الأحد، 25 سبتمبر 2016

عن الحُب





خواطر - غير رومانسية- عن الحب،

سأتحدث عن ذلك الكيان السرمدي المعروف بعدة أسماء موحية، كالهوى و العشق و الغرام.. تلك القيمة الإنسانية التي تدفئ حياتنا و تجعلها قابلة للإحتمال.. ذلك الشعور السحري الغامض الذي لا ينجو منه أحد و الذي يستحيل وصفه بكلمات..  ذلك اللغز القديم الذي حيّر معه الأدباء و الشعراء.. المعبود الدائم الذي تدور حوله اليوم الأغاني و الأفلام في كل مكان..  الوغد اللعوب الراقص برشاقة على الخط الفاصل بين الفرح و الحزن، المتعة و الألم، الحياة و الموت، الجنة و الجحيم.

الطبيعي أن تفكير المرء يتطور مع العمر و القراءة و التفاعل و الخبرات ؛ و في خلال السنوات السابقة حدث لي تحول هائل في المفاهيم، بدأ بانقلاب الإيمان من الأديان والآلهة، و انتقل بعد ذلك إلى مراجعة فلسفية شاملة في النظر لكل شيء تقريبا: من أول معنى الحياة و الوجود و العلوم و تقييم الأخلاق وصولا إلى المواقف السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية- و كان من الطبيعي أن يشمل التغيير تبدّل النظرة إلى مفهوم الحب.

حين تنبذ الغيبيات و الروحانيات فأنت غالبا تنبذ معها مفاهيم فكرية مثل الخيالي و المطلق و المثالي و الكامل، و تصير بشكل عام أكثر تركيزا على العلمي و الواقعي و النسبي و الناقص و الموضوعي و الأرضي؛ و هذا هو ما يحدث مع الكثيرين- و في هذا الإطار تعلمت عدة أمور:

1- تعلمت التفكيك؛ البعض حين يرى ظاهرة معينة يهتم بفهمها قبل أي شيء آخر؛ و لأجل الفهم فقد تعلمت أن لا أنظر إلى الأشياء الكبيرة باعتبارها كتلا أحادية ضخمة تحتاج تفسيرا أحاديا ضخما لفهمها، و إنما أنظر إلى الأشياء الكبيرة بصفتها ظاهرة معقدة أنشأتها مجموعة عوامل متعددة متنوعة متباينة، و أحيانا متناقضة، تتجمع معا لتنتج لنا ذلك الشيء الكبير.

ظاهرة "الحياة"- على سبيل المثال- ليست "شيئا سحريا واحدا كبيرا نتعامل معه دفعة واحدة"، و لو نظرنا لها على هذا النحو فيستحيل فهمها، و إنما الحياة هي ظاهرة معقدة ناتجة عن تفاعلات كيميائية و بيولوجية كثيرة تتجمع معا بشكل معين لتشكل ذلك النشاط المسمى حياة؛ و يستحيل تفسير الحياة إلا بتفسير مكوناتها، بنفس الشكل الذي يستحيل معه فهم نوعية طعام معيّن بدون فهم مكوناته: مقاديره و كيفية خلطها معا..إلخ -  بل إن ماهية "التفسير" هنا لا تعني أكثر من عملية تفكيك الظاهرة إلى عناصر مادية دنيوية و فهم كل عنصر من عناصرها على حدة، مع ربطهم ببعضهم بطبيعة الحال؛ أما الإستعانة بالكلمات السحرية الكبيرة غير الدنيوية (مثل "الروح") فهي ضمانة أكيدة أننا لن نفهم الحياة أبدا.

بالمثل، أعتقد أن الحب ليس شيئا واحدا كبيرا روحانيا غامضا، و لو نظرنا له على هذا النحو فيستحيل أن نفهمه، و إنما هو مجموعة أشياء دنيوية عديدة تتجمع معا لتصنع ذلك الشعور السحري و تلك الرابطة التي تبدو كبيرة موحدة و أحيانا خالدة تسمو فوق الزمان و المكان و المادة، مثل الروح تماما.

بل الحب عبارة عن خلطة؛ وصفة من عدة أمور مختلفة : إعجاب، انبهار، انجذاب، تعاطف، تقارب، تفاهم، ألفة، طول عشرة، ثقة، احترام، احتياج..إلخ، - هذه عوامل توجد بين الناس بشكل متفرق، و حين يتجمع منها ما يكفي يمكن اعتباره حبا.

و بالطبع الجنس هو أحد العوامل؛ من الحماقة تجاهله، و من الحماقة فصل الجنس عن الحب تماما، و لو كان الحب مسألة أفلاطونية محضة تقوم على التوافق العقلي و النفسي لرأينا كل يوم شابا يحب امرأة تكبره بسبعين عاما مثلا!، أو حتى لرأينا شابا يحب شابا مثله!- لكن ما نراه أن الإنسان عادة يحب شخصا مناسبا له في العمر و مغايرا له في الجنس (إلا لو كان ذو توجه مثلي بطبيعة الحال)؛ بل نحن نرى الحب يتأثر بالشكل الخارجي كثيرا، فوقوعك في حب فتاة جميلة رقيقة هو أكثر احتمالا من وقوعك في حب امرأة قبيحة أو خشنة..إلخ -  و كالعادة هناك استثناءات تؤكد أن الشكل الخارجي ليس هو العامل الوحيد؛ و بالتالي نعم هناك جنس بدون حب، و هناك حب بدون جنس، و لكن هذا لا ينفي أن الجنس في الأغلب الأعم هو عنصر مهم جدا من عناصر الحب.

لو صحت تلك النظرة "التفكيكية" أن الحب مكون من عوامل عديدة، فسيعني ذلك أن هناك حب أكثر اكتمالا من حب، و سيعني أن هناك نصف حب و ثلاثة أرباع حب، كما سيعني أن الحب يمكن أن يولد و يكبر تدريجيا، و يمكن أن يشيخ و يموت أيضا، و هو ما نعاينه في حياتنا بالفعل.

2- تعلمت الواقعية ؛ في عمر الطفولة و أوائل المراهقة كنت أتصور أن لكل حبيب نصفه الآخر، مختبئ في مكان ما، ننتظر أن نجده؛ و سرعان ما أدركت حماقة تلك الفكرة الساحرة!

بشكل عام: يبدو أن المطلق و الكامل و المثالي هي مفاهيم وهمية بامتياز؛ و رغم ما يمنحنا الإيمان بتلك المفاهيم من مشاعر الشغف و التسامي، إلا أنه إيمان قد لا يخلو من شر، حين يجعلنا محبوسين في فهم قاصر للواقع و بالتالي رفض دائم له انتظارا للخيال المثالي الذي لا يأتي أبدا.

على الجانب الآخر، فنبذ المطلق و الكامل و المثالي هي الوسيلة الأمثل لفهم الواقع كما هو- لا كما نتخيله أو كما نريده في أحلامنا- و هذا النبذ هو بالتالي الوسيلة الأمثل لتقبل ذلك الواقع و التعامل معه، كما هو.

كل شخص ناضج لديه تجربة يعلم أن الحب مهما كان جميلا فهو ليس شيئا ملائكيا مثاليا خالدا متساميا عن كل شيء مهما شعرنا -  في لحظات معينة- أنه كذلك، بل هو شعور بشري نسبي متغير و قابل للشرخ و الكسر، كما يحتاج إلى رعاية و جهد للحفاظ عليه و حمايته ، و لا يمكن أن يخلو من العيوب و المنغصات إلا لمن يخدع نفسه بذلك، و عادة لا تدوم الخدعة طويلا.

3- تعلمت الإنسانية ؛ و أقصد بها تقديم الأفراد على المبادئ و القيم، التي أرى أنه ينبغي أن تستمد قيمتها من إسعادها للناس، و إلا فهي مجرد شعارات فارغة لا تساوي شيئا.

الحب يتضمن مكاسب حياتية و معنوية ينبغي أن يتوقعها المحبان و هذا من حقهما؛ و لا معنى لحب يتعس أصحابه ؛ و حتى ما يتضمنه الحب من جهد و ما يبدو أنه تضحية أحيانا، فالمنطق في نظري يحتم بأن تكون النتيجة المنتظرة من تلك الجهود ستحقق سعادة للطرفين بقدر مقبول؛ فالحب ليس صنما ينبغي أن نضحي له بالقرابين، و الحب ليس أهم من المحبين و إنما هو شعور كامن في قلبيهما لا وجود له خارجهما - و لا خير في حب لا يحقق السعادة.

4- تعلمت المادية ؛ ما سبق هو محاولات عامة لفهم الحب و التعامل معه؛ و لكن لا يجب تناسي أن جميع المشاعر الإنسانية منبعها هو نشاط المخ و الهرمونات؛ و في حالتنا فأحد أهم الهرمونات المسئولة عن مشاعر الحب هو الأوكسيتوسين: تلك المادة تسبب تدفق المشاعر، و تزيد من ثقتنا بالآخرين و تمييزنا لوجوههم، كما تساعد على العطاء و الألفة و سائر المشاعر المرتبطة بالحب.

ذلك الحب له فوائد تطورية هامة: فهو يعزز روابط المجتمع و يضمن بقاء النسل (و لهذا هو حتما مرتبط بالجنس).

و ختاما لتلك النقطة و للمقال، فقد تعلمت أنه لا يجب الإنتقاص من القيم الإنسانية، مهما فككناها و فسرناها و ربطناها بالواقع و أرجعناها إلى المادة.

هناك مغالطة نقع فيها جميعا على اختلاف معتقداتنا، و لعلها نابعة من سمة غريزية ساهمت الموروثات في ترسيخها؛ تلك المغالطة تربط القيمة بانتفاء الفهم؛ فنتخيل أن أعظم الأشياء هي الأشياء الغامضة التي تستعصي على الفهم و التفسير؛ ذلك الغموض يعطيها إيحاءا مزيفا بالتسامي- و هنا يصبح تفسير الشيء أو تفكيكه بمثابة قتل له!

أذكر حوارا للفيزيائي ريتشارد فاينمان، يحكي عن صديق قال له أن العلماء أمثالكم لا يقدرون الجمال، لأنهم حين ينظرون إلى زهرة جميلة فكل ما يفكرون فيه هو مادة تلك الزهرة و تكوينها، و من ثم يفوتهم تذوق الجمال الفني و الشعري الكامن فيها ؛ و كان رد فاينمان أنه قادر تماما على رؤية كل ما يراه صديقه في جمال الزهرة و تذوقه مثل الآخرين تماما، و لكنه- كعالم- قادر على رؤية جمال إضافي لا يراه صاحبه، و ذلك حين يتأمل في تكوين الزهرة و عمل أعضائها و قدرتها على الحياة و النمو و التناسل..إلخ -  و الخلاصة أن الفهم و التفسير يضيفان إلى جمال الأشياء و لا ينقصان منها، أو هكذا ينبغي في ظني.

و هنا أختلف مع الكثيرين: كون الحب نابع من تفاعلات كيميائية لا يجعله أقل روعة؛ خاصة حين نتذكر أن الحب ليس هو تلك المواد، و إنما هو نشاط ناتج عنها، كما أن التفكير هو نشاط ناتج عن كيمياء المخ أيضا، و هذا لا ينقص من قيمته و أهميته ؛ كذلك كون الحب عبارة عن عناصر عديدة لا يقلل من قيمته، و كذلك الحال مع كونه أمرا بشريا ناقصا نسبيا مركبا- فهذا كله لا يجعله أقل روعة بل ربما يزيده بشكل من الأشكال.

أما من يرى أن الحب وهم أو خدعة فقد اختار أن يتخلى عن جزء ثمين جدا من إنسانيته؛ و من يرى أن الشيء يجب أن يكون كاملا خالدا مثاليا حتى يكون له قيمة، فهو مازال بداخله متعلقا بخرافات بالية، تجاوزها بعقله و مازال عاجزا عن تجاوزها بقلبه؛ فالنضج يحتم علينا أن نتقبل الواقع و ندرك جماله كما هو بنسبيته و محدوديته و تغيره و قصوره، و نستمتع به قبل زواله.

الحب- مثل سائر القيم الإنسانية- لا تنفصل قيمته عن البشر؛ و مهما يكن الحال يظل الحب قيمة عظيمة و غالية، لأننا نحن- البشر- من قررنا أنه كذلك.

السبت، 24 سبتمبر 2016

سخافة الحجج ضد النباتية




النباتية هي الإمتناع عن تناول اللحوم (البقر و الدجاج و الأسماك..إلخ).

و تنقسم إلى عدة أنواع فرعية أهمها Vegetarianism و هو نظام يسمح بأكل المنتجات الحيوانية دون اللحم (كالبيض و الألبان و العسل)، و veganism و هو نظام يتجنب المنتجات الحيوانية كلها و يكتفي بالمنتجات النباتية فقط.

الناس تختار النظام النباتي لأسباب عديدة، منها أسباب صحية أو أخلاقية.

ليس الهدف هنا هو الترويج للنباتية، و إنما توضيح بعض الأمور بشأنها حسب معرفتي، و الرد على بعض الحجج ضدها، و التي أرى أكثرها سخيفا جدا.
------------------------------------------

- من الناحية الصحية
هناك الكثير جدا من الدراسات حول المقارنة بين الأنظمة الغذائية المختلفة، و ما استخلصته منها أن النباتية نظام جيد من الناحية الصحية : بشكل عام النباتيون لديهم معدلات وفاة أقل من اللاحمين، و إصابتهم أقل بكثير في نسب أمراض القلب و السكري و السرطان و غيره.

علما بأن الشخص اللاحم المنظم الذي يقلل من تناول اللحوم خاصة الحمراء (اللحوم البيضاء و الأسماك أفضل) مع الإكثار من تناول الخضروات و الحبوب و البقوليات فهذا أيضا يعتبر نظاما جيدا من الناحية الصحية.

على الجانب الآخر النباتي غير المنظم ستنقصه بعض العناصر الغذائية: أهمها البروتين و الكالسيوم و فيتامين بي (خاصة بي 12 و أوميغا 3)

النباتي لديه أفضلية تتمثل في أنه حين يقلل من اللحوم سينوع طعامه أكثر ما بين الخضروات و الحبوب و البقوليات و بالتالي سيحصل على تغذية أفضل من الشخص الذي تكون وجبته هامبرغر و بيتزا فقط ، و لكن النباتي في نفس الوقت سيحتاج إلى وعي و قراءة حتى يدرك العناصر التي قد تنقصه و يتداركها، و هو أمر ممكن جدا.
------------------------------------------

- من الناحية الأخلاقية
لا يمكن فصل تعريف الخير و الشر الأخلاقيين عن تعريف النفع و الضرر أو اللذة و الألم.. و يصعب المجادلة في أن قتل كائن، يحس و يتألم، ثم التهام لحمه، هو عملية قاسية بل ربما همجية.


و يزداد الأمر وضوحا لو كان ذلك الفعل هو لمجرد التلذذ بطعم اللحم و غير حتمي لبقائنا- و وجود النباتيون أحياء بيننا لهو أبسط و أوضح دليل على أنه يمكن للإنسان البقاء بدون التهام لحم كائن آخر.
الشخص العادي – اللاحم- يعترف بذلك ضمنا حين يرفض أن يأكل لحم بعض الحيوانات    القطط و الكلاب مثلا، بل غالبا سيشعر بالشفقة عليها لو تم ذبحها   و سيتقزز من المنظر ، مما يعني أن قتل و أكل البقر و الخراف و الدجاج و الأسماك..إلخ- هو أمر نتقبله فقط لأننا اعتدنا عليه، و هذا لا يجعل الأمر مقبولا من الناحية الأخلاقية.
------------------------
-- و لكن أكل اللحم هو جزء من نظام الطبيعة: الإفتراس!، أليس كذلك؟

نعم هذا صحيح، الإفتراس موجود في الغابة و فعله أجدادنا، و كذلك القتل و السرقة و الإعتداء و الإغتصاب..إلخ.

و السؤال هو: هل وجود الشيء في الطبيعة يجعله مقبولا لنا اليوم؟

لو فرقنا- اصطلاحا- بين أفعال البشر و بين الطبيعة ، فسنجد أن كل التقدم الأخلاقي و المعرفي الذي أنجزته البشرية هو مضاد للطبيعة: العدل و المساواة هي أمور لا وجود لها في الطبيعة، و كذلك نظام الدول و الديمقراطية و حقوق الإنسان..إلخ، كلها أمور إنسانية مفتعلة لم يكن يعرفها أجدادنا- البدائيون الجهلة - فضلا عن أن يمارسوها.


و من يجد في نفسه إخلاصا مبالغا فيه للطبيعة – أمنا العزيزة الصماء القاسية- فعليه أن يترك كل تلك المدنية "غير الطبيعية" و يذهب ليحيا في مغارة أو كهف في غابة، يصطاد و يتقاتل على الطعام و الجنس مع إخوانه من الكائنات "الطبيعية" الأخرى التي تفتقد إلى العقل و إلى الإرتقاء المجتمعي الذي حققه البشر بعد طول عناء.

باختصار: الطبيعة تمثل فقط "ما جئنا فوجدناه" على هذا الكوكب، و لكنها لا تمثل ما "يجب أن يكون" و لا تأمرنا بشيء كأنها صنم معبود.. حين خرجنا من الكهف و اكتشفنا الزراعة ثم الكتابة صرنا أكثر ذكاءا و رحمة و عدلا و إنسانية من الطبيعة.. و كما تقدمنا فمنحنا أنفسنا حقوقا إنسانية (غير طبيعية) فمع مزيد من التقدم نمنح الحيوانات حقوقا حيوانية (غير طبيعية أيضا).
------------------------
-- و لكن النباتات أيضا تتألم، فعلى النباتيون إذن أن يتوقفوا عن أكلها، و إلا فهم منافقون يكيلون بمكيالين!

هنا الحجة تشبه الموقف الإفتراضي التالي : يأتيك شخص آكل للحوم البشر، تعترض على ما يقوم به فيتهمك بالنفاق: أنت يا عزيزي تلتهم الدجاج و هو يتألم أيضا مثل البشر، و بالتالي لا يحق لك الإعتراض على أكلي للبشر!

(و بالمناسبة أكل البشر للبشر هو أمر كان يمارسه أجدادنا أيضا، و بالتالي يعتبر أمرا "طبيعيا" بامتياز أي أنه يتماشى مع حجة الطبيعيين، فلعلهم يطالبون بالسماح به من هذا المنطلق!).

صاحبنا في المثال يصور المسألة و كأن أكل البشر يساوي أكل الدجاج، لمجرد أن هذا يتألم و ذاك يتألم ، و بالمثل صاحب حجة "النباتات تتألم" يصور المسألة و كأن أكل البقرة يساوي أكل التفاحة، لمجرد أنه يعتقد أن هذا يتألم و ذاك يتألم.

أين الخطأ في تلك الحجة؟ الخطأ هو مساواة غير المتساوين : الكائنات لا تتساوى فيما بينها، و إنما تتباين في عقلها و مشاعرها و تألمها الجسدي و النفسي، و بالتالي في حقوقها و أسلوب التعامل معها.

و لهذا فلا أحد يقول أن قتل البشر يساوي- أخلاقيا- قتل سمكة، و لهذا حين يطالب أحدهم باحترام حقوق الحيوانات فهو لا يطالب بحقهم في التصويت في الإنتخابات مثلا!، و إنما بالأساس في حقهم في عدم التألم أو الأيذاء- ذلك لأن الحقوق تتغير بتغير حجم شعور الكائن و امكانياته العقلية : حتى حقوق الطفل تختلف عن حقوق الراشد.

أما الدراسات إياها في الروابط التي يتم تداولها فهي لا تثبت أن النبات يتألم ، حتى و إن قيل ذلك في عنوان الخبر على سبيل الإثارة الصحافية ، و إنما هي تقول أنه يصدر ردات فعل كيميائية تجاه ما يتعرض له من عدوان خارجي، و هذا لا يثبت وجود الألم، و القول بذلك يشبه القول أن الحجر حين أكسره يصدر صوتا و هذا معناه أنه يصرخ ألما!

شعور الألم- كالذي نشعر به- هو مسألة معقدة مرتبطة بالجهاز العصبي و قشرة المخ، و الذي لا يمتلكه النبات، حتى أن هناك جدل علمي حول ما إذا كان السمك يتألم أم لا، بسبب أن قشرة المخ عنده بدائية (الأرجح أنه يتألم بشكل ما، و لكن أقول أن وجود الخلاف نفسه يبعد شعور الألم عما هو أدنى من الأسماك بيولوجيا، كالنباتات).

بالتالي حتى لو افترضنا أن للنبات نوعا ما من الشعور (و هذا وارد) فلا يوجد أي سبب لنقارنه بالمشاعر التي نعرفها أو يعرفها كل من لديه جهاز عصبي و مخ متطور.

و بعيدا عن التعقيد العلمي: هل لديك القدرة على أن تمسك سكينا و تقطع ساق قطة مثلا، كما أن لديك القدرة على قطع فرع شجرة أو قضم حبة طمامم؟ هل لديك القدرة على أن تقول أن الوضعين متساويان؟ لا أظن.

الحقيقة أن تلك الحجة أسوأ من حجة آكل لحوم البشر المذكورة في الأعلى، و ذلك لكون المسافة البيولوجية بين الدجاج و البشر هي أقل من المسافة بين النبات و الحيوانات التي نأكلها، و بالتالي فالمقارنة الثانية أبعد.

ثم لنقفز و نسأل سؤالا آخر: حتى لو افترضنا جدلا أن النبات يتألم كالحيوان، فيصبح السؤال: من الذي يتسبب في قتل نباتات أكثر: النباتي أم اللاحم؟

الجواب هو الثاني!، لأن الحيوانات التي يتم استيلادها و تربيتها خصيصا لتصنيع اللحوم تلتهم كميات هائلة من النباتات، و بالتالي حين تلتهم أنت ستيك بقري فإن ذلك اللحم سيتضمن 1- قتل حيوانا واحدا، و 2- قتل كميات من النباتات أكثر مما يأكله الشخص النباتي.

و هذا يمثل ردا على حجة أخرى ضد النباتية: و هي حجة أن عدم أكل الحيوانات سيخل بالتوازن البيئي.. فقائل هذا الكلام فاته أن الحيوانات التي نأكلها يتم تربيتها خصيصا لتوريد اللحوم - فهي كثيرة لأننا نأكلها، و لسنا نأكلها لأنها كثيرة!

و بالمناسبة، النباتات بالفعل كائنات لها نوع من الحياة و ربما نوع من الشعور الغامض بالنسبة لنا، و بالتالي يجب احترامها و تجنب أذاها قدر الإمكان (بالإضافة لفوائدها البيئية)، و لكن إن لم نتمكن كبشر من الإستغناء عن الطعام النباتي لحياتنا، فيمكننا على الأقل التخلي عن الطعام الحيواني- و هذا يعتبر تقدما جزئيا مهما لصالح الحيوان و لصالح النباتات أيضا.

و حين يأتي اليوم الذي يتمكن البشر من إيجاد بديل عن التهام أي كائن حي ، كما توجد اليوم بدائل عن أكل اللحوم، فحينها ربما يصبح أكل النباتات أمرا خاطئا.
------------------------

في الماضي كانت نسبة كبيرة من البشر يمتلكون العبيد، و لا يمكن افتراض أن جميع أولئك "الأسياد" كانوا بالضرورة أشرار منعدمو القلوب لأنهم قبلوا بذلك النظام- الذي نعتبره اليوم ظالما و همجيا- بل على الأرجح أنهم لم يستنكروه لأنه كان سائدا\عاديا\طبيعيا و لم يروا له بديلا واضح، و كذلك أكثر الناس تحكم على الشيء حسب العادة و الموروث    .

و اعتقادي أن أحفادنا لن يأكلوا اللحم بل ستكون البدائل الأخرى أكثر انتشارا، و اعتقادي أنهم سينظرون إلينا كما ننظر نحن اليوم إلى ملاك و تجار العبيد في الماضي، فالأكيد أنه كلما تقدمت البشرية أخلاقيا كلما اتسعت مظلة الرحمة و الحقوق، لتشمل البشر الآخرين ثم الكائنات الأخرى.

الخميس، 14 أبريل 2016

فطرة أم غسيل مخ؟




 

يؤسسون عقائدئهم منظمة قوية مهيمنة ، بمعابد و مدارس و جامعات و كتب لا حصر لها و كهنوت و فقهاء..

 تصبح تلك العقائد أديانا رسمية لإمبراطوريات أخطبوطية حكمت العالم و سعت في استئصال و تحجيم الفكر المخالف بشكل منهجي طوال قرون..

يترسخ فكرهم الديني في وجدان و ثقافات شعوب العالم و إلى اليوم، يستمر في الترويج لنفسه عن طريق آلة إعلامية ضخمة ملحة، يحشر نفسه في هيئات التعليم و المجتمع، يتم زرعه في عقول و قلوب الأطفال و الكبار ، مع ممارسة الرقابة الصارمة تجاه أي فكر مخالف..

بعد هذا كله، يأتي أحدهم و براءة الأطفال في عينيه قائلا لك :  "و لكن، ألا ترى معي أن الناس يميلون بتكوينهم الفطري النقي إلى عقيدتنا، فهي تريحهم و تناسبهم، بحيث يمكن القول أنه يوجد بداخل كل إنسان بوصلة تقود عقله و مشاعره بشكل أوتوماتيكي و دون تأثير إلى فكرنا نحن بالذات؟!"

هل أنت جاد؟!

بل لا أرى معك ذلك.. و لو أدركت أنت الفارق بين "الفطرة" و بين "غسيل الدماغ" لأدركت أن إيمانك ينتمي إلى المجال الثاني بامتياز؛  و لعلمت أن دينك و عقيدتك و إلهك الواحد ليست بديهيات فكرية أو نوازع غريزية فطرية كونية نولد بها جميعا كما تتوهم ، و إنما هي أفكار بشرية مصطنعة و مركبة تم زرعها في عقلك منذ الطفولة و عايشتها طويلا فيمن حولك، بل ربما لم تر غيرها، حتى اختلطت عليك الأمور و صرت تؤمن أن تلك الأفكار هي جزء من قوانين الطبيعة و تكوين الإنسان.

العقل البشري يبدو أن لديه مشكلة أساسية في فهم المعتقدات ، و هي أنه غالبا يعمل بشكل معكوس، فيؤمن أولا بالشيء (لأسباب عاطفية أو اجتماعية أو موروثة) ثم "بعد ذلك" يبحث عن الأسباب التي تدعم إيمانه هذا.. و لذلك تجد أن كل صاحب دين مقتنع أن دينه منطقي تماما بل بديهي بل فطري كما أن الأدلة التي تدعمه في منتهى القوة، ثم تجد هذا الشخص في نفس الوقت رافضا للأديان الأخرى و "أدلتها"-  التي بدورها تبدو مقنعة تماما لأصحابها!...  ذلك لأن المؤمن غالبا لم يؤمن بدينه لأن الأدلة مقنعة، و إنما هو صار يرى الأدلة مقنعة لأنه آمن بدينه.

و لكن منذ متى يعترف مغسول الدماغ أنه كذلك؟

و لو أنك صادفت إنسانا لم يتعرض إلى نفس غسيل الدماغ ، أو تعرض إلى نوع مختلف من غسيل الدماغ ، فستكتشف أنه لا شيء من فكرك هذا بديهة عقلية أو فطرة مشاعرية ، و ستدرك أن المسألة أقرب إلى حالة شخص تعرض منذ الطفولة إلى إدمان المخدرات، حتى صار يعتبرها من قوانين الحياة الرئيسية التي لا غنى لها، بينما سيندهش تماما حين يرى الشخص الآخر، الطبيعي، الذي لم يدمن المخدرات أبدا، فصارت بالنسبة له شيئا هامشيا لا أهمية له، بل هو شيء أقرب إلى الضرر منه إلى النفع.

السبت، 9 أبريل 2016

"المسيحية ليست دينا"...... حقا؟!





أكثر من تحاورت معهم من الأحباء المسيحيين يصرون على ترديد تلك العبارة بحماس في كل مناسبة، أو حتى بدون مناسبة : أن المسيحية لا تعتبر دينا و إنما هي علاقة شخصية مع الله.

هنا نتفحص مدى دقة تلك العبارة، فنسأل ما هو الدين و هل ينطبق تعريفه على المسيحية، و هل تم ذكر كلمة "دين" في الكتاب المقدس، و هل قال يسوع أنه جاء بدين جديد، و ما سبب تركيز المسيحيين و إصرارهم أن ما يعتنقونه ليس دينا.

---------------------------------------------
1-  ما هو الدين؟

بعيدا عن الأصل اللغوي لكلمة "دين" (الذي يعني باللاتينية "الصلة" و "الرابط" و "الإلتزام") فللدين اصطلاحا عدة تعريفات و توصيفات أكاديمية متنوعة موجودة ، سنمر ببعضها -  لنرى إن كانت تشمل المسيحية أم لا.

 الدين religion هو:
- الإيمان بإله أو بمجموعة آلهة.

- نظام  من المعتقدات و الطقوس و الشعائر و القواعد المخصصة لعبادة إله أو مجموعة آلهة.

- اهتمام أو إيمان أو نشاط مهم لفرد أو جماعة.

- خدمة أو عبادة إله أو قوى خارقة للطبيعة.

- حالة فردية أو نظام مؤسسي يتضمن سلوكيات و معتقدات و ممارسات دينية.

- قضية أو مبدأ أو نظام عقائدي يتم التمسك به بعاطفة و إيمان.

----------
- الدين هو الإيمان بقوة خارقة مهيمنة و عبادتها ، خاصة إله شخصي أو آلهة.

- نظام معين من الإيمان و العبادة.

- سعي أو اهتمام يتم اتّباعه بتكريس كبير.

----------
الدين هو علاقة البشر بما يعتبر مقدسا، مطلقا، روحانيا، أو جديرا بتوقير خاص.
----------

نجد أن الدين هو مجموعة من المعتقدات، الأطر الثقافية، و وجهات النظر العالمية، و التي تربط الإنسانية بنظام وجودي ؛ و تحتوي العديد من الأديان على قصص و رموز و تاريخ مقدس يهدف لشرح معنى الحياة و أصل الكون ؛ و من تلك المعتقدات حول الوجود و الطبيعة الإنسانية يستمد البشر أخلاقياتهم و شرائعهم الدينية ؛ كما نجد أن كثيرا من الأديان تتضمن سلوكيات منظمة، كهنوت، تعريف يحدد الأفراد المنضمين لها، أماكن مقدسة، نصوص مقدسة ؛ و ممارسة الدين قد يتضمن طقوسا و شعائر تقديس (لإله أو مجموعة آلهة) و قرابين و أعياد و ولائم و مراسم و تأملات و صلوات و موسيقى و فنون و رقص و خدمة اجتماعية بالإضافة إلى سائر عناصر الثقافة الإنسانية.

ثم تسرد ويكيبيديا عدة تعريفات لأكاديميين و فلاسفة، يحاولون تصنيف الدين بعدة أشكال لا تبتعد عما ذكرناه.
 
----------
فهل تلك التعريفات السابقة للدين تنطبق على المسيحية؟

الجواب القطعي بنعم؛ فالمسيحية تتضمن كل عنصر تقريبا من عناصر الأديان، بداية من الإيمان بإله و عقيدة و اتباع لنصوص كتابية مقدسة، مرورا باحتوائها على معابد و أماكن مقدسة و كهنوت منظم ، وصولا إلى ممارستها لطقوس و شعائر و مراسم و أعياد..إلخ، فهي ليست دينا فقط و إنما دين نموذجي يوافق كل تعريف ممكن للدين.

و كون المسيحية تحتوي على علاقة شخصية مع الله فهذا لا يغير من الأمر شيئا، إذ أن جميع الأديان تقريبا تتضمن علاقة شخصية مع الله- هذا لا ينفي كونها دينا بل يؤكده، ثم أن المسيحية تحتوي على عناصر دينية أخرى جوار ذلك كما ذكرنا.

و لهذا ليس من الغريب أن أي مصدر أكاديمي أو علماني حين يقوم بتعريف الدين فإنه يذكر المسيحية كمثال ضمن تلك الأديان ، و حين يقوم بتعريف المسيحية فأول صفة يذكرها عنها أنها دين - هذا ينطبق على ويكيبيديا أو غيرها، فعلى ما يبدو أن الوحيدين الذين لا يرون المسيحين دينا هم المسيحيون التقليديون حسبما تم تلقينهم.

---------------------------------------------
2- هل يوجد أي نص من الكتاب المقدس، على لسان يسوع أو غيره، ينفي بوضوح أن المسيحية دين؟

لا ؛  إخراج المسيحية من دائرة الأديان هي مجرد فكرة أخرى اخترعها المسيحيون دون أن يكون لها أصل في كتابهم.

---------------------------------------------
3- لكن الكتاب المقدس- يقولون - لا يحتوي على كلمة "دين".

خطأ.

في العهد الجديد نقرأ من رسالة يعقوب، الأصحاح الأول، 26 و 27 (إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ، فَدِيَانَةُ هَذَا بَاطِلَةٌ. اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللَّهِ الآبِ هِيَ هَذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ).

هنا نجد الكلام عن الديانة الباطلة و الديانة الحقة؛ و الكلمة اليونانية المستخدمة في النص "ثريسكيا" تعني ديانة أو دين religion ، و هكذا تضعها الترجمات المختلفة للكتاب المقدس ؛  وفي موضع آخر استخدمت نفس الكلمة اليونانية أيضا بمعنى "ممارسة العبادة" (رسالة كولوسي 2:18).

و في مواضع أخرى نجد إطلاق لقب "مسيحيين" على أتباع يسوع، مما يؤكد أننا نتحدث عن جماعة إيمانية أخرى.

(وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً) أعمال الرسل 11:26.

(فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً») أعمال الرسل 26:28.

(فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِلٍ، أَوْ سَارِقٍ، أَوْ فَاعِلِ شَرٍّ، أَوْ مُتَدَاخِلٍ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) بطرس الأولى 4:16.

---------------------------------------------
4- و لكن المسيح لم يقل أبدا أنه جاء بدين جديد.

صحيح، فعلا يسوع لم يقل أبدا أنه جاء بدين جديد؛ و ذلك لسبب بسيط جدا : أنه ولد و عاش و مات يهوديا!

المسيح من أصل يهودي (متى 1:1،17 ، و لوقا 3:23،38) والداه يهوديان متبعان للشريعة (لوقا 2:39 و لوقا 1:6) و تم ولادته في ظل الشريعة اليهودية (رسالة غلاطية 4:4) و تم ختانه (لوقا 2:21) و تم تقديم ذبيحة للرب (لوقا 2:24)، و كان يذهب إلى الهيكل منذ طفولته (لوقا 2: 42-46) و حين كبر كان مداوما على حضور المجمعات اليهودية يوم السبت (لوقا 4:16) و كان يقوم بالتدريس في هيكل أورشليم (لوقا 21:37) ؛ و في مواضع مختلفة نجده محافظا على تتبع جميع الأعياد و الطقوس اليهودية، كما سنجده مؤمنا بجميع القصص و التعاليم التي وردت في العهد القديم ؛ و في موعظة الجبل خاطب الناس قائلا أنه لم يأت لينقض الشريعة بل ليكملها (متى5:17) و أكد أن تلك الشريعة لن تزول أبدا (متى 5:18)، كما قرن الخلاص الأخروي بالإلتزام بتلك الشريعة و حذر الجميع من مخالفة أي وصية فيها (متى 5:19).

بعد هذا من الطبيعي أن لا يقول المسيح أنه يؤسس دينا جديدا، و على الجانب الآخر فهو لا ينفي أنه يتبع دينا – ذلك لأنه بالفعل بداخل دين قديم هو اليهودية.

و لكن لأن الأديان دائما لا تقوم على أفكار المؤسس وحده ، فقد تطورت المسيحية كمذهب يهودي تبلور و صار مع الوقت دينا مستقلا عن اليهودية ؛ و حسب الكتاب المقدس فهذا الإنفصال حدث عبر القرن الأول الذي شهد ولادة الدين الجديد.

---------------------------------------------
5 – و لكن لماذا كثير من المسيحيين حريصون للغاية على تأكيد أن المسيحية ليست دينا؟

لعل المسألة تتعلق بما يسمى "التوسل بالخصوصية" Special pleading ، و هي مغالطة منطقية تتضمن محاولة إظهار الشيء على أنه "ليس كالآخرين" بل هو استثناء من القاعدة و بالتالي يستحق معاملة خاصة.

مثال:
 - شخص يعترف أن الدكتاتورية أمر خاطئ و سيء.
- و لكن هذا الشخص يحب هتلر و  لا يريد إدانته.
- بالتالي لا يجد صاحبنا إلا أن يجادل بأن هتلر ليس كأي دكتاتور، بل لديه وضع خاص مختلف عن أي دكتاتور آخر.

و هذا ما يفعله البعض مع المسيحية، يسعون لمنحها أفضلية خاصة على بقية الأديان الأخرى بهدف إنقاذها من معايب تلك الأديان و إظهار أن دينهم متميز عنها.

قداسة = إرهاب





"فكرتي مقدسة" يعني:
1- أنها غير قابلة للخطأ، مهما قالت الأدلة.

2- أنه لا يجوز مناقشتها بشكل نقدي.

3- أن من يشكك فيها هو مخدوع ضال أو شرير معادي للحق، و بالتالي يجوز قتله أو اضطهاده أو تكميم صوته.

---------------------------------

"فكرتي غير مقدسة" يعني:
1- أنها قابلة للصحة أو الخطأ، و العبرة بالأدلة.

2- أن مناقشتها ضرورية، لتصويبها إن كان خاطئة، أو بهدف الوصول إلى تصورات أدق لها إن كانت صحيحة.

3- أن من يشكك فيها يرتكب حقه الطبيعي في التفكير و التعبير، و بالتالي لا يجوز إلا التحاور معه. 

---------------------------------

تقديس الأفكار هو الخطوة الأولى نحو التعصب و التطرف و الإرهاب.

و لا تحرر و إنسانية سوى بفتح الباب نحو نقد جميع المقدسات دون استثناء.

سيرك يسوع






في إنجيل متّى (متى 21: 6-7) نجد أن يسوع المسيح حين أراد دخول أورشليم فقد ركب على "أتان و جحش" في نفس الوقت!

(الأتان هي أنثى الحمار، و الجحش هو الحمار الصغير)،

 فنقرأ: "فَذَهَبَ التِّلْمِيذَانِ وَفَعَلاَ كَمَا أَمَرَهُمَا يَسُوعُ، وَأَتَيَا بِالأَتَانِ وَالْجَحْشِ، وَوَضَعَا عَلَيْهِمَا ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِمَا".

و قد أشار الكثيرون إلى صعوبة تصور المسيح جالسا على الحيوانين معا!!!

لكن حين ننظر في باقي الأناجيل نجد أنهم حكوا نفس المشهد باستخدام حيوان واحد- جحش- بدون الأتان:

(مرقس11: 7) "فَأَتَيَا بِالْجَحْشِ إِلَى يَسُوعَ، وَأَلْقَيَا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ."

(لوقا 19: 35) "وَأَتَيَا بِهِ إِلَى يَسُوعَ، وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَى الْجَحْشِ، وَأَرْكَبَا يَسُوعَ".

(يوحنا12: 14) "14وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ".

فما الحكاية؟!

الملاحظ أن إنجيل متّى هو أكثر الأناجيل اهتماما بمسألة تحقيق النبوءات الواردة في العهد القديم عن المسيح، ففي مناسبات مختلفة حين يحكي متّى عن أحوال يسوع يحرص على ربط التصرف الفلاني أو المقولة العلانية بنص من العهد القديم يتنبأ بأن المسيح المنتظر سوف يفعل كذا أو يقول كذا، فكأن أكثر أفعال يسوع هي تحقيق للنبوءات الكتابية.

و حين نقرأ النبوءة التي يشير لها متى، عن دخول المسيح إلى القدس، نقرأ من العهد القديم: (زكريا9: 9) "ابتهجي جدا يا بنت صهيون وآهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك آتيا إليك بارا مخلصا وضيعا راكبا على حمار وعلى جحش آبن أتان".

(نقلنا النص من أدق الترجمات و هي الترجمة اليسوعية)

راكبا على حمار، و على جحش ابن أتان.

باللغة العبرية التعبير قد يفهم بشكل مختلف، فالنص يريد إظهار تواضع المسيح الداخل إلى أورشليم ، فيقول بأنه راكب على حمار، بل على حمار صغير، جحش.

هذا يشبه قولنا- مثلا- أن ذلك الوزير ثري لكنه متواضع حتى أنه "يذهب إلى عمله راكبا على دراجة، و على دراجة قديمة"... العبارة لا تعني أنه يركب دراجتان طبعا، و إنما المقصود هو توكيد الوصف.

بعض الترجمات الإنجليزية أكدت هذا المعنى فصاغته بشكل أكثر وضوحا ، فنقرأ من ترجمة
American standard version

Rejoice greatly, O daughter of Zion; shout, O daughter of Jerusalem: behold, thy king cometh unto thee; he is just, and having salvation; lowly, and riding upon an ass, even upon a colt the foal of an ass.

"راكبا على حمار، بل و حتى على جحش ابن حمار".

هذا يوضح المسألة إلى حد كبير.

المعروف أن كتاب الأناجيل لم يكونوا يقرأون العهد القديم بالعبرية، و إنما اطلاعهم كان على الترجمة اليونانية المعروفة بالسبعينية، و بالتالي يبدو أن متّى- المهموم بتحقيق النبوءات- أساء فهم النص بشكل كبير، و هو ما انتبه له باقي الكتاب فأصلحوا المسألة.

المحبة الكريهة





أسأل نفسي أحيانا لماذا أجد أن مقولة "الله يحبك" أو "المسيح يحبك" عبارة منفرة و ثقيلة على القلب، حتى أعترف أنها أحيانا تستفزني أكثر من عبارة "الله سوف يحرقك!" و التي يستخدمها المؤمنون أيضا (حين لا يكون مزاجهم رائقا)؟

 هل يوجد إنسان عاقل يرفض الحب أو يعترض عليه؟! أكيد لا، فالحب من أجمل الأمور في الحياة بل لعله أجملها.

و لكن هل الحب هو دائما ذلك الشعور الجميل الراقي و فقط، أم أنه شعور يرتبط بأفكار و نوايا و رغبات و أهداف معقدة تحاول أحيانا التخفي خلف الكلمة السامية – مما يستدعي بعض الحذر و بعض الفحص؟

-------------------------------
1- هي عبارة غير قابلة للإثبات

أول ما يخطر بذهني حين أسمع تلك الجملة هو سؤال بديهي "كيف عرفت أنت ذلك؟!"، هل لديك قدرات شخصية خاصة تمكنك من قراءة أفكار الإله؟! في الأصل الحب شعور يمكن استقراءه من أقوال أو أفعال من يحيطون بنا ، و لكن لا يمكن التأكد منه مع البشر، فما بالك بخالق الكون المزعوم؟!

نعم ربما مسيحك يحبني حتى أنه لا ينام الليل من أجلي، و ربما لا، ربما هو لا يهتم بي أو بغيري، ربما هو يكرهني كالجحيم ، بل ربما لديه أمورا أفضل يفعلها من محبة كل من تحاول إقناعهم بدينك!

في كل الأحوال من الواضح أن صاحبنا يتكلم فيما لا يعرفه و لا يمكنه إثباته أو التأكد منه بشكل فعلي ، و أنه يتحدث عن تصور شخصي ديني يؤمن به أو يرغب فيه، و ليس عن حقيقة موضوعية يمكنه التدليل عليها.

هل هذا أمر مستفز؟ نعم إلى حد كبير، على الأقل بالنسبة للأشخاص الذين يقدرون قيم الدقة و العقلانية و النزاهة الفكرية فإن العبارات الكبيرة التأكيد عليها بإلحاح يقيني بدون وجود إمكانية للتدليل عليها، هي أمر مستفز و مزعج إلى حد كبير.

-------------------------------
2- هي عبارة غير منطقية

ثم لماذا يا ترى يسوع المسيح يحبني؟ هل لأنني أستحق المحبة بشكل خاص؟ (لا يمكنك التأكد من ذلك)، أم يا ترى يحبني لأنه هو نفسه عظيم و يحب الجميع دونما تمييز؟ هل المسيح يحب المسيحي و المسلم و البوذي و الهندوسي؟ هل يعشق اللصوص و القتلة و الطغاة و قطاع الطرق و مغتصبي الأطفال (سواء القساوسة منهم أو غيرهم)؟!

و إن كان يحب الجميع دون تمييز و دون أسباب موضوعية لذلك الحب، فما مغزى ذلك و ما أهميته لي؟!

أليست قيمة الشيء تأتي من ندرته أو من أهميته للناس؟ فلماذا ينبغي عليّ أن أفرح بتلك البضاعة الرخيصة المملة المنتشرة في كل مكان و التي لا يبدو أنها تقدم لي أي إضافة حقيقية؟!

-------------------------------
3- غير واقعية

لو تركنا قراءة الأفكار و نظرنا إلى التصرفات المفترضة للخالق المزعوم، فلن نجد أي نوع من المحبة هناك.

يتحدثون أحيانا عن الأمور الجميلة التي نجدها في حياتنا فتفيدنا و تسعدنا و ينسبونها للإله المحب على أنها بعض من نعمه علينا، و لكنهم على الجانب الآخر يتناسون كم الشرور التي تنال البشر، سواء بشكل طبيعي كالأمراض و التشوهات و الكوارث الطبيعية (التي يشرف عليها إلههم بنفسه) أو حتى الشرور الإنسانية (التي لا يجد في نفسه الحماس الكافي لمنعها).

مصائب العالم التي نراها حولنا منذ القدم ، تصيب الأضعف و الأحوج و الأفقر، لا يبدو بالمرة أنها تترك مجالا لمحبة مزعومة، و إن كانت ثمة محبة موجودة فلا يبدو أن لها أقل فائدة فمن الأفضل أن يحتفظ بها لنفسه، فلا خير في محبة لا أثر لها سوى الكلام.

و الأهم أن التدخل الإلهي- اليهودي المسيحي- في العالم لم يؤدي إلى تخفيف الشر بل زيادته، و لنا في التاريخ الديني أمثولات، فأي محبة تلك التي لم نأخذ منها سوى الأحكام الهمجية و الحروب الطائفية و الخرافات و معاداة العلم و العقل و الحرية؟!

حتى المسيح في حياته، لو اعتبرنا الأناجيل مرجعا، فقد كان يتعصب و يهاجم الناس و يشتم مخالفيه و يتهددهم بالويل و الهلاك و المرض و الموت ، و رغم أنه نهى أتباعه عن العنف و لم يستخدمه (إلا في حادثة المعبد حيث أمسك سوطا و طرد التجار و أفسد ممتلكاتهم!)، إلا أنه أقر بكل أريحية عنف يهوه في العهد القديم في الحروب و في إهلاك الأمم السابقة، و في كل مناسبة كان يسوع يتوعد بتكرار ذلك الهلاك مع عودته المنتظرة لينتقم ممن عارضه و يلقيهم جميعا في بحيرة نارية حيث سيستمر عذابهم و آلامهم إلى الأبد - هذا يجعلنا أمام داعية يهودي آخر يؤمن بالعنف، و لكن لأنه غير قادر على القيام به فهو يقرر تأجيله لحين عودته الثانية!

-------------------------------
4- غير منزهة عن الغرض

حين تكون محتاجا، فعلى الأرجح أن المسيح (الذي يحبك) لن يهب لمساعدتك.

و لكن لو لم تكن محتاجا، بل حياتك تسير على ما يرام تماما، فستجد أن المسيح لا يريد تركك في حالك، بل هو مصر تماما أن يبلغك ذلك الحب المجاني - عن طريق أتباعه المخلصين الملّحين.

المسيح لا يكتفي بحبك من طرف واحد، بل هو لن يتركك أبدا حتى تشعر بحبه و تبادله الحب و تتبع جماعته و تطيع كهنته و تحضر كنيسته فتصلي و ترنم و تتناول مع أتباعه المخلصين..إلخ ، أما لو لم تذعن، بل طلبت منه أن يدعك و  شأنك لأنك غير محتاج لذلك، فاستعد لوصلة من الإلحاح و الإمتنان و الإتهامات بالجحود و النذالة و التي ستصل في النهاية إلى مجموعة من التهديدات المباشرة سواء بشكل صريح أو مستتر.

باختصار مع المحبة المسيحية انسى أن تقف المسألة عند المحبة و فقط، فهناك المزيد دائما.

حين ننظر حولنا نجد أن كل محاولة للسيطرة تستخدم شعار المحبة من قبل الطرف الذي يريد السيطرة، فالأب السلطوي يكرر أنه يحب أولاده، و الزوج المتملك المسيء يؤكد أنه يحب زوجته، وبالطبع الطاغية يعلن دائما، عبر إعلامه، أنه يحب شعبه - فالسيطرة حين تستتر بالمحبة تكون أكثر سلاسة و نعومة.

و لو تذكرنا أن الحب المجرد السامي لن يلح على المحب بأن يبادله الحب، و لن يطلب منه المقابل، و لن يسعى للسيطرة عليه و امتلاك حياته ، فسنرى بوضوح أن المحبة المسيحية هي أبعد ما يكون عن ذلك.

-------------------------------
5- لا تخلو من ابتزاز عاطفي

الذي يسعى للسيطرة عليك سيبحث عما تحتاجه ثم يوهمك بأنه يمنحه لك، و لو لم يملك شيئا حقيقيا يقدمه لك فهو مستعد تماما لأن يبيع لك وهما تحتاجه.

الناس تحتاج بشدة إلى الحب، و ربما أكثر الناس تفتقده في حياتها، و هذا ما تلعب به المحبة المسيحية: خلق كيان افتراضي صفاته مصممة جميع عناصرها بعناية لكي تثير إعجابنا و شفقتنا و تؤثر في قلوبنا : هو خلقك، و يحبك، و يهتم بك، و قد ضحى من أجلك لينقذك من مصير أسود كان ينتظرك - كثير من الناس مستعدين لفعل الكثير في مقابل هذا الوهم.

هل هذا الوهم سيئ تماما؟ ربما في نظر البعض لا، فالراحة النفسية تستحق أن نخدع أنفسنا قليلا أو كثيرا ، و لكن على الجانب الآخر في نظر من يقدر الحقيقة أكثر من الراحة، أو لمن يجد راحته في الحقيقة أيا كانت، فهذه الخدعة لا تبدو أكثر من سيناريو رخيص يبيع لك وهما، و الثمن الذي يطلبه هو عقلك و قلبك و حياتك ذاتها.
-------------------------------
لا أريد التعميم و أدرك النية الحسنة لبعض من يكررون مثل تلك المقولات؛ فلو كان المسيح الإله المتجسد يحبني فهذا شيء طيب جدا، لكن هذا لا يهمني.

لو كان ضحى من أجلي فهي تضحية غير عادلة و غير رحيمة و لا أذكر أنني طلبتها، و أنا بكل صراحة غير قادر على الشعور بذرة تعاطف من أجل معاناته لبضعة ساعات على الصليب الذي كان يبدو أحيانا و كأنه يسعى وراءه بكل جوارحه ، تلك المعاناة الضئيلة لا تساوي شيئا بالقياس إلى معاناة ملايين من البشر عبر التاريخ لم يحس بهم أحد، عانوا بسبب عدم تدخلاته في الدنيا ، و أحيانا بسبب تلك التدخلات و كنتيجة مباشرة لها.

عجائب الوسطية





المسلم الوسطي القرآني المعتدل المودرن، صاحب الدين الجديد الذي يبشرنا به بين الحين و الآخر، و المدعو بـ"الإسلام الحقيقي" ، يعتقد بأن خالق الكون أنزل دينه الخاتم على البشرية كلها ، ثم لم ينجح أحد في فهم ذلك الدين بشكل صحيح على مدار 1400 سنة، حتى جاء سيادته أخيرا إلى الكون ليفسر رسالة الخالق اللوغارتمية - التي أنزلها فيما يبدو على أمة من البهائم عديمي الفهم.

هذا المسلم المودرن- غالبا- ليس لديه أي تخصص ديني أو فقهي أو معرفة خاصة لم تتوفر لغيره، لكنه مع ذلك مصر تماما أنه أعلم بالإسلام من ابن عباس و أبو هريرة و أبو حنيفة و الشافعي و مالك و ابن حنبل و البخاري و مسلم و الطبري و ابن كثير و ابن تيمية و القرضاوي و الشعراوي..إلخ ، و هو مندهش دوما كيف أننا نتمسك بكلام أولئك المشايخ و الفقهاء و المفسرين، و لا نفضل عليه كلام شخص مجهول يكتب على فيسبوك.

ثم إنه يعتقد بأن المسلمين منذ القدم تعاونوا على تزوير التاريخ بحيث يشوهون تاريخ نبيهم و يلصقوا به أمورا مخجلة و أفعالا دموية، بدلا من سيرته العطرة "الحقيقية" ، مع ملاحظة أن أخانا المؤمن المودرن هو الوحيد الذي يمتلك مفتاح فهم التاريخ و القادر على فرز الصحيح من الخاطئ فيه.

و الملاحظ أن صاحبنا في نشاطه الدعوي ليست أولويته أن ينير المسلمين الجهلة بدينهم، المجمعين على خطأ، فيهتم بتصحيح مفاهيمهم المعوجة بما أتاه الله من علم، و إنما هو مهتم بالأساس بمخاطبة الملحدين ليشرح لهم دينه الجديد- القديم، فيحاول أن يفهمهم دين لا يفهمه أصحابه أنفسهم على حد زعمه.

و بعد شيء من التفكير أعتقد أن هذا التوجه له أسبابه الموضوعية تماما، فالمسلم الوسطي حين يناقش الملحدين فهو لا يفقد سوى كرامته العلمية و الفكرية في أسوأ الأحوال حين يظهرون سخافة كلامه، بينما هو لو توجه بدعواه الجديدة إلى إخوانه من المسلمين فسيكون مهددا بفقد رأسه ذاتها و انفصالها عن جسده - و لا يخفى عليكم أن اختيار أهون الضررين هو من الأبواب الحكيمة جدا في التراث الإسلامي و الإنساني عموما.
 

الجمعة، 8 أبريل 2016

تشابه الأديان: اقتباسات أم وحدة مصدر؟





واحدة من أدلة اللادينيين أن الدين صناعة بشرية هي أن الأديان تتشابه فيما بينها، و لكن على الجانب الآخر المؤمن يرد ذلك التشابه إلى وحدة المصدر – فكيف نفرق بين هذا و ذاك؟

الجواب برأيي هو نمط التشابه - بمعنى آخر الأديان تتشابه بشكل معين يؤكد بأن المسألة تعود إلى عامل الإقتباس و ليس وحدة المصدر المزعومة، و هذا يتضح في بعدين، الزماني و المكاني.

فزمانيا، حين نفحص التاريخ الديني نجد بأن الأديان تطورت تدريجيا، فبدأت بشكل بسيط قائم على الإيمان بالأرواح و السحر و الأساطير و تقديس الأجداد و تقديس عناصر الطبيعة \ الطوطم ، ثم في مراحل لاحقة تطورت الطواطم إلى آلهة (بشر مقدسين مختلطين بحيوان أو عنصر طبيعي)، و تعقدت الأساطير لتصبح ملاحم دينية\ سياسية بين الآلهة الوثنية، و تم ترقية سحرة القبيلة ليتحولوا إلى طبقة من الكهنة، و تحول السحر ليأخذ شكل طقوس دينية تدور حول معبد للإله الأكبر (و هو ليس أكثر من قبر مقدس للجد المؤله)، و أخيرا في حالات معينة تطورت تلك الديانات الوثنية بشكل خاص- لأسباب سياسية بالأساس- فتم استبعاد الآلهة الصغرى، أو تحويلهم إلى ملائكة و شياطين، لصالح الإله الأكبر الواحد، صاحب المدينة المقدسة الواحدة، و الكتاب المقدس الواحد، و طبقة الكهنة الحصرية الواحدة.

هذا التطور التدريجي الإجتماعي، الذي يرينا الربط الواضح بين درجة تعقيد المجتمع و درجة تعقيد الدين (فديانات القبائل الوثنية تتشابه في أنها نمط من الدين البدائي السحري، بينما ديانات الإمبراطوريات الكبرى تميل بشكل ما إلى التوحيد الديني)، أقول هذا التطور بحد ذاته يدعم مسألة النشأة البشرية للأديان، فلو كانت المسألة مسألة وحي قديم و مصدر سماوي واحد لتوقعنا رؤية أديانا متطورة عند أنظمة اجتماعية بدائية، و هو ما لا نراه في أي مكان.

ثم مكانيا، حين نفحص خريطة الأديان القديمة نجد أنها تتشابه كلما اقتربت، و تختلف كلما تباعدت ؛ بمعنى آخر الدين يتشابه مع الأديان التي سبقته زمنيا و قاربته جغرافيا : اليهودية تشبه عقيدة مصر و بابل و فارس التي نشأت وسطها، و لا تشبه ديانة مثلا شنتو اليابانية، و المسيحية تشبه عقائد اليهودية و اليونانية التي نشأت وسطها، و لا تشبه مثلا ديانة سكان استراليا الأصليين، و الإسلام يشبه عقائد اليهودية و الوثنية العربية التي نشأ وسطها، و لا يشبه مثلا ديانة الهنود الحمر – هذا النمط في التشابه يدعم مسألة النشأة البشرية للأديان، فلو كانت المسألة مسألة وحي قديم و مصدر سماوي لتوقعنا تشابها كبيرا بين أديان حضارات متباعدة جغرافيا، و هو ما لا نراه.

هكذا أرى أن تفحص خريطة الأديان، زمانيا و  مكانيا، يرينا نمطا شبيها بما نراه في شجرة الحياة التطورية، حيث الإنقال دوما من الأبسط إلى الأكثر تعقيدا، و حيث التشابه دائما بين الأنواع القريبة صلة و بيئة- مما يشي بتطور تدريجي طبيعي لا خلق صناعي فجائي.

أين يخبئون الإله؟





الله في الماضي كان يسكن الجبال العالية (كآلهة الإغريق)، و كان يسكن حجرات المعابد (كآلهة المصريين) و كان يسكن الخيام أحيانا (كيهوه اليهودي).. و لكن مع الحروب و تعاقب الحضارات سكن البشر الجبال و هدموا المعابد و الخيام و انتهكوها و لم يجدوا أية آلهة .. في مرحلة ما هرب يهوه إلى التابوت المحمول، لكنه سرق أيضا و لم يظهر يهوه .. و لاحقا صار الإله يسكن السماء جالسا على عرشه، و لكن بعد قرون تمكن البشر من رصد السماء بل و صعدوا إليها بأنفسهم و لم يجدوا الله، فقرر المؤمنون أن الله "خارج الزمان و المكان" (أيا كان معنى ذلك)!

و أثق أنه لو تمكن البشر- جدلا- من الوصول خارج الزمان و المكان المعروفين، فهذا لن يضايق المؤمنين كثيرا، بل كل ما سيفعلونه هو أن يبعدوا إلههم خطوة أخرى إلى الوراء؛ فالمؤمنون منذ القدم و هم حريصون على وضع إلههم حيث لا يمكننا رؤيته.

هل حقا نشأ الإسلام في مكة؟ (4)

و الحرف القرآني دليل آخر
ما يسمّيه الباحثون عادة بـ"اللغات العربية" هو عبارة عن مجموعة من اللغات و اللهجات المتنوعة, التي انتشرت في جزيرة العرب منذ القدم - فهي تسمية جغرافية بالأساس- و اللغات العربية تنقسم إلى 1- لغات عربية شمالية , و هي مجموعة لهجات سامية , كانت تستخدم في شمال الجزيرة العربية و سوريا و العراق, هي الصفائية والحسائية والثمودية والديدانية والودومائية والتيمائية , و 2- لغات عربية جنوبية , و هي مجموعة لهجات يُختلف في تصنيفها إلى العائلة السامية أو العائلة الأفريقية الآسيوية, و كانت تستخدم في اليمن و جنوب الجزيرة, و هي السبئية والحضرمية والقتبانية والمعينية.

قبل الإسلام لم يكن للعربية أبجدية موحدة خاصة , بل كانت تكتب بعدة أبجديات أجنبية, و ذلك حسب المنطقة الجغرافية الموجودة فيها (بشكل يشبه ما يُسمّى اليوم "العربيزي" و هو كتابة الكلمات العربية بحروف لاتينية أو إنجليزية),  و كانت أكثر أبجدية مستخدمة هي أبجدية "المُسْنَد" السبأية العريقة, حيث كانت تكتب بها غالبا العربية الشمالية و الجنوبية أيضا-  علما بأن أبجدية المسند مختلفة تماما عن الأبجدية العربية الحالية, و المألوفة لنا اليوم.

أما الأبجدية العربية الكلاسيكية المعروفة لنا, فيُعتقد أنها نشأت عن النبطية, و المتطورة بدورها عن الأرامية, التي كانت لغة الإتصال و  التجارة في الشرق الأوسط منذ القدم-  مع هجرة الأنباط العرب من الجنوب, و استقرارهم في الأردن, بدأوا يطوّرون أبجديتهم الخاصة, كفرع عن الأرامية, ذلك التطور الذي سيُفرز لاحقا الأبجدية العربية الكلاسيكية,  فتاريخيا الأنباط, كانوا عربا, و استخدموا الخط النبطي\ العربي في نقوشهم, وكذلك في الأسماء الشخصية (36) (37)



هذا يعني أنه في زمن ظهور الإسلام كانت العربية غالبا تُكتب بخطين رئيسيين : الخط النبطي في الشمال, و الخط المسند في الجنوب, أما الأولى فهي التي كُتب بها القرآن, و تم تعميمها على حساب الثانية, و التي انقرضت تماما في القرن السابع و الثامن, مع سيادة الإسلام في المنطقة.




الآن, نجد أن معظم المنقوشات و المخطوطات العربية عموما قبل الإسلام التي تم العثور عليها كانت مكتوبة بخط المسند, (مثل نقش قرية الفاو في نجد , وهو عبارة كتابة على قبر تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد, و مثل نقش أبرهة نفسه)  لكن أيضا القليل منها كان بالخط النبطي الذي سيتطور لاحقا إلى الأبجدية المعروفة لنا , مثل نقش زبيد في سوريا (القرن السادس بعد الميلاد) , و نقش أم الجمال في الأردن (نهاية القرن الثالث), و نقش نمارة جنوب دمشق (القرن الرابع) و نقوش أخرى في سكاكا شمال السعودية و الحجر غيرها. (38)

إذن: بما أن القرآن كتب بالخط النبطي , و ليس المسند, فهذا يعني أن تتبع أماكن العثور على تلك النقوش, يمكن أن يعطينا قرينة إضافية أخرى مهمة , تحدد لنا المواضع الجغرافية التي كتب فيها القرآن.

النتيجة- كما هو متوقع- أن معظم النقوش النبطية و العربية الكلاسيكية توجد في شمال شبه الجزيرة , بينما في الجنوب نجد نقوش المسند- مما يطرح سؤالا : لو أن القرآن ظهر في وسط الجزيرة العربية قرب الجنوب, ألم يكن من الأولى أن يُكتب بخط المسند؟ فلماذا يكتب بأبجدية الشمال النبطي؟!
 


الجواب يجب وضعه في إطار ما بحثناه حتى الآن: الخط الذي تمت به كتابة القرآن, يٌعد قرينة إضافية أن القرآن كتب في الشمال.

ملحوظة أخرى :  المسألة لا تقف عند "شمالية" الخط فقط, بل اللغة ذاتها : يشير توم هولاند في كتابه الذي مررنا به, إلى تأثر القرآن بالتراث اليوناني في شمال شبه الجزيرة , ليس فقط من ناحية القصص (كقصة ذو القرنين- الأسكندر, و قصة أصحاب الكهف- النيام السبعة, و غيرهما), و إنما أيضا تأثر لغة القرآن بالألفاظ ذات الأصل اليوناني, مثل "قصر" و "زخرف" و "صراط", و المأخوذة تحديدا عن التعامل العسكري للعرب مع البيزنطيين قبل الإسلام, حيث كان الأواخر يستعينون بالأوائل كمرتزقة , علما بأن تلك الكلمات لها في الأصل مدلولات عسكرية صرفة, مما يعتبر دليلا إضافيا يؤكد صلة النص القرآني بتلك البيئة تحديدا (39)  (و هو ما يذكّرنا أيضا بما لفت نظر بعض المستشرقين, من أن القرآن- رغم انطلاقه من التراث اليهودي بشكل أساسي, إلا أنه يستخدم الأسماء اليهودية بلهجة أقرب إلى السريانية المتأثرة باليونانية, لا العبرية , فيقول "عيسى" بدلا من "يشوع", و "اسماعيل" و "إسحاق" بدلا من النطق العبراني "يسماعيل" و "يتسحاق"- بشكل مماثل نلاحظ أن الفاتحين العرب كانوا يسمّون القدس مثلا بإسمها اليوناني "إيلياء", بدلا من "يورشاليم", و حتى اسم "بيت المقدس" فهو اسم أرامي, و يعني "كنيس"(40)) , هذا ما جعل عالم فقه اللغة الألماني وبروفيسور اللغات السامية والعربية القديمة كرستوف لوكسنبرغ, يقترح أن القرآن في أصله كُتب بلغة أقرب إلى السريانية, و ذلك في كتابه "قراءة آرامية سريانية للقرآن" (41)

إن لم يكن في مكة , فأين؟
((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)) –  القرآن, سورة  الشورى 7

((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ - ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)) - سورة يونس 13, 14

 ((من الواضح أن البتراء كانت تمثّل مركزا للحج, يجتذب إليه العرب من أنحاء شبه الجزيرة, منذ القرن الثاني و الثالث بعد الميلاد)) – من كتاب "الحياة الدينية للأنباط", بيتر جون, ص 64








البتراء هي المدينة العريقة الواقعة جنوب الأردن, بالقرب من موطن إبراهيم و مركز الإسماعيليين, و من ديار قوم لوط,و مسار الإسرائيليين الخارجين من مصر, و مساكن مدين و الحجر, و هي العاصمة الأشهر للأنباط, ملوك العرب القدامى, الذين اشتهروا بالمباني الصخرية المنحوتة في الجبال, و كانت مدينتهم مركزا مهما على المستوى الديني, حيث تعاملت منذ القدم مع اليهود و المسيحيين و غيرهم , و اشتملت على مقدسات عديدة, كوادي موسى, الذي ضرب فيه بعصاه الحجر, ففجّر الإثنتى عشرة عينا مائية للأسباط, و جبل هارون المقدس, الذي يحوي المدفن المفترض للنبي, و احتوت كذلك على الأصنام الوثنية و الكعبات و المواسم الدينية السنوية, و كانت كذلك مدينة مهمة على المستوى التجاري, حيث كانت ملتقى ذائع الصيت للقوافل المارة من الشمال للجنوب, أو من الشرق للغرب, كما عُرف سكانها أيضا بالتجارة البحرية منذ القدم (و هذا يتناسب مع كثرة حديث القرآن عن السفن و أحوال البحر, و كلامه لخصوم محمد على سيرهم في مائه , و استخراجهم منه الأسماك و اللؤلؤ و المرجان, مما يبدو غريبا تماما على قريش الصحراويين!), و اشتهرت المدينة أيضا بالزراعة المتنوعة, للفواكهة و الحبوب المختلفة , و الإعتماد على جمع مياه الأمطار, كما أنها هي منشأ الخط العربي (النبطي) الذي كتب به القرآن, و فيها كان يتم استخدام اللغتين العربية و النبطية جنبا إلى جنب, هذا و قد أصيبت المدينة قبل الإسلام بأكثر من زلزال عنيف , قضت على كثير من مبانيها (و هو ما نجد له أثرا في بعض آيات القرآن أيضا, الموجهة للكفار , حيث الحديث عن "مكر الذين من قبلهم", ثم "إتيان الله بنيانهم من القواعد", مما أدى إلى أن "خر عليهم السقف من فوقهم"- النحل 26).

في كتاب "الجغرافية القرآنية" (42)  يرى الباحث دان جيبسون, أن بكة هو اسم آخر للبتراء ( و لعله مشتق من الهدم الذي أصابها من جراء الزلازل, فالبك حسب المعاجم هو "دق العنق"), و يرى كذلك أن المسلمين الأوائل- حسب القبلات القديمة- لم يكونوا في البداية يصلّون نحو القدس,كما تقول الروايات , و إنما إلى البتراء,  و أن  بعض الخلط في الإستقراء جاء بسبب وجود الأخيرة على الخط الواصل بين يثرب و القدس, مما يجعل المتوجه للبتراء يتوجه إلى القدس في نفس الوقت (و هو ما يذكرنا نوعا بالرواية التي تجعل محمدا يصلي قبل تحويل القبلة مستقبلا بيت المقدس و الكعبة في نفس الوقت) , و ينقل جيبسون عن د. أفراهام نجف, من مؤسسة الدراسات المتقدمة في برينستون, اقتراحه أن البتراء, لا القدس, كانت مركزا للحج العربي, و أن كثيرا من النقوشات العربية الموجودة في الأردن و صحراء النقب, تم كتابتها بأيدي عرب في  أثناء مسيرتهم إلى الحج في البتراء.

و يعقد الكاتب مقارنة بين طبوغرافية مكة, معالمها و جبالها ووديانها و تربتها و بيئتها المناخية و الزراعية- حسب ما ترد في الروايات الإسلامية و الأحاديث و نصوص السيرة- و بين طبوغرافية البتراء, ليخلص إلى نتيجة أن الأخيرة أكثر مطابقة للمواصفات الواردة في المصادر الإسلامية – بما في ذلك بئر زمزم, الذي يقترح أنه أقرب إلى خزان و ليس بئرا طبيعيا.

لو صح هذا التصوّر, فهل يمكن ربط الله (الذي نجد ذكره في النصوص النبطية) بالإله النبطي الرئيسي –صاحب رمز الحجر الأسود- ذو الشرى, و القول بأنه قد تم دمجهما معا في مرحلة من المراحل أيضا؟ حينها هل يمكن اقتراح أن الآية القرآنية (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ) النجم 49, هي ترديد لإسم ذلك الإله بشكل ما؟

لا شك أن هذه مجرد تخمينات, قد تصيب و قد تخطئ, فالأمر بحاجة للمزيد من التقصي- و لكن ما لا شك فيه أن العديد من المدن الواقعة في تلك المنطقة, هو مرشّح ليكون حرما عربيا, يطابق الشواهد التاريخية و القرآنية, بشكل أفضل كثيرا من مكة.

الصورة الكبيرة
فإن كان الإسلام ظهر في الشمال, فلماذا إذن, و كيف, و متى, صارت مكة هي عاصمة الإسلام؟

و إن صحت تلك الرؤى, فإلى أي مدى تم تزييف التاريخ؟ و هل سيمكننا يوما فهم ما حدث على الأرض؟

لن نزعم هنا تقديم الإجابات اليقينية بحال, و إنما يكفينا تأكيد أهمية فتح باب الأسئلة, مع طرح بعض الإحتمالات المفتوحة, بشكل عابر, حتما يحتاج إلى بحوث أخرى.
من البديهي أنه لا يمكن فهم ظاهرة, فكرة أو سياسية أو اجتماعية, بمعزل عن سياقها الذي نشأت فيه, فلا يوجد دين أو اتجاه ينشأ هكذا في الفراغ, دونما مقدمات تؤثر فيه و تفرزه و تساهم في تشكيله و تحديد مساره, فإن أسأنا فهم السياق فسنسيء فهم الظاهرة – و المشكلة أن السياق الذي يُقدم لنا لفهم الإسلام, من خلال الروايات و السيرة و الأحاديث, هو سياق شبه أسطوري, غير تاريخي و غير دقيق, و هو لا يُقبل بشكل عام إلا لكون المصادر الأخرى أكثر ندرة و أقل تفصيلا, و تحتاج إلى جهد في تجميعها معا, كي ترسم لنا صورة ما حدث فعلا.

لا شك أن المسألة بحاجة للكثير من الدراسات, فلو أردنا أن نفهم كيفية نشوء الإسلام, علينا أن نفعل ذلك في إطار التطورات السياسية و الدينية و  الإجتماعية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية- و على الأخص شمالها- في تلك الفترة: لدينا حُمى صراع ديني و سياسي مستفحل في المنطقة, بين اليهود و المسيحيين و الزرادشتيين , مع فوران دعوات دينية متنوعة, و عقائد مهووسة بقرب القيامة و نهاية الزمان, لدينا الصحراء العربية التي تستقبل الوفود و الطوائف المهاجرة إليها, هربا من الإضطهاد الديني البيزنطي المسيحي الملكاني, يهودا و سامريين و أبيونيين و إسينيين و غير ذلك, لدينا ممالك و سلالات عربية حاكمة منتشرة في المنطقة, كالمناذرة اللخميين في العراق, و هم المسيحيين النسطوريين, الموالين للفرس, ثم الغساسنة في الشام, المسيحيين المونوفيزيين و الموالين للروم, ثم الحِمْيَريين في اليمن, المتأثرين باليهودية و الموحدين بإلههم الرحمان , و لدينا إمبراطوريتين متهالكتين – الروم و الفرس- من جرّاء صراع طويل بينهما, انتهى بمواجهات عنيفة قضت على ما تبقى من نفوذ الإثنين, مما أدى بهما إلى محاولات تفكيك و ترويض النفوذ العربي, اللخمي و الغساني, في العراق و الشام, مما سيفسح المجال لجماعات أخرى عربية, مهاجرة من الجنوب إلى الشمال, لكي تملأ الفراغ السياسي القائم, و تحصل أخيرا على حكم المنطقة, من خلال بعض المعارك العسكرية , هذا و سوف تستعر لاحقا الصراعات بين العرب أنفسم, تنازعا على السلطة و المُلك – و نجد أن كثيرا جدا من الشواهد القرآنية و الإسلامية تقطع بأنها مرتبطة جذريا بهذا السياق, و ليست منفصلة عنه.

و أيا كان الدور الذي لعبته الدعوة الإسلامية في هذا المسرح , فمن المؤكد أن الجانب الديني منها لم يبدأ مع محمد, و لم ينتهي به, بل لعلها جاءت كحلقة في سلسلة تطورات معقدة, كانت تمر بها المنطقة, و تفرعت عن طوائف دينية عديدة, ثم في لحظة ما ظهرت الحاجة إلى وجود دين عربي جديد, ينافس المسيحية و الزرادشتية, و كتاب عربي جديد, ينافس التوراة و الإنجيل, و نبي عربي, ينافس موسى و عيسى, و مدينة مقدسة عربية, تنافس القدس و القسطنطينية, بشكل يلائم الإمبرطورية العربية الجديدة الناشئة, و يوحّد بين العرب المتنازعين - ثم في مرحلة ما تم إعادة صياغة سيرة محمد و دينه , بشكل يتناسب مع هذا الغرض.

بالتالي يجب التنويه أننا هنا- في حديثنا عن دور صحراء جنوب فلسطين- إنما نتحدث عن جانب واحد فقط من جوانب نشأة الإسلام, و الخاص بالحرم العربي الأهم, و جزء كبير من نشاط الدعوة المحمدّية, و المصاحب لنزول الكثير من آيات القرآن, مما لا يهمل ضرورة دراسة الدور الشرقي (العراقي) و الجنوبي (اليمني), فهذا و ذاك يحويان شواهد كثيرة على تأثيرهما على ظهور الإسلام, و تحملان دلائل عديدة- دينية و لغوية و سياسية- قد تساهم في فك شفرة ذلك الظهور, بل و في فهم الصراعات التي تلته, سواء على المستوى السياسي أو الديني (بين أهل الشام و أهل المدينة و أهل العراق, الأمويين و الخوارج و الشيعة و آل البيت و العباسيين..إلخ), و التي قد تكون امتدادا لصراعات أقدم, و قد تساهم أيضا في فهم كيفية انتقال المركزية الدينية للإسلام من الشام إلى مكة جنوبا.

فهم ما حدث
لا يعلم أحد من أين جاءت الفتوحات الإسلامية تحديدا, و لا نجد مشكلة في القبول بأنها انطلقت من يثرب فعلا, القاعدة العسكرية لمحمد, كما جاء في السيرة, و التي تحكي لنا أيضا عن معارك حربية سابقة وقعت بين محمد و جماعته "المؤمنين" من ناحية , و "الكفار" القريشين من ناحية أخرى, انتهت بسيطرة الأوائل على مكة, و بعد عامين تقريبا من الحروب الأهلية بين العرب, انطلقت الفتوحات خارج الجزيرة.

لكن مراجعة حالة المنطقة في تلك الفترة, و النظرفي تفاصيل الروايات الإسلامية بخصوص قريش و أصولهم, و كذلك تفحص نهاية صراعهم مع محمد, و صلح الحديبية , و فتح مكة, ثم علاقة المدينة بالشام في عهد عمر و ما تلاه, قد يجعلنا نرى الأمر بشكل مختلف نوعا, و نشك في تلاعب تاريخي لاحق حدث – و أن الأقرب للحقيقة ربما هي أن قريشا هو على الأرجح اسم لحلف قبلي غامض (يهودي؟ وثني؟) من العرب الشماليين, و أن صراع محمد معهم, دينيا و سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا أيضا, كان صراعا ليثرب مع الشام شمالها, لا مع مكة جنوبها.

فلو عدنا لتذكر وجود الحرم العربي الغامض, جنوب فلسطين, فيمكن تصوّر- كما يرى البعض- أن صلح الحديبية لم يكن إلا عهدا و حلفا سياسيا, بين أهل يثرب و قريش, ضمن اعتراف قريش بمحمد, و مكّن المؤمنين أخيرا من ارتياد البيت المعظّم, جنوب فلسطين, و المسيطر عليه من قبل قريش – صاحب ذلك تعاون عسكري , تجلّى في انضمام القائدين القرشيين-  خالد ابن الوليد و عمرو ابن العاص- إلى محمد و أتباعه, و هو ما سيتم تتويجه بما سيُسمّى "فتح مكة", و هو فيما يبدو نوع من السيطرة السياسية على الحرم المقدس, تم منحه للنبي العربي الجديد, و سيُتبع ذلك بدعم اليثربيين و اليمنيين لأهل الشام, في معارك الفتوحات اللاحقة.

لو صح هذا التصور, فيمكن القول أن الأمويين (الذين لا يوجد أي دليل يربطهم بالإسلام, قبل عبد الملك) ظلوا على معتقدهم, و ظل لهم الحكم المركزي, بينما كان دور حلفاؤهم في يثرب في زمن محمد و بعده مباشرة, هو إخضاع عرب نجد و اليمن- فيما سُمى "حروب الردة" –  في تلك الحالة سنتصور علاقة عمر ابن الخطاب مثلا بمعاوية بشكل مختلف, فالثاني لم يكن واليا معيّنا من قبل الأول, كما ستحاول الروايات التاريخية اللاحقة – التي صيغت في يثرب و العراق- إقناعنا, و إنما الأقرب أن معاوية كان الحاكم الأقوى, بينما الأول كان مجرد حاكما محليا للمدينة.

و بعد نجاح الفتوحات -التي ستقودها المدينة - سيبدأ النزاع الداخلي بين العرب, فكما تم قتل عثمان- الحاكم الأموي ليثرب- في تمرّد غاضب , تلتها ثورة ابن أبي طالب في العراق, و التي قمعها معاوية (الفتنة الأولى) , في شكل أيضا سيتم تقديمه لنا بشكل شبه معكوس من قبل الرواة , كذلك سيتكرر الوضع لاحقا في حُكم يزيد ابن معاوية , حيث سيقوم واليه على يثرب- مروان, ابن عم عثمان- بالهرب من غضب أهل المدينة إلى سوريا, و سيتلو ذلك ثورة الحسين ابن علي في العراق, و التي سيقمعها يزيد (الفتنة الثانية).

بعد هذا تأتي موقعة الحرة, حيث أخضع الأمويون يثرب , ثم هروب ابن الزبير و تحصنه بالبيت المقدّس, و حضور جيش يزيد خلفه ليحاصره, عام 683 م -  و في كتابه (ص373,4) يقوم توم هولاند بملاحظة أنه لا يوجد نص معاصر يوضح لنا إلى أين هرب ابن الزبير تحديدا, و لا يوجد ما يثبت أنه مكة, لكن من تتبّع نصوصا أخرى غير إسلامية, يرى هولاند أن البيت المقصود هو على الأرجح مكان شمال الحجاز, بين الكوفة و الأسكندرية, و بين يثرب و فلسطين – "و هو نفس الموقع على ما يبدو الذي ارتبط نشاط محمد به".

يستمر هولاند ليلاحظ (375,6) أنه بعد انسحاب جيش يزيد, و شروع ابن الزبير في هدم الكعبة و إعادة بنائها, ظهرت روايات ذات طابع أسطوري مدهش, منها أنه في أثناء حفر الأرض - و بمصادفة رائعة-  تم إيجاد أسس إبراهيم ذاتها!, ثم تم استخراج حجرا أسودا, تسبب خروجه في اهتزاز الحرم كله, وُجد أنه مختوم بختم الله ذاته, و مكتوب عليه "أنا الله, رب بكة", و لاحقا سوف يتم حصار ابن الزبير , في ظروف مشابهة, على يد جيش الخليفة الجديد, عبد الملك ابن مروان, عام 692.

تلك الفترة ما بين الحصارين, شهدت نزاعات محورية , منها إعلان ابن الزبير نفسه كخليفة للمسلمين, وسيطرته على مصر و الحجاز و اليمن و أجزاء من الشام, و إخماده لثورة المختار الثقفي في العراق, و صداماته مع الشيعة و الخوارج هناك أيضا – ثم في تلك الأثناء, أصدر عامله في العراق أول عمله معروفة تحمل شعار مرتبط بنبوة محمد "بسم الله, محمد رسول الله" عام 685 أو 686.

و بعد تولي عبد الملك الحُكم, قام بمهاجمة العراق أولا, حتى انتزعها من سلطة الزبير, و كان ذلك عام 691- لكن المُلفت أن العملات الخاصة بمحمد استمرت في الصدور بانتظام هناك, تحت سلطة الأمويين.

آنذاك- 691- كان عبد الملك قد انتهى من بناء مسجد قبة الصخرة (أو مسجد إيلياء كما كان يُسمّى) في القدس, و الذي تقول المصادر الإسلامية - كالكلبي والواقدي واليعقوبي ,وايضا الطبرى والحلبى والكواكبى- أنه قد بُني خصيصا لمنافسة الكعبة, التي كان يسيطر عليها ابن الزبير آنذاك, و محاولة للحل محلها - و تخبرنا تلك المصادر أيضا أن المسلمين ظلوا بالفعل يحجّون إلى القدس طيلة ثلاثة سنوات!, مع ملاحظة أن الآيات القرآنية المكتوبة على قبة الصخرة, زمن عبد الملك, كانت موجّهة ضد المعتقد المسيحي الذي يؤله يسوع, و كانت تحث المسيحيين حثّا على الإعتراف برسالة النبي العربي: محمد.

أما بعد انتصار عبد الملك النهائي على الزبير, عام 692, و الذي ترافق مع هدم الكعبة مرة أخرى و إعادة بناءها, على يد الحجّاج, فيخبرنا هولاند (386,7) أنه منذ ذلك الوقت فقط بدأت عملية تحويل قبلات المساجد الكبرى في مصر و العراق و الشام جنوبا, إلى مكة التي نعرفها , تلك العملية التي ستستمر في عهد الوليد ابن عبد الملك- و قد صاحب ذلك اعتراف عبد الملك أخيرا بالمدينة المقدسة, و ذهابه للحج إليها, عام 694.

فما الذي جرى هنا بالضبط؟

أولا, فيما يخص موضوعنا, كيف و متى تحديدا حدث نقل الحرم المقدّس, من الشمال إلى الجنوب؟

هل تمت بيد الزبير؟ بمعنى آخر, هل قام الزبير بعد الحصار الأول للحرم الشمالي, بالإنسحاب جنوبا, مع نقل الحرم, إلى مكة الجنوبية الحالية- و بذا تكون هي التي هدمها الحجّاج؟

و في تلك الحالة, فما الذي يجعل الحجّاج يعيد بنائها في مكانها مرة أخرى, ثم يقوم عبد الملك و أولاده لاحقا بتحويل القبلات إليها؟ هل هي- مثلا- المسايرة لجماعات مؤمنة منتشرة في الحجاز , تعظّم هذا البيت, و محاولة كسب تلك الجماعات إلى صفه؟

أم أن الكعبة التي هُدّمها الحجّاج هي كعبة الشمال, أما إعادة البناء فتم في مكة الجنوبية, و بذا يكون الأمويين هم أصحاب قرار نقل الحرم بعيدا عن مركز حكمهم , ذلك القرار الذي سيدعموه لاحقا بتحويل القِبلات جنوبا؟

و بشكل أشمل, هل جاء إصدار الزبير للعملة التي تحمل اسم محمد, في إطار محاولة توحيد أهل العراق دينيا, بشكل يهدئ من ثوراتهم (التي كان لها طابعا دينيا لا شك فيه), و يضمن له المزيد من السيطرة هناك؟  و هل قرارات عبد الملك و الحجّاج المشابهة (إعادة بناء الكعبة, و الإستمرار في إصدار عملات محمد), و الإضافية (تعريب الدواوين, و تحويل  قِبلات المساجد الرئيسية, و إعادة صياغة النص القرآني) جاءت لأهداف مشابهة: توحيد العرب؟

هل أرادعبد الملك, السياسي البراجماتي الطموح, المُهدد من البيزنطيين في الشمال, و المتململ من سيطرة الإداريين المسيحيين على شئونه في سوريا, القيام بما قام به الإمبراطور البيزنطي قسطنطين و خلفاؤه من قبل, و هو تبني ديانة شعبية منتشرة, و جعلها ديانة رسمية لدولته, مع إعادة صياغتها بشكل يتناسب مع ذلك الدور, ثم محاولة تعميمها بين جميع الشعوب تحت حكمه, بهدف توحيد تلك الشعوب دينيا- مما يساعد حتما في التوحيد السياسي؟

و لكن لماذا مكة تحديدا؟

ربما نجد المفتاح في الآية القرآنية التي تذكر مكة بشكل عارض, فكما أن الأمويين, كالرومان, قاموا بتبني دعوة دينية موجودة و حقيقية فعلا في زمانهم - دعوة محمد- أليس من الأرجح أيضا, أنهم تبنوا عاصمة كان لها جذور سابقة ؟ و لكن هل لتلك الجذور علاقة بمحمد؟ و إن قلنا أن نشاط النبي كان في شمال الجزيرة, فهل كانت أصوله مثلا تعود إلى مكة فعلا؟ هذا- لو صح- فقد يفسّر لنا جوانب أخرى من سيرته, مثل محاولته إقناع عرب قريش بإلهه الرحمان, ذا الأصول الجنوبية- و قد يفسّر لنا أيضا أن ما تخبرنا به السيرة من أن هجرة محمد تأخرت عن باقي المهاجرين, فكأنه وصل إلى يثرب بشكل منفصل عنهم – مما يوحي ربما بأنه جاء أصلا من مكان آخر؟ (و هو  بالفعل ما نجد أصداء له في بعض الروايات) (43)

احتمال ثاني, أن محمدا قد مر بمكة في مرحلة ما , و ربما بعض مناوشاته العسكرية تمت هناك (و هو ما نجده في الآية), هذا المرور ربما صاحبه نوع من التقديس للمكان.

ذلك كله قد يذكّرنا بمعضلة "المسجد الحرام" في مقابل "المسجد الأقصى", و ما يحتمل أن تكون المعاني الأصلية لهذين, فلو قلنا أن الحرم الأصلي كان هو ذلك الحرم في جنوب فلسطين, فهل يُحتمل أن المسجد الأقصى هو في مكة؟!

هذا ما يراه البعض (44) (45) حيث يربطون بين اسم "المسجد الأقصى", و بين موضع يُسمّى "الجعرانة" , شمال مكة ببضع و عشرين كيلومترا و يوردون الكثير من الروايات الإسلامية التي تؤكد هذا الربط (46).

هذا يتركنا مع احتمال أن محمدا في مرحلة ما ارتبط فعلا بمكة الحالية , لكنه في مرحلة أخرى, بعد الهجرة إلى يثرب, لجأ إلى الصلاة نحو البيت المقدس الرئيسي في الشمال (و هذا هو تحويل القبلة إلى المسجد الحرام) , ثم في خضم الصراعات و الفتن اللاحقة بين العرب و الشاميين, تم تدمير الحرم الشمالي, و استبدال بيتا آخر به, في مكة الحالية, و تكفّلت الروايات بإعادة صياغة التاريخ, بشكل يجعل مكّة هي "البطل الرئيسي" للأحداث.

هوامش و مراجع
(36) The Religion of the Nabataeans: A Conspectus-  p26
(37) -p31 The Religious Life of Nabataea ALPASS, PETER,JOHN
(38)  للإطلاع على بعض تلك النقوش  http://www.islamic-awareness.org/History/Islam/Inscriptions/
(39)   كتاب "تحت ظل السيف", In the Shadow of the Sword: The Battle for Global Empire and the End of the Ancient World صفحات 311-313, 335
(40) Bosworth، Clifford Edmund (2007). Historic cities of the Islamic world. BRILL. صفحة 225. ISBN 9789004153882
(41) The Syro-Aramaic Reading of the Koran: A Contribution to the Decoding of the Language of the Koran English Edition of 2007 (Die syro-aramäische Lesart des Koran: Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Koransprache (2000))
(42) Qur'anic Geography - Dan Gibson
 http://searchformecca.com/book.html - http://searchformecca.com/mecca.html - http://searchformecca.com/PetraProofs.html

(43) (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَكَ أَفَصَحُنَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ؟ قَالَ : " كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ دَرَسَتْ فَجَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَحَفِظْتُهَا ) -  تاريخ دمشق لابن عساكر,  حرف الألف, ذكر من اسمه أَحْمَد ومُحَمَّد والحاشر والمقفى والعاقب , باب ما روي فِي فصاحة لسانه وحسن منطقه

(44) مقال للدكتور الشيخ مصطفى راشد, أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر, بعنوان "لأن قول الحق شرط لصحة الإيمان ، المسجد الأقصى موجود بالسعودية"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=319658
(45) مقال للباحث صباح إبراهيم, بعنوان "أين يقع المسجد الأقصى الحقيقي ؟"
 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=189134

(46) بعض الروايات:
1-  من المغازي للواقدي: ( وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بِالْجِعِرّانَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمّا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا; فَأَحْرَمَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي تَحْتَ الْوَادِي بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى، وَكَانَ مُصَلّى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا كَانَ بِالْجِعِرّانَةِ, فَأَمّا هَذَا الْمَسْجِدُ الْأَدْنَى، فَبَنَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَاِتّخَذَ ذَلِكَ الْحَائِطَ عِنْدَهُ)
2- من كتاب أخبار مكة وما جاء فيها من الأثارللأزرقي ج 2 ص 207  (قال محمد ابن طارق: " اتفقت أنا ومجاهد بالجعرانة فأخبرني أن المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى مصلى النبي كان بالجعرانة، أما هذا المسجد الأدنى فإنما بناه رجل من قريش")
3- جاء في مسند أبي يعلى ج 12 ص 359 (عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله يقول من أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة")

الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الثالث