في إنجيل لوقا، وفي سياق الحديث عما يسمى "خبز ملكوت الله"، نجد يسوع الملقب بالمسيح يضرب مثلا لأتباعه، في شكل قصة رمزية كالمعتاد:
فقال له (يسوع)
"إنسان صنع عشاء عظيما ودعا كثيرين،
وأرسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين: تعالوا لأن كل شيء قد أعد.
فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون. قال له الأول: إني اشتريت حقلا، وأنا مضطر أن أخرج وأنظره. أسألك أن تعفيني.
وقال آخر: إني اشتريت خمسة أزواج بقر، وأنا ماض لأمتحنها. أسألك أن تعفيني.
وقال آخر: إني تزوجت بامرأة، فلذلك لا أقدر أن أجيء.
فأتى ذلك العبد وأخبر سيده بذلك. حينئذ غضب رب البيت، وقال لعبده: اخرج عاجلا إلى شوارع المدينة وأزقتها، وأدخل إلى هنا المساكين والجدع والعرج والعمي.
فقال العبد: يا سيد، قد صار كما أمرت، ويوجد أيضا مكان.
فقال السيد للعبد: اخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي،
لأني أقول لكم: إنه ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي".
لوقا 14 (16-24).
مختصر القصة أن رجلا ثريا دعا أشخاصا للعشاء، فرفضوا متحججين بأمورهم الدنيوية، فما كان منه إلا أن أمر خادمه أن يخرج إلى الطرقات ويجمع المساكين والمعوقين ليأتوا إلى بيته بدلا من المدعوين الأصليين..
والواضح (وما جاء بالتفاسير المسيحية) أن صاحب الدعوة يرمز إلى الله، والدعوة للعشاء ترمز لملكوت الله الذي يدعو له، والمغزى أن من سيخلص ويدخل إلى الملكوت ليس بالضرورة المشهورين بالصلاح والتدين مثل الكهنة ، وإنما قد يدخله المنبوذون والخطاة أيضا وكل من يقبله..
ولكن احتوى كلام يسوع على تعبير خطير في الآية 14-23 ، هو "ألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي"، حيث أن السيد أمر خادمه بالخروج إلى الطرقات مرتين: مرة للدعوة، وحين لم يمتلئ البيت جعله يخرج مرة ثانية لإلزام الناس بالحضور إلى دعوته..
بالطبع، وكعادة النصوص الدينية، فيمكن تأويل "الإلزام" هنا بعدة أشكال مختلفة، فهناك من حاول التخفيف من المعنى وجعله "الإلحاح بالإقناع"..
وقد بحثت بالمعاجم عن التعبير اليوناني المستخدم، ووجدت أنه يأتي بمعنى الإضطرار والإلحاح وأحيانا الإجبار..
كما وجدت أنه هو ذات اللفظ المستخدم في كلام بولس عن نفسه أنه قبل إيمانه كان يجبر المسيحيين على التجديف، وهو ما لم يكن يتضمن الإقناع طبعا وإنما الإجبار والعقاب والنفي، حيث يقول (وفي كل المجامع كنت أعاقبهم مرارا كثيرة، و"أضطرهم" إلى التجديف. وإذ أفرط حنقي عليهم كنت أطردهم إلى المدن التي في الخارج) أعمال الرسل 26 - 11، فاللفظة اليونانية التي تعني "ألزم\اضطر" هي نفسها في كلام بولس وكلام يسوع..
إذن فالنص يحتمل بالفعل معنى الإجبار، والأهم من ذلك أنه تاريخيا تم فهمه من قبل الكنيسة الرسمية على أنه يأمر بتتبع الناس في كل النواحي وإلزامهم بالدخول إلى المسيحية قهرا وبالقوة حتى وإن رفضوا..
هذا حدث على سبيل المثال فيما يسمى "فتنة الدوناتيين"، وهي حركة انشقاق دينية مسيحية وقعت في شمال أفريقيا في القرن الرابع إلى السادس، وكان من أشد المعادين لها هو القديس- حينها الأسقف- أوغسطينوس، والذي كتب في إحدى رسائله يستشهد بقصة الوليمة المذكورة التي حكاها يسوع، مبررا إمكانية استخدام القمع ضد المهرطقين، وإجبارهم على اتباع طريق العقيدة القويمة، وهو ما قام به المسئولون الرومان بكفاءة مستخدمين المصادرة والنفي والقتل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق