الجمعة، 1 فبراير 2019

الدين لا يحسن الأخلاق



يرى أكثر المتدينين، بل وبعض اللادينيين، أن الأديان ضرورية للأخلاق، وأنه لو ترك الناس الأديان فسيتحولون إلى وحوش كاسرة تلتهم بعضها البعض، والحق أن هذا التخوف هراء لا أساس له..

إليك قرينة مشوقة : أن الأطفال الذين نشأوا في عائلات متدينة كانوا أكثر أنانية وبخلا وميلا للحكم على الناس من الذين نشأوا في أسر غير متدينة..
إحدى الدراسات تمت على أكثر من ألف طفل (5 إلى 12 سنة) من بلاد وخلفيات اجتماعية مختلفة، وتم تقسيمهم حسب أديان والديهم (مسيحيين ومسلمين ولادينيين)، ثم تم إجراء اختبارات تفحص مدى استعدادهم للمنح و العطاء للآخرين، والنتيجة أن الأطفال المسيحيين والمسلمين كانوا أقل استعدادا لمشاركة ما لديهم مع غيرهم..
ليس هذا فقط، بل تبين أن الأطفال في أسر متدينة (خاصة المسلمين) كانوا أكثر ميلا للحكم على الآخرين وإدانتهم والمطالبة بعقابهم بشكل أكثر قسوة من الأطفال الذين نشأو في أسر لادينية.. 

1 - 2 - 3 - 4 - 5



وإليك حقيقة إحصائية أخرى: نسبة الملحدين بين رواد السجون أقل بكثير من نسبتهم بين السكان، أي أن تمثيل الملحدين في السجون أقل من المتوقع: فرغم أن نسبة اللادينيين في الولايات المتحدة تقدر بنحو 20% (حوالي 5% منهم ملحدين) إلا أن نسبة الملحدين في السجون هي أقل من 0.1%..
قد تختلف تقييمات الدراسات ومغزى نتائجها، ولا  نقول هنا أن الإلحاد يجعل الناس أكثر أخلاقية، كما أن التعميم خطأ فهناك طيبون من كل ملة كما هناك أشرار من كل ملة، فالأخلاق مفهوم واسع ومعقد وتحدده عوامل كثيرة وليس الدين فقط؛ ولكن ما أردنا قوله باستحضار تلك الدراسات هو أن الدين لا يصنع أخلاقا، وغيابه لا يلغي الأخلاق..
من يظن أن الأخلاق تنبع من الدين يعتقد أن الأخلاق تساوي الردع؛ وكأن الإنسان كلب متوحش يحتاج طوال الوقت إلى عصا لإخافته ومنعه من الشرور، ولكن الشاهد ان الإنسان كائن لديه غرائز ونزعات يمكن صقلها وتطويرها، فالردع هو أدنى درجات الأخلاق، ويأتي قبله الضمير والتعاطف والوعي العام وهي أمور يمكن تنميتها وهي التي تصنع الأخلاق..
أما الإقتصار على شق الثواب والعقاب فهو يحول الإنسان إلى طفل (ولا أقول حيوان) يلغي عقله وضميره لصالح النص المقدس، فيطيع أوامر السلطة الدينية طمعا في الثواب ويتجنب مخالفتها خوفا من العقاب..
 وحتى على مستوى الردع فالسيناريو الديني فاشل، لأن العقاب الإلهي أولا مؤجل وثانيا غير مؤكد، فإن ارتكبت ذنبا فلا عقوبة عاجلة ثم يمكنك أن تتوب وقتما تشاء..

على الجانب الآخر فالتجربة تثبت أن الأخلاق تنمو مع نمو العقلانية والوعي وارتفاع مستوى التعليم والثقافة وحتى المعيشة..
هذا يؤكده الواقع: فبينما رأينا مجتمعات كثيرة تتحول إلى غابات وحشية - بل أسوأ- بسبب التشدد الديني والفتن الطائفية، منها أوروبا القرون الوسطى ومنها بعض بقاع شرقنا الأوسط المعاصر، ورأينا حروبا ومجازر ومظالم تمت بسبب الحماسة الدينية، ولكن على الجانب الآخر لم ير أحد مجتمعا كان بخير ثم انفجر وتعرض إلى الخراب لأنه ترك أديانه وأيديولوجياته المتعصبة واتجه إلى الثقافة العلمانية والعقلانية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق