السبت، 1 يونيو 2019

دمية المنطق

 

كلمات مثل "العقل" و"المنطق" أحيانا تكون خادعة للغاية، حين تستخدم في إطار وسياق غير منضبط..

مثلا كنت أجد مشقة في استيعاب المقصود بمقولة "الإنسان هو الكائن الوحيد العاقل" بالمقارنة مع الحيوان، فالحقيقة أن الحيوان يمارس أكثر مهام البشر (بما في ذلك المهام البيولوجية كالبحث عن طعام وجنس ومأوى والمنطقية كاستخدام الأدوات وحتى العاطفية كالأمومة والصداقة..إلخ) ولو وجد اختلاف بينهما فهو اختلاف كمي لا نوعي، فبأي حق ننزع العقل عن الحيوان؟

وسرعان ما اكتشفت أن المقصود بالعقل هنا هو ملكة الكلام!، لاحظ الكلمة "منطق" وارتباطها بالنطق، وكذلك لوغوس في اليونانية أصلا تعني كلمة، واشتقت منها لوجيك أي منطق.. كما نجد أن الحيوان عند العرب مثلا يطلق عليه (أعجم) وهو نفس ما يطلق على الأجانب الذين لا يتحدثون العربية، أي أن القدماء قصروا العقل على الخطاب اللغوي .. وهذا بالطبع غير مقبول، لأن اللغة تكون خاصة بفئة معينة لا يجيدها سوى أهلها، وللحيوانات كذلك أساليب خطابها..

مثال آخر: كثيرا ما نسمع أقوالا مثل "المنطق يدل على وجود خالق"، وهنا نكتشف أن ما يعنيه الشخص بالمنطق هو ما اعتاد عليه فصار يحسبه بديهيا، ودليلي أنك قد تجد جدالا بين مسلم ومسيحي مثلا، فيرى الأول أن المنطق يقول أن الله لا يمكن أن يتألم ويموت، بينما لا يرى الثاني مشكلة منطقية في ذلك، وعلى الجانب الآخر يرى المسيحي أن الله منطقيا لا يمكن أن يكافئ المؤمن بنساء وممارسات جنسية في الجنة، وهو ما لا يجد المسلم فيه أي مشكلة منطقية.. والمغزى أن ما يسمى المنطق هنا هو لعبة مطاطية بيد المؤمن يشكلها حسب ما يشاء، أو حسب ما تشاء العقيدة التي غسلوا بها دماغه منذ الطفولة وجعلوه يعتقد أنه اختارها طوعا..

مثال ثالث يردده أهل الأديان أيضا، وهو أن المنطق يقول أنه لابد من وجود معنى ومغزى وعدل في الكون، مما يستدعي وجود الله والآخرة، وهنا نجد خلطا بشعا بين ما يسمى المنطق وبين ما نرغب فيه، فمن المؤكد أن الإثنين ليسا نفس الشيء.. فالحق أن وجود كون منطقي أو عبثي هو أمر ممكن تماما، وكونه لا يعجبنا لا يجعله غير منطقيا..

هذا بالطبع لا يعد محاولة لإنكار وجود معنى للمنطق والعقل بالمطلق، ولكنه دعوة لأن نتحرى الدقة في استخدام الكلمة ولا نتوسع فيها لتشمل كل ما نتربى عليه أو نشعر به أو نرغب فيه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق