الجمعة، 1 فبراير 2019

الربوبية والأديان





لعل المشكلة مع لافتة الربوبية يمكن تلخيصها في ثلاث كلمات : التأثر اللاشعوري بالأديان..

لنركز قليلا على الإسم: ربوبية.. من أين جاءوا به؟!
فحتى لو قلنا أن الكون بنظرك مخلوق ومصمم، فلماذا يا ترى سميت الخالق ربا أو إلها؟ بل لماذا تستخدم صيغة المذكر المفرد أصلا؟ ولماذا تنسب له صفات بعينها كالكمال أو العدل أو الحكمة؟

لماذا لم تفكر (مثلا) أن من خلق الكون هم تسعة من الكيانات الأنثوية الروحانية السرمدية الغامضة والتي تتسم بالشر والشطارة والعبثية والجنون، وهوايتها التسلية بمراقبة البشر والضحك على أحزانهم؟؟

ألا ترى معي أن الكون لو كان مخلوقا، فالخالق (نظريا على الأقل) يحتمل أن يكون أي شيء وكل شيء؟

وألا ترى أن تسميتك للخالق "رب" وميلك لمنحه صفات الوحدانية والكمال والحكمة، هو انحياز لاواعي للأديان التوحيدية الإبراهيمية تحديدا، والتي صادف أنها تشكل محيطنا الثقافي الذي لا نكاد نرى غيره؟

أرجوك لا تخبرني أن وجود عدة خالقين هو أمر مستحيل، ربما لأنهم إن وجدوا سيتصارعون ويقتتلون فيفسد الكون (وهي الحجة التي استخدمها القرآن).. فهذا المنطق العجيب يلزمنا مسبقا بطبع مفترض للآلهة، وهي أنها كائنات نرجسية مغرورة عصبية المزاج غير قابلة للتفاهم أو التعاون، مثلها مثل الدكتاتوريين العرب مثلا!

ولكن لو افترضنا طبعا مختلفا للآلهة أنها كائنات منطقية قادرة على التعاون فيما بينها (كالبشر العقلاء العلماء مثلا) أو كائنات عقلانية متسامية مترفعة عن النزق والإختلاف (كما ينبغي للآلهة)، ففي تلك الحالات سيمكن وجود جماعة منها دون حدوث نزاعات بينية تفسد السماوات والأرض.. وبالتالي فالحجة ساقطة، ولا يوجد ما يمنع وجود آلهة متعددة أو ناقصة..

لعل النقطة التي يعجز أكثر "الباحثين عن الحق" عن فهمها، هي أن الآلهة فرع عن الدين وليس العكس.. فالمسألة ليست أن البشر آمنوا بالله أولا ثم صاغوا الأديان لعبادته كما نتصور ، وإنما الحقيقة التاريخية أن البشر نسجوا الأديان محتوية على عناصر عديدة ومن ضمنها الآلهة..

هذا يعني أنه حين تسقط الأديان تسقط معها كل عناصرها، بما فيها الآلهة..

ولو أنكرنا ذلك نصبح كشخص يدرك بشرية الأساطير المصرية واليونانية والفينيقية، ثم يظل مع ذلك يقول أن الشمس تشرق بأمر الإله رع، وأن الصواعق مصدرها قوة عليا تسمى زيوس، وأن المطر يهطل بفضل أوامر بعل!

وأن كنت ترى هذه الأمثلة سخيفة، فليتك تتفضل وتشرح لنا ما الفارق الجوهري بين نسبة الشروق لإله مصري ونسبة الصواعق لإله يوناني ونسبة المطر لإله فينيقي، وبين نسبة الخلق لإله سامي إسرائيلي عربي..

وهل حقا تتصور أن تغيير بعض صفات هذا الإله، بغرض تنزيهه، واستبعاد الأمور الدينية التي تراها أنت سخيفة، كفيل بحل المشكلة من جذورها، أم تظل المسألة مجرد تخرصات وإسقاطات بشرية نابعة من الدين ومتأثرة به في كل الأحوال؟

هل هذا يعني أن هذا الكون ليس مخلوقا، وأنه نشأ وحده بالصدفة؟

ليس بالضرورة، وإن كنت كملحد لا أؤمن بالخلق، وعندي أسبابي والتي ليس محلها هنا.. وإنما ما أريد قوله - ضد الربوبية- أنه حتى لو ملنا لأن الكون مخلوق، فالموقف المنطقي أن نقول أن هناك "جهة ما مجهولة" خلقته، من دون أن ننسب أي صفات ربوبية دينية إلى تلك الجهة..

وهذا بالمناسبة ما يقر به بعض الزملاء الربوبيين الذين حاورتهم، فهم يعتقدون بوجود قوة خالقة ولكن لا يتمسكون بأي من صفاتها بل يقرون أنها يحتمل أن تكون أي شيء.. مما يجعلهم أقرب إلى الملحدين (لو أخذنا بتعريف الإلحاد أنه عدم الإيمان بالآلهة الدينية)..

وذلك بعكس ربوبيين آخرين يفرطون في التأثر بالدين، حتى تجدهم يبالغون في تمجيد الإله والحديث عن عظمته وجماله، ويجتهدون في تنزيهه وتمجيده حتى يزايدون في ذلك على أهل الأديان..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق