السبت، 1 يونيو 2019

المسلم والتحرش



عزيزي العلماني\الليبرالي العربي الطيب لحد السذاجة : أعتقد أن لديك سوء فهم كبير فيما يخص الإسلام والتحرش، فاسمح لي بتصحيحه..
ربما تعتقد أنت أن المسلم المتشدد يرى - مثلك - بأن التحرش الجنسي جريمة.. ولكنه يلقي باللائمة في تلك الجريمة على ملابس المرأة، وهذا ما يزعجك بشدة..

ربما تظن ذلك، وربما هذا ما يقوله المسلم أحيانا، ولكنه غير صحيح، فالمسألة أكبر وأخطر..

لكي تفهم موقف المسلم من التحرش، فعليك أن تدرك أن المسلم - وأخص المتدينين بشكل متشدد مؤدلج، بعيدا عن أهلنا المسلمين الطيبين - ذلك المسلم لا يؤمن بداخله بأن التحرش جريمة أصلا..

أو للدقة والإنصاف، لنقل بأنه لا يؤمن بأن التحرش جريمة توازي -في حجمها وتأثيرها- جريمة تحرر المرأة في ملابسها..

وإن شككت فقل لي : إن كان المسلم يستمد أفكاره ومرجعيته وأخلاقياته من القرآن والسنة وكلام الفقهاء وخطب المساجد ودروس المشايخ.. فبربك اخبرنا كم عدد النصوص الدينية والخطب المنبرية الإسلامية التي تدين التعري، وكم عدد النصوص والخطب التي تدين التحرش، واخبرنا أيهما أكبر..
ببساطة: نعرف أن الخطاب الإسلامي يدين - بكل وضوح وتشدد وإلحاح- إظهار المرأة لعورتها (شعرها مثلا) وتبرجها، وتعطرها، واختلاطها بالرجال، وخروجها بلا إذن زوجها، وسفرها بلا محرم..إلخ.. ونعرف أن المشايخ والدعاة وخطباء المساجد يتفننون ليلا ونهارا في التأكيد على وجوب تقييد النساء..

كما نعرف أن نفس ذلك الخطاب لا يحتوي - في أصوله أو فروعه - أي إدانة جدية لفعل التحرش بالمرأة..


أضف إلى ذلك الحقيقة الأخرى التي نعرفها: وهي أن ظاهرة التحرش - بنظر المسلمين- هي "عرض جانبي" لجريمة أكبر وأقدم، وهي تحرر المرأة وخروجها إلى الدراسة والعمل، وهي المصيبة التي أصابت العالم الإسلامي منذ زمن الإستعمار.. فلو التزمت النساء بأوامر الله - وأولها الحجاب - لاختفت جميع المشاكل، ومنها التحرش..
ويجد المسلم جذورا لهذا المعتقد في آيات الحجاب، بتحذيرها الشهير : يا مؤمن قل لنساءك يتحشمن في ملابسهن، حتى لا يؤذين.. والمعنى المفهوم ضمنا: أنها إن تعرضت إلى الإيذاء فملابسها هي السبب..

ومن يستمع إلى المشايخ وخطب المساجد يدرك تمادى رجال الدين في الأمر إلى حد الهوس، إلى درجة النواح والعويل بأن جميع مشاكل الأمة بدأت بتحرر المرأة، فذلك هو لب المؤامرة الإستعمارية الغربية على الإسلام، وحين خرجت النساء إلى الدراسة والعمل، وخلعن الحجاب وتبرجن وبدأن ينادين بالمساواة، حينها انهارت الدول وسقطت الخلافة وهزمتنا إسرائيل..!

والمغزى ؟

أنك - عزيزي العلماني- ربما تحتاج إلى تحديث نظرتك : فلعلك كنت ترى أن المسلم يقف معك في نفس الخندق، الذي يدين التحرش، ويبقى الخلاف حول من نلقي عليه المسئولية: همجية وانفلات الذكر أم ملابس الأنثى..؟

ولكن المسألة أكبر من ذلك، فجرب أن تنظر لها بهذا الشكل:
وجود التحرش في الشوارع بالنسبة للمسلم - أكرر: بعضهم - هو أمر غير مزعج بحد ذاته، بل لعل انتشار التحرش خير، لأنه بنظره عقاب إلهي على انفلات النساء، ودليل عملي على فشل القيم العلمانية..


المسلم المتشدد لا يشعر بأي شفقة تجاه ضحايا ذلك المجتمع، لأنه لا يمتلك أي انتماء لذلك المجتمع، الذي ترك الدين واتجه إلى العلمانية الغربية الكفرية.. ومن يكفر ويتحدى شرائع الله فهو يستحق ما يقع عليه..

ولهذا قد تجده يبرئ المتحرش، لأنه لا يرى المسألة جريمة، لها فاعل محدد هو المتحرش، بقدر ما يراها كعقاب إلهي، أو نتيجة طبيعية لتخلي الناس عن الشريعة والدين..

وحين يثور الكلام عن التحرش، فيذكر المسلم المتعصب ملابس النساء، فلا تتصور أنه مهتم بالتحرش مثلك، ولكن يختلف معك في سببه.. لا، وإنما هو مهتم بسيادة منهجه، مهتم بدرء الفتنة كما تعلم من المشايخ، وذكر التحرش هنا ليس سوى فرصة له ليمرر أفكاره..


فهو لا يروج للحجاب لأنه منزعج من التحرش، ويرى أن الحجاب سيقلل منه..

وإنما هو بالأحرى يستغل انزعاجك أنت من التحرش ليقنعك بالحجاب، وبالتالي ليقلب نظامك الإجتماعي والسياسي كله لصالح شريعته..

وفي تلك الحالة فلا تتعجب أن نفس المجتمع المسلم الذي يتعصب بجنون لو رأى صليبا مرفوعا على كنيسة، وتظهر أنيابه حين يسمع عن ملحد تجرأ على التنفس في بلاده، لا تتعجب أن نفس ذلك المجتمع هو الذي يقفز مادا يديه إلى أجساد النساء، في الطرقات والأماكن العامة..


هل قلت نفس المجتمع؟ لا بل نفس الشخص في كثير من الأحيان.. فلعل ذلك التحرش هو تعبير آخر عن تدينه..!
ليس لأن هناك نص ديني يقول له "تحرش"، ولكن هناك نصوص كثيرة تخبره أن المرأة مكانها المنزل، وأنها لو خرجت للدراسة والعمل وخلعت الحجاب فهي تستحق ما يحدث لها، كما تخبره النصوص بأن المجتمع إن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وإن كفر فلا حرمة لدمه أو ماله أو عرضه.. وقبل هذا تخبره النصوص أن المرأة متاع للرجل، أقل مكانة منه، مخلوقة من أجله، واجبها طاعته، وهي تصلح كمكافأة في الدنيا (كما أهدى المقوقس مارية لمحمد) وفي الآخرة (كما سيهدي الله الحور العين للمؤمنين في الجنة)..
نعم، شئنا أم أبينا فتلك بعض الأفكار التي تساعد في خلق المناخ المناسب لذهنية المتحرش، وتمهد الأرضية لتلك الظاهرة المنحطة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق