السبت، 1 يونيو 2019

الخطاب العلماني وسيكولوجية الفرد المسلم




الساحة الفكرية المعاصرة تشهد نقدا منوعا للأفكار التراثية والدينية، وهي ظاهرة إيجابية بنظري، ليس بغرض الإساءة لأحد أو التبشير بدين (أو لادين) معين، وإنما بغرض الترويج لقيم التنوير والإنسانية - فالتجربة ترينا أن المؤمن الذي يشك بعقيدته سيفكر ويقبل التعددية ولن يمارس الإرهاب، بينما المؤمن المتيقن من دينه لن يجد حاجة إلى التفكير أو قبول التعددية وقد يمارس الإرهاب..

أما عن أسلوب النقد فمتباين، يتراوح بين العقلانية الهادئة والهجوم الساخر، وأما عن المحتوى فأيضا متعدد- علمي وفلسفي وتاريخي - وأما عن استجابة المستمعين فأيضا تتباين حسب طباع كل متلقي وثقافته..

وهنا أود الإشارة إلى سمة نفسية مركبة أراها منتشرة بين عوام المسلمين (وأعني الغالبية، بلا تعميم)، وربما يجدر بكل مفكر أن يتنبه لها ويضعها في الحسبان بينما يختار موضوعات وأساليب النقد..

تلك السمة هي: المزاج الخشن وعقدة النقص وعبادة القوة..

بشكل عام فالشعوب الأقل حضارة قد تتميز ببعض الغلظة والخشونة، سواء على المستوى الإجتماعي مثل سهولة استخدام العنف البدني حتى مع الأطفال والنساء، مرورا بالمستوى القانوني مثل استخدام العقوبات البدنية القاسية ضد المجرمين، وصولا إلى المستوى السياسي كسهولة الدخول في المعارك والحروب ضد الجماعات الأخرى..

هنا تجد العوام بالعادة يعجبون بنموذج المحارب أو راعي البقر: الشخص القوي الباطش الشجاع، حتى لو كان ظالما، بأكثر من إعجابهم بنموذج المفكر أو العالم أو الفنان غير المقاتل..
السبب الواضح لهذا المزاج هو أن الإنسان في حالته الأبسط يكون معرضا للخطر بشكل أكبر، خاصة من الإعتداءات الخارجية، فتكون سمات القوة والبطولة أكثر فائدة للمجتمع من غيرها..

ولذلك فإن هذا المزاج يزداد تطرفا في حالات الشعور بالضعف والهوان أمام الجماعات الأخرى، فيزداد الشوق لقيم العنفوان والجبروت، والتي تصبح هي معيار الصواب والخطأ عند تلك الشعوب - هذا الوضع حصل مرارا عبر التاريخ، حيث أن الشعوب المهزومة في الحروب تميل عندئذ لتأييد الزعيم الذي يلوح لهم بشعارات البطولة والفتوة وحتى العدوان..

ولا شك أن الفرد المسلم المعاصر، خاصة بالعالم العربي، يعتريه شعور عام بالنقص والذل تجاه العالم المتقدم الذي سبقه سياسيا واقتصاديا وعسكريا، حتى لا نبالغ لو قلنا أن أقوى شعور يحرك هذا الفرد هو الرغبة في الكرامة، لا لنفسه كفرد وإنما لأمته..

هذا يمكن أن يفسر لنا إعجاب قطاعات كبيرة من العرب ببعض الزعماء المعاصرين، رغم أن بعضهم كان فاشلا مهزوما، وبعضهم كان طاغية أذاق شعبه الهوان، وبعضهم -حتى بالمقياس الإسلامي- كان شديد العلمانية، وبعضهم أباح الدعارة في بلده وأقام علاقات متطورة مع إسرائيل، ومع ذلك فقد حظى أولئك الزعماء بشعبية هائلة بين المسلمين خاصة العرب، فقط لأنهم اكتشفوا الكلمة السحرية التي يتعطش لها المواطن هنا : الكرامة القومية، فاصطنعوا أمام الكاميرات تلك الصورة المتجبرة المعادية للغرب، ولو بالكلام الدعائي فقط..

لكن بالفترة الأخيرة فإن بطل المقاومة لم يعد القومية أو الإشتراكية، وإنما الإسلام السياسي، والذي تغلغل في مجتمعاتنا بعد أن تشكل بصورة معينة تتلاءم مع عقدة النقص هذه - فتداخل معها بعدة مستويات نفسية وفكرية:

فالإسلام أولا لا يقبل المساواة أو التعايش الأفقي بين الجماعات الإنسانية، فهو يقنع المسلم العادي أن الحالة الإفتراضية له هي أن يكون سيد العالم وحاكمه، والبقية أسفل منه، وبالتالي فأي وضع دون ذلك هو بنظره وضع مزري مائل لا يمكن الصبر عليه - مما يزيد من شعور النقص والإحباط داخل المسلم، بزيادة الفجوة بين الواقع وبين ما يجب أن يكون..

ثم إن الإسلام يقنع المسلم بأن ثمة مؤامرة عالمية ضده، تسعى لهدم دينه وتمنعه عن الحصول على ذلك التفوق الذي يستحقه، وأن الآخرين يضمرون له الشر طوال الوقت، ولن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، مما يزيد من حالة الحرب بذهن المسلم، حيث يقوم بتأويل جميع الأحداث السياسية بشكل أحادي وكأنها موجهة ضده تحديدا، مما يجعله مضطرا للجهاد المضاد..

ثم إن الإسلام يركز على القوة المادية والعسكرية بالأساس، لا المنافسة العلمية أو الثقافية أو المعمارية أو الإقتصادية، وكأن الحالة الأساسية بين الشعوب هي الصدام والحرب المسلحين، على غرار القرون الوسطى..

وأخيرا فإن الإسلام يربط بين القوة والتدين، فهو يقنع المسلم أن سبب هزيمته هو تخليه عن الدين، وبالتالي فهو يعده بأن وسيلة الحصول على الغلبة هي عن طريق الإلتزام الديني، فالنصر من الله وبالتالي فأول خطوة للتفوق المادي هي إرضاء الرب بتنفيذ شريعته..

فالخلاصة أنه بالحالة الطبيعية بدون الأسلمة قد يشعر المسلم العادي بأن بلده متأخر وسيحاول اللحاق بالعالم سياسيا واقتصاديا وفكريا، لا بأس بذلك، ولكن دخول عنصر الأسلمة بالمعادلة يضع الصورة في إطار جديد: حيث يجعل المسلم يربط التقدم بالسيادة وهزيمة الأعداء، ويربط السيادة بالقوة، ويربط القوة بالتدين، مؤكدا عقدة النقص ومضخما ومستغلا لها، وفي ذلك المحيط الفكري تسبح شعارات مثل وحدة الأمة والخلافة والجهاد..

وأما أقوى سلاح لترسيخ تلك الأفكار بالأذهان، فهو النفخ في أساطير الماضي السعيد، فصار المسلم في بلادنا يصحو وينام يوميا على أوهام الأجداد، حين كنا خير أمة، رهبان الليل وفرسان النهار المنطلقون لنغزو الأراضي ونذل نواصي أعتى الإمبراطوريات - ذلك المجد العظيم الذي لم يزل إلا حين تهاونا في ديننا فتكالبت علينا الأمم، وهكذا يكون حلم الحاضر الأكبر هو إعادة هذا الماضي عن طريق استعادة ديننا ومعه حضارتنا وكرامتنا المفقودة..

وأما وسيلة استعادة الماضي، وكما ذكرنا، فلا تكمن في الجانب السياسي أو الإقتصادي أو الإداري أو التقني، وإنما في الجانب الديني، فأجدادنا العظماء لم يكن لديهم دستور أو برلمان أو فصل سلطات أو جامعات أو بنوك أو مصانع أو معامل أو أي من بدع الغرب هذه، وإنما هم تفوقوا أساسا عن طريق الإلتزام بأوامر الله وأخلاقيات الإسلام العسكرية الصارمة، فحققوا النصر، وهذا ما يجب أن يقودنا اليوم، حسب الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر..

ولهذا يعتقدون أن المؤامرة الغربية على الإسلام لا تعمل فقط في السياسة، وإنما ذلك الخطاب نجح في إقناع المسلم أن جميع مظاهر الحضارة- كالعلوم والفنون والمساواة- إنما هي موجهة ضده، لزعزعة عقيدته الروحية وصلابته الجهادية، وإشاعة الكفر الإنحلال في المجتمع - وهكذا يتأكد العداء وتترسخ الكراهية ليس فقط سياسيا ضد الغرب، وإنما حضاريا ضد كل مظهر إنساني لم ينبع من الإسلام أو يتعارض معه، وما أكثر المظاهر الإنسانية التي لم تنبع من الإسلام أو تتعارض معه..

واستكمالا لما سبق، فقد نجح الخطاب الإسلامي باستغلال نوازع التخلف المذكورة، فقام بربط الإسلام في ذهنية المسلم بالقيم التي يحبها ويحتاجها: القوة والبطولة والشرف والذكورة والفحولة..إلخ، كما نجح في ربط العلمانية ليس فقط بخيانة الهوية والتبعية للغرب، وإنما ربطها كذلك بالسمات التي يحتقرها العوام، وهي الضعف والخنوع والدياثة - ولعل تلك هي أبرز سمة تجعل المسلم العادي، حتى غير المفكر وغير المسيس، ينفر من العلمانية الناعمة الهشة المخنثة بنظره، ويفضل عليها الخشونة والرجولية الإسلامية..

فما علاقة ذلك بنقد الأديان؟

العلاقة أن جانبا كبيرا من حديث العلماني العربي يكون موجها لأمور منطقية وعلمية وتاريخية وأخلاقية، وبينما قد يجد ذلك الخطاب آذانا مصغية عند بعض المسلمين الذين نالوا حظا من التحضر والتثقيف، إلا أن هناك قطاعات كبيرة لن يجدي معها الجدالات الفلسفية أو الأخلاقية، لأن ما يحركهم ليس العقل أصلا، وإنما العواطف والغرائز والعقد النفسية المتعطشة- كما ذكرنا- للعزة والكرامة..

فمثلا نجد كثيرا من النقد يوجه إلى أخلاقيات الإسلام، وتحديدا إلى جانب العنف والظلم والبطش الإسلامي، المتمثلة في آيات القتال، وغزوات محمد وخلفائه، ودموية القادة الأوائل أمثال خالد ابن الوليد وعقبة ابن نافع، وممارسة المسلمين الأوائل للعبودية وتجارة الرقيق، بالإضافة إلى عادة ملك اليمين واغتصاب الأسيرات، وكذلك ظلم النساء، وقمع أهل الكتاب، وحد الردة، إلى غير ذلك من الأمور التي تعتبر مظاهر ظلم وبلطجة أو حتى جرائم حرب في عصرنا، لا يقبلها المجتمع الدولي أو أخلاقيات الشعوب المتحضرة..

ولكن المشكلة أن قطاعات كبيرة من المسلمين لا تعيش بذهنية الحضارة الحديثة أصلا وإنما بعقلية القرن السابع للميلاد، وبالتالي فهذا النوع من النقد الأخلاقي لن يلقى إلا آذانا صماء عند تلك الغالبية، لأن صاحبنا لا ينفر من العنف والظلم إلى الحد الذي تظنه، بل قد يقترن العنف والظلم عنده بالقوة والعزة، خاصة وهو يعاني من عقدة نقص جعلته لا يتمسك بالإسلام أصلا إلا لاستعادة تلك البلطجة المفقودة..

بصيغة أخرى: بعض الإنتقادات اللادينية الموجهة إلى أخلاقيات الإسلام قد تأتي بآثار عكسية، حيث ستبدو بنظر المسلم العادي، وحسب عقليته وثقافته، وكأنها مدح للإسلام، لأنه لن يراها بمنظور الأخلاق والتحضر وإنما بمنظور الخشونة والرجولة التي يعشقها ويعظمها..

فحين تتحدث- كعلماني- عن الغزو والجهاد والجزية، فقد تجد مسلما متحضرا يرفض الإحتلال ويحاول تبرئة دينه منه، ولكنك ستجد مقابله عشرات المسلمين الآخرين يقولون لك: وهل ذلت أمتنا إلا بترك الجهاد، مما جعل الكل يطمع فينا؟ فياليت ترجع تلك الأيام حتى نعود خير الأمم ونذل نواصي الأعداء..

وحين تتكلم عن ظلم الإسلام للمرأة، فقد تجد مسلما متحضرا يتبنى المساواة ويعيد تأويل النصوص على أنها وليدة عصرها، ولكن أمامه ستجد العشرات يقولون لك: وهل ضاعت الأمة إلا بخروج المرأة ونسيانها لدورها الأساسي بالمنزل؟ فياله من حلم أن يرجع القهر وتحبس النساء في المنازل ويحرمن من التعليم والكلام ويضربن بالسياط حتى يفرخن للأمة مئات من صلاح الدين..

وحين تتحدث عن تحريم الإسلام للفنون، فقد تجد مسلما عاقلا ينفي ذلك ويرحب بالرسم والموسيقى والنحب، ولكن بالمقابل ستجد العشرات من العوام يؤكدون أن الفن يشعل الشهوات ويضيع المال ويشغل الناس عن الجهاد ومواجهة أعداء الأمة، فمرحبا بتحريمه..

وحين تذكر الجزية وحد الردة مثلا، فقد تجد مسلما إنسانيا يعيد تأويل تلك الأمور ويحصرها بعصرها، ولكن إلى جواره ستجد العشرات يقولون لك أن الأمة أصلا ضاعت بانتشار الكفر فيها، وصار اليهود والنصارى متحكمين في مقاديرها، فكان من حكمة الإسلام أنه وضع أولئك الكفار في مكانهم، وليتنا نرجع إلى ذلك القمع الرائع..

باختصار فهناك قطاع كبير جدا من المسلمين لا يخجل من الجوانب الهمجية في دينه، وإنما على العكس: هو يشتاق بحرارة إلى عودة زمن الفتوة والبلطجة الدينية، لأنه يربط ذلك بالكرامة والمجد الذين يتعطش لهما بشدة، وهو مايزال يعتبر كل ذلك التشدد الإسلامي- السياسي أو الإجتماعي- إنما هو من مظاهر الفحولة السلوكية التي تستحق الفخر والتمجيد..

هذا يستلزم منهج مختلفا للخطاب العلماني، يضاف إلى جوار المناهج الحالية : من ذلك محاولة تفكيك منظومة التخلف كلها، وتوضيح أن الحضارة تختلف عن البلطجة، وأن التقدم لا يعني بالضرورة القوة، وأن القوة لا تعني الظلم، خاصة في عصرنا الذي لا يعتمد على السيف والخيل والعزيمة الجهادية، فهذه الأمور لم تعد تنفع، وإنما يعتمد على المنهج العلمي والكفاءة الإدارية والإنتاجية..

كما يستدعي إعادة مراجعة للفتوحات الإسلامية وإظهار أنها ليست معجزة تستحق الفخر وإنما هي نموذج لمشهد متكرر بالتاريخ وهو نجاح جماعات همجية في إسقاط مدن أكثر حضارة، وهو ما حدث من قبل الهكسوس والوندال والمغول وغيرها، وأما الحضارة المسماة إسلامية فهي استمرار للحضارات السابقة بالمنطقة، وليس لها علاقة بالدين أو الغزو، ثم إنها كانت واحدة من الحضارات الإنسانية، ولم تكن بالضرورة الأعظم أو الأنجح..

كما يجب تفكيك أفكار مثل الخلافة، وإظهار الحقيقة التاريخية أن المسلمين لم يكونوا أمة واحدة وإنما مئات من الممالك المقسمة سياسيا وطائفيا وعائليا، والمتحاربة فيما بينها..

وعلى المستوى التشريعي والإجتماعي فيجدر إبراز أن الإسلام لم يكن واحة من العفة والحشمة كما يصوره مشايخ السلفية لأتباعهم، وإنما تكمن به جوانب من الإنحلال والدعارة والقوادة، بداية من زواج المتعة والتلاعب بعقوبة الزنا وقضية المغيبات وتأخر فرض الحجاب وسيادة ثقافة الجواري الإباحية عبر التاريخ الإسلامي..

والمقصود هنا أن التركيز على جوانب الضعف والإنحلال في السيرة والتراث الإسلامي قد يكون أجدى (أي أكثر تأثيرا بنفس عوام المسلمين) من التركيز على جوانب البلطجة، حتى لو كانت الجوانب الثانية أسوأ أخلاقيا، فالواجب علينا أحيانا التفكير بعقلية المسلم، لا عقليتنا - وذلك حتى يتم تفكيك منظومة التخلف..
فعلى سبيل الأمثلة: بدلا من التركيز فقط على قمع المسلمين لسكان البلاد المفتوحة (الكفار)، ينبغي أيضا التذكير بما فعله المؤمنون ببعضهم البعض من مذابح وخيانات ودسائس..

وبدلا من التركيز على غزوات محمد فقط، يمكن كذلك إبراز مشهد هروبه من الكفار واختباؤه في الغار خوفا على حياته، مع ترك طفل ينام في سريره معرضا حياته للخطر..

وبدلا من التركيز على حادثة بني قريظة فقط، يجدر أيضا توضيح محاولات محمد التودد إلى اليهود والتحالف معهم وتقليدهم والأخذ عنهم..

وبدلا من التركيز على ملك اليمين أي اغتصاب الأسيرات، يجب أيضا ذكر إباحة محمد للمتعة وهي دعارة صريحة، حيث يسمح للرجل والمرأة بالإتفاق على قضاء بضعة ليال سويا مقابل أجر..

وبدلا من التركيز على قمع الإسلام للنساء بفرض الحجاب، ينبغي إظهار الجوانب العكسية للتشدد، ومن ذلك أن عورة الجواري كانت مكشوفة من زمن محمد وعمر الذي كان يضرب الجارية إذا تغطت، مرورا بكل مراحل التاريخ الإسلامي حتى العصر الحديث..

وبدلا من التركيز على تضييق الإسلام للحرية الجنسية، فيجدر أيضا التذكير بمحاولات محمد التغاضي عن عقاب الزناة عن طريق تصعيب شرط الإثبات، ومحاولاته منع الرجال من العودة مبكرا إلى المنزل ومفاجأة الزوجات، ثم قوله أن الولد للفراش، وإطالة الفقهاء لمدة الحمل، وكلها إجراءات تهدف للتغطية على الفضائح..

ومع التركيز على اشتهاء محمد لطفلة في التاسعة، فربما ينبغي أيضا إظهار الأحاديث الجنسية اللاحقة لعائشة وكيف كانت تدخل الرجال عليها واستغلالها لمسألة أخوة الرضاعة..

كما يجدر إبراز المقابلات بين الماضي والحاضر، لتقريب الصور، من ذلك مثلا المقارنة بين مخالفات الصحابة كما سجلتها كتب السيرة وبين ما يفعله المشايخ اليوم من فساد ونفاق واتباع للشهوات، ومن ذلك أيضا أن الحركات الإسلامية اليوم قد تنجح في الترهيب والقتل، ولكنها غالبا تسحق وتضرب، وحتى مع نجاح بعضها فقد فشلت فشلا ذريعا في إقامة دولة واحدة محترمة، مما يؤكد أن معايير الماضي لم تعد تنفع اليوم..

في كل جوانب النقد هذه، أرى أن السخرية تلعب دورا شديد الأهمية، كونها تؤكد عمليا على عدم صلاحية هذا الفكر لعصرنا، وكونها تزعزع من صورة الرهبة والقوة التي يربطها المسلم بدينه وتراثه..

باختصار يجب توضيح أنه حتى الصورة البطولية الرجولية العفيفة التي يحاول المشايخ وضع التراث فيها، هي صورة كاذبة يوجد ما يخالفها، وبالتالي فهي لا تستحق الإعجاب سواء على المقياس الحضاري الإنساني، ولا حتى على المقياس الشعبي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق