السبت، 1 يونيو 2019

الزوجة المسلمة وأسير الحرب




مقارنة بين حقوق الزوجة في الإسلام، وحقوق أسرى الحرب في المواثيق الدولية..

يروى في الحديث عن محمد أنه يقول (ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم)، كما ورد بصيغ عديدة عند الترمذي والنسائي وابن ماجه والهيثمي وغيرهم، وفي الحاشية يقول الترمذي أن العاني هو الأسير..

وكذلك جاء في معجم لسان العرب: أن العاني هو الأسير، والعوان عموما هو التسليم والخضوع والطاعة والقهر والقسر والذل والغلبة، وعنيته أي أسرته وحبسته وضيقت عليه، والعناء هو الحبس في شدة وذل (وفي الحديث: اتقوا الله في النساء؛ فإنهن عندكم عوان، أي : أسرى أو كالأسرى)، (يقول : إنما هن عندكم بمنزلة الأسرى، قال ابن سيده : والعواني النساء؛ لأنهن يظلمن فلا ينتصرن)..

ويقول الإمام ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (إنّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهى تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير)..

ويقول الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين" (القول الشافي فيه أن النكاح نوع رقّ، فهي رقيقة له، فعليها طاعة الزوج مطلقًا)..

ويقول الفقيه ابن علي الجوزي في "أحكام النساء" (وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج)، (وينبغي للمرأة أن تصبر على أذى الزوج كما يصبر المملوك)..

هل هذا يعني أن حال الزوجة في الإسلام يشبه فعلا وضع الأسير؟ دعنا نقارن ونرى الإختلافات والتشابهات بين الوضعين..
-------------------------------
الأسير يمسك في الحرب، بينما الزوجة تطلب من أهلها..

من وثيقة جنيف، المادة الرابعة، نعلم أن أسير الحرب هو شخص كان مسلحا أو يشارك في عمليات داخل ساحة الحرب، وتم أسره من قبل القوات المعادية..

في الإسلام الزواج هو صفقة، جنس مقابل مهر، كما نقرأ في القرآن، النساء 24 (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَٰلِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، وفي الحديث عن محمد، ورد في البخاري ومسلم وغيرهما، يخبر النبي رجلا أن الصداق الذي دفعه لزوجته إنما هو لقاء الجنس الذي مارسه معها، فيقول له (إن كنتَ صدقتَ عليها فهو بما استحللتَ من فرجِها)، ولذلك يتم وصف الرجل المتزوج بأنه (رجلٌ ملكَ بضعَ امرأةٍ) أي رجل امتلك فرج امرأة (عضوها الجنسي) ، و هو ما ورد في أحاديث عديدة عن محمد في البخاري ومسلم وغيرهما، كما يتم وصف الزواج في الأدبيات الفقهية السنية والشيعية على أنه "عقد تملك بضع"..

هنا تبدو المنظومتين مختلفتين، ولكن كما سنرى فالتشابه أكبر مما قد نظن، بل وكفة الميزان قد تميل إلى ما لا نتوقعه..
-------------------------------

كلاهما تابع لجهة ما تتسلط عليه وتحدد إقامته..

كلاهما لا يحق له التحرر من المنظومة بإرادته، إلا بإذن ولي الأمر..

الأسير لا يتلقى مالا، بينما الزوجة تتلقى المهر..

بالمقابل الأسير لا يكون مطالبا بحقوق جنسية تجاه آسره، بينما الزوجة تطالب بذلك ولا يحق لها الإمتناع..
-------------------------------
الأسير لا يحق لأحد اغتصابه، بينما الزوجة مباحة من تلك الجهة..

من معاهدة جنيف لحقوق أسرى الحرب، المادة 13، الجزء الثاني (أسير الحرب يجب أن يتم حمايته طوال الوقت، خاصة ضد ممارسة العنف أو الترهيب، وضد الإساءة والإهانة)..

..ومن المادة 14 (أسرى الحرب يحق لهم كل الظروف التي تمنحهم الإحترام لشخصهم وشرفهم، ويجب معاملة النساء بالإعتبار لجنسهن)

ففي الحديث عن محمد في البخاري (إذا دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فراشِهِ فأَبَتْ ، فبات غضبانَ عليها ، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبحَ)، و في سنن الترمذي أنه قال (ثلاثةٌ لا تُجاوزُ صلاتَهم آذانَهم... منهم "وامرأةٌ باتتْ وزوجُها عليها ساخطٌ")، وفي صحيح الألباني أنه قال (إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فراشِه فلْتُجبْ، و إن كانتْ على ظهْرِ قَتَبٍ)، أي لو كانت راكبة على بعير، و المقصود مهما كانت ظروفها، التي لا تهم هنا كونها مجرد أداة جنسية مؤجرة للرجل بعد أن دفع ثمنها (مهرها)..

-------------------------------
كلاهما يتم الإنفاق عليه من الجهة الآسرة، ويحق له الحصول على المأكل والملبس..
-------------------------------
الأسير يحق له الحصول على العلاج، بينما الزوجة محرومة من هذا الحق..

من وثيقة الأمم المتحدة للقواعد القياسية الدنيا لمعاملة الأسير، المادة 62 (الخدمات الطبية التابعة للمؤسسة يتوجب عليها فحص وعلاج أي مرض أو مشاكل صحية، سواء جسدية أو عصبية، للسجين، كما أن جميع الخدمات الطبية والجراحية والنفسية يجب أن تكون متوفرة بالكامل)..

ومن المادة 22 (وأما السجناء المرضى الذين بحاجة إلى علاج تخصصي، فيتوجب نقلهم إلى مؤسسات مختصة أو مشافي مدنية، حيث يتم توفير الإمكانيات والأدوات الطبية والأدوية اللازمة وتوفرالطاقم العلاجي المناسب..

على الجانب الآخر رأى أكثر الفقهاء أنه لا يجب على الزوج علاج زوجته المريضة أو شراء الدواء لها، كما ورد في العديد من الفتاوى للشيخ ابن جبرين و فتاوي اللجنة الدائمة و غيرهما، فيما نقلوه عن فقهاء المذاهب الأربعة.. .

بعض تلك الفتاوى استشهد بكلام للإمام ابن قدامة، يشبه فيه علاقة الرجل بالمرأة بعلاقة المستأجر بالشيء الذي يؤجره لمنفعته، فيقول في كتابه "المغنى"، كتاب النفقات، فصل 6460 (ولا يجب على الزوج شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب كونه لا يراد لإصلاح الجسم (والجسم مستأجر وبالتالي) لا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء مايقع من الدار)..

أما الفقيه الحنفي شمس الأمة الحلواني فيقول في ترجمته في الأنساب للسمعاني ج 4/ 248 أن المرأة (إذا مرضت مرضا لا يمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه تسقط النفقة)، هنا نرى تجسيدا لكون المرأة متاع يشترى و ينتفع به، فإن لم تعد لها فائدة فلا داعي للإنفاق عليها..

بينما رأى الشافعي في كتاب "الأم"، كتاب النفقات 6\ 342،343 أن الإنفاق على الزوجة طالما هو (للجماع فالمريض لايجامع فأسقطت لذلك النفقة) ؛ فكأن الشافعي يقول أن الإنفاق على الزوجة يكون من أجل الجنس بالأساس ، و طالما أن المريضة تكون غير قادرة على ممارسة الجنس فلا يكون هناك أي داعي لينفق الزوج عليها..
-------------------------------
الأسير يتوجب تكفينه بالشكل اللائق، بينما الزوجة محرومة من هذا الحق..

من وثيقة جنيف، مادة 120، الجزء الثالث (على السلطة المحتجزة أن تضمن أن سجين الحرب المتوفي في الأسر سيتم دفنه بشكل مشرف، في قبور مستقلة فردية، وإن أمكن وفقا لشريعته الدينية التي كان ينتمي لها، كما يتم احترام قبورهم والحفاظ عليها وتعليمها ليتم العثور عليها بأي وقت)..

وأما تكفل الزوج بتكفين الزوجة في الإسلام فمسألة خلافية، وهو ليس واجبا عند المالكية والحنابلة وبعض الحنفية، وحجتهم في ذلك - كما تنص الفتاوي- أن النفقة والكسوة وجبتا في النكاح للتمكين من الإستمتاع، وقد انقطع ذلك بالموت..
-------------------------------
الأسير لا يحق لأحد ضربه، بينما الزوجة محرومة من هذا الحق..

كما ذكرنا من معاهدة جنيف لحقوق أسرى الحرب، المادة 13، الجزء الثاني (أسير الحرب يجب أن يتم حمايته طوال الوقت، خاصة ضد ممارسة العنف أو الترهيب، وضد الإساءة والإهانة)..

..ومن المادة 14 (أسرى الحرب يحق لهم كل الظروف التي تمنحهم الإحترام لشخصهم وشرفهم، ويجب معاملة النساء بالإعتبار لجنسهن)

القرآن، سورة النساء 34 (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)، وفي الحديث عن محمد (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت)، كما ورد عند الطبراني وفي الحلية والسلسلة الصحيحة للألباني..
-------------------------------
الأسير يجب احترام حريته الدينية، بينما الزوجة غير المسلمة محرومة من هذا الحق..

من وثيقة الأمم المتحدة للقواعد القياسية الدنيا لمعاملة الأسير، المواد 6 و41 و42، الجزء الأول : من الضروري احترام المعتقدات الدينية للجماعة التي ينتهي إليها السجين، ويتوجب انتداب ممثل ديني ليزور السجناء بانتظام حسب رغبة السجين، كما أن كل مسجون يجب السماح له بإشباع احتياجاته الدينية عن طريق حضور الإجتماعات والطقوس والحصول على الكتب الدينية واتباع تعاليم دينه..

من آراء ابن حنبل وابن قدامة وابن القيم، للزوج المسلم أن يمنع زوجته المسيحية من الذهاب إلى الكنيسة أو الإحتفال بالأعياد المسيحية : سئل الإمام أحمد بن حنبل عن الرجل تكون له المرأة النصرانية يأذن لها أن تخرج إلى عيد النصارى أو تذهب إلى بِيعَة ؟ قال : لا .

وجاء في المغني لابن قدامة 1/21 ( عشرة النساء ) : وإن كانت الزوجة ذميّة فله منعها من الخروج إلى الكنيسة لأن ذلك ليس بطاعة..

قال ابن القيم: وأما الخروج إلى الكنيسة والبيعة فله منعها منه ، نص عليه الإمام أحمد في الرجل تكون له المرأة النصرانية ، قال : لا يأذن لها في الخروج إلى عيد النصارى أو البيعة..
-------------------------------
وحقوق أخرى:
من معاهدة جنيف، المادة 38 (مع احترام التفضيلات الشخصية لكل سجين، فإن السلطة المحتجزة يتوجب عليها تشجيع ممارسة الأنشطة العقلية والتعليمية والترفيهية، بالإضافة إلى الرياضة والألعاب بين السجناء، وأن توفر لهم الظروف الملائمة- بما فيها المساحات الخارجية المفتوحة- لذلك الغرض)..

بشكل عام فإن وثيقة الأمم المتحدة للقواعد القياسية الدنيا لمعاملة الأسير، تتضمن شروطا للحد الأدنى من الإقامة، وضمان النظافة الشخصية، والملبس، والنوم، والطعام، وحق التريض، وحق الحصول على رعاية طبية، وحق الشكوى، وحق التواصل مع العالم الخارجي، وحق توفير الكتب، والحرية الدينية، وحق التعليم، وعدم مصادرة الأملاك، وغيره..

 1- 2- 3 - 4 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق