السبت، 1 يونيو 2019

المعجزة لا تثبت شيئا



الخوارق والمعجزات - إن سلمنا بحدوثها- لا تثبت وجود إله أو صحة دين من الأديان..

ذلك لأن المعجزة بطبيعتها هي حدوث شيء يخالف الحس والبديهة ويتحدى المألوف ويستعصى على التفسير، وهذا يتنافى بالكلية مع محاولة ربط الأشياء منطقيا ببعضها للخروج باستنتاج متزن..

المعجزة تنتج الإندهاش وليس الإستنباط.. ولو أننا نجحنا في تفسير المعجزة منطقيا وبناء استنتاجات منطقية عليها فلن تصبح معجزة، أما لو أننا أصرينا على الإحتفاظ بها كمعجزة فهذا يعني أننا - بالضرورة- نعجز عن فهمها أو تفسيرها أو استنباط نتائج مترتبة عليها..   

بالتالي فالخوارق والمعجزات - إن سلمنا بحدوثها- لا يمكنها أن تثبت أي شيء، سوى أن شيئا ما ليس على ما يرام، حيث يبدو أن قوانين الطبيعة قد تم خرقها أو تعطيلها، أو ربما فهمنا لهذه القوانين نفسه هو فهم مختل خاطئ.. أما مصدر ذلك الخلل، وهل هو إله أم شيطان أم سحر أم عفاريت أم كائنات فضائية أم مجرد علم جديد نجهله، فسيظل موضع حيرة وغموض وتشويش، وهي ليست صفات عارضة وإنما هي صفات أساسية لصيقة بتعريف المعجزة نفسه، حيث أنه لو زالت الحيرة والتشوش والغموض فلن نصبح أمام معجزة وإنما مجرد علم جديد، وحتى يحدث ذلك فلا مجال لاستنباط.. 

فحتى لو شهدنا معجزة بأعيننا، فهذا سيثبت شيئا واحدا هو أن العالم لا يبدو أنه يسير بشكل منطقي كما تصورنا، فما حسبناه قواعد ثابتة (علم) تبين أنه أكثر مراوغة وفوضوية، كما يعني أن العالم تسيره قوى خفية لا ندرك طبيعتها، وربما تمتاز بالفوضى أو المزاجية، وهنا تنهار أسس المنطق والعلوم، بما فيه قدرتنا على استنتاج أي شيء، بما في ذلك وجود إله أو صحة دين.. إذ كيف يمكن استخدام عنصر هادم للمنطق في أن نخرج منه باستنتاج منطقي؟!

ولحسن حظنا أن هذا لم يثبت أبدا، فقوانين الطبيعة بخير تماما، لا يبدو أنه بالإمكان خرقها تبعا لأوامر إله أو نبي أو ولي من الأولياء، وأما قصص المعجزات فلا تختلف كثيرا عن قصص الخيال وخرافات العجائز..

ولهذا السبب بالأساس - انتفاء المعجزات- فإننا نستطيع وضع بعض الثقة في العقل والحس، مما يمكننا من تنظيم المعلومات وبناء منظومة معرفية وتطوير فهمنا لكيفية عمل قوانين الطبيعة، ولهذا تحديدا نجد أن المنهج العلمي -الذي يقوم على الرصد والتجربة، وليس المعجزة- هو الأداة الوحيدة الموثوق بها للتعرف على الموجودات والتعامل مع الواقع من حولنا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق