السبت، 1 يونيو 2019

إنه سلاح ذو حدين


 
- الشيخ فلان هذا دجال وليس بعالم دين حقيقي..

- كيف تجرؤ على التشكيك في العالم الجليل؟ وما تخصصك وما مقدار علمك أنت حتى تحكم عليه؟
-----------------
لابد أنك سمعت مثل تلك المجادلة، وشخصيا سمعتها كثيرا، آخرهم منذ قليل على أحد الصفحات..

هنا لدينا مغالطة تتكرر، وملخصها كالآتي:
الأخ المدافع هنا يفترض أن الإنسان لابد وأن يكون لديه علم كبير ومتخصص، لكي ينفي العلم عن الشيخ فلان.. ولا بأس بهذا القول، فلابد أن يكون النقد عن علم طبعا..

ولكن تكمن المغالطة في أنه لا ينتبه إلى أن الإنسان يحتاج إلى نفس العلم، لكي يثبت العلم على الشيخ، ويصفه بالعالم الجليل..

إن كانت المسألة تحتاج إلى تخصص لكي نعرف أنه ليس بعالم، فلابد أنها تحتاج إلى تخصص مماثل- أو أكثر - لكي نقول أنه عالم.. فإن كنت لا تملك المعرفة لتحكم على الشيء سلبا، فهذا يعني أنك لا تملك المعرفة لتحكم على الشيء إيجابا.. بل في أكثر الأحيان فإن الحكم إيجابا يحتاج إلى معرفة أكثر من الحكم سلبا..

ونفس الفكرة تكون في الحكم على الدين أو على وجود الإله نفسه، فنجد أهل الأديان يستغربون من شخص يشكك في دينهم، وينصحونه بأن يقرأ ويتعمق، لأن قرار ترك الدين ليس سهلا.. ولكن ماذا عن قرار الإستمرار في الدين؟ ألا يحتاج إلى قراءة وتعمق، ربما أكبر؟

ونلاحظ أن هذا المؤمن يناقض نفسه حين يرفض آلاف الأديان الأخرى، ويعتبرها مزورة أو محرفة، بدون أن يقرأ ويتعمق فيها.. فهو يعتقد أن المعرفة مطلوبة لرفض دينه هو فقط، وأما قبول دينه، أو رفض الأديان الأخرى، فهو لايحتاج إلى علم مماثل!

كذلك نجد في مسألة الألوهية، حيث يسخر البعض من الملحدين باعتبار أنهم ينكرون الإله دون علم، ويصفهم بالغرور وكأنهم امتلكوا ناصية المعرفة، فقط لأنهم ينكرون الإله.. ولكن ماذا عن المؤمن الذي يدعي أنه يعلم تماما من خلق الكون، وماذا يريد ذلك الخالق، وماذا يحب وماذا يكره، وكيف سيتعامل مع البشر بعد الموت، ألا يحتاج ذلك الإدعاء إلى علم هائل لا يمتلكه المؤمن؟ وألا يجعله ذلك مغرورا متوهما لمعرفة ليست عنده؟

الخلاصة أنها مغالطة يقع فيها كثيرون، ممن يتصورون أن الأصل في الأشياء هو ما سمعوه في الطفولة واعتادوا عليه، وأن أي رأي آخر هو الذي يحتاج إلى دليل، ولا يصح طرحه بدون تعمق وقراءة، ولهذا يظنون أن من يترك دينهم لابد وأن يكون تعمق فيه أولا، ومن يرفض إلههم لابد وأن يكون تعمق في جميع أفرع الفلسفة والعلوم، وأما من يتمسك بدينهم هم، ويرفض الأديان والمذاهب والفلسفات الأخرى، فلا يحتاج إلى أي علم، وإنما يكفيه أن يكون "صاحب فطرة سليمة" وترجمة ذلك أن يكون معتادا على ذات الأوهام التي تم غسل دماغهم بها في الطفولة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق