السبت، 1 يونيو 2019

الدين ليس جوابا



المؤمن غالبا يصر على أن العقل محدود.. لكنه بنفس الوقت مصرّ على أن يستشهد بذلك العقل لإثبات إيمانه، عن طريق حجة السببية..

طيب، لا مشكلة بأن نقول أن العقل يؤيد وجود سبب (أول) لنشأة للكون..

لكن السؤال المهم هنا : ما الذي جعلك تخلع عقلك وتقفز مليون سنة ضوئية إلى الأمام وتفتي فتقول أن هذا السبب الأول اسمه كذا وصفاته كذا ويحب كذا ويكره كذا؟ وما الذي دهاك لتحاول إلزام الناس بتلك المعلومات الخطيرة؟

ويا ترى هل استنتجت تلك الصفات المزعومة بعقلك (المحدود)؟

حتما لا، فأنت عرفتها مما ورثته من دينك، وبالطبع لا يمكنك إثبات صحتها، خاصة أنها مرتبطة بغيب..

وبالتالي فقد صرت لا تملك دعما لدينك إلا الإحالة إلى المجهول واحتكاره لصالحك : لابد أن هناك سبب أولا، ولابد أن اسمه الله، ولابد أنه واحد أحد عادل حكيم، ولابد أنه يهتم بمراسلة رعاة الغنم في الكهوف، ولابد أنه يعشق اليهود ورائحة الدماء والعطس، ويكره النساء والخنازير والتثاؤب..! هذا واضح كالشمس، أليس كذلك؟

هل هذه استنتاجات منطقية، أم الحق إنك أنك قد سلمت عقلك المحدود إلى بشر عقولهم محدودة أيضا، بل هم أجهل مننا ألف مرة؟

 أسوأ تعامل ممكن مع قضية الوجود الإنساني..

بل أعتقد أن المسألة أسوأ حتى مما ذكرت..

فنخطئ لو اعتقدنا أن المؤمن يتمسك بدينه بشدة لأنه يقدم له إجابات عن أسئلة الوجود، وإنما العكس غالبا أقرب للصحة : المؤمن لا يطرح الأسئلة الوجودية إلا لأنه يراها تدعم دينه، طبقا لمغالطة إله الفجوات الذي يعتبر الجهل دليلا على صحة الدين..

هذا يعني أن المؤمن يهمه الحفاظ على دينه بالأساس، وأما الأسئلة الوجودية فليست سوى وسيلته لذلك، فهو لا يهتم مخلصا بقضية الوجود، وحين يطرح الأسئلة فما يهمه ليس الحصول على إجابات، وإنما فقط نصرة دينه.. 

بل أكثر من ذلك، وجود إجابات يزعجه كثيرا، لأنه حين يسأل فهو يبحث عن العجز، لأنه أقنع نفسه أن قصور العلم هو أقوى دليل لصالح دينه.. لهذا لا عجب أن تجد الكهنة والمشايخ يكرهون العلم كالجحيم، لأن كل تقدم علمي يخصم من وظائف إلههم..

هذا عن أسئلة المؤمن، وأما عن إيمانه بدينه فلم يأت نتيجة تلك الأسئلة مطلقا، بل ولم يأت بالعقل أو البحث أصلا، وإنما بالولادة والتلقين، وأما تمسكه به فله أسباب أخرى لا علاقة لها بالعقل، وإنما تتعلق بالموروث والعاطفي والإنتماء..

وكأن الدين ليس سوى إجابة غبية، تظل تبحث لها عن أسئلة ذكية تطرحها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق