الجمعة، 1 فبراير 2019

مشكلة التأويل



نعرف أن اللغة هي أداة اخترعها البشر، بغرض نقل المعاني في شكل أصوات منطوقة.. ولكن تلك الأداة، مثل كل شيء، هي أداة ناقصة لا تخلو من عيوب..
هب أنك سمعت العبارة التالية: "يا أخي، ناولني بعض الماء، وتخلص من هذا الذباب"..
كيف ستفهمها؟
لأول وهلة العبارة تبدو واضحة، فهناك شخص ما يطلب بعض الماء، ويريد التخلص من الذباب..

ولكن هل هذا هو المعنى الوحيد المحتمل للعبارة؟ لنحاول إجابة السؤال عن طريق المزيد من الأسئلة:

لنبدأ كلمة "أخي"، فهل المقصود هنا أخوة حرفية (ابن أبي أو أمي) أم أخوة مجازية كناية عن الود والصداقة؟

وأي ماء هو المقصود، هل هو ماء للشرب أم ماء مالح؟ وهل المطلوب مجرد كوب أم أكثر من ذلك؟

ولو جئنا للذباب فالمسألة أكثر صعوبة، فهل المقصود ذباب حرفي (تلك الحشرة المزعجة) أم أن الذباب كناية عن شيء آخر يزعج المتكلم؟

وهل التخلص من الذباب يتضمن قتله أم هناك وسيلة أخرى يقصدها القائل للتخلص من ذلك الذباب؟

وهل العبارة خاصة أم عامة؟ هل هو يكلم شخصا محددا ويطلب منه شيئا بسيطا، أم أن تلك العبارة عامة موجهة لعدد أكبر من المستمعين، في شكل نصيحة أو خطاب واسع؟

لو تعاملنا بجدية مع كل الإحتمالات السابقة، فربما يمكننا الخروج بعشرات المعاني لتلك الجملة..
والآن لنقل أنني أردت إراحتك من الحيرة، وأخبرتك أن قائل تلك العبارة هو أخي الأكبر، وأنه قالها أمس حين كان جالسا يقرأ كتابا في شرفة منزل الأسرة، وكان الجو شديد الحرارة، فطلب مني أن أحضر له كوبا من الماء ليشرب، وأن أتناول المبيد وأرش بضعة ذبابات كانت تزعجه.. هنا يتضح المعنى البسيط المباشر..

ولكن تخيل لو ظهر لنا شخص آخر بنظارات سميكة، مكذبا كلامي، وطارحا معلومات جديدة : بل إن قائل تلك الجملة هو عالم أحياء متخصص بالحشرات كان يجري تجاربه في المعمل، وكتب لمساعده (الذي كان مقربا منه إلى درجة أنه كان يدانيه بقوله "أخي") كتب له رسالة يطلب منه أن يأتي له بأنابيب من مادة الماء المقطر، وأن ينقل له عينات الذباب إلى قاعة مختلفة من المختبر..

وبينما نحن نتجادل إذا بشخص ثالث يرتدي جلبابا بسيطا يظهر، نافيا المعنيين السابقين، ومؤكدا: أن قائل تلك الجملة هو مزارع يبدأ بفلاحة أرضه، وكان يطلب من أخيه أن يباشر بتوصيل مواسير المياه إلى الأرض، وأن يرش المبيدات للتخلص من جميع أنواع الحشرات في الأرض (مطلقا عليها تسمية جامعة "ذباب")..

وبينما غرقنا في الحيرة وجدنا رابعا جاء يسعى، مقدما نفسه أنه مؤرخ، قائلا لنا : بل إن تلك العبارة وردت على لسان جندي إنجليزي تمت إصابته في إحدى معارك الحرب العالمية الثانية، فهو كان يطلب من زميله أن يناوله بعض الماء، ثم يذهب فيقتل جنود الأعداء الألمان، والذين وصفهم كناية بالذباب على سبيل الإحتقار..

وما أن كدنا نصاب بالجلطة من التخبط، حتى دخل علينا شخص خامس بلحية بيضاء وقورة، مؤكدا : أن العبارة ليست سوى بيت شعر كتبه صوفي شهير ومليء بالمعاني العميقة، فالأخوة هنا هي أخوة التصوف الوجداني، والماء هنا ليس ماءا ماديا وإنما هي السكينة الروحية التي تروي الأنفس، وأما الذباب فهو يرمز إلى جميع الماديات المزعجة للروح..

وختاما، وبينما نحن على شفا الجنون، وجدنا شخصا سادسا تبدو علامات التعصب على وجهه، وأخبرنا أن قائل تلك العبارة هو زعيم ديني عظيم، لا يأتيه الباطل، وأنه كان يقصد بالماء أي الدين والشريعة التي يحملها إخوان الدين، وأما الذباب فهم جميع الكفار برسالته في كل زمان ومكان، والذين يجب التخلص منهم بقتلهم.. قالها المتعصب وقد لمحنا بيده سلاحا ما، يبدو أنه كان يفكر في رفعه تجاهنا!

أظن وضحت الفكرة، رغم أنه يمكنني الإستمرار في سرد المعاني المتخيلة لتلك العبارة البسيطة: يا أخي، ناولني بعض الماء، وتخلص من هذا الذباب..

وربما الدرس المستفاد هنا أن اللغة عموما أداة قاصرة، فهي لا تحمل المعنى وإنما تعبر عنه، وأما المعنى فكامن في عقل المتكلم وضميره..

هذا يعني أن النص، خصوصا النصوص العامة الأدبية المختصرة المنقطعة عن سياقها، يمكن فهمه ليس بشكل واحد وإنما على ألف وجه مختلفين، لا يمكن أن تكون كلها صحيحة..

والأخطر أنه وليس أمامنا وسيلة قاطعة لحسم الخلاف بين أولئك المتجادلين، اللهم إلا لو جاء لنا صاحب العبارة بنفسه ليصرح أمامنا جميعا بالمعاني التي قصدها..

أما لو أن المؤلف مات واندثر، فقد انقطع الأمل بإيجاد معنى قاطع للعبارات المذكورة..

وأما أقصى ما يمكن للمتابعين فعله، فهو أن نحاول الإطلاع على السياق الذي كان يعيش فيه المتكلم، والظروف التي نطق فيها بهذا النص، فلو اكتشفنا - مثلا- أن القائل بالفعل كان جنديا في الحرب، فهذا يجعلنا نرجح الإحتمال الخاص بأن الذباب هم جنود الأعداء المطلوب قتلهم.. وهو معنى لم يكن باستطاعتنا معرفته بدون اطلاعنا على السياق..

بالتالي ففهم السياق وشخص المتكلم والغرض من كلامه هو أقوى وسيلة لفهم النصوص..

وأما لو أن السياق ضائع، أو مشكوك في المعلومات المحيطة به، فهذا يفقدنا الأمل في فهم النص..

ختاما، فإن تلك المشكلة تخص جميع النصوص، خاصة ذات الطابع الأدبي، بما في ذلك الدساتير والقوانين..

ولكن أليس هناك وسيلة لتجنب تلك المشكلة؟

بالطبع هناك وسيلة: هي أن يكون النص تحت أيدي البشر، وليس حاكما عليهم، بمعنى أن دستور البلاد- مثلا- لا يكون مقدسا، وإنما نتفق أنه كتبه بشر من أجل البشر، وبالتالي صارت معانيه ملكا لنا نحن، نعيد تفسيرها، بل وربما تغييرها، إذا تغيرت الظروف واحتجنا إلى هذا التغيير
..
نزع القداسة هذا ربما لا يساعدنا على فهم قاطع للنص، ولكنه سيحررنا من التبعية لتلك النصوص، بمعنى آخر لن يكون هناك خطرا من سوء الفهم..

وأما لو كانت النصوص فوق البشر، حكما عليهم، متسلطة على أمورهم، غير قابلة للتغيير، فهذا يعد كارثة حقيقية، لأنه يعني أن إدارة حياتنا ستظل مرهونة بأفهام للكلام وليس للواقع، وسيظل السعي ليس تطوير النصوص والأفكار لتلائم المتغيرات، وإنما السعي هو لي عنق الواقع نفسه ليلائم نصوصا ربما عفا عليها الزمن والأخلاق والإنسانية..

فلا سبيل إلى تجنب ضرر النصوص، إلا أن نتوقف عن عبادة تلك النصوص..

الدورة الجهنمية



مجتمعاتنا واقعة بحلقة مفرغة بائسة:

المرأة يتم تصويرها لا كإنسانة وإنما كمخلوق جنسي بحت أو عورة متحركة،

تلك الصورة تجعل الذكور ينظرون لخصلة شعر مكشوفة وكأنها دعوة للتحرش، فتنتشر تلك الظاهرة،

انتشار التحرش يجعل الأسر مرعوبة ومهووسة بتغطية بناتها لحمايتها من الكلاب المنفلتة

ذلك الهوس بالتغطية يتخذ شكل موعظة أخلاقية ودينية تركز على الجانب الجسدي والجنسي للمرأة، مما يرجعنا لأول نقطة، وهكذا تستمر الدورة المتصاعدة البائسة..

الدين كهوية




حين نناقش الأديان فالواجب أن نحاول فهمها أولا، وعلى الأخص فهم سبب تمسك الناس بها.. يرى البعض أن الإيمان فطرة إنسانية، ويرى آخرون أنه حقيقة كونية يمكن إثباتها للدليل والبرهان، ويخالفهم من يعتقد أن الدين مجرد قناع للجهل الإنساني وعجزنا عن تفسير الظواهر الكونية، بينما لاحظ البعض أن الدين ينتصر لأنه يقوم على التخويف من بطش الإله في الدنيا والآخرة، وبالطبع لا ننسى دور السلطات السياسية التي تستخدم الدين للسيطرة على العوام وإخضاعهم للدولة.

ولكن نخطئ ونفشل في فهم الدين لو أهملنا السبب الأهم لانتشاره وسيادته، وهو الإنتماء الجماعي، أو القومية.

في عصرنا يوجد فصل ما بين الدين والقومية، فالمسلم مثلا قد يكون غير عربي (إذ أن العرب لا يشكلون أكثر من خُمس عدد المسلمين)، بينما العربي قد يكون غير مسلم..

ولكن الحال لم يكن كذلك في أصل نشأة الدين، فالأديان الأولى كانت جميعها قومية بامتياز، فكان لكل شعب آلهته الخاصة، مثل آمون رع للمصريين ومردوخ للبابليين وأهورا مزدا للفرس وبراهما للهنود وهكذا،
وكانت تلك الآلهة لا تقوم فقط على الخلق واستجابة الدعاء وتلقي القرابين والنذوروتأييد شرعية الحكام، وإنما الأهم أنها تمثل رموزا محلية تجسد هوية الشعب وتميزه عن الشعوب الأخرى.


غريزة الإنتماء إلى جماعة هي من أقوى الفطر البشرية، بل والحيوانية، فنحن نرى كثير من الحيوانات تعيش في قطيع أي جماعة، ينتمي الفرد لها فتحميه من المخاطر وتساعده على إيجاد أساسيات حياته، وبدون الجماعة يكون الفرد في عزلة وخطر.. ذلك الإنتماء تجسد منذ القدم في عناصر عديدة أهمها الدين، فالدين هوية جماعية قبل أي شيء.

نرى هذا الإنتماء القومي في "الطوطم"، والذي هو حيوان تختاره القبيلة ليكون رمزا مميزا لها، وتعتقد أن الجد الأكبر للقبيلة يتجسد في ذلك الحيوان.. وإن كنت تظن أن ذلك الإله البدائي قد انقرض فما عليك إلا أن تلقي نظرة على أعلام الدول التي تحتوي حيوانات كالنسر أو الصقر أو شجرة.. ومن يلقي نظرة على الأديان البدائية فإن أول ما يقابله هو تكرار كلمة "الأجداد"، والذين أرواحهم تلعب دور الآلهة الأولى.

نرى هذا أيضا واضحا في أقدم دين كتابي (سماوي) وهو اليهودية، فمن ينظر في التوراة يجد أن الإله، رغم كونه خالق الكون، إلا أنه إله قومي بامتياز، ينتمي لليهود ولا يكاد يعرف شعبا غيرهم.. وإلى اليوم نجد أن اليهودية دين وقومية بنفس الوقت، فهي تنتمي إلى ذلك العصر الذي لم يكن فيه الفصل بين الإثنين قد حدث بعد.

ولكن منذ عصر الإمبراطوريات القديمة وتداخل الشعوب، والذي بلغ ذروته مع الإسكندر المقدوني، بدأت فكرة "الدين العالمي" الذي ينتشر بين جميع الشعوب، وتجلى هذا في البوذية (وهي هندوسية عالمية) ثم المسيحية (وهي يهودية عالمية بنكهة رومانية)، ولاحقا في الإسلام (والذي هو يهودية عالمية في نكهة عربية).

هذا التطور قلب الأوضاع، فصار هناك دين يعلو على القومية، وإن ظلت محاولات تأكيد القومية مرتبطة بالهوية الدينية، وتجلى ذلك في "المذاهب"، فحين حاول الغرب الكاثوليكي فرض المسيحية على الشرق، استجاب الشرق بمسيحية مختلفة في العقيدة (مثل النسطورية واليعقوبية في العراق والشام)، وحين انتشر الإسلام بين أصحاب الهويات غير العربية، استقبلوه أحيانا بمذاهب مختلفة (مثل الشيعية لدى الفرس).. وحتى في مرحلة الإصلاح المسيحي (القرن 16) نعرف أن من استقبل التغيير البروتستانتي كانوا أصحاب هويات قوميات مختلفة منافسة لروما.


الخلاصة أن الدين يستمر لأنه (ضمن أسباب أخرى) مرتبط بواحدة من أقوى العواطف البشرية وهي غريزة الإنتماء، أو القطيع..

الدين لأصحابه ليس فقط حقيقة وجودية (فلا تصدق أن أغلب الناس تعبأ كثيرا بالحقائق الوجودية) وليس فقط عصا وجزرة كونية (فلا تصدق أن الثواب والعقاب المؤجلان يؤثران كثيرا، خاصة مع آلهة غفورة رحيمة وأديان تحاسب على الإيمان وليس الأعمال)، وإنما الدين قبل هذا هو تذكرة الفرد للإنتماء إلى الجماعة، فيه يشعر بالأمن والحماية وبالتواصل مع الآخرين- وهذه رغبة بيولوجية عاطفية أقوى من أي فلسفة أو مبادئ أخلاقية.

يمكنك أن تتذكر هذا حين ترى مؤمنا يؤمن بلا منطق، فأي منطق في حب الوطن؟ كما تراه يغضب بشدة لإهانة دينه ويكون مستعدا للقتل أو الموت في سبيل الدفاع عنه ، فهنا صاحبنا لا يغضب دفاعا عن إله مطلق غامض يفترض أن لديه القدرة على الدفاع عن نفسه ودينه، وإنما هو يغضب لنفسه أولا، لجماعته وأجداده، ومن يتابع يسمع كثيرا تشبيهات المؤمن لدينه بأنه مثل أبيه وأمه ووطنه وكل مقدساته التي لا يطيق سماع كلمة ضدها، وصدقني هو محق تماما.

الداعشية الشعبية




الإرهاب ليس طفرة شاذة في مجتمعاتنا، وليس عرضا طارئا يمكن حصر أسبابه في متغيرات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية..

الإرهاب نبت أصيل وقديم ومتجذر، تم خلق بذوره في سفاح قذر حدث في غفلة من التاريخ، بين عقيدة شعب مختار مهووس دينيا، وشريعة قطاع طرق تقودهم أطماعهم وشهواتهم، ثم نبت وتفرع عبرألف وأربعمائة سنة وأنتج ثمارا دامية تلوث الأرض حيثما حل الإسلام.. ويحكى أن تلك الشجرة النتنة كادت تذوي منذ قرن مضى، حتى تم ريّها وتسميدها بالبترودولار الذي استخرجته شركات غربية كافرة من تحت رمال صحراوية مدنسة بالدين ومشبعة بالدم..


واليوم، الإرهاب ليس منحصرا عند داعش كما تتوهمون، وإنما هو منتشر في كل زاوية وخلف كل حجر من بلدانكم، يلوث أرضكم وسماءكم وعقول أهلكم ونخبتكم وحكامكم وشرطكم وجيوشكم، الإرهاب في جارك وقريبك وزميل عملك وسائق التاكسي الذي أوصلك والصحافي الذي تقرأ له يوميا، منتشر كوباء معدي أعراضه قد لا تظهر على الوجوه، وإنما قد تبرز في الوقت المناسب: في موقف عابر أو جدل سياسي، أو ثورة أو انتخابات برلمانية..

والإرهاب لا يقتل ويفجر فقط، وإنما هو يؤيد القتل ويدعمه ويتعاطف مع القتلة ويبرر لهم، وهو يقهر الأقليات ويضطهد النساء ويسيء معاملة الأطفال، ثم أنه يزور الحقائق ويزيف التاريخ ويغسل العقول..


وإلى كل صاحب كلمة في تلك الأوطان التعيسة: هذه المعركة حقيقية، بل هي الأهم في هذه المرحلة.. وسيلعن التاريخ كل من يغض الطرف أو يقف محايدا أو يدفن رأسه في الرمال..

المنحدر الغبي



يقول لك:
طيب، دعك من الدين ولنحتكم إلى العقل، اتفقنا؟

هذا الكون العظيم هل تعرف كيف نشأ؟ لا. إذن لابد أن وراءه خالق مصمم،

ولابد أن الخالق واحد أحد لا يقبل شريكا ويغار من التعدد،

ولابد أنه كامل مستغني حكيم رحيم عادل،

ولابد أنه مهتم بمراسلة البشر طالبا منهم العبادة والطقوس،

ولابد أنه حريص على العفة والإستقامة بشكل يشابه كثيرا أخلاق بدو العصر البرونزي،

ولابد أن لديه عشقا قديما بقبيلة كنعانية بعينها هم اليهود،

ولابد أنه يستجيب الدعاء ويتلذذ بالذبائح ويميل إلى أماكن معينة وأيام معينة يفضلها على غيرها،

... ما رأيك في هذه السلسلة من الإستنتاجات العقلية المنطقية الموضوعية؟!

وهكذا نجد أنفسنا أمام ربط "منطقي" مباشر، بين قضية أننا لا نعرف كيف نشأ الكون منذ مليارات السنين، وبين قضية أي قدم يتوجب عليك دخول الحمام بها!

لم يخترع وإنما مارس فقط!



دفاع آخر عبقري: يقول لك "يا جماعة الإسلام لم يخترع الرق وإنما جاء فوجده"..
بوركت يا أخي!

على أساس أن المجرم يعتبر مجرما فقط حين يخترع الجرم أو يكون أول من مارسه على الكوكب، أما لو جاء ووجد الجرم موجودا فمارسه فلا تثريب عليه!

في تلك الحالة لا يوجد سوى قاتل واحد هو قابيل، وأما  جميع القتلة فأبرياء مقلدين، ويكون هتلر مثلا ملاك بريء، لأن المسكين - يا جماعة- لم يخترع القتل وإنما جاء فوجده فمارسه.

رب اليهود




- جبريل: ها قد اكتمل الخلق يا رب، لدينا على الأرض شعوب وحضارات ممتازة.. ما الخطوة التالية؟

= الله: أرسل نبيا إلى بني إسرائيل..
- تعني تلك القبيلة التافهة من البدو؟


= نعم، فقد قررت أن أفضلهم على العالمين..


- حسن، سمعا وطاعا يا رب.. هل تحب أن نرسل نبيا إلى شعب آخر: اليونانيين مثلا؟العراقيين؟ الفرس؟ الصينيين؟ الهنود؟ المصريين؟

= لالالا.. انتظر لحظة: هل قلت المصريين؟ نعم، أرسل نبيا إلى فرعون ليقوم بتخليص بني إسرائيل من هناك..

- !!!، ممم لا بأس.. متأكد أنك لا تريد مخاطبة شعب آخر؟
= لاحقا لاحقا، اذهب وأنقذ اليهود بسرعة..


(بعد فترة)
- يا رب، أنقذنا اليهود من الإستعباد والآن تجاهلوا نبيهم وصاروا يفضلون عليك تمثال عجل..


= لا بأس، لنصبر عليهم قليلا، سيرجعون..


(بعد فترة)
- يا رب، إن اليهود اعتدوا في السبت وقالوا أرنا الله جهرة ثم قالوا حطة، ثم أنهم يقتلون أنبياءك..


= الملاعين!.. أرسل لهم نبيا آخر..

- يا رب، إن اليهود مستمرين في عصيانك وقتل أنبياءك واحدا بعد الآخر..


= تبا لهم، أرسل لهم سوبر نبي، مولودا من عذراء يحيي الموتى ويتكلم في المهد وينفخ في الطير فيصير حيا، هذا سيقنعهم حتما..
- يا رب، اليهود وصفوا نبيك بابن العاهرة وحاولوا صلبه حتى أنقذناه في آخر لحظة..
= ألف لعنة، لقد مللت من هذا الشعب الأحمق الكافر التافه .. اسمع، قررنا تغيير الخطة:دعك من اليهود وأرسل نبيا إلى العرب..
- أخيييييرا!!!
= واجعله يهاجر إلى يثرب ليجاور اليهود، وضع نبوءة بقدومه في التوراة، ثم اجعل نصف كتابه المقدس يناقش أحوال اليهود ويلح عليهم في الإيمان به..

- ........................

إله بلا شر هو إله بلا خير



من جوانب القوة في "معضلة الشر" أنه يستحيل تبرئة الإله منها، بدون تبرئته من الخير أيضا..

نلاحظ أن الخير والشر موجودان أمامنا، كلاهما مصطلح بشري نطلقه على ما يسعدنا وينفعنا، أو على ما يؤلمنا ويضرنا، كلاهما نسبي متغير، وكل حجة يمكن استخدامها لاعتبار الله غير مسئولا عن الشر، تكون صالحة أيضا لاعتباره غير مسئول عن الخير..


لنأخذ حجة "الحرية" - يقولون : الله ليس مسئولا عن الشر، فهو خلق البشر أحرارا وبالتالي كان لابد من ارتكابهم للشرور، والتي هي "عرض جانبي" لتلك الحرية..
لنسلم لهم بذلك، ولكن هذا يعني أيضا أن الله ليس مسئولا عن الخير، فالبشر أحرار وبالتالي يقومون بالخير، فلا فضل لله في الخير إن لم يكن له دور في الشر..
ثم هناك حجة "غياب الخير" - يقولون: الشر وهم فهو مجرد غياب للخير، كما أن البرد ليس سوى غياب للحر، والظلام ليس سوى غياب للنور..


ولكنها أيضا حجة قابلة للعكس، حيث يمكن القول أن الخير وهم، فهو مجرد غياب للشر، فالصحة مثلا ليست سوى غياب للمرض، والراحة ليست سوى غياب للتعب، والأمان ليس سوى غياب للخطر - وهنا يكون الأصل والإيجابي هو الشر، بينما الخير هو غياب سلبي لذلك الشر..
بالطبع اللعبة يمكن لعبها على الجانبين، فهناك أنواع من الخير والشر، والغوص في توصيفهما يتحول إلى بهلوانيات لفظية لا تغير الواقع..


حجة أخرى متكررة هي "النسبية"، حيث يقولون أن الشر من جهة هو خير من جهة أخرى، ويرون أن هذا يبرئ الله من الشر..
موافقون، ولكن تلك الحجة نفسها تصلح لتبرئة الله من الخير، حيث أن ما هو خير لك قد يكون شرا لشخص آخر..


وتشبهها حجة "الحكمة الخفية"، فما يبدو لنا شرا قد يخفي خيرا خفيا لا نراه..
ربما.. ولكن العكس بالعكس، فكل خير نراه قد نقول أنه ربما يخفي شرا وراءه لا نراه.. فتلك الحجة لو صلحت لإنكار الشر فهي تصلح أيضا لإنكار الخير..
لنأخذ حجة "الطبيعة"، وهي قول البعض أن الله لا يتدخل في كل كبيرة وصغيرة في الوجود، وأنه يترك الطبيعة تعمل، ومن هنا لابد من حدوث بعض الشرور..
لا بأس، ولكن لتطبق قاعدتك على الخير أيضا: حين تكون الأمور بخير فلا تحاول أن تنسبها لإلهك، وإنما قل أنها الطبيعة..


والخلاصة أنه مع القوة الكبيرة تأتي المسئولية الكبيرة، فإن كنت تريد منح إلهك دورا مهما في حياة البشر، فلا مفر منطقيا من أن ينطبق ذلك على الخير والشر معا، وإن كنت تريد تبرئة إلهك من المسئولية فليكن ذلك أيضا على الخير والشر معا..


ولكن لا معنى لأن تطلب مني أن أشكر الله على صحتي الجيدة وأسرتي السعيدة وأحوالي المالية المزدهرة وأرضي الآمنة، ثم حين أمرض أو تنهار أسرتي أو أفقد أموالي أو تحل كارثة طبيعية على أرضي، حينها تحاول تبرئة إلهك من كل هذا!
كما يقال: لا يمكنك الحصول عليها بالطريقتين!
You can't have it both ways!


أدرك أن نيتك هنا جيدة، لصالح إلهك، ولكن النتيجة أن طرحك غير منطقي ومتناقض ومزدوج المعايير، ثم أنه طرح نذل منفر أخلاقيا، وهو يسيء للبشر بقدر ما يمجد إلهك، فحين تمنح الأفضال لربك فإنك - ولو جزئيا- تنزعها عن البشر، وحين تبرئه من الشرور فإنك- ولو جزئيا- تلصقها في البشر.. فأنت تظلم المنطق وتظلم نفسك وتظلمني وتظلم الإنسانية بقدر ما تجتهد في تعظيم وتنزيه ربك..

طعم الشر



نسمع مثل هذا كثيرا في معرض الدفاع الديني عن الإله خالق الشر، أوالسامح به..

لا أدري.. هل سيكون للحياة طعم بدون الألم والمعاناة؟ بدون وجع وعذاب وحرق؟ هل سيكون لها طعم بدون الكراهية والخيانة والغل والحقد والحسد والقسوة والذل والهوان؟

هل سيكون لها طعم بدون الزلازل والبراكين والعواصف والتسونامي التي تغرق وتحرق وتقتلع البيوت من أسسها أو تهدمها على رؤوس ساكنيها؟

هل سيكون للحياة طعم بدون الحيات والعقارب والديدان؟ بدون الفايروسات والأوبئة والسرطان والإيدز؟ بدون الحروب والدمار والأسلحة الكيماوية والقتل والتشويه والتشريد والتهجير والتيتيم والترميل؟


بدون المجاعات ومشاهدة الإنسان لأهله وأبناءه يتضورون دون أن يملك لهم شيئا؟ بدون التشوهات الخلقية؟


هل سيكون للحياة طعم بدون اغتصاب أطفال؟ بدون أدوات تعذيب؟ بدون حيوانات تفترس بعضها البعض لتأكل؟
ما أدراني؟ ربما احتاج الله أن يجعل للحياة معنى ومغزى عن طريق الألم، مثل رش بعض الملح على الطعام.. ولكن كواحد من المتألمين، أو على الأقل أشاركهم في النوع والكوكب، يحق لي أن نسأل: ألم يكن بإمكانه أن يخفف الألم قليلا؟


هل كان الطعم سيفسد لو أنه فقط- فقط- جعل تشوهات ولادات الأطفال أقل قليلا؟ لو أنه جعل عددا أكبر من الأطفال يولدون أصحاء بدون أطراف ناقصة أو ثقب في القلب أو سرطان يلتهم لحومهم؟ هل سيفسد معنى الحياة بدون هذا الكم من دموع الأطفال وعذابهم؟


ويا من تؤمنون بالجنة، هل تعتقدون أن الشر حقا وهم لا وجود له (فهو مجرد غياب الخير، كما ترددون في سفسطة صفيقة بليدة) أو أنه نتاج عمل الإنسان (وكأن الغابة تخلو من قسوة وألم، أو كأنه لا يوجد أمراض من صنع الطبيعة ، صنعنا نحن دواءها، أو كأن خالق الإنسان ليس مسئولا عن أفعال الإنسان، إلا الخير منها طبعا)، أو تعتقدون أن الشر ضروري لنشعر بالخير، حتى أنكم حين تدخلون جنة أديانكم بعد الموت، ستشعرون بالملل وتفتقدون الشعور بالخير (فالأشياء تتميز بضدها كما ترددون) إلى درجة أنكم ستقيمون مظاهرة غاضبة تنقمون فيها على تلك الجنة التي تخلو من الألم والعذاب، وتطالبون ربكم بأن يمددكم بقليل من الكوليرا أو الطاعون أو يرسل عليكم بركانا بين الحين والآخر، لكي تشعروا بحال أفضل؟

الدين نظرية علمية؟





هل وجدت يوما صعوبة في الرد على طرح ما من شدة سخافته وغبائه؟

هو بدأ الكلام بعبارة جميلة : "لكي تكون النظرية علمية لابد أن تكون قابلة للنفي".. ثم حولها بخفة يد إلى : "طالما الشيء قابل للنفي فهو نظرية علمية"!، وشتان بين العبارتين.

فتحولت القابلية للنفي من "إحدى شروط النظرية العلمية"، وهو حق، إلى "العلامة الوحيدة للنظرية العلمية" وهو هراء، فقد يكون الشيء قابلا للنفي دون أن يجعله ذلك نظرية علمية..

"اليوم هو الأربعاء".. "فلان يحبني".. "حذائي أسود اللون".. "جدي مات".. هذه عينة بسيطة من عبارات قابلة للنفي، أي أنها تحقق شرط بوبر، ولكن لا يوجد عاقل يقول أنها نظريات علمية.

إذن فلو سلمنا بأن الدين يحقق شرط بوبر فهذا لا يكفي لجعله نظرية علمية..

ولكن الأهم من ذلك أن الدين بالفعل يخالف شرط بوبر..

النص الديني يمكن تقسيمه بشكل عام إلى عدة أقسام، منها التحليل والتحريم والشرائع (افعل ولا تفعل)، وهذه بطبيعتها أوامر لا تخضع للإثبات والنفي.. (اذكر اسمي ثلاث مرات قبل الأكل- هل هذه عبارة صحيحة أم خاطئة؟! لا هذا ولا ذاك).

وأما القسم الآخر فهو السرد أي الثرثرة المقدسة، ويشمل قصص الخلق وأحوال الأمم السابقة، وهو في أكثره غيب لا يقبل التفنيد (من يمكنه أن يثبت أو ينفي قصة سجود الملائكة لآدم، أو جدال الله مع الشيطان، أو أخذ الله ذرية آدم من ظهره ليشهدهم على أنفسهم..إلخ؟)، وفي بعضه الآخر تاريخ غامض في أغلبه يقع في مجاهل التاريخ التي لا يمكن التيقن منها سلبا أو إيجابا، مثل قصص عاد وثمود وموسى..إلخ، وسائر الأنبياء الذين لم يثبتهم التاريخ.

نعم بعض الأمور التي تناولها النص الديني يمكن إثبات خطأها أو مخالفتها للعلم (وهو ما حصل بالفعل، ولهذا يترك الناس الدين، وهذا ليس موضوعنا على كل حال)، ولكن النسبة الأكبر من الدين تتعلق بالغيبيات والروحانيات التي لا يمكن إثباتها أو نفيها بشكل مباشر، مما يجعله مفتقرا إلى واحدة من أهم شروط العلمية.
على الهامش: كارل بوبر غير موقفه بشأن الإنتخاب الطبيعي واعترف بأنه قابل للتجريب

آيات بشرية



في القرآن آيات، كل واحدة كفيلة -وحدها- بأن تهدم هذا الدين وتثبت بشريته، إن تدبرناها وقرأنها تفاسيرها...


مثلا:

١- الإسراء ٥٩.. الله يتعلم من تجاربه السابقة ويغير خطته حسب الظروف..

٢- الأنفال ٦٦.. الله يكتسب علما ويغير شريعته..

٣- الكهف ٢٢.. الله متخبط في تحديد معلوماته ويعتمد على القيل والقال..

٤- الأنفال ٤٣.. الله يخدع رسوله بمنحه رؤيا كاذبة، وهو تبرير لفشل نبوءة محمد..

٥- الكهف ٨٦.. ذو القرنين يصل إلى مكان غروب الشمس داخل جوف الأرض، المسطحة طبعا..

٦- هود ١٠٧.. الله يستخدم مصطلحا دارجا عربيا في غير محله..

٧- النساء ٢٤..الله يبيح اغتصاب أسيرة الحرب، حتى لو كان لها زوج..

٨- الطلاق ٤.. الله يبيح نكاح الطفل..

٩- التوبة ٣٠.. الله يعمم ويتهم اليهود بما لم يقولوه،ليبرر تكفيرهم والأمر بقتالهم في الآية السابقة..

١٠- الزخرف ١٨.. الله يتحدث كذكر عربي ويعير النساء بأنهن مرفهات لا يجدن القتال..

إباحة الزنا في الإسلام



لو كنت تعتقد أن الإسلام يحرم الزنا، فعليك أن تراجع معلوماتك.

بالطبع هناك نصوص قرآنية ونبوية صريحة في تحريم ما يسمونه الزنا، ولكن ما هو تعريف الزنا المحرم؟ هل معنى الزنا عند النبي والصحابة والخلفاء والفقهاء هو نفسه معنى الزنا الدارج عند المسلمين اليوم؟ وهل الكل محرم، أم أن التلاعب بالمعاني يجعل الإسلام يسمح بالزنا بل والدعارة، أحيانا تحت مسمى زواج؟

لنأخذ ثلاثة أشكال من النكاح في الإسلام:

١- نكاح المتعة..
هو علاقة جنسية بين رجل وامرأة، في مقابل مال يدفعه الرجل، وتستمر العلاقة فترة مؤقتة تقصر أو تطول.

البعض يرى أن المتعة وردت في القرآن في قوله (فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)النساء 24؛ وفي تفسير الطبري (أن ابن عباس قرأ: "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمَّى")،
ويروى عن النبي أنه قال ("اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النَّساء")، و الحديث موجود في "صحيح ابن حبان" 4147 .

و في الصحيحين نجد القصة بتفصيل أكبر، فمن "صحيح مسلم" 1405 نقرأ (خرج علينا مُنادي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فقال : إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد أذِن لكم أن تستَمْتِعوا . يعني مُتعةَ النِّساءِ).

و من "صحيح البخاري" 5117 نجد الكارثة أوضح، حيث يحكي أحد الصحابة (كنا في جيشٍ ، فأتانَا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد أُذِنَ لكم أَنْ تَسْتَمْتِعُوا ، فاستمتعوا . وقال ابْنُ أبي ذِئْبٍ : حدَّثنِي إياسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأكوعِ ، عن أبيه ، عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : أُّيمَا رجلٍ وامرأةٍ توافقَا، فعشرةُ ما بينَهما ثلاثُ ليالٍ ، فإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدا ، أويَتَتَارَكَا تَتَارَكَا).

و نتساءل: ما الفارق الفعلي بين هذا و بين الزنا والدعارة؟
لا شيء، سوى الإسم فقط!
---------------------------------

٢- ملك اليمين..
هو ممارسة الجنس مع أسيرات الحرب والسبايا المأخوذات من أهلهن؛ والمصطلح ورد في القرآن نحو خمسة عشر مرة، وقد فعله النبي والصحابة وخلفاء المسلمين.

نقرأ من "الموسوعة الفقهية الكويتية" 24\56 (يحل للرجل الحر أن يستمتع بجاريته بالوطء ، أو بمقدماته)، كما جاء في "معرفة السنن والآثار" للبهيقي- وطأ السبايا بالملك قبل الخروج 14\436 (يقول الأوزاعي: له أن يطأها وهذا حلال من الله عز وجل بأن المسلمين وطئوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابوا من السبايا في غزوة بني المصطلق قبل أن يقفلوا (يرجعوا).

والجدير بالذكر أن القرآن يسمح للرجل بممارسة الجنس مع الأسيرة حتى لو كانت متزوجة، والقصة مشهورة نقرأها في عدة مصادر إسلامية.

ننظر في الآية 24 من سورة النساء، لنجد القرآن يتكلم عن النساء المحرم معاشرتهن على المؤمن (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَٰتُكُمْ وَبَنَٰتُكُمْ وَأَخَوَٰتُكُمْ وَعَمَّٰتُكُمْ وَخَالَٰتُكُمْ..إلخ) و يسترسل في ذكر النساء المحرمات حتى يصل إلى فئة المحصنات (المتزوجات)، و يستثني ملك اليمين (..وَٱلْمُحْصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَٰنُكُمْ).

و المعنى: المرأة المتزوجة حرام معاشرتها، إلا لو كانت جارية أو أسيرة حرب!

نقرأ هذا التفسير من الطبري (ملكُ اليمين: السبايا اللواتي فرّق بينهنّ وبين أزواجهنّ السباء، فحللن لمن صرن له بملك اليمين من غير طلاق كان من زوجها الحربيّ لها) ، (عن ابن عباس، قال: كل ذات زوج إتيانها زنا، إلا ما سَبَيْتَ)، (عن ابن عباس في قوله: "وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ" يقول: كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب، فهي لك حلال إذا استبرأتها)،(عن مكحول في قوله: "وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ" قال: السبايا)، و يستمر الطبري في نقل العديد من الأقوال التي تؤكد هذا الرأي.

أما سبب نزول الآيات، فهو يؤكد المصيبة أكثر، حيث نزلت بعد غزوة أسر فيها المسلمون بعض النساء، و حين أرادوا اغتصابهن أخبرتهن النساء أنهن متزوجات فتحرج الصحابة من الأمر، فأرسل الله جبريل ليطمئنهم أنه يجوز اغتصاب أولئك النساء المتزوجات!

نعود لنقرأ من تفسير الطبري للآية، حيث ينقل عدة روايات تؤكد الواقعة (أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية، فأصابوا حيًّا من أحياء العرب يوم أوطاس، فهزموهم وأصابوا لهم سبايا، فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثمون من غشيانهن من أجل أزواجهنّ، فأنزل الله تبارك وتعالى: "والمُحْصَناتُ مِنَ النَّساءِ إلاَّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ" منهنّ، فحلال لكم ذلك) ، (لما سبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس، قلنا: يا رسول الله، كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهنّ؟ قال: فنزلت هذه الآية: "والمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلاَّ ما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ")، (عن أبي سعيد الخدري، قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس لهنّ أزواج، فكرهنا أن نقع عليهنّ ولهن أزواج، فسألنا النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت: "وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ" فاستحللنا فروجهنّ).

---------------------------------

٣- طالما دفع لها المال فالعلاقة شرعية!

حسب واحد من أهم فقهاء الإسلام- أبو حنيفة- فيمكن للرجل ممارسة الجنس مع أي امرأة دون أن يعتبر ذلك زنا، فقط بشرط أن يدفع لها بعض المال!


من "المحلي" لابن حزم 11\250 و "المغنى" لابن قدامة 10\187 و "حلية العلماء" 8\15 أن أبا حنيفة كان يقول (لو أنّ رجلاً إستأجر غسالة أو خياطة أو خبازة أو غير ذلك من أصحاب الصناعات، ثم وثب عليها فوطئها وحملت منه، يسقط عنه الحد، ويلحق به الولد) – فالأمر لا يعتبر زنا طالما منح الرجل المرأة مالا، و لو كان المال من باب الإستئجار على عمل!

فمن أين جاء أبو حنيفة بهذا الحكم؟ من عمر ابن الخطاب، الذي جاءته امرأة تحكي عن رجل منحها حفنة تمر ثم عاشرها جنسيا، فقرر عمر اعتبار أن تلك الحفنة هي بمثابة مهر، مما يجعل ما حدث زواجا صحيحا لا زنا!

نقرأ في كتاب "المحلي بالآثار" لابن حزم، كتب الحدود، 196 (أن امرأة جاءت إلى عمر بن الخطاب فقالت : يا أمير المؤمنين أقبلت أسوق غنما لي فلقيني رجل فحفن لي حفنة من تمر ، ثم حفن لي حفنة من تمر ثم حفن لي حفنة من تمر ، ثم أصابني! فقال عمر : ما قلت؟ فأعادت ، فقال عمر بن الخطاب ويشير بيده : مهر مهر مهر - ثم تركها).

بشرى سارة إذن لكل ذكر مسلم، حيث يمكنه- طبقا لتلك الرواية و ذلك المذهب - أن يمارس الجنس مع أي فتاة بعد أن يدفع لها بعض المال أو حفنات من الحبوب أو الثمار، و حينها سيتم اعتبار الأمر ليس زنا و إنما زواجا شرعيا صحيحا على سنة الله و رسوله وواحد من كبار أئمة مذاهبه (و بعد أن يقوم صاحبنا بذلك عليه أن لا ينسى لعن الغرب الفاجر المنحل الذي يبيح الزنا!).

يكمل ابن حزم في نفس المصدر، تحت عنوان "مسألة المستأجرة للزنى"(!)، ذاكرا قيام الحنفية بإعادة تعريف الزنا طبقا لتلك الرواية، فيقول (قد ذهب إلى هذا أبو حنيفة ولم ير الزنى إلا ما كان مطارفة ، وأما ما كان فيه عطاء أو استئجار فليس زنى ولا حد فيه)؛ و المعنى أن أبو حنيفة عرّف الزنا بأنه الجنس العابر(مطارفة) و دون مقابل، أما لو كان هناك مقابل مادي فلا يعتبر زنا- الله أكبر.

و يعترض ابن حزم على ذلك قائلا - بحق- أن الحنفية علموا الناس (.. وجه الحيلة في الزنى ، وذلك أن يستأجرها بتمرتين وكسرة خبز ليزني بها ثم يزنيان في أمن وذمام من العذاب بالحد الذي افترضه الله تعالى)، و لكن الحقيقة أن الحنفية لم يقولوا بأكثر مما فعله الخليفة وواحد من أهم الصحابة: عمر ابن الخطاب.

دعارة حلال؛ هذا هو التعبير السليم لما نجده بين ثنايا تشريعات هذا الدين الذي يزعم أنه عدو للإنحلال.

الله الخجول





- هل تعرف من الذي خلق الكون؟
= هممم..لا
- إنه الله!
= وأين هو هذا الله؟
- إنه كائن خارق، يسكن على قمة جبل هائل مرتفع
(بعد سنوات)
= لقد صعدت الجبل المرتفع، ولم أجد الله!
- بالطبع لم تجده، فربنا أقدس من أن يسكن مكانا عاما مفتوحا
= أين يسكن إذن؟
- في معبد عظيم، مكنون داخل قدس الأقداس المصون
(بعد المزيد من السنوات)
= لقد شاهدت معبدك يتهدم على يد جيش الأعداء ويصير خرابا، ولم أجد الله بداخله!
- بالطبع هو ليس هناك، فربنا أقدس من أن يسكن البيوت كالبشر
= أين إلهك إذن؟!
- إنه يسكن السماء البعيدة فوقنا، جالس متربع بعرشه العلوي
(وبعد قرون)
= لقد تقدمنا واخترعنا طائرات وصواريخ صعدنا بها في السماء ولم نجد إلهك كما وعدتنا!
- بالطبع لم تجده..من أخبرك أن إلهنا كائن مادي له مكان محدد؟!
= أين هو إذن؟!!
- هو فوق المادة، خارج الزمان وخارج المكان
= سأصل إلى هناك يوما ما، سأخرج من حيز الزمان والمكان، أيا يكن معنى ذلك، لأبحث عن إلهك هذا!
- حينها سأفعل ما أفعله دوما، سأهرب بإلهي إلى مكان أبعد، حيث لا يمكنك فحصه

الولاء والبراء المسيحي



ينهى القرآن المسلمين عن إقامة ولاية (صداقة أو تحالف) مع الكفار اليهود و النصارى، فيقول (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) آل عمران 28 (ومعنى "تتقوا منهم تقاة" أي أنه يجوز لكم ولايتهم فقط حين تكونون في موقف ضعف؛ هذا ما جاء في التفسيرات- مثلا ما قاله الشعراوي: أنت لا تتخذ الكافر وليا إلا إن بانت لك مظاهر القوة فيه، ومظاهر الضعف فيك).
ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) المائدة 51.
مثل تلك النصوص هي التي أفرزت ما يسمى "عقيدة الولاء والبراء"، ومعناها باختصار أن يرتبط المسلمون ببعضهم البعض، ويتبرأون من صداقة الآخرين.
وكثيرا ما نسمع استنكارا وإدانة لتلك العقيدة المتعصبة، والتي تتجلى في مظاهر عديدة منها قضية زواج المسلمة بمسيحي - والتي تمنعها الشريعة على الرغم من سماحها- بكل نفاق- بحدوث العكس.
ولكن ما لا يدركه كثيرون هو أن المسيحية تحتوي عقيدة مشابهة، تتجلى في نصوص عديدة، لعل أشهرها ما جاء على لسان بولس الرسول ينهى المؤمنين عن الدخول في شراكة مع الكفار (زواج أو غيره)، فيأمرهم قائلا (لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لانه آية خلطة للبر والاثم واية شركة للنور مع الظلمة. واي اتفاق للمسيح مع بليعال (الشيطان) واي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن؟) كوؤنثوس الثانية 6: 14,15.
في تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي نقرأ ( يحذرهم الرسول من الشركة مع الأشرار غير المؤمنين... هنا يطلب رفض الشركة معهم في عبادتهم وفي السلوك في الإثم وأعمال الظلمة... هذا وبالأكثر يقصد الرسول أيضا الزواج بغير المؤمنين... يقول الرسول: "أية شركة بين النور والظلمة"؟ حيث يوجد تناقض فاصل، ولا يمكن المصالحة بين النور والظلمة. فالشخص الذي يشترك في الاثنين معًا لا يساهم في شيءٍ، لأجل تعارضهما... حيث أنه من الاستحالة ومن غير المعقول أن يتوافق النور والظلمة، فالشخص الذي يضم الاثنين معًا يصير عدوًا لنفسه، إذ ينقسم إلى طريقين بين الفضيلة والشر).
وفي تفسير القس أنطونيوس فكري نقرأ (الرسول يتكلم هنا بصفة خاصة عن الزواج، ولكن هذه الآيات تفهم أيضًا على أنها عن أي شركة عميقة مع الوثنيين، كالتناول من على موائد الوثنيين أوالاشتراك في عاداتهم غير الأخلاقية أو الزواج من أولادهم.. لا تكونوا تحت نير = النير هو ما يربط حيوانين، ولا يمكن ربط ثور قوى مع حمار ضعيف (هذا ممنوع بحكم الشريعة.. ولاحظ أن الثور هو من الحيوانات الطاهرة إشارة للمؤمن، والحمار هو من الحيوانات غير الطاهرة إشارة للوثني).. بليعال = الكلمة الأصلية تشير لمن هو بلا فائدة أي بطال وأصبحت اسم شهرة للشيطان. إذًا عليكم أن لا تقيموا علاقات وثيقة مع غير المؤمنين كالزواج مثلًا. لأنه في هذه الحالة يقع المؤمن تحت نير العلاقة الزوجية مع غير المؤمن، فلا يستطيع أن يباشر العبادة الروحية بالصورة التامة. فإمّا نفتح قلوبنا للمسيح، وإمّا أن نفتحها لإبليس، ولا شركة بين المسيح وإبليس، فلكل منهما خططه التي لا يمكن التوفيق بينها. فكيف نخدم كلاهما في نفس الوقت).
فكل دين يرى أنه الحق المطلق، وبالتالي يحرص على عدم "تنجيس" أتباعه عن طريق الإختلاط مع أهل الديانات الأخرى.

اليقين بضاعة رخيصة




من أفدح مصائب الدوغمائيات هو التفاخر باليقين..

الأديان- السماوية والأرضية- تزرع في رؤوس أتباعها أن العبودية شرف عظيم، وأن الطاعة العمياء علم، وأن قوة اليقين إنجاز هائل، وأما الشك والتفكير المستقل فهو نقيصة وضعف..

هذا ربما يصلح في عالم الحروب الوجودية، حيث الطاعة العمياء للقائد واجبة، والجندي المثالي هو المستعد لأن يضحي بحياته دون تفكير، وأما التردد والخروج عن القطيع فهو تخاذل وخيانة..

أما في عالم الفكر والأخلاق فالمسألة عكسية: الشك فضيلة وهو حياة للعقل، وأما اليقين فهو غباء وتعصب.. الشك يجعلك تمحص وتنتقي وتبني أفكارك حجرا حجرا، بدلا من أن تتلقاها فتسلم بها جاهزة بالميراث والتنئشة وغسيل الدماغ..

كل من يقدر العقل قدره يعلم أن قوة الإيمان بضاعة رخيصة.. ببساطة أي إرهابي وأي جاهل هو أكثر يقينا مني ومنك، وأكثر استعدادا للتضحية بحياته وحياة الآخرين.. فلو كانت قوة الإيمان هي ما تعجب الإله فهذا يعني أن الإله خلقنا لكي يختبر سذاجتنا وتعصبنا؛ لكي يكافئ الأكثر غباءا وجهلا وتبعية وانقيادا، وليعاقب المفكرين الأحرار.. وحينها فلتحيا جهنم..

الدين لا يحسن الأخلاق



يرى أكثر المتدينين، بل وبعض اللادينيين، أن الأديان ضرورية للأخلاق، وأنه لو ترك الناس الأديان فسيتحولون إلى وحوش كاسرة تلتهم بعضها البعض، والحق أن هذا التخوف هراء لا أساس له..

إليك قرينة مشوقة : أن الأطفال الذين نشأوا في عائلات متدينة كانوا أكثر أنانية وبخلا وميلا للحكم على الناس من الذين نشأوا في أسر غير متدينة..
إحدى الدراسات تمت على أكثر من ألف طفل (5 إلى 12 سنة) من بلاد وخلفيات اجتماعية مختلفة، وتم تقسيمهم حسب أديان والديهم (مسيحيين ومسلمين ولادينيين)، ثم تم إجراء اختبارات تفحص مدى استعدادهم للمنح و العطاء للآخرين، والنتيجة أن الأطفال المسيحيين والمسلمين كانوا أقل استعدادا لمشاركة ما لديهم مع غيرهم..
ليس هذا فقط، بل تبين أن الأطفال في أسر متدينة (خاصة المسلمين) كانوا أكثر ميلا للحكم على الآخرين وإدانتهم والمطالبة بعقابهم بشكل أكثر قسوة من الأطفال الذين نشأو في أسر لادينية.. 

1 - 2 - 3 - 4 - 5



وإليك حقيقة إحصائية أخرى: نسبة الملحدين بين رواد السجون أقل بكثير من نسبتهم بين السكان، أي أن تمثيل الملحدين في السجون أقل من المتوقع: فرغم أن نسبة اللادينيين في الولايات المتحدة تقدر بنحو 20% (حوالي 5% منهم ملحدين) إلا أن نسبة الملحدين في السجون هي أقل من 0.1%..
قد تختلف تقييمات الدراسات ومغزى نتائجها، ولا  نقول هنا أن الإلحاد يجعل الناس أكثر أخلاقية، كما أن التعميم خطأ فهناك طيبون من كل ملة كما هناك أشرار من كل ملة، فالأخلاق مفهوم واسع ومعقد وتحدده عوامل كثيرة وليس الدين فقط؛ ولكن ما أردنا قوله باستحضار تلك الدراسات هو أن الدين لا يصنع أخلاقا، وغيابه لا يلغي الأخلاق..
من يظن أن الأخلاق تنبع من الدين يعتقد أن الأخلاق تساوي الردع؛ وكأن الإنسان كلب متوحش يحتاج طوال الوقت إلى عصا لإخافته ومنعه من الشرور، ولكن الشاهد ان الإنسان كائن لديه غرائز ونزعات يمكن صقلها وتطويرها، فالردع هو أدنى درجات الأخلاق، ويأتي قبله الضمير والتعاطف والوعي العام وهي أمور يمكن تنميتها وهي التي تصنع الأخلاق..
أما الإقتصار على شق الثواب والعقاب فهو يحول الإنسان إلى طفل (ولا أقول حيوان) يلغي عقله وضميره لصالح النص المقدس، فيطيع أوامر السلطة الدينية طمعا في الثواب ويتجنب مخالفتها خوفا من العقاب..
 وحتى على مستوى الردع فالسيناريو الديني فاشل، لأن العقاب الإلهي أولا مؤجل وثانيا غير مؤكد، فإن ارتكبت ذنبا فلا عقوبة عاجلة ثم يمكنك أن تتوب وقتما تشاء..

على الجانب الآخر فالتجربة تثبت أن الأخلاق تنمو مع نمو العقلانية والوعي وارتفاع مستوى التعليم والثقافة وحتى المعيشة..
هذا يؤكده الواقع: فبينما رأينا مجتمعات كثيرة تتحول إلى غابات وحشية - بل أسوأ- بسبب التشدد الديني والفتن الطائفية، منها أوروبا القرون الوسطى ومنها بعض بقاع شرقنا الأوسط المعاصر، ورأينا حروبا ومجازر ومظالم تمت بسبب الحماسة الدينية، ولكن على الجانب الآخر لم ير أحد مجتمعا كان بخير ثم انفجر وتعرض إلى الخراب لأنه ترك أديانه وأيديولوجياته المتعصبة واتجه إلى الثقافة العلمانية والعقلانية..

أكاذيب جميلة





- يولد جميع الناس متساوين..
- في النهاية الخير ينتصر على الشر دائما..
- دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة..
- ما ضاع حق وراءه مطالب..
- طالما تمتلك الإصرار فإنك سوف تصل إلى هدفك مهما كان صعبا..
- كل إنسان بداخله طاقة عبقرية خاصة تحتاج إلى الخروج..
- الحب يحتوي الحل لجميع مشكلات الحياة..
- لا يوجد امراة قبيحة..
- جميع الأديان تدعو إلى المحبة والتعايش..

ما الشيء المشترك بين كل تلك العبارات جميعا؟

شيئان: الأول أنها جميلة، تسعد من يسمعها..

والثاني أنها عبارات كاذبة تماما!، فبسهولة يمكننا رؤية أن الناس لا يولدون متساوين، وأن الخير لا ينتصر دائما على الشر، وأن الحب ليس حلا سحريا لكل شيء، وأن هناك نساء قبيحات كما أن هناك رجال قبيحون، وأن أكثر الأديان تدعو إلى الخرافة والجهل والعنصرية والكراهية بين البشر..

ولكن تلك العبارات- وغيرها- يسهل تصديقها لدى الكثيرين، ليس لأنها دقيقة وواقعية، ولكن لأنها جميلة ومن اللطيف أن نكررها حتى نشعر بحال أفضل..

ولا يخدعك النقيض: فهناك أقوال معاكسة للمذكورة تنتشر ويرددها الناس، وهي تتسم بأنها متشاءمة سوداوية، ولكنها تشترك مع الأقوال المذكورة في أنها أيضا تعميمات غير دقيقة وغير صحيحة، وفي أنها مبسطة سهلة، وفي أنها تشعر قائلها بالتميز..

يقال أن عقول البشر ليست مصممة لإدراك الحقائق الموضوعية المركبة، وإنما هي مصممة- أو لنقل متطورة- من أجل هدف واحد رئيسي وهو البقاء، مع تمرير الجينات..

هذا يعني أن النزاهة الفكرية وتقييم الأمور بموضوعية مع تحييد العواطف هي - غالبا- ليست سمة مفيدة للغاية، وإنما الأفيد منها هو تبسيط الأمور والتمركز حول ذواتنا والإنحياز لما يفرحنا والتعصب لجماعاتنا..

ولهذا نجد أن الخرافة تنتشر بسهولة تامة، بينما الحقائق تجد مقاومة عنيفة ، فالحق - كما يقول مارك توين- أن خداع الناس أسهل من إقناعهم بأنهم تم خداعهم، وأن الكذبة تقطع نصف الطريق حول العالم بينما الحقيقة ماتزال ترتدي حذاءها..

أخلاق بلا دين



إلى من يتساءل: بدون دين فما الذي يمنعكم من كذا وكذا، مما يحرمه الدين؟

نقول: إما أن ذلك "الكذا" ضار ومؤذي لعموم البشر والمجتمعات،
وإما أنه لا ضرر فيه..

فإن كان ضارا، ألا يكفي ذلك سببا لنا كي نسن قوانين تمنعه؟

وإن لم يكن ضارا، فلماذا منعه الدين؟
----
إلى من يريد استلهام الأخلاق من الدين:

نقول: إما أننا قادرون على معرفة الخير والشر بأنفسنا من خلال العقل والتجربة،
وإما لا نستطيع..


فإن كنا نستطيع معرفة الخير من الشر، فما حاجتنا إلى الدين؟

وإن كنا لا نستطيع تمييز الخير من الشر، فكيف نحكم على تعاليم الدين بأنها خير؟

بين لعازر و أوزير




Lazarus
Osiris

كلنا نعرف أوزير (أو أوزيريس بإضافة السين اليونانية)، إله الموت والبعث المصري، وقاضي محاكمة الآخرة، كما سمع أكثرنا أسطورته الشهيرة: صراعه ومقتله على يد ست، ثم بعثه من الموت بمساعدة إيزيس، والتي أنجبت منه حورس.. وقد كان الثلاثي أوزيريس\إيزيس\حورس (الأب والأم والإبن) يتم عبادته على نطاق واسع في العالم، وقد استمرت عبادة أوزيريس قائمة حتى منتصف القرن الخامس، حين قامت المسيحية بالقضاء على الأديان الوثنية في الشرق كله..

أما لعازر، فيحكى عنه في الكتاب المقدس (إنجيل يوحنا، إصحاح 11) أنه قد مرض ثم مات، وبعد أربعة أيام من الموت ذهب إليه المسيح وأحياه مرة أخرى من الموت..

وقد لاحظ البعض وجود تشابهات بين الشخصيتين، وهنا :

- أوزيريس ولد في هيليوبوليس "تسمى آنو"، بينما لعازر (حسب الأناجيل) ولد في "بيت عنيا"..

- كلاهما قام من الموت..

- كلاهما له أختان (إيزيس ونفتيس، مريم ومارثا) تذكر النصوص أنهما تهرعان إلى الميت، وتبكيان عليه، وكان لهما دور في حراسة جثمانه وفي إعادة إحيائه..

- كلاهما مات لأربعة أيام.. في إنجيل يوحنا تقول الأختان للمسيح أن لعازر ظل ميتا من 4 أيام.. وأما في حالة أوزيريس ففي نصب إيخر نفرت نقرأ تسجيلا للإحتفالات التي تقام في ذكرى أوزيريس، وتتضمن أربعة أيام، يقوم هو في الخامس..

- كلاهما يقال عنه في النصوص "أنت نائم، ولكنك سوف تقوم"..

- في حالة أوزيريس يقوم حورس بالدخول إلى قبره ومناداته فيقوم، وفي حالة لعازر يتكفل يسوع بتلك المهمة..

- في إنجيل يوحنا يتم وصف الميت لعازر بأنه كان مربوطا بأقمطة ووجه ملفوف بمنديل، مما يشبه تحنيط المومياوات لدى المصريين..

- ثم بالطبع هناك تشابه الإسمين..

عن أوزير: نعرف أن أكثر اللغات القديمة - ومنها المصرية- لا تحتوي أحرف متحركة، وبالتالي فإسم الإله المصري كان يكتب "و-ز-ر" واقترحت عدة طرق لنطقه منها أزير- أزارو- وزير - أوزار..

عن لعازر: الإسم بالعبري هو "إيل أزار" بمعنى "الله معين" (من المؤازرة)..

الروح والريح




ويسألونك عن الروح،
قل الروح هو اسم مبهم يتفق أهل الأديان على الإيمان بوجوده، ولكنهم يختلفون بشدة حول تعريفه ومعناه ودوره: هل يا ترى هو مسئول عن الحياة أم الوعي أم الشعور؟ وهل له مكان معين في الجسد أم ينتشر فيه كله؟ وهل هو موجود عند الحيوانات أم لا؟ وهل يخلق مع تشكل الجنين أم يقذفه الملاك في مرحلة ما من الحمل؟..إلخ ؛ وسبب الإختلاف بين أهل الأديان هو أن مصادرهم الرئيسية للإيمان بالروح (الكتب المقدسة) لا تقدم أي توضيح محدد عن كنه ذلك الكيان الغامض..

لكن مع قليل من التأمل في أصول الأديان واللغة يمكن أن يتكشف لنا اللغز:

في بداية سفر التكوين التوراتي نقرأ أنه قبل الخلق كان "روح الله يرف على وجه المياه"، علما بأن كلمة "روح" العبرية هنا هي ذات الكلمة التي تستخدم لوصف الرياح الهوائية العادية..

وبشكل أوسع نجد أن كلمة الروح - لغة- فعلا مشتقة من الرياح، أي الهواء، كما أن كلمة النفس مشتقة من فعل التنفس- وبالعبرية أيضا يقال عن الروح نشمة أو نسمة..

هذا التداخل (بين الروح والهواء) لا يقتصر على اللغات السامية فقط بل يمتد إلى كثير من اللغات المرتبطة بالأديان الإبراهيمية، فكلمة روح spirit أصلها سبيريتوس وهو التنفس باللاتينية، وباليوناني الروح psyche تعني فعل النفخ أو التنفس..

فما علاقة الروح بالهواء والتنفس؟

لإجابة السؤال علينا وضع أنفسنا موضع الإنسان البدائي، والذي حتما لاحظ - بكل جوارحه- ظاهرتي الحياة والموت، والفارق الصادم بينهما، ولابد أنه لاحظ أن النائم يقوم بعد برهة، وذلك بعكس الميت الذي لا يقوم بل يتحلل ويفنى.. ولابد أنه اكتشف أن الفارق الأساسي بينهما يكمن في فعل التنفس: فالميت هو الذي لم يعد في فمه وأنفه هواء..

من هنا استنتج القدماء أن سر الحياة يكمن في ذلك الكيان الخفي (الهواء) الذي يملأ جسد الأحياء..

ثم إنهم جعلوا الله الخالق هو مصدر تلك الرياح حيث وضعها بداخلنا؛ فلو رجعنا إلى سفر التكوين سنجد أن الله حين خلق آدم قام بنفخ "نسمة الحياة" في أنفه، وهو يشبه ما قاله القرآن عن نفخ الله من روحه في الطين ليخلق الإنسان الأول آدم، وكذلك نفخه في فرج مريم ليخلق عيسى.. علما بأن بعض العلماء يرون أن اسم الله في التوراة (يهوه) مشتق من لفظ الهواء، وأما روح الله فهي الرياح التي ترف على المياه كما رأينا..

وبشأن المصطلحات اليهودية العديدة للروح نقرأ في واحدة من تفسيرات الحاخامات لكتابهم المقدس يشبهون المسألة بصانع الزجاج وهو يستخدم الهواء على ثلاث مراحل: فأولا يكون الهواء بداخل صدر الصانع (نسمة)، ثم ينطلق منفوخا في الأنبوب (ريح) وأخيرا يستقر في الزجاجة فيصير (نفس).. كذلك الحال مع نسمة الحياة التي ينفخها الله روحا فتصبح نفسا بداخل البشر..

وذلك هو سر إيمان القدماء بكيان خفي يسكن أجساد الأحياء ويغادرها عند الموت، وهو ليس سوى الهواء أو الريح الذي لاحظوا أنه يسكن فم الحي وحده.. وبالطبع فإن معنى الروح تطور لاحقا على أيدي كهنة الأديان واكتسب أبعادا ميتافيزيقة غامضة ومعقدة، إلا أن جذور اللغة والأديان تكشف لنا عن الأصل البدائي لذلك المعتقد ومصدره..

رب الجهل






يحكى - في نكتة قديمة - أن حيوانات الغابة اجتمعت يوما وخطب فيهم الأسد قائلا: يا رفاق نريد تطوير الغابة.. فهتف الضفدع: نحضر بنات.. فاسترسل الأسد: سنقوم بحفر آبار في الغابة.. رد الضفدع: ثم نحضر بنات؟.. تجاهله الأسد وأكمل: سنبني سورا حول الغابة.. قال الضفدع: ونحضر بنات؟.. تعصب الأسد وقال بغضب: هناك حيوان أخضر وعيونه واسعة أعتقد أنني سأقوم بذبحه اليوم.. قال الضفدع: وبعد أن تقتل التمساح نحضر بنات؟؟؟

لا أدري لماذا أتذكرها حين أجد المؤمن يركز مرة بعد مرة على إثبات وجود إلهه حتى أنه يربط كل شيء به..

ولنأخذ مثالا آخر أكثر جدية: لنقل أننا نعيش في قرية يؤمن أهلها بعفريت خفي اسمه شمهورش ويتبادلون القصص عنه ليلا ونهارا، مع وجود عدد قليل ممن ينكرون وجود شمهورش، وبين الفريقين يدور جدل بهذا الشأن.. ثم ذات يوم استيقظ أهل القرية ليجدوا رجلا مقتولا بالشارع، وفشلت كل محاولات التعرف إلى كيفية مقتله أو الجاني..

السؤال الآن: هل تلك الواقعة تعتبر دليلا لا يدحض على وجود العفريت شمهورش؟

بنظر أهل القرية فالجواب بنعم: طالما أننا لم نستدل على كيفية مقتل الرجل، وطالما لم نجد السبب الذي أدى لمقتله، وطالما الجثة موجودة أمام أعيننا لا سبيل لإنكارها، فالنتيجة الوحيدة المنطقية هي أن شمهورش موجود وأنه هو من قتل الرجل.. والآن يكون السؤال لكل من ينكر شمهورش: إن لم يكن له وجود فمن قتل الرجل؟

وأما بنظر الفريق الآخر فهذا منطق مغلوط تماما: حيث أن وجود قضية غامضة عجزنا عن حلها (مقتل الرجل) لا يجعلنا نصدق وجود العفريت المذكور، حيث أن هناك ألف سبب آخر محتمل لمقتله (ربما انتحر، ربما قتله شخص مجهول، ربما أصيب بمرض غامض لم يكتشف بعد، أو ربما حتى قتلته كائنات فضائية لا تنتسب لفصيلة الجن، بل ربما قتله عفريت آخر غير شمهورش..إلخ) ببساطة لا ندري يقينا.. وبالتالي فالموقف الحكيم هنا أن نعلن عجزنا عن معرفة سر مقتل الرجل، ونضع عدة احتمالات منطقية، ونواصل البحث ضمن الأسباب الواقعية وباستخدام الأدلة المتاحة أمامنا، ونترك الفرضيات المسبقة، ونسعى لحل اللغز بشكل عقلاني واقعي.. فسواء نجحنا أم لا فسيظل بحثنا أكثر موثوقية وأكثر شرفا من الهلوسة والخرافة.. وأما افتراض سبب غيبي خارج الحواس وخارج العقل وخارج قوانين الطبيعة (شمهورش أو غيره) فهو تخمين كسول خرافي لا يمكن إثباته.. وفي تلك الحالة لا يوجد سبب يجعل المرء يظن أن وجود جثة هو دليل وجود شمهورش، اللهم إلا أن أهل القرية مهووسون بذلك الكائن بالذات، ولهذا لا يخطر لهم فاعل غيره، ولو صدف أنهم كانوا يؤمنون بكائن آخر لاعتبروا وجود الجثة دليلا على وجود ذلك الكائن، وليس شمهورش..

وهكذا حال المؤمن، فالكون هو الجثة، والله هو شمهورش.. والواضح أن الهوس الديني يجعل المؤمن يرى الله في كل شيء؛ كما تكون مهووسا بحب فتاة، فتجد أن كل شيء يذكرك بها: ترى النجوم فتتذكرها، ترى الأنهار فتتذكرها، تقرأ خبرا عن تفجير حافلة في فرنسا فتتذكر فورا أنها حدثتك يوما عن رغبتها في زيارة باريس..

هنا لا نتحدث عن استنباط منطقي محكم، وإنما بكل بساطة عن هوس.. وأما البديل الوحيد فهو البحث الحسي والعقلاني: المنهج العلمي..

وهذا يفسر بعض ما نقرأه من كتابات بعض المؤمنين في محاولة الإستدلال على وجود شيخ قبيلة خفي يجلس على كرسي في السماء.. فتسمع مثلا أن الجهل بشيء ما هو بنظرهم دليل أكيد على وجود الشيخ الخفي الجالس على عرش : لا نعرف سبب نشأة الكون إذن الله موجود.. لا نعرف كيف تعمل الجينات إذن الله موجود.. لا نعرف كيف تكونت الخلية الأولى إذن الله موجود.. والخلاصة: نحن جهلاء جدا وهذا دليل قطعي على أن هناك شيخ قبيلة خفي يسكن السماء..

كما يرون أن عجز البشر عن فعل شيء ما، هو أيضا دليل على وجود شيخهم الخفي : أنت لا تستطيع أن تخلق ذبابة إذن الله موجود.. لا تستطيع أن تعلم مكان موتك إذن الله موجود..إلخ.

بينما أبسط بديهيات المنطق تخبرنا أن الجهل والعجز لا يكفيان لإثبات وجود أي شيء.. كما أن الملحد لم يدع القدرة المطلقة أو العلم بأسرار الوجود، وإنما هو ادعى فقط أن السيناريو الذي تقدمه له هو سيناريو غيرمقنع ومليء بالمتناقضات..

ثم إن أصحابنا يؤكدون أن شعورهم الشخصي -الديني- هو دليل لا يدحض على صحة ما يشعرون به، وكأنهم يقولون: الله موجود لأنني أشعر بذلك، ويتناسون أن هناك آلاف الآلهة والتي كان لها كهنة وأتباع مخلصين ينحنون خضوعا ويبكون شوقا من أجلهم، كما يتناسون أن الخيال لا يصنع حقيقة، وأن المجنون قد يتخيل أمورا لا وجود لها، بل إن الطفل قد يقع في حب فتاة من فيلم كارتون، دون أن يعني ذلك أن حبيبته لها وجود واقعي حقيقي، وإنما هي مجرد رسمة خرجت من خيال مؤلف بارع..

يرون أيضا أن أي شعور بأي روعة أو جمال في الكون هو دليل إضافي على وجود شيخ القبيلة المختبئ خلف السحب: الزهرة جميلة إذن الله موجود.. الغروب ساحر إذن الله موجود..الحب موجود إذن الله موجود.. إلخ، وكأنهم تيقنوا أن الجمال والحب والشعور بالعمق والرهبة هي أمور لا يمكن أن تخرج إلا من كائنهم المزعوم..

وحين تسد أمامهم السبل لإثبات شيخهم، يسعون إلى محاولة إثبات وجود أي كائن خفي آخر، بنفس المنهج المستند إلى الجهل والعجز والجمال: نحن لا نعرف ما سر الوعي إذن الروح موجودة، وطالما الروح موجودة إذن الله موجود.. أمس سمعت صوتا تحت سريري ولم أعرف مصدره، إذن الجن موجود، وطالما الجن موجود إذن الله موجود..

والحق أن جزئي الإستدلال يحتويان على مغالطة : فجهلنا لسر الوعي لا يثبت أن الروح موجودة، ثم إن وجود الروح -إن صح- لا يثبت وجود الله، فلا يوجد ما يمنع أننا نعيش في كون روحاني تماما ومع ذلك لا يوجد له خالق.. ولا يوجد ما يثبت أن العالم الروحاني ليس بأكثر جدارة بأن يكون مخلوقا من العالم المادي..

ونفس الشيء ينطبق على المعجزة: فإن حدوث أمر "غريب" أو حتى "خارج للطبيعة" لا يكفي لإثبات أن تلك الأمور مصدرها شيخ قبيلة خفي يجلس على عرش في السماء، وإنما حدوث أمر خارق للطبيعة سيثبت أمرا واحدا لا غير وهو : حدوث أمر خارق للطبيعة! وذلك حتى يثبت ما هو مصدر ذلك الشيء..

لكن المؤمنون يرون شيخ قبيلتهم في كل شيء، حتى أنهم يعتبرون شعور الخوف -الغريزي والموجود عند الجميع- هو دليل آخر على وجوده، فيجتهدون في وعظك بأنك ستموت قريبا وتسكن قبرك ويتحلل جسدك، وربما يتم إلقاءك في النار..إلخ، ولا أدري كيف يكون الغوص في تخيل أفلام الزومبي والرعب السادي هذه يمكن أن يعتبرها أحدهم دليلا على وجود كائن خفي يسكن السماء..

وحين تنفد بهم السبل تماما يلجأون إلى تشويه كل من لا يؤمن بشيخ القبيلة السماوي، حتى لو بشكل متناقض، فالملحد بنظرهم ترك الدين من أجل أن يتبع شهواته ويستمتع بالحياة ويتحرر من قيود الدين، لكن هذا لا يمنع أنهم كائنات تعيسة ينتحرون بالجملة لأنه مفتقدون لروعة وسعادة الدين، ثم أن الملحد كائن مغرور متعالي (وليس كالمؤمن الذي يعتقد- بكل تواضع- أن الكون بأسره خلق من أجل اختباره هو، وأن الخالق سوف يكافئه ويعاقب خصومه بعد الموت)، ثم أن الملحد كائن شرير لا يوجد لديه أي رادع أخلاقي علوي مما يجعله مستعدا لإبادة البشر بكل سهولة (كما فعل ربهم نفسه في الطوفان، ربما لأنه لم يكن يؤمن بمرجع أخلاقي علوي يردعه؟)..

لكن المشكلة أنه لو صحت كل تلك الإتهامات وكان الملحد هو أسوأ البشر، فإن ذلك للأسف لن يكفي لإثبات وجود شيخ القبيلة الجالس على عرش..

الخلاصة إذن أنه لو أردت أن تثبت وجود كائن ما، فلا يكفي أن تشوه خصمك أخلاقيا، أو تخيفه، أو تسأله عن أمور تعجيزية لا تستطع أنت نفسك الإجابة عليها، كما أن جهلك وشعورك وأمنياتك لا تكفي، وإنما هناك سبيل واحد لتثبت وجود شيء ما، وهو أن تقدم دليلا مناسبا..

ولو كنت تسأل "وكيف نثبت وجود الإله؟"، أو "ما الذي سيقنع الملحد بوجود الإله؟"، فالجواب يكمن في أي شيء نقتنع كلنا بوجوده ولا نتجادل حوله؛ متى كانت آخر مرة وجدت شخصا ينكر وجود الشمس؟ أو كوكب عطارد؟ أو البطاريق؟ أو الحديد؟ أوالهواء؟ أو الكهرباء؟ أو الجاذبية؟ فبعض تلك الأشياء نعلم وجوده بالحواس (نراه أو نسمعه) وبعضها لا نراه ولا نسمعه وإنما نشاهد تأثيراته ونرصدها بشكل ثابت ومتكرر.. وأخيرا هناك أمور نصدق وجودها لأنها أفضل- وأبسط- تفسير للظواهر التي تحدث حولنا.. ولكن لا يوجد عاقل يؤمن بوجود شيء لأنه يسمع عنه كثيرا، خاصة إن جاء الحديث عن الشيء متناقضا متضاربا ومن أشخاص جهلاء أومغرضين لديهم مصالح تتحقق مع تلك الإدعاءات، وفي الحالتين تظهر لنا التجارب المتكررة أنهم لا يعرفون ما الذي يتحدثون عنه..

بين المبادئ والأطماع



أعترف أنني لا أخاف من أصحاب الأطماع بقدر ما أخاف من أصحاب المبادئ..


بـ"أخاف" لا أعني خوفا على نفسي وإنما على المجتمعات والأوطان والبشرية.

وبـ"أصحاب المبادئ" لا أعني الذين يتحلّون بالأخلاق، فالجميع لديه أخلاقه الخاصة به والتي تخدم تصوره الخاص عما هو حق أو عدل أو خير، لا جديد هنا؛ وإنما أعني هؤلاء، أصحاب المعتقدات العميقة الراسخة التي تعلو على كل شيء وتحيط بكل شيء وتشمل كل شيء، وتتحدى كل شيء وتسحق كل شيء إن لزم الأمر..

لا أقصد المتظاهرين بالمبادئ أدعياء القيم المزورين رافعي الشعارات تجار الفضيلة، وإنما أقصد أصحاب المبادئ الحقيقية الصادقين في دعواهم..

أتحدث عن الحالمين والمجاهدين والمناضلين والشهداء، الذين يريدون تغيير العالم بأي ثمن ولا يعرفون حدودا..

أقصد أولئك الذين يؤمنون فقط.. لا يترددون ولا يتشككون ولا يحتارون ولا يتفكرون..

ومجمل إيمانهم أن المبادئ (مبدأهم هم) أهم من الواقع، حتى واقعهم، وأن الشعارات (بالذات شعارهم) أهم من البشر، حتى أهلهم، وأن العقائد (تحديدا عقائدهم) أهم من الحياة، حتى حياتهم..

لعلك بدأت تفهم - قليلا- لم أخاف منهم..

ولتفهم لماذا قرنتهم بأصحاب الأطماع فدعنا نقارن بين الإثنين:

صاحب الطمع حيوان حريص على مصالحه الأنانية، قد يكون وغدا انتهازيا ولا شك، مُغرض ونهم حتى النخاع، تقوده غرائزه الخنزيرية إلى ابتلاع ما أمكنه من مكاسب الحياة: مال سلطة جنس.. ولأنه عديم المبادئ فهو مستعد لأن يسلبك أشياءك بالمكر واللين أوبالقوة إن استطاع؛ وإن وقفت أمام أطماعه فهو مستعد لأن يطأك بقدميه ليعبر فوقك.

ولكن بالمقابل فإن صاحب الطمع حيوان عاقل، يعرف كيف يحسب الأمور ويخضع للمساومة..

ولأنه حريص على مصالحه الأنانية فهو يخاف ويتردد ويوازن المصالح والمفاسد، ولذلك فقد يقبل بوجودك أو يجد سبيلا للتعامل معك إن هو عجز عن التخلص منك، أو إن كانت منفعته في وجودك أكبر من منفعته في فنائك..

ولأنه عديم المبادئ فهو يتمتع بمرونة وواقعية كافية لأن تتمكن من التعامل معه إن فهمته وأدركت رغباته، وحينها قد تصلان إلى صيغة من السلام - بل والتعاون- الحذر..

على الجانب الآخر فإن صاحب المبادئ هو شبه ملاك منكر لذاته غير حريص على مصالحه وإنما هو صاحب رساله، وبالتالي فغالبا سيكون زاهدا متعففا عن كل متاع الدنيا، بل وكارها لها، ومن المؤكد أنه لن ينافس أحد فيها.

بالمقابل فإن صاحب المبدأ - شبه الملاك- لديه طموحات أكبر من المال والجنس وربما حتى السلطة، فهو يسعى لقلب عالمك كله، ليوافق فكرته المقدسة العائشة برأسه..

ولأنه غير حريص على مصالحه، فهو لا يهتم بالتفاهم أو الوصول معك إلى منطقة وسط، فالتفكير عنده هرطقة، والتنازل عنده كفر، والمساومة عنده خيانة..

ولأنه صاحب رسالة فهو لا يعرف حدودا وإنما هو يغمض عيناه ويسير وراء قلب لا يعرف الخوف مستمرا في الطريق إلى نهايته؛ وهو في ذلك مستعد (كالطماع) لأن يطأك بقدميه، ولكن (بعكس الطماع) فلا يشترط أن تقف أمام أطماعه ليفعلها، وإنما يكفيك أن تختلف معه أو تنطق أو تفكر بشكل لا يتماشى مع عقيدته وثورته وأحلامه..

صاحب الأطماع مثلنا، إنسان حقيقي، فكلنا حيوانات عاقلة تسعى لمصالحها بدرجات مختلفة، نطمع ونخاف؛ من هنا تحديدا نرتكب الشرور، ومن هنا أيضا نسمو بأنفسنا، فحين اكتشف إنسان ما أن الآخر لديه مصلحة مثله يحاول تحقيقها ها هنا ولدت الأخلاق، وتعريفها ببساطة هو "العاطفة التي تجعلنا نشعر بالآخرين، والقواعد السلوكية التي تراعي المصالح المتبادلة بين البشر"..

وبناءا عليه فأصحاب الأطماع يمكن احتواءهم، ومن هنا ننجح في ترويض بعضنا البعض باستخدام المنطق والعقل..

أما صاحب المبادئ فلا يؤمن بالآخر، وإنما هو أشبه بكائن آلي متطرف مبرمج موجّه، يخدم فكرة معينة لا يرى سواها، وهو يكاد يكون منزها عن الطمع والخوف، مما يجعله منزها عن الشخصية، وهو لا يعرف التعاطف إلا مع رفاق جهاده، منزها عن المساومة والحساب وموازنة المصالح، وهو غير قابل للإحتواء لأن رسالته تعلو على أي منطق أو عقل..

من هنا فصاحب الطمع قد يكون حاكما متسلطا أو رأسماليا انتهازيا، يمكن ترويضه بضغط الغير ليكون حاكما يقبل بالديمقراطية أو رأسماليا يفيد المجتمع ويسدد الضرائب..

وأما صاحب المبدأ فهو عاشق مجنون وثائر، ومثل كل العاشقين والمجانين والثائرين فهو مهموم بحلمه مستعصي على الترويض، فلا يؤمن إلا بالصراع المقدس ولا يعرف إلا إحدى الحسنيين: إما ينتصر عليك فتكون مقتولا أو مقموعا، وإما تنتصر عليه فتكون قاتلا أو قامعا..

باختصار صاحب الطمع صديق للواقع، رغم أنه يريد استغلاله لصالحه، فهو يريد الحفاظ عليه.. أما صاحب المبدأ فلا يهمه الحفاظ على الواقع وإنما لا يمانع في نسفه من أجل هدف سامي جدا وهو خلق واقع جديد يطابق صورة مثالية في خياله..

صاحب الطمع يسعى للإستفادة منك وليس القضاء عليك.. صاحب المبدأ يريد تطويعك، إعادة خلقك لتطابق صورة خياله إياها..

ولهذا لا أخاف من الإنتهازي الطماع بقدر ما أخاف من الملاك المثالي الذي قد يضحي بحياته ولا يضحي بحلمه، ثم أنه يقاتلك وهو يعتقد أن جميع المقدسات والشعارات الشعبية تقف إلى جواره وتؤازر كل ما يقوم به : الله والدين والوطن والثورة والشعب والهوية والحق والخير والعدل والأخلاق..إلخ.

لهذا لا أرتجف حين أرى صاحب مصلحة أو مطمع، بقدر ما أرتجف حين أسمع شعارا مقدسا جميلا.. لن أنفر منك كثيرا لو سمعتك تتحدث فقط عن المال أو تصرخ للمطالبة بنصيب أكبر لنفسك، وإنما سأقفز فزعا لو سمعتك تتحدث فقط عن الحق وتصرخ دفاعا عن الدين والوطن والأخلاق والشعوب والثوار والشهداء.

لتفهم موقفي أكثر قارن بين تاجر الدين ومجاهد الدين، أيهما أشد خطرا؟ الأول متلوّن متزلف زئبقي، يمكن أن يخدعك أو يبتزك أو يتجمّل أمامك أو ينافقك إن كان يحسب حساب رد فعلك، وأما الثاني فهو إرهابي صادق مؤمن لا يعرف الحلول الوسط ولا يهتم لمصالحك أو مصالحه، ولا يقيم وزنا لحياتك أوحياته، فهو منتصر أو مهزوم، قاتل أو مقتول..

وبشكل أعم فأسوأ مجرمي وقتلة التاريخ بنظري لم يكونوا من الإنتهازيين النفعيين تجار المبادئ عديمي الإيمان (فهؤلاء الأوغاد يتشكّل منهم أهل السياسة النفعيين حتى في الأحوال الجيدة)، وإنما أخطر القتلة كانوا من المخلصين أصحاب المبادئ: قادة الثورات وزعماء الحركات والمناضلين المرحبين بالموت تضحية بأنفسهم وبالآخرين..

صاحبنا ذاك إن حالفه الحظ فهو زعيم راديكالي نافذ من النوع السفاح الذي يضحي بشعبه والشعوب المجاورة لأجل قضية مقدسة، وإن جانبه الحظ فهو مشروع سفاح فاشل- شهيد ترفع صوره كرمز للمقاومة والنضال وإلهاما لكل الشباب الذين سيكبرون ربما ليصبحوا.. أصحاب مبادئ..

عن التعددية





لماذا نعتبر غالبا أن الأحادية هي الشكل الأمثل للعلاقة، بينما نميل إلى رفض الأشكال الأخرى كتعدد الزوجات وتعدد الأزواج والمثلية باعتبارها ممارسات غير أخلاقية؟

نعم أدرك أن بعض النظم الدينية الإجتماعية تقبل بعض الأشكال المغايرة وترفض البعض ؛ فمثلا الإسلام واليهودية يقبلان تعدد الزوجات، الذي ترفضه المسيحية، ويشترك أهل الديانات الثلاثة في رفض تعدد الأزواج وفي العداء للمثلية (الشذوذ) سواء بين الذكور أو الإناث (ويتضاعف غضبهم عند الحديث عن زواج مثلي).. وكذلك بينما بعض أصحاب الفكر اللاديني أو العلماني يقبلون المثلية باعتبارها حرية شخصية، نجدهم لا يتسامحون بنفس القدر مع تعدد الزوجات مثلا فيطالبون بتجريمه..إلخ،ولكن هكذا في المحصلة يمكن القول أن العلاقة الأحادية التقليدية (رجل واحد وامرأة واحدة) هي الشكل الأمثل في عصرنا، والوحيد الذي لا يبدو أن أحدا يختلف حوله، فلماذا؟

حين طرحت السؤال جاءت إجابات وتحليلات رائعة من الزملاء؛ بعضها يركز على الجانب البيولوجي التطوري للمسألة، وبعضها يركز على الجانب الإجتماعي والنفسي؛ بعضها يميل إلى الأحادية لأسباب خاصة، وبعضها يشير إلى ضرر الأشكال المغايرة على المجتمع، وبعضها لا يجد مانعا من تنوع العلاقات طالما لا ضرر ولا اعتداء.

هنا يبدو السؤال منقسما لشقين:
الأول هو لماذا صارت الأحادية هي الأكثر قبولا اليوم؟
والثاني هو هل الأشكال الأخرى غير أخلاقية حقا؟
-----------------------------

بخصوص السؤال الأول فلا يبدو لي أن الأحادية "فطرة" كما رأى البعض (بمعنى نزعة بديهية عند الجميع)، حيث أن أكثر المجتمعات قديما كانت تمارس التعددية..
كما لم أقتنع أن الأحادية هي الشكل الأمثل من الناحية التطورية: من هذا الجانب يبدو أن الطبيعي أن الذكر يرغب في ممارسة الجنس مع أكبر عدد من الإناث (وهو ما يبدو أننا نراه في أغلب الذكور في كل زمان ومكان على أي حال)، وذلك للحصول على أكبر عدد من الأبناء، خاصة مع كثرة نسب وفيات الأطفال في المجتمعات القديمة- فالطمع الجنسي هو آلية تطورية لا بأس بها أبدا.

أما لو تركنا مسألة "تمرير الجينات" و"زيادة النسل عدديا" السابقة، فقد تكون هناك فائدة تطورية أبعد لمؤسسة الزواج والإستقرار الأسري، وهي أن الذكر يكون عالما بأولاده ومسئولا عن حمايتهم ورعايتهم، بدلا من أنجابهم وتركهم للموت..
بالتالي لو جمعنا بين الجانبين فيبدو أن الشكل الأمثل للعلاقة المفيدة تطوريا ليس الأحادية وليس الفوضى الجنسية، وإنما هو تعدد الزوجات على النمط اليهودي والإسلامي مثلا، وهو ما نجده في أكثر المجتمعات القديمة بالفعل.. فيه سنجمع بين مزية أن الرجل سيتمكن من تخصيب أكبر عدد من الإناث، وبنفس الوقت يكون مسئولا عن رعاية أطفاله (ويكون هذا خاصة لأصحاب الثروة والنفوذ، أما الأفقر والأضعف فسيكتفي بواحدة، وهو نوع خاص من الإنتخاب الطبيعي\الإجتماعي).

هذا لا يمنع أن هناك أسباب أخرى تطورية واجتماعية تصب في صالح الأحادية وربما ساهمت في انتشارها: منها تركيز رعاية الأب فيها على أطفال امرأة واحدة، فمع تقدم الرعاية الطبية ازداد عدد الأطفال الذين يستمرون في الحياة، وبالتالي قلت الحاجة إلى زيادة العدد، زادت الحاجة إلى تركيز الرعاية (الكيف حل محل الكم).. ولكن الأرجح أن هذه الأسباب لا تكفي لسيادة الأحادية تماما.. وكما أشرنا فعلى ما يبدو فالسائد في المجتمعات القديمة كان التعدد، أما الأحادية فأكثر حداثة.

هذا ينقلنا إلى الأسباب الأخرى الإجتماعية لسيادة الأحادية في عصرنا، وأظنها تتلخص في أمرين: تطور مفاهيم المساواة وحقوق الإنسان، وسيادة الحضارة الغربية ذات الأصل المسيحي.

في أكثر الحضارات القديمة لم يكن هناك مجال حقيقي للمقارنة بين الرجل والمرأة، فكانت العلاقة بين الجنسين أشبه بعلاقة السيد بالعبد، ويتجلى ذلك أكثر في الثقافة الإبراهيمية حيث الرجل سيد المرأة، والمرأة خلقت منه ومن أجله؛ وحتى علاقة الزواج هي أشبه بعلاقة تملك، والنتيجة الطبيعية هي السماح للرجل بأن "يمتلك" أكثر من امرأة بتحديد العدد أو من دونه.

أما في العصور الحديثة، وبعد مرور قطارات النهضة والتنوير والعقلانية والحداثة الأوروبية، تغير الوضع وصارت المرأة إنسانا كامل الأهلية، على الأقل في النصف الشمالي، أو الغربي، من الكرة الأرضية.. وهنا صارت العلاقة "الطبيعية" هي العلاقة المتكافئة والندية، بين ذكر وأنثى.

على الجانب الآخر فالغرب منذ قرون تحول إلى المسيحية المترومة (نسبة لروما)، وهي الديانة الإبراهيمية الوحيدة التي لا تجيز التعددية في أكثر مذاهبها، وبناءا عليه انتشرت العديد من القيم المسيحية وتغلغلت في الجسد الأوروبي، ومن تلك القيم أن الزواج "الصحيح" هو الأحادي.

هذا يعني أن أسباب انتشار الأحادية تبدو أنها أسباب اجتماعية وثقافية في المقام الأول، وليست بيولوجية أو تطورية أو غريزية\فطرية.

-----------------------------
مما ينقلنا إلى السؤال الآخر: هل هذا هو الشكل السليم من العلاقة فعلا؟ وهل الأشكال الأخرى سيئة أو غير أخلاقية؟

هذا يطرح سؤالا أعمق وهو: ما معنى الأخلاقي وغير الأخلاقي؟

لعل المشكلة أن أكثرنا يميل إلى تعريف الأمور من منظور ثقافته الذاتية، فالشيء الذي يرتاح إليه يسرف في إطلاق الألقاب الإيجابية عليه، فهو "منطقي" و"فطري" و"أخلاقي".. متناسيا أن مفاهيمه عن المنطق والفطرة والأخلاق ليست سوى نتاج تربيته وتنشئته على ثقافة خاصة، وربما لو نشأ في غيرها لاختلفت عنده تلك المفاهيم تماما.

بالتالي هنا سنتجاهل الأطر الثقافية المعتادة (كالأديان والأعراف والتيارات الإجتماعية كالنسوية) وسنتبنى تعريفا عمليا مبسطا للأخلاق يربطها بالنفع والضرر: السلوك الأخلاقي هو الذي يعود على المجتمعات والأفراد عادة بالخير والسعادة والإزدهار، بينما السلوك غير الأخلاقي هو الذي يضر البشر ويتعسهم ويهدد أمنهم.

محتفظين بهذا التعريف نسأل: ما مصلحة المجتمع من العلاقات أصلا؟ ولا أظن الجواب يخرج عن أمرين: استقرار البشر وسعادتهم، وأمن وصحة ورعاية الأطفال.. فأي شكل من العلاقة يحافظ على هذين الشرطين لا يمكن إدانته من منظور أخلاقي.

هذا - في نظري- يشمل ارتباط رجل واحد بامرأة واحدة، أو ارتباط رجل بعدة نساء، أو ارتباط امرأة واحدة بعدة رجال، أو اختيار شخص أن لا يرتبط سوى بعلاقات سريعة عابرة، أو يكون لاجنسيا، ويشمل كذلك العلاقات المثلية بين رجلين، أو بين امرأتين، ويشمل أي شكل من التعددية التخيلية (كرجلين يتزوجان بثلاث نساء..إلخ)،

كل ذلك لا يجب أن يدان أخلاقيا بحجة أن الفطرة ترفضه (وما الفطرة إلا خلفيتك الثقافية والدينية، استغرقت فيها فحسبتها قانونا كونيا)، أو بحجة أنه غير طبيعي (فالطبيعة ليست ربا نأتمر بأمره، والجدير بالذكر أن القتل والسرقة والإغتصاب هي أمور طبيعية تماما تمارسها الحيوانات كما مارسها أجدادنا، وهذا لا يجعلها أخلاقية).

أما المرفوض في العلاقات بنظري فهو أمرين: لو شملت اعتداءا، أو لو شملت أطفالا لن يتلقوا الرعاية الملائمة.

أما عن الإعتداء، فقد اخترت تلك التسمية بدلا من الضرر- وهنا يجب التفرقة بين علاقات اجتماعية وجنسية تسبب ضررا لأصحابها (هذا قد يجعلها غير أخلاقية، ولكنه لا يجعلها بالضرورة مجرمة قانونا) مثل شريك يسيء معاملة شريكه أو يستغل مشاعره..إلخ، فهذه أمور غير أخلاقية لكنها تظل محصورة بين الشريكين ومسئولية متبادلة بينهما..

أما ما يستدعي تدخل القانون فهو حصول اعتداء من طرف على حقوق طرف آخر أو إجباره على شيء لا يرضاه. فقط.

(للتوضيح بمثال: شخص يخدع شريكه ويوهمه بالحب لكي يجعله ينفق عليه بسخاء - هذا فعل غير أخلاقي بالمرة، ولكنه قانوني تماما طالما لم يتضمن سرقة أو إجبارا.. كذلك الحال مع شخص يضرب شريكه وهو راضي بذلك أو يستمتع به، فالقانون لا يتدخل إلا عند حدوث اعتداء أو إجبار، ولا يتدخل بالضرورة عند حدوث ضرر طالما الشخص لا يشتكي، لذا وجبت التفرقة).

أما عن الأطفال، ففي نظري يجب على الدولة التدخل لتمنع من الإنجاب كل ما لا تتوفر فيه شروط الرعاية المناسبة للأطفال، وهذا لا يشمل أشكالا معينة من العلاقات بقدر ما يشمل أشكالا معينة من الخلل: فالوالد- ذكر أم أنثى- الذي لديه خلل نفسي أو ميول عدوانية حادة أو يفتقر إلى الإستقرار أو لا يتملك أساسيات الحياة، يجب النظر في منحه حق إنجاب إنسان يعيش في معاناة، ومواطن يسبب المعاناة للمجتمع.

فيما عدا ذلك فالطبيعي أن يعيش الإنسان وفقا لاختياراته الخاصة، دون أن تفرض عليه مفاهيم دينية أو ثقافية من آخرين.