الجمعة، 1 فبراير 2019

إله بلا شر هو إله بلا خير



من جوانب القوة في "معضلة الشر" أنه يستحيل تبرئة الإله منها، بدون تبرئته من الخير أيضا..

نلاحظ أن الخير والشر موجودان أمامنا، كلاهما مصطلح بشري نطلقه على ما يسعدنا وينفعنا، أو على ما يؤلمنا ويضرنا، كلاهما نسبي متغير، وكل حجة يمكن استخدامها لاعتبار الله غير مسئولا عن الشر، تكون صالحة أيضا لاعتباره غير مسئول عن الخير..


لنأخذ حجة "الحرية" - يقولون : الله ليس مسئولا عن الشر، فهو خلق البشر أحرارا وبالتالي كان لابد من ارتكابهم للشرور، والتي هي "عرض جانبي" لتلك الحرية..
لنسلم لهم بذلك، ولكن هذا يعني أيضا أن الله ليس مسئولا عن الخير، فالبشر أحرار وبالتالي يقومون بالخير، فلا فضل لله في الخير إن لم يكن له دور في الشر..
ثم هناك حجة "غياب الخير" - يقولون: الشر وهم فهو مجرد غياب للخير، كما أن البرد ليس سوى غياب للحر، والظلام ليس سوى غياب للنور..


ولكنها أيضا حجة قابلة للعكس، حيث يمكن القول أن الخير وهم، فهو مجرد غياب للشر، فالصحة مثلا ليست سوى غياب للمرض، والراحة ليست سوى غياب للتعب، والأمان ليس سوى غياب للخطر - وهنا يكون الأصل والإيجابي هو الشر، بينما الخير هو غياب سلبي لذلك الشر..
بالطبع اللعبة يمكن لعبها على الجانبين، فهناك أنواع من الخير والشر، والغوص في توصيفهما يتحول إلى بهلوانيات لفظية لا تغير الواقع..


حجة أخرى متكررة هي "النسبية"، حيث يقولون أن الشر من جهة هو خير من جهة أخرى، ويرون أن هذا يبرئ الله من الشر..
موافقون، ولكن تلك الحجة نفسها تصلح لتبرئة الله من الخير، حيث أن ما هو خير لك قد يكون شرا لشخص آخر..


وتشبهها حجة "الحكمة الخفية"، فما يبدو لنا شرا قد يخفي خيرا خفيا لا نراه..
ربما.. ولكن العكس بالعكس، فكل خير نراه قد نقول أنه ربما يخفي شرا وراءه لا نراه.. فتلك الحجة لو صلحت لإنكار الشر فهي تصلح أيضا لإنكار الخير..
لنأخذ حجة "الطبيعة"، وهي قول البعض أن الله لا يتدخل في كل كبيرة وصغيرة في الوجود، وأنه يترك الطبيعة تعمل، ومن هنا لابد من حدوث بعض الشرور..
لا بأس، ولكن لتطبق قاعدتك على الخير أيضا: حين تكون الأمور بخير فلا تحاول أن تنسبها لإلهك، وإنما قل أنها الطبيعة..


والخلاصة أنه مع القوة الكبيرة تأتي المسئولية الكبيرة، فإن كنت تريد منح إلهك دورا مهما في حياة البشر، فلا مفر منطقيا من أن ينطبق ذلك على الخير والشر معا، وإن كنت تريد تبرئة إلهك من المسئولية فليكن ذلك أيضا على الخير والشر معا..


ولكن لا معنى لأن تطلب مني أن أشكر الله على صحتي الجيدة وأسرتي السعيدة وأحوالي المالية المزدهرة وأرضي الآمنة، ثم حين أمرض أو تنهار أسرتي أو أفقد أموالي أو تحل كارثة طبيعية على أرضي، حينها تحاول تبرئة إلهك من كل هذا!
كما يقال: لا يمكنك الحصول عليها بالطريقتين!
You can't have it both ways!


أدرك أن نيتك هنا جيدة، لصالح إلهك، ولكن النتيجة أن طرحك غير منطقي ومتناقض ومزدوج المعايير، ثم أنه طرح نذل منفر أخلاقيا، وهو يسيء للبشر بقدر ما يمجد إلهك، فحين تمنح الأفضال لربك فإنك - ولو جزئيا- تنزعها عن البشر، وحين تبرئه من الشرور فإنك- ولو جزئيا- تلصقها في البشر.. فأنت تظلم المنطق وتظلم نفسك وتظلمني وتظلم الإنسانية بقدر ما تجتهد في تعظيم وتنزيه ربك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق