السبت، 24 سبتمبر 2016

سخافة الحجج ضد النباتية




النباتية هي الإمتناع عن تناول اللحوم (البقر و الدجاج و الأسماك..إلخ).

و تنقسم إلى عدة أنواع فرعية أهمها Vegetarianism و هو نظام يسمح بأكل المنتجات الحيوانية دون اللحم (كالبيض و الألبان و العسل)، و veganism و هو نظام يتجنب المنتجات الحيوانية كلها و يكتفي بالمنتجات النباتية فقط.

الناس تختار النظام النباتي لأسباب عديدة، منها أسباب صحية أو أخلاقية.

ليس الهدف هنا هو الترويج للنباتية، و إنما توضيح بعض الأمور بشأنها حسب معرفتي، و الرد على بعض الحجج ضدها، و التي أرى أكثرها سخيفا جدا.
------------------------------------------

- من الناحية الصحية
هناك الكثير جدا من الدراسات حول المقارنة بين الأنظمة الغذائية المختلفة، و ما استخلصته منها أن النباتية نظام جيد من الناحية الصحية : بشكل عام النباتيون لديهم معدلات وفاة أقل من اللاحمين، و إصابتهم أقل بكثير في نسب أمراض القلب و السكري و السرطان و غيره.

علما بأن الشخص اللاحم المنظم الذي يقلل من تناول اللحوم خاصة الحمراء (اللحوم البيضاء و الأسماك أفضل) مع الإكثار من تناول الخضروات و الحبوب و البقوليات فهذا أيضا يعتبر نظاما جيدا من الناحية الصحية.

على الجانب الآخر النباتي غير المنظم ستنقصه بعض العناصر الغذائية: أهمها البروتين و الكالسيوم و فيتامين بي (خاصة بي 12 و أوميغا 3)

النباتي لديه أفضلية تتمثل في أنه حين يقلل من اللحوم سينوع طعامه أكثر ما بين الخضروات و الحبوب و البقوليات و بالتالي سيحصل على تغذية أفضل من الشخص الذي تكون وجبته هامبرغر و بيتزا فقط ، و لكن النباتي في نفس الوقت سيحتاج إلى وعي و قراءة حتى يدرك العناصر التي قد تنقصه و يتداركها، و هو أمر ممكن جدا.
------------------------------------------

- من الناحية الأخلاقية
لا يمكن فصل تعريف الخير و الشر الأخلاقيين عن تعريف النفع و الضرر أو اللذة و الألم.. و يصعب المجادلة في أن قتل كائن، يحس و يتألم، ثم التهام لحمه، هو عملية قاسية بل ربما همجية.


و يزداد الأمر وضوحا لو كان ذلك الفعل هو لمجرد التلذذ بطعم اللحم و غير حتمي لبقائنا- و وجود النباتيون أحياء بيننا لهو أبسط و أوضح دليل على أنه يمكن للإنسان البقاء بدون التهام لحم كائن آخر.
الشخص العادي – اللاحم- يعترف بذلك ضمنا حين يرفض أن يأكل لحم بعض الحيوانات    القطط و الكلاب مثلا، بل غالبا سيشعر بالشفقة عليها لو تم ذبحها   و سيتقزز من المنظر ، مما يعني أن قتل و أكل البقر و الخراف و الدجاج و الأسماك..إلخ- هو أمر نتقبله فقط لأننا اعتدنا عليه، و هذا لا يجعل الأمر مقبولا من الناحية الأخلاقية.
------------------------
-- و لكن أكل اللحم هو جزء من نظام الطبيعة: الإفتراس!، أليس كذلك؟

نعم هذا صحيح، الإفتراس موجود في الغابة و فعله أجدادنا، و كذلك القتل و السرقة و الإعتداء و الإغتصاب..إلخ.

و السؤال هو: هل وجود الشيء في الطبيعة يجعله مقبولا لنا اليوم؟

لو فرقنا- اصطلاحا- بين أفعال البشر و بين الطبيعة ، فسنجد أن كل التقدم الأخلاقي و المعرفي الذي أنجزته البشرية هو مضاد للطبيعة: العدل و المساواة هي أمور لا وجود لها في الطبيعة، و كذلك نظام الدول و الديمقراطية و حقوق الإنسان..إلخ، كلها أمور إنسانية مفتعلة لم يكن يعرفها أجدادنا- البدائيون الجهلة - فضلا عن أن يمارسوها.


و من يجد في نفسه إخلاصا مبالغا فيه للطبيعة – أمنا العزيزة الصماء القاسية- فعليه أن يترك كل تلك المدنية "غير الطبيعية" و يذهب ليحيا في مغارة أو كهف في غابة، يصطاد و يتقاتل على الطعام و الجنس مع إخوانه من الكائنات "الطبيعية" الأخرى التي تفتقد إلى العقل و إلى الإرتقاء المجتمعي الذي حققه البشر بعد طول عناء.

باختصار: الطبيعة تمثل فقط "ما جئنا فوجدناه" على هذا الكوكب، و لكنها لا تمثل ما "يجب أن يكون" و لا تأمرنا بشيء كأنها صنم معبود.. حين خرجنا من الكهف و اكتشفنا الزراعة ثم الكتابة صرنا أكثر ذكاءا و رحمة و عدلا و إنسانية من الطبيعة.. و كما تقدمنا فمنحنا أنفسنا حقوقا إنسانية (غير طبيعية) فمع مزيد من التقدم نمنح الحيوانات حقوقا حيوانية (غير طبيعية أيضا).
------------------------
-- و لكن النباتات أيضا تتألم، فعلى النباتيون إذن أن يتوقفوا عن أكلها، و إلا فهم منافقون يكيلون بمكيالين!

هنا الحجة تشبه الموقف الإفتراضي التالي : يأتيك شخص آكل للحوم البشر، تعترض على ما يقوم به فيتهمك بالنفاق: أنت يا عزيزي تلتهم الدجاج و هو يتألم أيضا مثل البشر، و بالتالي لا يحق لك الإعتراض على أكلي للبشر!

(و بالمناسبة أكل البشر للبشر هو أمر كان يمارسه أجدادنا أيضا، و بالتالي يعتبر أمرا "طبيعيا" بامتياز أي أنه يتماشى مع حجة الطبيعيين، فلعلهم يطالبون بالسماح به من هذا المنطلق!).

صاحبنا في المثال يصور المسألة و كأن أكل البشر يساوي أكل الدجاج، لمجرد أن هذا يتألم و ذاك يتألم ، و بالمثل صاحب حجة "النباتات تتألم" يصور المسألة و كأن أكل البقرة يساوي أكل التفاحة، لمجرد أنه يعتقد أن هذا يتألم و ذاك يتألم.

أين الخطأ في تلك الحجة؟ الخطأ هو مساواة غير المتساوين : الكائنات لا تتساوى فيما بينها، و إنما تتباين في عقلها و مشاعرها و تألمها الجسدي و النفسي، و بالتالي في حقوقها و أسلوب التعامل معها.

و لهذا فلا أحد يقول أن قتل البشر يساوي- أخلاقيا- قتل سمكة، و لهذا حين يطالب أحدهم باحترام حقوق الحيوانات فهو لا يطالب بحقهم في التصويت في الإنتخابات مثلا!، و إنما بالأساس في حقهم في عدم التألم أو الأيذاء- ذلك لأن الحقوق تتغير بتغير حجم شعور الكائن و امكانياته العقلية : حتى حقوق الطفل تختلف عن حقوق الراشد.

أما الدراسات إياها في الروابط التي يتم تداولها فهي لا تثبت أن النبات يتألم ، حتى و إن قيل ذلك في عنوان الخبر على سبيل الإثارة الصحافية ، و إنما هي تقول أنه يصدر ردات فعل كيميائية تجاه ما يتعرض له من عدوان خارجي، و هذا لا يثبت وجود الألم، و القول بذلك يشبه القول أن الحجر حين أكسره يصدر صوتا و هذا معناه أنه يصرخ ألما!

شعور الألم- كالذي نشعر به- هو مسألة معقدة مرتبطة بالجهاز العصبي و قشرة المخ، و الذي لا يمتلكه النبات، حتى أن هناك جدل علمي حول ما إذا كان السمك يتألم أم لا، بسبب أن قشرة المخ عنده بدائية (الأرجح أنه يتألم بشكل ما، و لكن أقول أن وجود الخلاف نفسه يبعد شعور الألم عما هو أدنى من الأسماك بيولوجيا، كالنباتات).

بالتالي حتى لو افترضنا أن للنبات نوعا ما من الشعور (و هذا وارد) فلا يوجد أي سبب لنقارنه بالمشاعر التي نعرفها أو يعرفها كل من لديه جهاز عصبي و مخ متطور.

و بعيدا عن التعقيد العلمي: هل لديك القدرة على أن تمسك سكينا و تقطع ساق قطة مثلا، كما أن لديك القدرة على قطع فرع شجرة أو قضم حبة طمامم؟ هل لديك القدرة على أن تقول أن الوضعين متساويان؟ لا أظن.

الحقيقة أن تلك الحجة أسوأ من حجة آكل لحوم البشر المذكورة في الأعلى، و ذلك لكون المسافة البيولوجية بين الدجاج و البشر هي أقل من المسافة بين النبات و الحيوانات التي نأكلها، و بالتالي فالمقارنة الثانية أبعد.

ثم لنقفز و نسأل سؤالا آخر: حتى لو افترضنا جدلا أن النبات يتألم كالحيوان، فيصبح السؤال: من الذي يتسبب في قتل نباتات أكثر: النباتي أم اللاحم؟

الجواب هو الثاني!، لأن الحيوانات التي يتم استيلادها و تربيتها خصيصا لتصنيع اللحوم تلتهم كميات هائلة من النباتات، و بالتالي حين تلتهم أنت ستيك بقري فإن ذلك اللحم سيتضمن 1- قتل حيوانا واحدا، و 2- قتل كميات من النباتات أكثر مما يأكله الشخص النباتي.

و هذا يمثل ردا على حجة أخرى ضد النباتية: و هي حجة أن عدم أكل الحيوانات سيخل بالتوازن البيئي.. فقائل هذا الكلام فاته أن الحيوانات التي نأكلها يتم تربيتها خصيصا لتوريد اللحوم - فهي كثيرة لأننا نأكلها، و لسنا نأكلها لأنها كثيرة!

و بالمناسبة، النباتات بالفعل كائنات لها نوع من الحياة و ربما نوع من الشعور الغامض بالنسبة لنا، و بالتالي يجب احترامها و تجنب أذاها قدر الإمكان (بالإضافة لفوائدها البيئية)، و لكن إن لم نتمكن كبشر من الإستغناء عن الطعام النباتي لحياتنا، فيمكننا على الأقل التخلي عن الطعام الحيواني- و هذا يعتبر تقدما جزئيا مهما لصالح الحيوان و لصالح النباتات أيضا.

و حين يأتي اليوم الذي يتمكن البشر من إيجاد بديل عن التهام أي كائن حي ، كما توجد اليوم بدائل عن أكل اللحوم، فحينها ربما يصبح أكل النباتات أمرا خاطئا.
------------------------

في الماضي كانت نسبة كبيرة من البشر يمتلكون العبيد، و لا يمكن افتراض أن جميع أولئك "الأسياد" كانوا بالضرورة أشرار منعدمو القلوب لأنهم قبلوا بذلك النظام- الذي نعتبره اليوم ظالما و همجيا- بل على الأرجح أنهم لم يستنكروه لأنه كان سائدا\عاديا\طبيعيا و لم يروا له بديلا واضح، و كذلك أكثر الناس تحكم على الشيء حسب العادة و الموروث    .

و اعتقادي أن أحفادنا لن يأكلوا اللحم بل ستكون البدائل الأخرى أكثر انتشارا، و اعتقادي أنهم سينظرون إلينا كما ننظر نحن اليوم إلى ملاك و تجار العبيد في الماضي، فالأكيد أنه كلما تقدمت البشرية أخلاقيا كلما اتسعت مظلة الرحمة و الحقوق، لتشمل البشر الآخرين ثم الكائنات الأخرى.

هناك تعليقان (2):

  1. كنت سأوافقك الرأي لو كان التوجه النباتي حقا يوصلنا إلى النتيجة المرغوبة والتي ذكرتها ... أي أن تحولي إلى شخص نباتي كفرد لن يغير من حقيقة موت العديد من الكائنات يوميا في سبيل اشباع بطن الانسان ... إذا كانت بحوزتك إحصائيات عدد الثدييات التي يتم التغذي عليها من قبل الإنسان لعرفت تفاهة تأثيرك على المحيط وعلى البيئة بتحولك إلى نباتي **يحافظ على حياة الكائنات الحية الحيوانية** ... ستقول لي **لا يهم إذا توقف الانسان عن قتل الحيونات نهائيا ليتغذى عليها مادمت قد ساهمت ولو بالبسيط من خلال الإبقاء على حياة بعض الكائنات الحيوانية التي كنت سأتناولها لو بقيت حيوانيا** وأنا أقول لك أن الأمر لا يسير بهذ الطريقة ... لأن العدد الذي سيتم ذبحه وبيعه و شراؤه هو نفسه ولن يتأثر حتى لو تحول كل أفراد حيك إلى نباتيين ...
    وفي انتظار ردك لأن لي حجج أخرى ... بالمناسبة أنا معجب بطريقة تحليلك للمواضيع وفهمك لها من منظور موضوعي . مع تحياتي _IB

    ردحذف
  2. استغرب دومًا ممن يرددوا أننا لم نعد جزء من الطبيعة الأم حينما تحولنا لإنسان! شئنا أم أبينا ما زلنا جزءًا من الطبيعة الأم ونتصرف وفق قوانينها والإنسانية نتاج الطبيعية الأم وهي أمر خاص بالإنسان وحده ولا تخرج عن حدود مجتمعاتنا وتعاملنا فيما بيننا (أي لا يمكنك أن نطبق الإنسانية مع غير الإنسانيين)، [وعندي الإنسانية ليست متعلقة بذات كل فرد منا وإنما هي منظومة ناتجة ومتطورة عن المجتمع البدائي للبشر (أي نسخة مطورة من المجتمع البشري)، المفيد من هذا أن الإنسانية
    ليست أكثر من منظومة مجتمعية متطورة وحسنة بالنسبة لأفراد المجتمع البشري وليست شيء نبيل بذاته وينشر الورد والخير أينما حل]

    دعني استعرض معك بعضا مما سيحصل لو أننا كلنا اخترنا النباتية، سنبدأ بمضاعفة مساحات المزارع وهذا بدوره سيقتل بيئات معظم الكائنات الحية بدون الكائنات الحبة لن نتمكن من الاستمرار في الزراعة لأن التربة لن تعود صالحة للزراعة بدون تسميد الحيونات لها وسنكون نحن وبعض الحيوانات التي لديها جهاز بولي يشبه جهازنا والتي تمكنت من النجاة في ظل الظروف الجديدة هذه الوحيدين القادرين على تسميد التربة وهو أمر أشك في قدرتنا على تغطيته، هذا غير استهلاك الماء الشديد وغير المحاصيل الاي ستفسد... على أي حال ستتمكن الطبيعة الأرضية من إزاحة بعض من خصائصها ومكوناتها يمينا ويسارا حتى تعود للتوازن، ولكن هل نضمن بقاءنا بعد التعديلات التي ستجريها طبيعة الأرض على نفسها أم سنكون أحد دافي الثمن؟

    وفي النهاية لا تنسى أن الأغنام ستفترس من قبل الذئاب وستشعر بالألم على أية حال بل ربما ألم أشد فالذئب لن يقوم بذبحها أو تخديرها قبل قتلها، الإنسانية تخصنا نحن فقط وتسعى لإعاشتنا نحنا في بيئة أفضل وآمن وأقل ألمًا لنا نحن فقط، الإنسانية تشمل ألا تقتل الغنم دون تخديره ليس لأننا نكترث لألمه بل لأن ألمه يزعجك ويسبب الحزن لك وقد يؤلموك وهو ما لا نرغب به نحن الناس لك لأنك منا ونحن نسعى لأن تكون حياتك أقل ألمًا

    ربما هناك لحظة في التاريخ (أو فترة) حولت مجتمعاتنا إلى النسخة الأحدث النسخة الإنسانية ومنذ ذاك الحين ونحن نسعى لتحقيق حياة أحسن لأفراد مجتمعنا، وقد تكون هناك لحظة أخرى (فترة) تحولنا وبعض من الحيوانات الأخرى إلى مرحلة جديدة سندعوها س، ولحظة أخرى تحولنا مع كائنات أخرى إلى مرحلة أخرى سندعوها ص وهكذا... المهم أن الإنسانية مرحلة خاصة بنا وأقول هذا لأن الواقع يفرض هذا وليس مجرد تعريف اصطلاحي مثلا.

    ردحذف