المسلم الوسطي القرآني المعتدل
المودرن، صاحب الدين الجديد الذي يبشرنا به بين الحين و الآخر، و المدعو
بـ"الإسلام الحقيقي" ، يعتقد بأن خالق الكون أنزل دينه الخاتم على
البشرية كلها ، ثم لم ينجح أحد في فهم ذلك الدين بشكل صحيح على مدار 1400 سنة، حتى
جاء سيادته أخيرا إلى الكون ليفسر رسالة الخالق اللوغارتمية - التي أنزلها فيما
يبدو على أمة من البهائم عديمي الفهم.
هذا المسلم المودرن- غالبا- ليس لديه
أي تخصص ديني أو فقهي أو معرفة خاصة لم تتوفر لغيره، لكنه مع ذلك مصر تماما أنه
أعلم بالإسلام من ابن عباس و أبو هريرة و أبو حنيفة و الشافعي و مالك و ابن حنبل و
البخاري و مسلم و الطبري و ابن كثير و ابن تيمية و القرضاوي و الشعراوي..إلخ ، و
هو مندهش دوما كيف أننا نتمسك بكلام أولئك المشايخ و الفقهاء و المفسرين، و لا
نفضل عليه كلام شخص مجهول يكتب على فيسبوك.
ثم إنه يعتقد بأن المسلمين منذ القدم
تعاونوا على تزوير التاريخ بحيث يشوهون تاريخ نبيهم و يلصقوا به أمورا مخجلة و
أفعالا دموية، بدلا من سيرته العطرة "الحقيقية" ، مع ملاحظة أن أخانا
المؤمن المودرن هو الوحيد الذي يمتلك مفتاح فهم التاريخ و القادر على فرز الصحيح
من الخاطئ فيه.
و الملاحظ أن صاحبنا في نشاطه الدعوي
ليست أولويته أن ينير المسلمين الجهلة بدينهم، المجمعين على خطأ، فيهتم بتصحيح
مفاهيمهم المعوجة بما أتاه الله من علم، و إنما هو مهتم بالأساس بمخاطبة الملحدين
ليشرح لهم دينه الجديد- القديم، فيحاول أن يفهمهم دين لا يفهمه أصحابه أنفسهم على
حد زعمه.
و بعد شيء من التفكير أعتقد أن هذا
التوجه له أسبابه الموضوعية تماما، فالمسلم الوسطي حين يناقش الملحدين فهو لا يفقد
سوى كرامته العلمية و الفكرية في أسوأ الأحوال حين يظهرون سخافة كلامه، بينما هو
لو توجه بدعواه الجديدة إلى إخوانه من المسلمين فسيكون مهددا بفقد رأسه ذاتها و
انفصالها عن جسده - و لا يخفى عليكم أن اختيار أهون الضررين هو من الأبواب الحكيمة
جدا في التراث الإسلامي و الإنساني عموما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق