الجمعة، 1 فبراير 2019

النبوة والجنون





Temporal lobe
الفص الصدغي (1)
هو واحد من الأربعة فصوص الرئيسية للقشرة المخية عند الثدييات، وهو مرتبط بالتعامل مع المدخلات الحسية واستخراج المعاني منها من أجل الإستبقاء الملائم للذاكرة البصرية، والفهم اللغوي، والربط العاطفي..
-----------------------------------------------
Epilepsy
الصرع (2)
هو اختلال عصبي ينتج عن اضطراب الإشارات الكهربية في خلايا المخ، ويتميز بحدوث ما يسمى بنوبات صرعية..
-----------------------------------------------
Temporal lobe epilepsy
صرع الفص الصدغي (3)
هو خلل مزمن في الجهاز العصبي يتميز بنوبات مركزية تنشأ في الفص الصدغي للمخ.. ومن أعراضه تشوش الذاكرة، شعور بالخوف أو القلق، هلوسة سمعية أوبصرية، وقد ينتج عنه تغيرا سلوكيا فيما يعرف بمتلازمة غيشويند..
-----------------------------------------------
Geschwind syndrome
متلازمة غيشوين (4)
هي مجموعة من الظواهر السلوكية التي تظهر عند بعض ممن يصابون بمرض صرع الفص الصدغي.. هذا النوع من الصرع ينتج عنه تغيرات مزمنة في الشخصية، تبدأ بسيطة ثم تزداد ببطء مع الزمن.. متلازمة غيشويند تتضمن خمس تغيرات رئيسية: فرط الكتابة، فرط التدين، سلوك جنسي غريب، الظرفية، الحياة العقلية المكثفة - ولا يشترط وجود الأعراض جميعها لنعتبر الشخص مصابا بالمرض.

Hypergraphia
1- فرط الكتابة (5) هي الميل للكتابة القسرية، وهي من سمات المصابين بصرع الفص الصدغي.. بعض المرضى يحتفظون بمذكرات تحتوي تفاصيل دقيقة حول حياتهم، أحيانا بشكل مبدع أدبيا، وبعض المرضى ركز على كتابة الشعر، غالبا بنغمة أخلاقية أو فلسفية، وبعض المرضى يختبرون عبارات مسجوعة في أذهانهم يشعرون بالحاجة إلى كتابتها، على الرغم من أن الكلام العادي للمريض لم يكن يحتوي الشعر، ولا هو كان يقرأ الشعر، وبعضهم قام بتكرار بعض العبارات والكلمات مرة بعد مرة، بينما بعضهم كان يميل إلى وضع القوائم بأشياء أو أشخاص، وفي أحيان كانت الكتابة مبهمة وغامضة وتحتوي أفكارا عشوائية غير منتظمة وغير مفهومة.. وفي بعض الحالات كانت تلك الكتابات تحتوي اهتماما مفرطا في الموضوعات الدينية.. وقد أظهر الأديب تيودور ديستوفيسكي علامات إصابة بمتلازمة غيشويند..

Hyperreligiosity
2- فرط التدين (6) بعض المصابين يظهرون مشاعر دينية مفرطة وقوية، واهتماما فلسفيا بالأديان والتجارب الروحية بشكل يتداخل مع حياتهم العادية.. ويتضمن فرط التدين معتقدات غير طبيعية وتركيز على الموضوعات الدينية بشكل يسيطر على العمل والعلاقات الإجتماعية، ويميل كثير من المصابين إلى إعلان تجارب وروحية أو دينية أو صوفية، وتفكير تشريعي، وأوهام وضلالات وربما هلوسات دينية.. ويحتمل أن كثير من القادة الدينيين كانوا مصابين بذلك النوع من الصرع..

Atypical sexuality
3- سلوك جنسي غير طبيعي: بعض المصابين بمتلازمة غيشويند يظهرون تغيرا في نمط حياتهم الجنسي، ففي نحو نصف الحالات يظهر انخفاضا في الأداء الجنسي، وفي حالات أقل شيوعا يظهر المريض نشاطا جنسيا مفرطا..

Circumstantiality
4- الظرفية (7) ويقصد بها الإندماج في الحديث والحوارات بشكل مطول.. ويمتاز صاحب الحديث الظرفي بنمط تفكير "غير خطي" أي تكرار الإستطراد والإنتقال من مركز النقاش إلى موضوعات جانبية قبل العودة العودة مرة إلى الموضوع ، مع إضافة ملحوظات جانبية غير ضرورية وليس لها صلة بلب الحوار، مما يؤخر الوصول إلى الهدف النهائي من الكلام.. هنا المتكلم يبدو وكأنه يلتف حول الموضوع ولا يقفز إلى المطلوب بشكل مباشر..
-----------------------------------------------
إيلين وايت (8)
Ellen Gould White
1827-1915
هي مؤلفة أمريكية ساهمت في تأسيس إحدى طوائف "السبتيين"
Seventh-day Adventist Church

وقد وصفها بعض المؤرخين بأنها واحدة من أهم وأبرز الشخصيات في التاريخ الديني، كما اعتبرها مجلة سميثسونيان ضمن أحد أكثر شخصية مؤثرة في التاريخ الأمريكي..

اختبرت وايت نحو 200 رؤية مزعومة عبر حياتها، حيث أخبرت أتباعها عن تلك الرؤى والتي اعتبروها هبات نبوية كما ورد في سفار الرؤيا بالكتاب المقدس المسيحي، كما نشرت محتواها مكتوبة، حيث تم ترجمة أحد كتبها "خطوات نحو المسيح" إلى أكثر من 140 لغة.. .وقد غطت كتاباتها الغزيرة طيف كامل من المواضيع، منها الأديان واللاهوت ونمط الحياة المسيحي والتبشير والنبوءات والعلاقات الإجتماعية والتعليم والتغذية والصحة، وكتبت عبر حياتها أكثر من 5000 مقالة دورية و40 كتاب، بما مجموعه نحو مائة ألف صفحة صارت مرجعا مهما شبه مقدس لأتباع طائفة الكنيسة التي ساهمت في تأسيسها ، وكانت إيلين تروج للنباتية كما كان لها دور في الترويج والتأسيس لعدد من المدارس والمؤسسات الصحية..

ولدت إيلين في أسرة عادية لأب مزارع، وفي عمر التاسعة أصيبت بحجر في وجهها أسقطها أرضا فاقدة الوعي وظلت متوعكة لثلاثة أسابيع كاملة، وأثرت بها الحادثة إلى درجة أنها منعتها من إكمال تعليمها المدرسي.. وكما تحكي فإن تلك الحادثة كانت بداية التحول، حيث جعلتها - على حد تعبيرها- ترى السماء، وتعرف يسوع المسيح.. وفي عمر الثانية عشر تأثرت بالنشاط الديني لأسرتها وحضورها لمحاضرات الواعظ البروتستانتي ويليام ميلر (وهو زعيم حركة مسيحية كانت تتوقع عودة المسيح في 22 أكتوبر 1844)، ونتيجة الوعظ انتابت إيلين حالة من الندم وقضت - كما تحكي- ليالي من البكاء والصلاة لعدة شهور..

وذات صباح في أواخر عام 1844 كانت إيلين مجتمعة للصلاة مع بعض النساء في بيت أحد الأسر، فتحكي "وفي أثناء الصلاة شعرت بقوة الله تهبط فوقي بشكل لم أشعر به من قبل، وتم غمري بداخل رؤية مجد الله، وبدا أنني أصعد أعلى فأعلى من الأرض" وتكمل أنها وجدت ملاكا مصاحبا لها، جعلها ترى رحلة شعب السبتيين إلى الأرض المقدسة، أورشليم الجديدة السماوية، بتشجيع من يسوع المسيح في مجيئة الثاني، وانتهت الرؤية بعودتها- مذهولة ومضطربة - إلى الدنيا..

كانت تلك هي الرؤية الروحانية الأولى، وبعدها توالت الرؤى، والتي شاركتها في البداية مع الأقربين فقط.. حتى ذات يوم جابهت ما اعتقدت أنه "تأكيد لرحلتها الدعوية"، كما تحكي "حينما كنت أصلي فإذا بالظلمة حولي تتشتت، وإذا بنور باهر، ككرة من النار، يتقدم نحوي ويسقط علي سالبا قوتي، وشعرت بأنني في حضور يسوع والملائكة، وسمعت كلاما يتكرر على ذهني "اعلني للآخرين ما أعلنته لكِ"..

وهنا بدأت إيلين في تنظيم اجتماعات تعلن فيها رؤاها لمن حولها، ولاحقا انطلقت في رحلات وأسفار تحكي فيها عن الأنباء العظيمة التي جاءتها.. ولاحقا بدأت في تدوين وطرح تجاربها الروحية في رسائل وكتب منشورة.

تصف إيلين الرؤى، والتي كانت تأتيها في أماكن خاصة أو عامة، على أنها تتضمن نورا باهرا يحيط بها، وتشعر بنفسها في حضور يسوع أو ملاك، والذي يريها أحداث (تاريخية ومستقبلية) وأماكن (على الأرض أو في السماء أو في كواكب أخرى)، وفي بعض الرؤى تلقت تعاليم لأتباع كنيستها.. وأما روايات شهود العيان فتصف الرؤى بعدة ملامح متكررة، منها أنها تتراوح ما بين الربع ساعة إلى الساعتين، وأن إيلين تحدق إلى الأعلى ويظهر عليها شعور بالرضا ولا تغير من تعبير وجهها، وعادة تصيح بكلمة "المجد" ثلاثة مرات، وأحيانا كانت تتعرض لإغماء وتخور قواها، وبعدها كانت تمتلئ بالقوة الشديدة فتقوم من مكانها، وأحيانا تحرك أيديها بقوة لا يقدر على وقفها أشد الناس.. وهناك أوصاف مدهشة حكاها أتباعها منها أنها تتوقف عن التنفس والرمش طيلة فترة الرؤى، ولكنها دوما تشعر بأنها غائبة عن الوعي منفصلة عن محيطها..

وبينما يرى أتباع إيلين أن كتاباتها وحي سماوي، ويؤكدون أنها لم تتلق تعليما كافيا يؤهلها لتكتب في المجالات التي كتبت فيها، إلا أن السيدة قد تعرضت إلى تشكيكات في صدق رؤاها وتجاربها الروحانية، بل اتهمها البعض بأن كتاباتها - خاصة فيما يتعلق بالتغذية والتعليمات الصحية- هو مسروق من خبراء صحة آخرين، وبالتالي ليس وحيا إلهيا.. وقد اعترفت هي في إحدى كتاباتها أنها تقتبس من بعض المؤرخين دون ذكر المصدر.. وقد لاحظ آخرون أن كتابات إيلين وايت الأخروية (حول نهاية الزمان) مرتبطة كثيرا بتعاليم الكنيسة البروتستانتية في زمنها وبيئتها..
-----------------------------------------------

تقول التحليلات (9) أن صدمة الرأس التي أصيبت بها إيلين وايت نتج عنها نوبات صرعية (وهو ما يحدث في 10% من الحالات المشابهة)، وأن تلك النوبات قد تستمر لعدة دقائق أو أطول من ذلك، وقد تتضمن هلوسات سمعية وبصرية تحتوي تلاعبات بالنور والظلام، وقد تتراوح ما بين أشكال بسيطة إلى سيناريوهات محبوكة.. وبما أن عقل المريض هو المسئول عن إنتاج الأوهام والهلاوس، فالمحتوى عادة مرتبط بالمعلومات المخزنة مسبقا، أو يتم منحها معنى بناءا على وعي المريض، وفي حالات كثيرة تكون تلك الهلوسات دينية..

وقد تم تسجيل حالة مراهق في الثالثة عشر مصاب بنوبات صرعية، ألقى نظرة على كتاب اشترته أخته عن عبادة الشيطان، وبعد فترة قصيرة من اطلاعه على الكتاب مر بنوبة هلوسة رأى فيها خاتما من النار ذا ألوان زاهية، مع كائنات شبه آدمية بلا وجوه على حافة الخاتم، وقد رأى تلك الكائنات تقترب منه وتحاول قتله، وقال بأنه شعر بحرارة النيران، ووصفته أمه حينها بأنه كان يصرخ ويتصبب عرقا، وبعدما أفاق ظل مقتنعا أنه يتلبسه شيطان..

وأما بخصوص إيلين وايت، فقد جاءت من خلفية ميثودية، كما كانت منخرطة في حركة ميلر- رؤاها جاءت متوافقة مع تعاليم الميثودية والميلرية.. ترى كيف ستكون رؤاها لو أنها جاءت من خلفية دينية مختلفة؟ وقد لاحظ البعض منذ البدء أن محتوى رؤاها لم تكن سوى أصداء لخطب ومواعظ المبشرين المشاهير في زمانها..

الخوف هو سمة أخرى متكررة في تلك النوبات، فكثيرا ما يشعر المريض بالرعب والهلع والإحساس بحدوث كارثة قريبة، أو يتصور بأنه سوف يصاب بالجنون التام.. في إحدى الحالات انتاب المريض شعورا قويا بأن شخصا ما يقف خلفه.. مريض آخر رأى رجلا وكائنين أصغر منه يقفان أمامه وشعر بالخوف منهما وبأنه مكبل تحت سلطة قاهرة لا يقوى على الإفلات منها.. وبشكل عام فإن النوبات قد ترتبط ببعض المشاعر (وليس بالضرورة كلها) مثل الإحباط والتهيج الجنسي والغضب والميل للعنف وكثرة الشك التخوف من المؤامرة وانعدام روح الدعابة وفرط الكتابة والإحتفاظ بسجلات وأراشيف تفصيلية وفرط التدين والإهتمام بالفلسفة والأخلاقيات والعالم الميتافيزيقي وغيرها..

ومن الواضح أن كثير من تلك الأعراض ينطبق على إيلين وايت، والتي تسببت الضربة - التي تلقتها قرب الأنف- في حدوث نوبات صرعية لها أنشأت لديها تلك الأعراض، دون أن تدرك هي أبعاد ذلك، أو حتى يدركه معاصروها.. مع ملاحظة أن الفص الصدغي يقع في قاعدة المخ بين تجويفي العينين، مما يفسر سبب أن صرع الفص الصدغي هو أمر منتشر إلى حد ما..

من الأعراض الأخرى الشائعة هي شعور وهمي بشم شيئا ما، وهو ما كانت تمر به إيلين وايت والتي كانت كثيرا ما تعلن أنها "تشم رائحة الورود" حتى تحت سريرها، وكانت تعتبر ذلك مقدمة لدخولها في إحدى نوبات الوحي والرؤى حين تبدأ في رؤية الأنوار الباهرة، وهو عرض آخر شائع جدا في النوبات الصرعية..

وبالطبع فإن أهم الأعراض الظاهرة هي فرط الكتابة، وهو ما كانت تمر به إيلين وايت.. ويصف الأطباء حالة امرأة في الرابعة والعشرين من العمر، أصيبت منذ الطفولة بنوبات صرعية، فصارت متدينة بعمق، وتحولت عقائديا على الأقل أربع مرات، وكانت ترى هلوسات لأنوار متذبذبة زرقاء وخضراء، كما كانت تقضي عدة ساعات يوميا تكتب، تحديدا أبيات شعر ذات محتوى أخلاقي أو فلسفي، وقامت بنسخ أغنية حفظتها لمئات المرات، وأسفرت الفحوصات عن تعرضها لإصابة في الفص الصدغي الأيمن..

ويصف نورمان غيشويند بنفسه (العالم التي سميت المتلازمة بإسمه) تلك الأعراض فيقول أن فرط الكتابة في أولئك المرضى مذهل، فيكتبون بانتظام المقالات أو الخطب، وأحدهم كان لديه حقائب ممتلئة بكتاباته، وأخرى قدمت لطبيبها نحو عشرين مجلدا من كتاباتها المنزلية.. كما يحكي عن شخص كان يعيش حياة عادية ولم يكن لديه أي اهتمام فكري، ولكن ما أن أصيب بصرع الفص الصدغي (من جراء إحدى العمليات الجراحية) سيطرت عليه فكرة مفادها أنه مكلف بمهمة أن يكتب شيئا ذو أهمية كبرى.. وهذا يشبه تماما ما كانت تمر به إيلين وايت حيث كانت تستيقظ وسط الليل لتكتب "شهادات مهمة"..

وهذا النداء "اكتب اكتب اكتب" قد يتحول بسهولة إلى "اقتبس اقتبس اقتبس" فتحت الضغط الديني القوي، فإن الكاتب يمكن أن يقنع نفسه أن الله هو من ساعده على إيجاد المحتوى المراد نقله، وأن نقل كتابات الآخرين وتدوينها ونسبها لنفسه هو أمر إلهي وفريضة يجب أن تطاع..

والملاحظ أن الكاتب هنا يشعر بأنه مكلف بإصدار كمية كبيرة من الكتابات، فلا يكون أمامه سوى أن ينقل عن الآخرين، كما تمتلئ كتاباته بتكرار الجمل والعبارات، فهي سمة أخرى للمصابين، وهو ما ينطبق على إيلين تماما، حيث كانت تكرر كلمة (المجد) ثلاث مرات، وهي كلمة كانت تستخدم بكثرة في الإجتماعات الدينية التي تحضرها في سنوات مراهقتها.. وفي كتابات كثيرة كانت تكرر الكلمة ثلاث مرات، كما في مرة كتبت أنها تكلمت مع ملاك سألته "هل يمكن لفلان أن يدخل الملكوت؟" فأجابها الملاك "أبدا أبدا أبدا".. وفي مدونة أخرى مبكرة حكت عن ملاك قال لها كلمات صارت ترن بأذنيها "استعدي استعدي استعدي، لقد كاد الزمان ينتهي، كاد ينتهي، كاد ينتهي، اهتفي اهتفي اهتفي".. وفي أول كتابتها كررت إيلين عبارة "أنا رأيت.." 16 مرة، وفي مرات أخرى كررتها أكثر من ثلاثين مرة.. تلك العبارة صارت لازمة متكررة في أكثر كتابتها حتى أن كثير من صفحاتها تبدأ بها..

سمة أخرى للمرضى هي أنهم دوما يجتهدون في الحصول على الطمأنينة والقبول والمديح من الآخرين، ولا يشعرون بالراحة في أي موقف لا يكونون فيه مركز للأهمية.. ولا تخلو المسألة من مبالغات درامية، فعلى سبيل المثال تصف إيلين وايت بعد إحدى رؤاها عن صراع المسيح والشيطان، فتقول أن الشيطان أراد قتلها لوقف مشروعها ومنعها عما كانت تنوي كتابته، ولكن الله أرسل ملائكته لإنقاذها..

وقد استخدمت وايت سلطتها الروحية النبوية تلك للسيطرة على أتباعها، فحين قامت إحدى مساعداتها في الكتابة، فاني بولتون، بالتشكيك في ما تكتبه، أعلنت وايت عن وحي جديد أتاها قائلا: "احذري ولا تضعي ثقتك في فاني لتحضر لك المقالات أو الكتب، إنها عدوتك، إنها غير مخلصة في واجباتها رغم أنها تزكي نفسها لتقتنع أنها تؤدي عملا مهما".. وقد جاءت تحذيرات مماثلة فيما يخص كل خصومها والأنبياء المنافسين لها، فقالت "لقد تم إخباري أنه سيكون هناك آخرون يزعمون أنهم تعلموا من الله، وسيحاولون قيادة آخرين، وسيقومون بعملهم من خلال أفكار خاطئة عن الواجب الذي لم يقم الله أبدا بتكليفهم به، وستكون النتيجة هي التشويش"، مما أغلق الباب أمام الأنبياء الآخرين من بعدها..

ومن الجدير بالذكر أن الإعلانات ذات الصبغة الدينية والروحانية تقل اليوم عن مثيلتها في الماضي، نظرا لاختلاف السياق الثقافي، ففي الماضي كانت الأفكار الدينية أشد رواجا وأكثر قبولا وأسهل انتشارا، ولهذا نجد الكثير من الزعامات الدينية والروحانية بأكثر من اليوم..

والجدير بالذكر أن أحد الاطباء قد توقع سرا أن رؤى إيلين وايت سوف تتوقف مع بلوغها ما يعرف بسن اليأس- توقف الطمث- والغريب أن هذا ما حدث بالفعل، فقد توقف الوحي عن وايت، تقريبا وباستثناءات قليلة، نحو عام 1870..

شخص آخر معاصر لوايت، د. ويليام سادلر، كتب في 1912 قائلا "ليس من النادر على الأشخاص الداخلين في نوبات نشوة أن يتخيلوا أنفسهم في رحلات إلى عوالم أخرى.. في الحقيقة إن شهادات تجاربهم الرائعة، والتي يكتبونها بعد انتهاء النوبات، تكون مميزة وبديعة إلى درجة وضع الأسس لإنشاء طوائف ومذاهب وأديان جديدة.. إنها دراسة مشوقة في علم النفس أن نلاحظ أن وسائط تلك النوبات دائما يرون رؤى تتماشى مع معتقداتهم الدينية الخاصة.. تقريبا جميع ضحايا تلك النوبات العصبية يبدأون- عاجلا أو آجلا- في تصديق أنهم أنبياء لله ورسل من السماء، ولا شك أن كثير منهم صادقين في معتقدهم.. غير فاهمين للجوانب الفسيولوجية والنفسية لما يحدث لهم، فإنهم ينظرون لتجاربهم العقلية الخاصة على أنها أمور خارقة، بينما أتباعهم يصدقون- بشكل أعمى- أي شيء يقولونه، نظرا للطبيعة الإلهية المفترضة لتلك المزاعم من الوحي"..

-----------------------------------------------
المصادر : 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق