمرأة بعلاقة المستأجر بالشيء الذي يؤجره لمنفعته، فيقول في كتابه "المغنى"، كتاب النفقات، فصل 6460 (ولا يجب على الزوج شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب كونه لا يراد لإصلاح الجسم (والجسم مستأجر وبالتالي) لا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء مايقع من الدار)..

أما الفقيه الحنفي شمس الأمة الحلواني فيقول في ترجمته في الأنساب للسمعاني ج 4/ 248 أن المرأة (إذا مرضت مرضا لا يمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه تسقط النفقة)، هنا نرى تجسيدا لكون المرأة متاع يشترى و ينتفع به، فإن لم تعد لها فائدة فلا داعي للإنفاق عليها..

بينما رأى الشافعي في كتاب "الأم"، كتاب النفقات 6\ 342،343 أن الإنفاق على الزوجة طالما هو (للجماع فالمريض لايجامع فأسقطت لذلك النفقة) ؛ فكأن الشافعي يقول أن الإنفاق على الزوجة يكون من أجل الجنس بالأساس ، و طالما أن المريضة تكون غير قادرة على ممارسة الجنس فلا يكون هناك أي داعي لينفق الزوج عليها..
-------------------------------
الأسير يتوجب تكفينه بالشكل اللائق، بينما الزوجة محرومة من هذا الحق..

من وثيقة جنيف، مادة 120، الجزء الثالث (على السلطة المحتجزة أن تضمن أن سجين الحرب المتوفي في الأسر سيتم دفنه بشكل مشرف، في قبور مستقلة فردية، وإن أمكن وفقا لشريعته الدينية التي كان ينتمي لها، كما يتم احترام قبورهم والحفاظ عليها وتعليمها ليتم العثور عليها بأي وقت)..

وأما تكفل الزوج بتكفين الزوجة في الإسلام فمسألة خلافية، وهو ليس واجبا عند المالكية والحنابلة وبعض الحنفية، وحجتهم في ذلك - كما تنص الفتاوي- أن النفقة والكسوة وجبتا في النكاح للتمكين من الإستمتاع، وقد انقطع ذلك بالموت..
-------------------------------
الأسير لا يحق لأحد ضربه، بينما الزوجة محرومة من هذا الحق..

كما ذكرنا من معاهدة جنيف لحقوق أسرى الحرب، المادة 13، الجزء الثاني (أسير الحرب يجب أن يتم حمايته طوال الوقت، خاصة ضد ممارسة العنف أو الترهيب، وضد الإساءة والإهانة)..

..ومن المادة 14 (أسرى الحرب يحق لهم كل الظروف التي تمنحهم الإحترام لشخصهم وشرفهم، ويجب معاملة النساء بالإعتبار لجنسهن)

القرآن، سورة النساء 34 (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)، وفي الحديث عن محمد (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت)، كما ورد عند الطبراني وفي الحلية والسلسلة الصحيحة للألباني..
-------------------------------
الأسير يجب احترام حريته الدينية، بينما الزوجة غير المسلمة محرومة من هذا الحق..

من وثيقة الأمم المتحدة للقواعد القياسية الدنيا لمعاملة الأسير، المواد 6 و41 و42، الجزء الأول : من الضروري احترام المعتقدات الدينية للجماعة التي ينتهي إليها السجين، ويتوجب انتداب ممثل ديني ليزور السجناء بانتظام حسب رغبة السجين، كما أن كل مسجون يجب السماح له بإشباع احتياجاته الدينية عن طريق حضور الإجتماعات والطقوس والحصول على الكتب الدينية واتباع تعاليم دينه..

من آراء ابن حنبل وابن قدامة وابن القيم، للزوج المسلم أن يمنع زوجته المسيحية من الذهاب إلى الكنيسة أو الإحتفال بالأعياد المسيحية : سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الرجل تكون له المرأة النصرانية يأذن لها أن تخرج إلى عيد النصارى أو تذهب إلى بِيعَة ؟ قال : لا .

وجاء في المغني لابن قدامة 1/21 ( عشرة النساء ) : وإن كانت الزوجة ذميّة فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة..

قال ابن القيم: وأما الخروج إلى الكنيسة والبيعة فله منعها منه ، نص عليه الإمام أحمد في الرجل تكون له المرأة النصرانية ، قال : لا يأذن لها في الخروج إلى عيد النصارى أو البيعة..
-------------------------------
وحقوق أخرى:
من معاهدة جنيف، المادة 38 (مع احترام التفضيلات الشخصية لكل سجين، فإن السلطة المحتجزة يتوجب عليها تشجيع ممارسة الأنشطة العقلية والتعليمية والترفيهية، بالإضافة إلى الرياضة والألعاب بين السجناء، وأن توفر لهم الظروف الملائمة- بما فيها المساحات الخارجية المفتوحة- لذلك الغرض)..

بشكل عام فإن وثيقة الأمم المتحدة للقواعد القياسية الدنيا لمعاملة الأسير، تتضمن شروطا للحد الأدنى من الإقامة، وضمان النظافة الشخصية، والملبس، والنوم، والطعام، وحق التريض، وحق الحصول على رعاية طبية، وحق الشكوى، وحق التواصل مع العالم الخارجي، وحق توفير الكتب، والحرية الدينية، وحق التعليم، وعدم مصادرة الأملاك، وغيره..

 1- 2- 3 - 4 



أقوال كفرية من The Simpsons




- مدير المدرسة تشالمرز: الصلاة ليس لها مكان في المدارس العامة، تماما كما أن الحقائق ليس لها مكان في الأديان المنظمة..

- لافتة الكنيسة لاستقبال الناس بعد وقوع كارثة طبيعية : الله يرحب بضحاياه..

- لافتة أخرى للكنيسة: نرحب بأتباع الأديان الأخرى (نمزح فقط)..

- القس لافجوي حاملا الكتاب المقدس: كل شيء خطيئة، هل جلست يوما وقرأت هذا الكتاب؟ تقنيا نحن غير مسموح لنا بالذهاب إلى الحمام..

القس لافجوي: نحن هنا لنعيد إليكم العقيدة الوحيدة الصحيحة : الفرغ الغربي من الكنيسة الإصلاحية الأمريكية البريسبيلوثرية..

المتدين نيد فلاندرز : لقد فعلت كل شيء أمرنا به الكتاب المقدس، حتى الأشياء التي تناقض بعضها البعض..

- مونتغومري بيرنز يلقي كلمة على موظفيه : الأسرة، الدين، الصداقة.. هذه ثلاثة شياطين عليك ذبحها لتنجح في البيزنس..

- مارج: سنذهب إلى الجد.. هومر: ليس عدلا، فقد ذهبنا لتونا للكنيسة.. بارت: نعم، هذا يعني أننا بالفعل سمعنا قصصا عمرها ألف سنة حول أمور لم تحدث أصلا..

- ليسا: الهنود الحمر كانوا يعبدون السلاحف والثعابين وحيوانات أخرى.. بارت: الحمد لله أننا عدنا إلى رشدنا وصرنا نعبد نجارا عاش من ألفين سنة..

- بارت يصلي قبل الأكل : يارب، نحن دفعنا ثمن كل هذا بأنفسنا، فشكرا على لا شيء..

هومر يصلي: إلهي العزيز، الآلهة كانت طيبة معي، وعلى سبيل القربان أقدم لك كوب لبن وطبقا من الكعك، فلو كنت تريدني أن آكلهم بدلا منك، رجاءا لا تمنحني أي إشارة مطلقا. تم..

هومر قبل الذهاب إلى الكنيسة: أنا لست رجلا سيئا، أجتهد بعملي وأحب أولادي، فلماذا أقضي نصف يوم الأحد أستمع إلى كيفية ذهابي إلى الجحيم؟

- هومر قبل الذهاب إلى الكنيسة: ولكن لنفرض أننا اخترنا الإله الخاطئ، فكل مرة سنذهب إلى الكنيسة سنغضبه أكثر وأكثر..

هومر في محنة : بالعادة لست من النوع الذي يصلي، ولكن إن كنت موجودا بالأعلى أرجوك انقذني يا سوبرمان..

مايكل هارت- الوجه الآخر





اليهودي الذي لا يتميز بأي علوم ولا أبحاث ولا مكتشفات عظيمة، والذي صار فخر الإسلام بسبب كتاب "الخالدون مائة" المكتوب عام 1978، لأنه وضع في مقدمتهم محمد، والذي يحتفل المسلمون بكتابه آناء الليل وأطراف النهار..

ما يجهله الكثيرون أن مايكل هارت يعد من "الإنفصاليين البيض"، أي الذين يرون بتفوق العرق الأبيض على سائر الأعراق، وبالتالي يؤيدون فصل البيض عن الآخرين، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا..

من كتبه الأخرى كتاب بعنوان "فهم التاريخ الإنساني" وكان مركزا حول الفوارق بين الأعراق وتفوق البيض..

في عام 1996 ألقى كلمة في مؤتمر نظمته مؤسسة ناشطة في مجال انفصال البيض، اقترح فيها تقسيم الولايات المتحدة على أساس عرقي إلى أربع مناطق: منها منطقة للبيض وثانية للسود وثالثة للهسبانيين ورابعة مختلطة..

وقد كان هارت منتظما في حضور مؤتمرات تعقدها مطبوعة "نهضة أمريكا" العنصرية، وفي أحد تلك المؤتمرات قام دافيد ديوك، قيادي سابق في حركة كو كلوكس كلان العنصرية سيئة الذكر، بمهاجمة اليهود، مما أدى لغضب هارت الذي صرخ واصفا المتكلم بأنه "نازي لعين" وانطلق مغادرا المكان، ولاحقا ترك هارت وبعض رفاقه اليهود تلك المؤسسة بسبب رفضها منع معاداة السامية وانتقاد اليهود..

لكن استمر مايكل هارت في نشاطه العنصري لصالح البيض، ففي عام 2009 نظم مؤتمرا في بالتيمور، الولايات المتحدة، تحت عنوان "الحفاظ على الحضارة الغربية"، كان شعارها الحاجة للدفاع عن "الميراث الأمريكي اليهودي المسيحي، والهوية الأوروبية" ضد المهاجرين، المسلمين والأفارقة..

حضر المؤتمر نحو سبعين من الأكاديميين العنصريين والقوميين البيض، وتركزت الأحاديث على تفوق البيض عقليا على السود، وعلى أن المهاجرين يدمرون أمريكا، وعلى أن الإسلام ليس دين سلام، بل إن سياسته التوسعية والعسكرية وغير المتسامحة هي سياسة تدميرية تخريبية..

فقد قامت بريندا ووكر، وهي ناشطة ضد الهجرة في كاليفورنيا، بالتحذير من أن الحضارة الغربية سيتم تدميرها عن طريق "المهاجرين والتعددية الثقافية"، وقالت بأن الإسلام يقمع حقوق النساء وأن الثقافة الإسلامية تتضمن جرائم الشرف، ضرب الزوجات، ختان الإناث، وإنتاج ولادات مشوهة نتيجة زواج أبناء العمومة..

وأما الكاتب اليميني من أصل يهودي لورنس أوستر، فقد أخبر الحاضرون أن التعددية الثقافية والإستقامة السياسية لا تصلح مع الإسلام، وأكد أن الولايات المتحدة تحتاج إلى دستور لمنع الإسلام تماما، مما سيشجع المسلمين أن يغادروا البلد من تلقاء أنفسهم، وقدم أويتر اقتراحه لقادة الأمة: اذهبوا إلى السعودية، استولوا على البترول..

أما مايكل هارت، فقد اتفق مع الآراء المطروحة، مقارنا الإسلام بالنازية، وقارن القرآن بكتاب هتلر الشهير "كفاحي"..
 
 1 - 2

أسأل لتجهل



أسئلة المؤمنين بحد ذاتها نظريا قد تكون جميلة، ولكن الغرض ورائها هو ما يجعلها قبيحة وسخيفة وغير نافعة لنقاش..

من الرائع التساؤل حول الوجود وأصل الأشياء، ولكن من العار أن تطرح تلك الأسئلة بغرض واحد هو تمرير الخرافات..

ففي تلك الحالة لا يكون الهدف هو الفضول العلمي، كما يجب أن يكون الحال، وإنما الهدف هو التشكيك في العلم كله، على اعتبار أنه لم يقدم أجوبة كاملة، وبالتالي لا يصبح هناك بديل سوى إجابات رعاة الغنم من العصر البرونزي..

والمشكلة في ذلك؟ أنه يجعل الهدف الحقيقي لأسئلة المؤمن هو الحفاظ على الجهل، لأن الجهل - بنظر المؤمن - هو مفتاح الدين.. والله ليس سوى شبح يعيش في مجاهل الخوف والظلام الإنساني، خلقناه لأننا عجزنا عن فهم النشأة والأصل، وبالتالي فالخطر الأكبر على الله اليوم هو نور العلم وزيادة القدرات البشرية..

هذا التصور يجعل المؤمن - الغيور على دينه- عدوا للعلم وعدوا للمنطق، لأنه لا يرى دليلا على صحة دينه إلا عجز الخصوم عن تقديم أجوبة كاملة.. فسيظل كارها لكل إجابة يقدمها العلم، لأنها تخصم من دينه الذي بناه على أسئلة لا يعرف إجاباتها..

ولن تكسر تلك الدائرة الغبية إلا حين يفهم المؤمن أن عدم وجود جواب، أو وجود جواب ناقص، لا يعني أن نقبل أجوبة خرافية أو مفتقرة إلى الدليل..

بالطبع العلم محدود، ولكن هذا لا يعني أن نستبدل به جهلا غير محدود..

المنهج العلمي والإحتكام إلى الواقع


في 28 يناير 1986، الساعة 11:39 بتوقيت شرق الولايات المتحدة، تحطم المكوك الفضائي الأمريكي تشالنجر، منفجرا بالسماء بعد إطلاقه بـ73 ثانية، وساقطا قرب ساحل فلوريدا بالمحيط الأطلسي، مما أدى إلى مقتل جميع أفراد الطاقم المكون من سبعة أفراد..

وبعد الصدمة ثم حالة الحداد والألم التي عاشتها البلد، متجسدة في عدة خطابات مؤثرة معزية للرئيس الأمريكي رونالد ريغان، وبعد الإنتهاء من أعمال انتشال الحطام والأنقاض من تحت المياه، ومعها الأشلاء التي تم إعادتها إلى الأهالي ثم دفنها مع مراسم حزينة مهيبة، بدأت إجراءات التحقيق لمعرفة سبب الكارثة..

تم انتقاد وكالة ناسا بسبب تكتمها ورفضها الإنفتاح على الإعلام، والنتيجة أن الصحافة بدأت تتكهن بما حدث، فخرجت بعض التقارير الإعلامية تقترح أن مشكلة بالهيكل الخارجي للمكوك هو الذي تسبب بالحادثة، وهو ما نفته ناسا في تحقيقاتها الداخلية..

ولكن لاحقا تم تشكيل لجنة تحقيق رئاسية، أي بأوامر مباشرة من ريغان، تسمى "لجنة روجرز" (نسبة لإسم رئيسها ويليام بي روجرز، إلى جوار آخرين منهم نيل أرمسترونغ)، تهدف لمعرفة سبب الحادث والمسئول عنه..

وربما من سوء حظ ناسا أن ضمن أعضاء اللجنة كان واحدا من أعظم العقول في تاريخ الفيزياء، وهو ريتشارد فاينمان، والذي كان حينذاك مصابا بمرحلة متقدمة من السرطان، مما جعله مترددا في قبول الوظيفة، ولكن بالنهاية قبلها وبدأ في إجراء فحوصاته الخاصة.. 

في جلسات الإستماع المذاعة على التلفاز اقترح فاينمان أن المشكلة الرئيسية تكمن في حلقات دائرية مخصصة توصل بين جزئين ميكانيكيين، وتكون مصنوعة من مادة مرنة تضمن غلقا محكما.. أشار فاينمان إلى أن تلك الحلقات تفقد مرونتها حين تتعرض إلى درجات برودة قوية، وهو ما أدى إلى تفكك جسم المكوك وحدوث الكارثة.. وهو ما حاول مندوب ناسا نفيه، لكن فاينمان بادره قائلا أنه جرب الأمر بنفسه، بشكل بسيط يشبه تجارب معامل المدرسة، حيث وضع الحلقة في كوب ماء بارد، مما أثبت وجهة نظره..

وانتهت المعركة باعتراف ناسا بمسئوليتها عن الخطأ، وأن السبب في الحادث هو تحديدا تلك الحلقات..

وربما هذا تحديدا ما يميز المنهج العلمي: الإعتراف بالقصور الإنساني، وأنه لا شيء يعلو على التجربة.. حيث لا قيمة لأي قداسة أو انفعالات عاطفية أو دعاوى أخلاقية أو تنظير فلسفي أو ثرثرة منطقية، فكل ذلك يسقط فورا أمام تجربة بسيطة مشهودة.. 

فقط أتصور لو أن مكان ناسا هنا جهة دينية أو أيديولوجية ما، فهل كانوا سيعترفون بالخطأ؟ أم سيسهل عليهم المراوغة والترقيع اللغوي أو المنطقي بهدف تبرئة النفس؟

- لم نخطئ، حيث أن الحلقات التي استخدمناها في المكوك تختلف عن تلك التي بين أيدينا الآن..


- لم نخطئ ، حيث أن هذا الإتهام هو بمثابة مؤامرة شيوعية بهدف تقويض دعائم أمريكا العظيمة..

- لم نخطئ، حيث أن اتهام ناسا بالخطأ سيفقد الشعب الثقة في حكومته، مما سيترتب عليه نتائج سياسية واجتماعية خطيرة (في الحقيقة تلك الحجة تم استخدامها فعلا، حيث مورست ضغوط على فاينمان لتعديل تقريره)..
إلخ..


 من العبارات التي دونها فاينمان حينها، وتصلح لأن تكون قانونا لكل من يتحرى الحقيقة والدقة والموضوعية، هي قوله: "من أجل تكنولوجيا ناجحة، يجب تقديم الواقع على العلاقات العامة، حيث أن الطبيعة لا يمكن خداعها"..

فاينمان والساعة السحرية




إلى جوار عبقريته العلمية وذكاءه المتقد، وإلى جوار هواياته المتنوعة من قرع الطبول وصولا للذهاب إلى مراقص التعري لرسم اسكتشات - ليس للراقصات وإنما لوجوه الجمهور وتعبيراتهم - فقد اشتهر أيضا الفيزيائي الأمريكي الحاصل على نوبل ريتشارد فاينمان بسعيه المتشكك وفضوله الدائم تجاه الكون والحياة، واشتهرت عنه قصص عديدة في هذا الإطار، تبدأ من اكتشافه لسبب سقوط مكوك فضاء عن طريق غمس حلقة مطاطية في كوب ماء بارد، مما أجبر وكالة ناسا على الإعتراف بخطأ تصميمي، وصولا إلى سيره على أربع ومحاولته لتشمم الأرض، ليتأكد إن كان كلبه فعلا- كما يقال- يمتاز بحاسة شم أكثر دقة من البشر، وهو ما أثبتته التجربة الصغيرة بالفعل..

ومن تلك القصص هي قصة الساعة السحرية، والتي كتبها في مذكراته، ثم سجلت في عدة كتب عن حياته، منها كتاب "فاينمان، رجل الكم" لورنس كراوس، وكذلك كتاب "العبقري: حياة وعلم ريتشارد فاينمان" جيمس غليك، وهي نموذج لكيف يعمل العقل العلمي مع أي ظاهرة..

في عام 1945، أواخر الحرب العالمية الثانية، وفي أثناء عمله بمشروع سري ذي أهمية قصوى: القنبلة الذرية، تلقى فاينمان مكالمة هاتفية تفيد بأن زوجته التي تسكن مدينة بعيدة عن عمله، تحتضر..

حينها عمره 27 عاما، وهي في العشرين، مصابة بنوع من أنواع سرطان الدم، وكانا قد تزوجا منذ عامين فقط، وكان أمامها ساعات قليلة للعيش، قضاها العالم الشاب إلى جوارها حتى فارقت الحياة..

قامت الممرضة بتسجيل موعد الوفاة 9:21 مساءا، ومع مشاعر الأسى العميقة قام بتحضير حاجياتها والبدء بترتيب الدفن، وحين تمشى إلى غرفتها مرة أخرى فوجئ بأن الساعة المعلقة على الحائط قد توقفت عن الدق، ووجد أن الأذرع متجمدة عند توقيت معين..

9:21!

 يمكن أن تحاول وضع نفسك مكانه: أعز شخص لديك توفى، زوجته الحبيبة التي لم ينسها، ولاحقا كتب لها رسالة مؤثرة بعد موتها، ثم إنك تجد الساعة توقفت بنفس اللحظة..

هل هي رسالة إلهية ما؟
هل الكون يتعاطف مع آلامنا بشكل غامض؟
هل كل شيء إذن جزء من خطة معينة؟

ولكن فاينمان- كما كتب بنفسه- لا يمكنه التفكير بتلك الطريقة، وإنما ركز ذهنه قليلا، ليتذكر أن الساعة كانت هشة قابلة للعطب، وأنه هو بنفسه قام بإصلاحها عدة مرات في أوقات سابقة، ثم استنتج بأن الممرضة حين عرفت بالوفاة، لابد أنها حملت الساعة لتنظر لها عن قرب في الإضاءة الضعيفة، ثم سجلت التوقيت وأعادت الساعة، ثم إن تلك الهزة قد أوقفت الساعة المهترئة أصلا..

لا معجزات هنا..

كتب هو في مذكراته "لم يمكنني عمل ذلك، رغم أنني أردته.. أردت تخيل وجود جمهورا أكبر في لحظة مثل هذه"..

(المقولة بالصورة: أستطيع العيش مع الشك واللايقين وعدم المعرفة، وأعتقد أنه من الأكثر تشويقا أن تعيش مع عدم المعرفة، بدلا من أن تعيش مع إجابات قد تكون خاطئة)..

تناقض السببية والحرية

 

لا يمكن الجمع بين الإيمان بالحرية والإيمان بالسببية..

قضيتان أساسيتان هما من أعمدة الفكر الديني، يتمسك المؤمن بكلتيهما بشدة، ولكن يبدو لي أن القضيتان متناقضتين معا، يستحيل الجمع بينهما، بحيث إذا صحت إحداهما انتفت الأخرى بالضرورة..

أما القضية الأولى فهي "قانون السببية" أو العلية : أن كل حركة أو فعل في الوجود لها سبب محدد أدى إليها.. وعلى تلك القاعدة يطرح المؤمن دليل وجود الإله، استنادا على أنه "لكل حادث محدث"، وأن سلسلة الأسباب تلك يستحيل أن تمتد إلى ما لا نهاية، وإنما يجب أن تقف عند "السبب الأول"، والذي هو - بنظر المؤمن- الله..

وأما القضية الثانية فهي قضية "حرية الإرادة" : أن الإنسان لا تسيره القوانين الطبيعية المادية فحسب، وإنما هناك عامل ما ميتافيزيقي (النفس أو الروح) يمكنها أن تتخذ القرارات بشكل حر مستقل عن المؤثرات الداخلية (مثل الجينات وطبيعة المخ) والخارجية (مثل البيئة والتربية).. وبذلك يتحقق للإختبار الإلهي مغزاه، وللحساب الإلهي عدالته..
----------------------------------

إذن، فما وجه التناقض بين الفكرتين؟

التناقض يمكن تلخيصه في أن حرية الإرادة تتنافى مع طلاقة قانون السببية..

ويمكن توضيح ذلك بالسؤال: هل قرارات الإنسان تخضع للسببية، كما تخضع لها الأشياء الطبيعية؟

لو قلنا نعم تخضع (1) فهذا يعني أن قراراتنا وأفعالنا تنبع من عوامل معينة، وتلك العوامل تنبع من عوامل ثانية وهكذا..

مما يستدعي السؤال: هل هناك سبب أول لأفكارنا وقراراتنا؟ ولابد أن يكون الجواب بنعم، لأن المؤمن كما نعلم يرفض تسلسل الأسباب إلى المالانهاية، وإلا لسقطت  أهم حجج وجود الإله: المسبب الأول..

إذن، فهل ذلك السبب الأول لأفعالنا هو النفس الإنسانية (1-أ)  أم الله (1- ب)؟

إن كان السبب الأول لقراراتنا هو النفس (1- أ)، فهذا يعني أن النفس أزلية لم يخلقها الله، وهو يطعن في مفهوم الألوهية بالكامل، ولا يقبله المؤمن الذي يرى أن الله خالق كل شيء في الوجود..

أما لو قلنا أن السبب الأول لأفعالنا وقراراتنا هو الله (1- ب) فهذا يسقط مفهوم حرية الإرادة، ويعني أن الله هو من يجبرنا على أفكارنا وسلوكنا، وبالتالي منطقيا لا يحق له لومنا إن أخطأنا، ويصبح الإختيار والحساب على الأعمال مسألة عبثية تماما.. 

أما لو رجعنا للسؤال الأول وأجبنا بلا، أي أن قرارات الإنسان لا تخضع للسببية (2)، فهذا يعني أن هناك عنصر آخر (غير الله) لا يخضع لقانون السببية، مما يعني أنه ليس قانونا مطلقا يسري على كل شيء، وبالتالي لا يصح الإستدلال به، مما يسقط واحدة من أهم القواعد التي يبني عليها المؤمن برهانه على وجود الإله الخالق للوجود..

وبذلك يتبين أن الإيمان بالإرادة الحرية يسقط طلاقة قانون السببية، كما أن الإيمان بطلاقة قانون السببية يسقط حرية الإرادة..

الله والمقامر


 
 الزمان: يوم القيامة..
المكان: قاعة مكتبية أنيقة مكيفة..
الحدث: الله يحاسب البشر..
بلحيته البيضاء الكثة ووجهه الجاد الذي يشبه المرحوم كارل ماركس.. جالس على مكتب خشبي، عليه هاتف وكمبيوتر عتيق الطراز، وملفات مكدسة بالأوراق، وأمامه ورقة يكتب بها ملاحظاته..
يتناول أحد الملفات أمامه، ويرفع سماعة الهاتف مناديا : جبريل، أدخل لي فلان الفلاني..
يدخل رجل متوسط القامة، مبتسما بافتعال وتوتر ، يسير حتى يقف أمام المكتب منتظرا أن يتكلم الله..

الله، يفتح الملف ويقلب أوراقه مكشر الوجه.. يتمتم: اسمك فلان الفلاني.. أنت رجل أعمال، نشاط الأساسي هو المضاربة بالبورصة.. مكتوب إنك ذكي وناجح.. تهتم بمصالحتك قبل كل شيء..

الرجل: نعم يا رب..

الله: لكن الحق الحق أقول أن سجل أعمالك تقليدي وممل جدا، لا شيء مثير فيه.. ولدت وتزوجت وأنجبت ومت في حادث سيارة.. لا أرى خيرا أو شرا.. ولكن كل هذا لا يهمني.. يهمني فقط أن تكون مؤمنا بوجودي..

الرجل، محتفظا بنفس الإبتسامة : نعم يا رب..

الله: على أساس أنني الله، أعظم كائن في الوجود.. وكل شيء إلى جواري يبدو صغيرا وتافها جدا.. أنت متفهم لذلك طبعا..

الرجل: أكيد يا رب..

الله: مكتوب هنا إنك كنت مؤمنا بوجودي.. أوك، هذا يكفيني، مصيرك الجنة.. الباب أمامك على اليمين.. هيا اذهب.. 

الرجل: أشكرك يا رب!

يتجه الرجل إلى الباب المشار إليه، بينما يستمر الله يقلب في الأوراق مقطبا وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة.. وقبل أن يمد الرجل يده إلى مقبض الباب، يناديه الله: يا فلان! تعالى هنا..

يعود الرجل ببطء وتوجس: هل هناك مشكلة يا رب؟

يتنهد رب السماوات ويخلع عويناته ويضعها على المكتب، ويزيح الملف جانبا، ويرفع بصره إلى فلان: أنت لم تكن مؤمنا بي حقا، أليس كذلك؟

فلان: ماذا تعني يا رب؟

تناول الله ورقة من الملف وقرأ منها : مكتوب هنا إنك لم تقرأ كتابا دينيا أو فلسفيا أو علميا في حياتك، وإنك كنت مهتما فقط بمصالحك وحياتك الشخصية، وحين سمعت عني قررت أن تؤمن بي، ليس بسبب الأدلة والبراهين، وإنما بسبب... (هنا ضيق عينيه وقرأ بصعوبة)... رهان با.. باس.. كال.. رهان باسكال..

فلان: لا أعرف عما تتكلم يا رب!

الله: ولا أنا يا ابني، ولكن مجمل ما فهمته أنك كنت تؤمن بي على سبيل الإحتياط.. كنت تقول : سأؤمن بوجود الله وفقط، فلو كان موجودا بالفعل سأربح الجنة، وأما لو لم يكن موجودا فلن أخسر شيئا.. وكنت تهنئ نفسك: يالي من ذكي، حاسب حساب كل الإحتمالات!

فلان: .. نعم يا رب، أعترف أنني كنت أقول هذا.. بصراحة قضية وجودك معقدة وصعبة، ولم أجد ما أكسبه بالإلحاد، فقررت أن أؤمن بك، فالإيمان سهل كما تعلم..
الله، يفكر: لا أدري.. هذا يبدو لي استهانة بمقام الألوهية.. 

اسمع، أنا أرسل معجزات وأكتب كتب مسجوعة، وأضع الأدلة على وجودي في كهوف العرب وفي ثمار البطيخ ، ثم اختفي في السماء، وبالتالي أتوقع اهتماما من البشر.. أتوقع منهم أن يبحثوا ويجتهدوا، أن يتساءلوا ويحتاروا، وبالتالي أتوقع منهم أن يؤمنوا بي ببعض المنطق والعقل... ببعض الحرارة بحق الجحيم!

جاءت العبارة الأخيرة زاعقة، ومعها انفتح الباب الآخر- على الشمال- وهبت منه موجة رياح حارة لفحت وجه فلان، ولمح من وراء الباب امرأة معلقة من شعرها يتم شيها مثل الكباب، فارتعد خوفا وهتف: أنت قلت أن ما يهم هو الإيمان وفقط، وأنا كنت مؤمنا بك!

أغلق الباب فجأة كما فتح فجأة، واستمر الله يغمغم شاردا وكأنما يتحدث إلى نفسه: بعد أن خلقت الكون كله لأحصل على بعض الإهتمام.. بعد لعبة الغميضة الكونية التي صممتها بشكل يجعل جون كريمر، جيغسو نفسه، يشعر بالحسد.. بعد كل هذا المجهود يؤمنوا بي على سبيل الحظ والإحتياط! مستغلين ثغرة قانونية في تشريعي.. لا أذكر أنني شعرت بمثل هذه الإهانة منذ ادعى محمد أنني زوّجته بزينب!

فلان، مستعيدا هدوءه ومهارته التفاوضية: هذه وجهة نظرك يا رب، ولكن المهم أنني آمنت بك، لم ألحد ولم أكفر ولم أشرك.. سمه إيمان احتياطي أو قمار، هذه مشكلتك، المهم أنني التزمت بالعقد وما طلبته.. (ثم مكملا بثقة أكبر) والآن افتح باب الجنة إذا تفضلت، لأن وقتي ثمين جدا..

بعد ثواني من الصمت بدت على الله مظاهر الإعتراف بالهزيمة وتمتم : أنت محق، طالما آمنت فمكانك الجنة، ولا يمكنني الرجوع عن وعدي.. تفضل..

بعد أن اختفى فلان وراء باب اليمين، وما أدراك ما باب اليمين.. مد الله يده متناولا سماعة الهاتف، وقال من بين أضراسه: جبريل، أين المرحوم باسكال؟ 

تقول في الجنة منذ قرون؟ طيب اذهب واحضره لي، وهات معك بعض الزبانية، فلدي كلمتان له..