السبت، 9 أبريل 2016

"المسيحية ليست دينا"...... حقا؟!





أكثر من تحاورت معهم من الأحباء المسيحيين يصرون على ترديد تلك العبارة بحماس في كل مناسبة، أو حتى بدون مناسبة : أن المسيحية لا تعتبر دينا و إنما هي علاقة شخصية مع الله.

هنا نتفحص مدى دقة تلك العبارة، فنسأل ما هو الدين و هل ينطبق تعريفه على المسيحية، و هل تم ذكر كلمة "دين" في الكتاب المقدس، و هل قال يسوع أنه جاء بدين جديد، و ما سبب تركيز المسيحيين و إصرارهم أن ما يعتنقونه ليس دينا.

---------------------------------------------
1-  ما هو الدين؟

بعيدا عن الأصل اللغوي لكلمة "دين" (الذي يعني باللاتينية "الصلة" و "الرابط" و "الإلتزام") فللدين اصطلاحا عدة تعريفات و توصيفات أكاديمية متنوعة موجودة ، سنمر ببعضها -  لنرى إن كانت تشمل المسيحية أم لا.

 الدين religion هو:
- الإيمان بإله أو بمجموعة آلهة.

- نظام  من المعتقدات و الطقوس و الشعائر و القواعد المخصصة لعبادة إله أو مجموعة آلهة.

- اهتمام أو إيمان أو نشاط مهم لفرد أو جماعة.

- خدمة أو عبادة إله أو قوى خارقة للطبيعة.

- حالة فردية أو نظام مؤسسي يتضمن سلوكيات و معتقدات و ممارسات دينية.

- قضية أو مبدأ أو نظام عقائدي يتم التمسك به بعاطفة و إيمان.

----------
- الدين هو الإيمان بقوة خارقة مهيمنة و عبادتها ، خاصة إله شخصي أو آلهة.

- نظام معين من الإيمان و العبادة.

- سعي أو اهتمام يتم اتّباعه بتكريس كبير.

----------
الدين هو علاقة البشر بما يعتبر مقدسا، مطلقا، روحانيا، أو جديرا بتوقير خاص.
----------

نجد أن الدين هو مجموعة من المعتقدات، الأطر الثقافية، و وجهات النظر العالمية، و التي تربط الإنسانية بنظام وجودي ؛ و تحتوي العديد من الأديان على قصص و رموز و تاريخ مقدس يهدف لشرح معنى الحياة و أصل الكون ؛ و من تلك المعتقدات حول الوجود و الطبيعة الإنسانية يستمد البشر أخلاقياتهم و شرائعهم الدينية ؛ كما نجد أن كثيرا من الأديان تتضمن سلوكيات منظمة، كهنوت، تعريف يحدد الأفراد المنضمين لها، أماكن مقدسة، نصوص مقدسة ؛ و ممارسة الدين قد يتضمن طقوسا و شعائر تقديس (لإله أو مجموعة آلهة) و قرابين و أعياد و ولائم و مراسم و تأملات و صلوات و موسيقى و فنون و رقص و خدمة اجتماعية بالإضافة إلى سائر عناصر الثقافة الإنسانية.

ثم تسرد ويكيبيديا عدة تعريفات لأكاديميين و فلاسفة، يحاولون تصنيف الدين بعدة أشكال لا تبتعد عما ذكرناه.
 
----------
فهل تلك التعريفات السابقة للدين تنطبق على المسيحية؟

الجواب القطعي بنعم؛ فالمسيحية تتضمن كل عنصر تقريبا من عناصر الأديان، بداية من الإيمان بإله و عقيدة و اتباع لنصوص كتابية مقدسة، مرورا باحتوائها على معابد و أماكن مقدسة و كهنوت منظم ، وصولا إلى ممارستها لطقوس و شعائر و مراسم و أعياد..إلخ، فهي ليست دينا فقط و إنما دين نموذجي يوافق كل تعريف ممكن للدين.

و كون المسيحية تحتوي على علاقة شخصية مع الله فهذا لا يغير من الأمر شيئا، إذ أن جميع الأديان تقريبا تتضمن علاقة شخصية مع الله- هذا لا ينفي كونها دينا بل يؤكده، ثم أن المسيحية تحتوي على عناصر دينية أخرى جوار ذلك كما ذكرنا.

و لهذا ليس من الغريب أن أي مصدر أكاديمي أو علماني حين يقوم بتعريف الدين فإنه يذكر المسيحية كمثال ضمن تلك الأديان ، و حين يقوم بتعريف المسيحية فأول صفة يذكرها عنها أنها دين - هذا ينطبق على ويكيبيديا أو غيرها، فعلى ما يبدو أن الوحيدين الذين لا يرون المسيحين دينا هم المسيحيون التقليديون حسبما تم تلقينهم.

---------------------------------------------
2- هل يوجد أي نص من الكتاب المقدس، على لسان يسوع أو غيره، ينفي بوضوح أن المسيحية دين؟

لا ؛  إخراج المسيحية من دائرة الأديان هي مجرد فكرة أخرى اخترعها المسيحيون دون أن يكون لها أصل في كتابهم.

---------------------------------------------
3- لكن الكتاب المقدس- يقولون - لا يحتوي على كلمة "دين".

خطأ.

في العهد الجديد نقرأ من رسالة يعقوب، الأصحاح الأول، 26 و 27 (إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ، فَدِيَانَةُ هَذَا بَاطِلَةٌ. اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللَّهِ الآبِ هِيَ هَذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ).

هنا نجد الكلام عن الديانة الباطلة و الديانة الحقة؛ و الكلمة اليونانية المستخدمة في النص "ثريسكيا" تعني ديانة أو دين religion ، و هكذا تضعها الترجمات المختلفة للكتاب المقدس ؛  وفي موضع آخر استخدمت نفس الكلمة اليونانية أيضا بمعنى "ممارسة العبادة" (رسالة كولوسي 2:18).

و في مواضع أخرى نجد إطلاق لقب "مسيحيين" على أتباع يسوع، مما يؤكد أننا نتحدث عن جماعة إيمانية أخرى.

(وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلاً) أعمال الرسل 11:26.

(فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً») أعمال الرسل 26:28.

(فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِلٍ، أَوْ سَارِقٍ، أَوْ فَاعِلِ شَرٍّ، أَوْ مُتَدَاخِلٍ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) بطرس الأولى 4:16.

---------------------------------------------
4- و لكن المسيح لم يقل أبدا أنه جاء بدين جديد.

صحيح، فعلا يسوع لم يقل أبدا أنه جاء بدين جديد؛ و ذلك لسبب بسيط جدا : أنه ولد و عاش و مات يهوديا!

المسيح من أصل يهودي (متى 1:1،17 ، و لوقا 3:23،38) والداه يهوديان متبعان للشريعة (لوقا 2:39 و لوقا 1:6) و تم ولادته في ظل الشريعة اليهودية (رسالة غلاطية 4:4) و تم ختانه (لوقا 2:21) و تم تقديم ذبيحة للرب (لوقا 2:24)، و كان يذهب إلى الهيكل منذ طفولته (لوقا 2: 42-46) و حين كبر كان مداوما على حضور المجمعات اليهودية يوم السبت (لوقا 4:16) و كان يقوم بالتدريس في هيكل أورشليم (لوقا 21:37) ؛ و في مواضع مختلفة نجده محافظا على تتبع جميع الأعياد و الطقوس اليهودية، كما سنجده مؤمنا بجميع القصص و التعاليم التي وردت في العهد القديم ؛ و في موعظة الجبل خاطب الناس قائلا أنه لم يأت لينقض الشريعة بل ليكملها (متى5:17) و أكد أن تلك الشريعة لن تزول أبدا (متى 5:18)، كما قرن الخلاص الأخروي بالإلتزام بتلك الشريعة و حذر الجميع من مخالفة أي وصية فيها (متى 5:19).

بعد هذا من الطبيعي أن لا يقول المسيح أنه يؤسس دينا جديدا، و على الجانب الآخر فهو لا ينفي أنه يتبع دينا – ذلك لأنه بالفعل بداخل دين قديم هو اليهودية.

و لكن لأن الأديان دائما لا تقوم على أفكار المؤسس وحده ، فقد تطورت المسيحية كمذهب يهودي تبلور و صار مع الوقت دينا مستقلا عن اليهودية ؛ و حسب الكتاب المقدس فهذا الإنفصال حدث عبر القرن الأول الذي شهد ولادة الدين الجديد.

---------------------------------------------
5 – و لكن لماذا كثير من المسيحيين حريصون للغاية على تأكيد أن المسيحية ليست دينا؟

لعل المسألة تتعلق بما يسمى "التوسل بالخصوصية" Special pleading ، و هي مغالطة منطقية تتضمن محاولة إظهار الشيء على أنه "ليس كالآخرين" بل هو استثناء من القاعدة و بالتالي يستحق معاملة خاصة.

مثال:
 - شخص يعترف أن الدكتاتورية أمر خاطئ و سيء.
- و لكن هذا الشخص يحب هتلر و  لا يريد إدانته.
- بالتالي لا يجد صاحبنا إلا أن يجادل بأن هتلر ليس كأي دكتاتور، بل لديه وضع خاص مختلف عن أي دكتاتور آخر.

و هذا ما يفعله البعض مع المسيحية، يسعون لمنحها أفضلية خاصة على بقية الأديان الأخرى بهدف إنقاذها من معايب تلك الأديان و إظهار أن دينهم متميز عنها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق