السبت، 9 أبريل 2016

عجائب الوسطية





المسلم الوسطي القرآني المعتدل المودرن، صاحب الدين الجديد الذي يبشرنا به بين الحين و الآخر، و المدعو بـ"الإسلام الحقيقي" ، يعتقد بأن خالق الكون أنزل دينه الخاتم على البشرية كلها ، ثم لم ينجح أحد في فهم ذلك الدين بشكل صحيح على مدار 1400 سنة، حتى جاء سيادته أخيرا إلى الكون ليفسر رسالة الخالق اللوغارتمية - التي أنزلها فيما يبدو على أمة من البهائم عديمي الفهم.

هذا المسلم المودرن- غالبا- ليس لديه أي تخصص ديني أو فقهي أو معرفة خاصة لم تتوفر لغيره، لكنه مع ذلك مصر تماما أنه أعلم بالإسلام من ابن عباس و أبو هريرة و أبو حنيفة و الشافعي و مالك و ابن حنبل و البخاري و مسلم و الطبري و ابن كثير و ابن تيمية و القرضاوي و الشعراوي..إلخ ، و هو مندهش دوما كيف أننا نتمسك بكلام أولئك المشايخ و الفقهاء و المفسرين، و لا نفضل عليه كلام شخص مجهول يكتب على فيسبوك.

ثم إنه يعتقد بأن المسلمين منذ القدم تعاونوا على تزوير التاريخ بحيث يشوهون تاريخ نبيهم و يلصقوا به أمورا مخجلة و أفعالا دموية، بدلا من سيرته العطرة "الحقيقية" ، مع ملاحظة أن أخانا المؤمن المودرن هو الوحيد الذي يمتلك مفتاح فهم التاريخ و القادر على فرز الصحيح من الخاطئ فيه.

و الملاحظ أن صاحبنا في نشاطه الدعوي ليست أولويته أن ينير المسلمين الجهلة بدينهم، المجمعين على خطأ، فيهتم بتصحيح مفاهيمهم المعوجة بما أتاه الله من علم، و إنما هو مهتم بالأساس بمخاطبة الملحدين ليشرح لهم دينه الجديد- القديم، فيحاول أن يفهمهم دين لا يفهمه أصحابه أنفسهم على حد زعمه.

و بعد شيء من التفكير أعتقد أن هذا التوجه له أسبابه الموضوعية تماما، فالمسلم الوسطي حين يناقش الملحدين فهو لا يفقد سوى كرامته العلمية و الفكرية في أسوأ الأحوال حين يظهرون سخافة كلامه، بينما هو لو توجه بدعواه الجديدة إلى إخوانه من المسلمين فسيكون مهددا بفقد رأسه ذاتها و انفصالها عن جسده - و لا يخفى عليكم أن اختيار أهون الضررين هو من الأبواب الحكيمة جدا في التراث الإسلامي و الإنساني عموما.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق