السبت، 1 يونيو 2019

الكتاب المقدس والجنس



الكتاب المقدس اليهودي (التاناخ، العهد القديم) يحتوي نصوصا جنسية عديدة، منها تفاصيل زنا وحوادث اغتصاب ومنها غزل صريح جسدي، أشهرها ما ورد في سفر نشيد الإنشاد الذي هو أشبه بقصيدة حب جنسي..

ويحلو للبعض (على الأخص كثير من المسلمين، وبعض اللادينيين) أن يبرزوا تلك النصوص، متساءلين باستنكار أو سخرية: هل يعقل أن تلك الفواحش تعتبر من كلام الله المقدس الذي يُتعبد به؟!

حسن، من الناحية التقنية، لكي نقول هل هذا كلام الله أم لا، فيجب أولا أن تكون لدينا فكرة مسبقة عن شخصية الله، وما يحب وما يكره، ثم نطبق تلك الفكرة على الكلام أمامنا، لنرى مدى التطابق أو التناقض..

فمن أين تأتي تلك الفكرة عن طبيعة الله، إلا من الأديان ذاتها؟

فإن كانت صورة الإله في دينك لا تتماشى مع الحديث بالجنس، فهنا يحق لك الإعتراض من وجهة نظر دينك، فقط..

ولكن بسهولة يمكن القول أن الشخص (الإسرائيلي) الذي كتب ذلك الكلام، أو الذي زعم أنه من الله، لابد أنه لم ير فيه أي مشكلة، بل رآه كلاما جديرا بالإله، وإلا لما سجله ولما قدسه..

ثم من اتبعوه وآمنوا به لابد أنهم كذلك اتفقوا مع تلك النظرة، واستمر ذلك لقرون طويلة..

إذن بالنسبة لهم الجواب بنعم: يمكن للإله أن يتكلم بالجنس، ومن يعترض فليثبت العكس..

أما لاحقا، ومع تبلور الديانة المسيحية، والتي هي فرع متأخر عن اليهودية، فربما تغيرت صورة الإله، حيث نجد تعاليم المسيح تحذر الرجال، ليس فقط من الزنا وإنما من النظرة الشهوانية التي تعتبرها زنا أيضا، كما دعا إلى إخصاء النفس لو لزم الأمر للإمتناع عن الشهوات، ونجد أنه هو نفسه لم يكن له أي علاقات نسائية، بل وصل الأمر إلى أن أمه ولدته دون أن يكون لها أي علاقات رجالية!، واستمرت فوبيا الجنس مع الرسول بولس، الذي تشكل رسائله نصف الكتاب المقدس المسيحي (العهد الجديد) نجد أنه لم يتزوج، ونصح بعدم الزواج مطلقا، بالإضافة لنصوص أخرى من الكتاب تتحدث عن أن الجنة ليس فيها زواج، وأن من يدخلها هم الأطهار الذين لم يتنجسوا مع النساء، ومن هنا ظهر طقس الرهبنة وهو امتناع التقاة عن أي علاقات نسائية حتى بالزواج..

في هذا السياق كان من الطبيعي أن يشعر المسيحيون ببعض الحرج من وجود نصوص جنسية ذات طبيعة فاضحة في الجزء الأول - العبراني- من كتابهم المقدس..

ومن الطبيعي كذلك أن يتلقف المسلمون الكرة، ويستخدموا الأمر لانتقاد الكتاب المسيحي الذي يحتوي أمورا معيبة لا تليق بالإله..

وعلى سبيل محاولة الرد، ظهرت تأويلات مسيحية تواجه النقد بالقول أن النصوص الغزلية في سفر نشيد الإنشاد مثلا - التي تذكر الأثداء والسيقان والبطون- هي نصوص رمزية تتحدث عن الكنيسة!، ولا حول ولا قوة إلا بالله..

وما يلفت النظر هنا ليس الهجوم أو الرد، وإنما اتفاق الفريقين على استنكار وجود نصوص ذات طبيعة جنسية في كتاب إلهي..

لكن المدهش هنا أن كلا الفريقين يؤمن تماما بوجود نصوص ذات طبيعة قتالية دموية في الكتب الإلهي:

فالمسيحي يؤمن بهلاك الله للبشرية في الطوفان، وتدميره لسدوم وعموره، بالإضافة للحروب العنيفة التي خاضها موسى ويشوع وداود وغيرهم من قادة اليهودية القدامى، والتي تضمنت ذبح أسرى وقتل أطفال وإبادات مفتوحة وصلت حتى للبهائم، ولا يبدو أنه يجد مشكلة في القول بأن ذلك هو كلام إله عظيم..

والمسلم كذلك يؤمن ببعض تلك القصص، خاصة الطوفان وهلاك لوط، ويضيف إليهم إهلاك الله لعاد وثمود وغيره، ثم هو يؤمن ببعض حروب اليهود، ويضيف إليها حروب محمد والتي تبدو استمرارا لما فعله داود، حتى أن قصة زواجه بزينب تبدو متشابهة تماما مع ما فعله داود بزوجة اوريا الحثي، وإن كان داود تفوق في الحقارة والخسة..

الخلاصة إذن أن المسيحي والمسلم لا يريان أي مشكلة في وجود نصوص قتل في كتاب إلهي، ولكن بعضهم يستنكر وجود نصوص جنسية بذلك الكتاب ويراه أمرا محرجا، سواء انتقده (المسلم) أو برره (المسيحي)..

والمسلم تحديدا، الذي ينظر في سفر نشيد الإنشاد ويقول "هذا لا يمكن أن يكون كلام إله"، نجد أنه يؤمن بقداسة عدد كبير من النصوص الجنسية الفاضحة، بداية من مشهد دخول زوجة العزيز الخائنة على عبدها لتحاول إغواءه، واقتراب النبي من أن يمارس معها الزنا، مرورا بفضائح محمد وزوجاته التي أفردت لها مئات الصفحات في السيرة والقرآن والتفاسير، وصولا إلى أحاديث رضاع الكبير وروايات عائشة عن قبلات محمد ومص اللسان وجنس الحيض والمني الذي كانت تفركه من على ثيابه بأظافرها..إلخ، مما يوقع صاحبنا المسلم في تناقض أشبه بالفصام، حين يتقبل الجنس في كتبه ويستنكره عند الآخرين..

ولكن الأخطر من ذلك أن هذا المسلم يستنكر على الله الكلام بالجنس، ولكنه لا يستنكر عليه الأمر بالقتل، ففي القرآن - كلام الله!- نجد أن رب السماء لا يكتفي بالأمر بضرب الأعناق، وإنما هو ينزل بنفسه ليرعب الأعداء، وينسب القتل لنفسه بشكل مباشر، ناهيك عن سماحه بجرائم أخرى مثل قتل الأسرى واغتصاب السراري وبيع البشر مثل المتاع وغيره..

تلك الأمور - القتل والوحشية والظلم والتعدي والإغتصاب- موجودة أيضا بالكتاب اليهودي، وهي فقط الجديرة بالإدانة والإستنكار، وليس الجنس..

بل على العكس، لا أجد أي عيب في وجود نصوص غزلية بكتاب مقدس، ولعلها من أجمل ما في ذلك الكتاب، ومن المؤكد - على الأقل- أن الحب أفضل من الكره، وأن ممارسة الجنس أفضل من شن الحروب، وأن الأخيرة هي الأحق بالخجل والحرج والرفض..

ويا إخوة، هذه النصوص المذكورة بشرية، كتبها أناس عاشوا في عصور قديمة، وفي حالة التاناخ فمما يميز ذلك العصر أنه- على ما يبدو- لم يكن فيه فوبيا واحتقار للجنس، مما يجعل النص ينتمي إلى عالم الإنفتاح القديم والذي يشمل نصوصا مثل ملحمة غلغاميش وصولا إلى ألف ليلة وليلة، وهو الإنفتاح الذي فقدناه تدريجيا مع سيطرة الأديان بصيغتها المنغلقة الكارهة للمرأة والحياة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق