السبت، 1 يونيو 2019

حد الردة: رأي ثالث



لدينا وجهتان نظر إسلاميتان: الأولى أن المرتد يجب قتله، وهو على ما يبدو إجماع الفقهاء الكلاسيكيين..

والرأي الثاني معاصر، وينكر حد الردة، مؤكدا أنه طالما المرتد لم يقاتل المسلمين، فيجب تركه وشأنه..

وربما الخطأ عند الفريقين في افتراض أن هناك جواب محدد عن السؤال، بنعم أو لا.. ولكن ربما لا يوجد جواب محدد..

وجهة نظري أن المؤسس الأول للإسلام (القرآن والسنة، محمد وأصحابه) وضعوا عقوبات محددة للسرقة والزنا مثلا، لتنظيم المجتمع بشكل معين.. ولكن مسألة العقيدة لا تندرج تحت هذا التنظيم، وذلك نظرا لحالة الجذب والشد الدائمة بينهم وبين الأطراف والقبائل المجاورة.. فإن الوضع بين المؤمنين والكفار، والصراع على الولاءات، أنتج فئات خليطة مثل المنافقين والمؤلفة قلوبهم.. أشخاص يعتنقون الدين، وآخرون يتركوه، وهناك من يشكك، وهناك من ينافق، وهناك من يتربص، وهكذا لدينا أوضاع رمادية ومتغيرة..

والنتيجة أن محمد كان يتعامل مع حالات الردة بشكل سياسي، حسب الظروف وحسب قوته، فمرة يعفو ومرة يقتل.. ولو أخذنا (كمثال) حادثة عبد الله ابن أبي السرح، فسنجد أن محمدا لوح للصحابة بقتله، لكن حين تركوه سكت عنه.. هذا يضعنا في مأزق شرعي، فهل كان الرجل يستحق القتل بحد الله، أم لا؟

إن قلنا نعم يستحق القتل بحد الردة، فكيف عفا النبي عنه وهو القائل أن فاطمة لو سرقت لقطعت يدها؟!

ولو قلنا لا يستحق القتل، فكيف كان يريد من الصحابة أن يقتلوه؟!

الخلاصة أن الردة مسألة سياسية، ليس لها حكم محدد وإنما تخضع لحسابات دنيوية بحتة، والمزاج المحمدي.. فيصعب الحديث عن "حد" للردة بشكل ثابت مثل حد السرقة مثلا..  ولكن هذا لا يعني أن قتل المرتد مرفوض في الإسلام، وإنما هو مسموح في إطار عمل سياسي وعسكري، يراعي المصالح قبل الشريعة..

ويمكن مقارنة ذلك بأحكام الأسرى، فلا يوجد حكم ثابت وإنما محمد (أو الخليفة) مخير ما بين قتلهم أو العفو عنهم أو الإفتداء بهم، حسب ما يراه..

ومما أرى أنه يؤكد ذلك هو الخلاف الذي جرى بين عمر وأبو بكر حول قتال أهل الردة، فالإختلاف هنا يؤكد أن المسألة ليست حكما دينيا، وإنما قرار سياسي..
فالإسلام لا يأمر بقتل المرتد، ولكنه يسمح بذلك، وقد يشجعه، حسب الظروف والمصالح..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق