الجمعة، 8 أبريل 2016

تشابه الأديان: اقتباسات أم وحدة مصدر؟





واحدة من أدلة اللادينيين أن الدين صناعة بشرية هي أن الأديان تتشابه فيما بينها، و لكن على الجانب الآخر المؤمن يرد ذلك التشابه إلى وحدة المصدر – فكيف نفرق بين هذا و ذاك؟

الجواب برأيي هو نمط التشابه - بمعنى آخر الأديان تتشابه بشكل معين يؤكد بأن المسألة تعود إلى عامل الإقتباس و ليس وحدة المصدر المزعومة، و هذا يتضح في بعدين، الزماني و المكاني.

فزمانيا، حين نفحص التاريخ الديني نجد بأن الأديان تطورت تدريجيا، فبدأت بشكل بسيط قائم على الإيمان بالأرواح و السحر و الأساطير و تقديس الأجداد و تقديس عناصر الطبيعة \ الطوطم ، ثم في مراحل لاحقة تطورت الطواطم إلى آلهة (بشر مقدسين مختلطين بحيوان أو عنصر طبيعي)، و تعقدت الأساطير لتصبح ملاحم دينية\ سياسية بين الآلهة الوثنية، و تم ترقية سحرة القبيلة ليتحولوا إلى طبقة من الكهنة، و تحول السحر ليأخذ شكل طقوس دينية تدور حول معبد للإله الأكبر (و هو ليس أكثر من قبر مقدس للجد المؤله)، و أخيرا في حالات معينة تطورت تلك الديانات الوثنية بشكل خاص- لأسباب سياسية بالأساس- فتم استبعاد الآلهة الصغرى، أو تحويلهم إلى ملائكة و شياطين، لصالح الإله الأكبر الواحد، صاحب المدينة المقدسة الواحدة، و الكتاب المقدس الواحد، و طبقة الكهنة الحصرية الواحدة.

هذا التطور التدريجي الإجتماعي، الذي يرينا الربط الواضح بين درجة تعقيد المجتمع و درجة تعقيد الدين (فديانات القبائل الوثنية تتشابه في أنها نمط من الدين البدائي السحري، بينما ديانات الإمبراطوريات الكبرى تميل بشكل ما إلى التوحيد الديني)، أقول هذا التطور بحد ذاته يدعم مسألة النشأة البشرية للأديان، فلو كانت المسألة مسألة وحي قديم و مصدر سماوي واحد لتوقعنا رؤية أديانا متطورة عند أنظمة اجتماعية بدائية، و هو ما لا نراه في أي مكان.

ثم مكانيا، حين نفحص خريطة الأديان القديمة نجد أنها تتشابه كلما اقتربت، و تختلف كلما تباعدت ؛ بمعنى آخر الدين يتشابه مع الأديان التي سبقته زمنيا و قاربته جغرافيا : اليهودية تشبه عقيدة مصر و بابل و فارس التي نشأت وسطها، و لا تشبه ديانة مثلا شنتو اليابانية، و المسيحية تشبه عقائد اليهودية و اليونانية التي نشأت وسطها، و لا تشبه مثلا ديانة سكان استراليا الأصليين، و الإسلام يشبه عقائد اليهودية و الوثنية العربية التي نشأ وسطها، و لا يشبه مثلا ديانة الهنود الحمر – هذا النمط في التشابه يدعم مسألة النشأة البشرية للأديان، فلو كانت المسألة مسألة وحي قديم و مصدر سماوي لتوقعنا تشابها كبيرا بين أديان حضارات متباعدة جغرافيا، و هو ما لا نراه.

هكذا أرى أن تفحص خريطة الأديان، زمانيا و  مكانيا، يرينا نمطا شبيها بما نراه في شجرة الحياة التطورية، حيث الإنقال دوما من الأبسط إلى الأكثر تعقيدا، و حيث التشابه دائما بين الأنواع القريبة صلة و بيئة- مما يشي بتطور تدريجي طبيعي لا خلق صناعي فجائي.

هناك تعليقان (2):

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. لو لم يُكتب بالإلحاد سوا هذا المقال لكفانا

    ردحذف