الجمعة، 1 فبراير 2019

محمد وزينب- قراءة مغايرة



هل تم اختراع القصة في إطار صراع خلفاء محمد على الحكم؟

(الموضوع مستلهم من أحد فصول كتاب روبرت سبنسر "هل وُجد محمد؟" والذي يستند بدوره إلى كتاب بروفيسور التاريخ الإسلامي دافيد باورز بعنوان "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم: صناعة النبي الخاتم")

أكثرنا يعرف القصة التي توردها المصادر والتفاسير الإسلامية، فلن أعيدها بتفاصيلها: رسول الإسلام يشتهي زينب، زوجة ابن بالتبني- زيد- وتنتهي المسألة بتطليق زيد لزينب ليتزوجها محمد.

تلك الواقعة الشائكة تثير عادة التساؤلات الأخلاقية والمنطقية مثل: هل يليق بنبي أن يتطلع إلى زوجة ابنه بالتبني؟ وألم يجد الله وسيلة أفضل من ذلك لتحريم التبني؟
ولكن البعض كان له قراءة مختلفة للآيات، حيث يربطها بمسائل أكبر سياسية، تتعلق بخلافة سلطة محمد النبوية بعد وفاته.

لنعيد قراءة القصة من سورة الأحزاب:
(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا- مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا- الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا- مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الأحزاب 37-40.

لنبدأ بالآية الأخيرة ونسأل: ما الداعي لذكر ختام محمد للنبيين في هذا الإطار؟ وما علاقة ختم النبوة بزواجه من زينب؟!

ربما هذه العبارة تعطينا مفتاح فهم القصة كلها، من وجهة نظر مختلفة عن السائد.
ولنفهم السياق العام نتذكر أولا نقطتين هامتين:

الأولى - لو وضعنا محمد جانبا، فالواضح أن القرآن يربط النبوة بعلاقة النسب والقرابة؛ على سبيل المثال يقول (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ- "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ" وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) آل عمران 33-34، وفي موضع آخر يقول (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ- وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ "وَمِن ذُرِّيَّتِهِ" دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ- وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ- "وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ" وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الأنعام 83-87، وغيره من الآيات التي تجعل النبوة محصورة في ذرية خاصة، وكثيرا ما تورث- فالعديد من أبناء الأنبياء هم أنبياء أيضا.

الثانية - من ينظر في التاريخ الإسلامي الأول، فسيجد أن أكبر معضلة واجهت العرب بعد محمد هي مسألة الإستخلاف وشرعية الحكم، فمن أول النزاع الحاد في السقيفة بين المهاجرين والأنصار والذي انتهى بتولية أبو بكر ثم استخلافه لعمر، مرورا بالمنافسة بين علي وعثمان وفوز الأخير، ثم الحرب الضروس بين علي ومعاوية بعد خلاف على من الأحق بالإمارة، ثم خروج الشيعة على الأمويين، وخروج الخوارج على الإثنين معا، والحروب بين الثلاثة، وثورات آل البيت ثم العباسيين على بني أمية – تلك الصراعات التي سالت فيها دماء المسلمين، وتضمنت إبراز نصوص دينية وأحاديث عن محمد تزكي قريش عامة (الأئمة من قريش) ثم أسرة محمد خاصة (من كنت مولاه فعلي مولاه، غدير خم) وغيره، مما منح شرعيات مختلفة للراشدين ثم الأمويين ثم العباسيين، ولكن دائما كان هناك من يرفض تلك الشرعية ويعارضها، ولكل فريق نصوصه وتأويلاته الخاصة.
وهنا تخبرنا المصادر الإسلامية أن النبي محمدا أنجب في حياته ثلاثة أولاد ذكور (القاسم وعبد الله من خديجة، وإبراهيم من مارية القبطية) لكنهم جميعا ماتوا في عمر الطفولة، ورغم زيجاته الكثيرة إلا أنه لم ينجب ذكورا غير هؤلاء.

أما زيد ابن حارثة، بطل قصة زينب، فتخبرنا المصادر أنه ابن محمد بالتبنّي، حيث تبناه في مكة وكان ينسب له حيث يدعى "زيد ابن محمد"، وقيل أن الرسول كان يقف بين الناس قائلا "أشهدكم أن زيدا هذا ابني، يرثني وأرثه"، وكان يقول له "أنت مولاي ومني، وأحب القوم إليّ"، وكان يلقب زيد بين الناس بـ"حِب رسول الله" أي محبوبه- كما كان من أول الذين أسلموا، وحضر جميع الغزوات الرئيسية مع نبي الإسلام –كما أنه الصحابي الوحيد المذكور في القرآن بالإسم.

ينقل دافيد باورز (في الكتاب المذكور) عن واحد من أقدم مفسري القرآن، وهو مقاتل ابن سليمان، حيث قال أنه لو كان لمحمد عند وفاته ابن بالغ، لاعتبر ذلك الإبن نبيا أيضا.
ويرى باورز أن "توريث النبوة" هذا لا ينطبق فقط على الإبن المولود، وإنما ينطبق كذلك على الإبن بالتبني، مثل زيد، وكذلك أسامة (ابن زيد) – فالهالة النبوية التي امتدت من إبراهيم إلى ذريته إلى محمد، كان يمكن أن تمتد إلى زيد وأسامة (هذا المنطق يذكرنا نوعا بما حصل مع الشيعة، حيث جعلوا قدسية لأولاد فاطمة بنت محمد).

وهو بالتالي يرى أن زيدا كان أهم شخصية في المجتمع الإسلامي المبكر بعد محمد، وينقل لنا من المصادر الإسلامية قولا لعائشة مفاده أنه لو كان زيد حيا عند وفاة الرسول لكان استخلفه.

و على ذكر أسامة ابن زيد، نتذكر مشاهد أخرى أوردتها لنا المصادر الإسلامية عنه، حيث كان يلقب بـ"الحِب ابن الحِب"، كما أن أم أسامة (أم أيمن) هي حاضنة محمد، ونقرأ أن عمر ابن الخطاب في خلافته كان يقسم المال على المسلمين فيعطي أسامة نصيبا أكبر من ابنه هو نفسه!، والأهم من ذلك نقرأ أن الرسول وضع أسامة (وهو دون العشرين عمرا) على رأس جيش كبير يتوجه إلى الروم، فجعله قائدا متأمرا على أشخاص مثل أبو بكر الصديق وعمر ابن الخطاب.

هنا يصل باورز إلى الإستنتاج الخاص بقصة زيد وزينب: وهي أنها قصة مفبركة بالكامل صيغت بعد موت محمد، لهدف خاص جدا، هو التأكيد على نفي أبوة محمد لزيد ، وذلك عن طريق الإستعانة بواحد من أكبر المحرمات عند العرب آنذاك: الزواج بزوجة الإبن- فطالما تزوج طليقته فهذا دليل قاطع ينفي أي علاقة بنوة معه.

أو بصياغة أخرى : حين كُتب التاريخ كان جعل محمدا يتزوج زينب هو مجرد وسيلة، أما الغاية فهي تأكيد ما ذكرته الآية بوضوح: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين- فالنبي لا أولاد عنده، وبالتالي لا نبي بعده يستحق وراثة النبوة ومعها الحكم و السلطة والخلافة؛ وذلك هو الغرض الأصلي من القصة كلها: تهميش أهمية زيد وإبراز أن محمدا لم يكن له أولاد يستحقون النبوة من بعده.

هذه القراءة – بالطبع- لن تعجب أتباع الفكر التقليدي، وشخصيا لا أقبلها بحماس ولا أرفضها بالكلية؛ وقد تكون الحقيقة في مكان ما وسط، خاصة والتجربة علمتنا أن القصص الديني عموما قد يكون له أصل واقعي، ولكن صياغة القصة مع ذلك تتم بشكل منحاز مع إضافات ونقائص تخدم أغراض الكتبة ومن ورائهم – ولكن يظل الحال أن هذه القراءة لو صحت (ولو جزئيا) فقد تفتح المجال بشكل أوسع لاحتمالية أن القرآن ليس كلمة محمد وحده، بل إن هذا الكتاب المقدس تعرض لعملية تنقيح وإعادة صياغة على أيدي أتباعه من بعد موته، وبالطبع لم تكن الأهواء السياسية بعيدة عن تلك العملية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق