السبت، 1 يونيو 2019

الإنسانية البلهاء



الأخلاق ليست منفصلة عن التطور، وإنما هي نشأت لدعمه، فكما أن البشر لديهم نزعات الأنانية والقسوة والخبث والطمع، وكلها تفيد بقاء الأفراد، فإنهم كذلك لديهم نزعات التعاون والرحمة والطيبة والإيثار، وهي أيضا تساهم في بقاء المجموعات الإنسانية..

فالأخلاق، وإن كانت متغيرة من حيث التطبيقات، إلا أنها ثابتة من حيث الهدف، وهو الحفاظ على البقاء والسعادة للجماعة.. ولهذا نحتاج إلى التوازن ما بين القسوة والرحمة، الشدة واللين، حفاظا على مصالحنا كبشر..

أما الأفكار والقيم والسلوكيات التي ينتج عنها ضرر عام، فلا يمكن اعتبارها أمورا أخلاقية، مهما بدت براقة أو مثيرة للإعجاب..

القصة كما رأيناها تتفجر في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي : طالبة سويدية تعطل إقلاع طائرة ركاب كانت متجهة إلى اسطنبول، لأنها علمت أنها تحمل على متنها رجلا أفغانيا كان على وشك الترحيل إلى بلده عبر تركيا..

امتنعت الفتاة عن الجلوس في مقعدها، وقامت بتصوير نفسها فيديو وهي دامعة منفعلة، ووسط مشادات مع بعض الركاب وتأييد وتصفيق من آخرين، انتهى الأمر بانتصارها وتم إنزال الرجل من الطائرة.. ليتم ترحيله في طائرة أخرى على كل حال..

انتشر الفيديو - المؤثر- كالنار في الهشيم، ووصفت الفتاة بأنها بطلة شجاعة وإنسانية..

مع إغفال تفصيلة واحدة لم تذكر بتلك العناوين : أن الرجل الخمسيني مجرم مدان، قضى فترة السجن في السويد، وقدم طلب لجوء، تم رفضه، وبالتالي فالإجراء الطبيعي جدا أن يتم ترحيله إلى بلده الأصلية..

أما الشيء المزعج الوحيد هنا فهو أن يتم تعطيل إجراءات وقوانين ومصالح شركات وركاب، لأن فتاة ما لديه شحنة عاطفة إنسانية زائدة..

وكعادة الشحنات العاطفية فهي تتضمن مغالطات، تركزت في جملة واحدة ظلت الفتاة ترددها بالتسجيل، مبررة خرقها للقانون وتعطيلها لمصالح الآخرين، وهي أن الرجل لو عاد إلى أفغانستان فسوف يتم قتله..

لا، ليس لأنها علمت أن هناك فرقة قتالية تنتظره بالأسلحة النارية في مطار كابول مثلا!، ولكن لمجرد أن الفتاة لديها انطباعا ما عن تلك البلد أن الجميع فيها يقتل الجميع..

(عودته إلى بلده = قتله)، ياله من منحدر زلق!

ويقابله منحدر آخر يبدو لي أكثر واقعية، وهو أنه طبقا لهذا المنطق فالواجب المقدس على السويد إذن هو أن تنقذ جميع المهددين، وذلك بأن تفتح ذراعيها وأراضيها- بلا انتقاء ولا حساب- لكل تلك الشعوب التي خربت بلادها وحولتها إلى جحيم، لينتقلوا بالملايين إلي بلاد الشمال، حاملين معهم ثقافتهم ومشاكلهم واحتياجاتهم.. ليس فقط الضحايا وإنما المجرمين أيضا، فالبلد تسع الجميع.. ثم - طبعا- يجب إعانة أولئك المهاجرين وتوفير لهم السكن والرواتب اللازمة، مع توقع كل الخير منهم، بناءا على أصولهم الطيبة والخلفيات الثقافية الراقية التي جاؤا منها..

وإلا فهو البكاء والعويل واللطم ترحما على الإنسانية التي ماتت..

هل علمنا الآن لماذا يكفر البعض بالإنسانية؟ ولماذا يتم انتخاب أوغاد مثل ترامب وسائر اليمينيين بالغرب؟

لأن غريزة البقاء ماتزال تعمل لدى البعض، تخبرهم أنه إن كانت المبادئ والأخلاق ستؤدي إلى خرابنا، فلتذهب تلك الإنسانية البلهاء إلى الجحيم..

------------------------

تحديث جديد في قصة الرجل الأفغاني الذي عطلت الطالبة "البطلة" الطائرة من أجل منع ترحيله إلى بلده..
تبين أن الرجل قد تمت إدانته وسجن 9 أشهر، بثلاث تهم اعتداء عنيف على زوجته وبنتيه - لأنهما لم يطيعا أوامره بغلق التلفاز، حيث قام بجلدهما بسلك كالسياط، وحين دخلت الزوجة جلدها أيضا، وضرب رأسها بالأرض..
أمثال هذا يدين البعض الحكومة السويدية "اللاإنسانية"، لأنها ترفض طلب لجوءه وتصر على إعادته لبلده.. ويمجدون الطالبة التي انفعلت لأجله - دون أن تحاول فهم أبعاد المسألة - فخرقت القانون وسببت مشاكل لشركة الطيران فضلا عن تعطيل مصالح الناس..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق