السبت، 1 يونيو 2019

علامات التعصب



من أهم علامات التعصب اختزال الفرد في الهوية الجماعية:  فحين أصنف نفسي من زاوية البلد أو العرق أو الدين أو الأيديولوجيا، فهذا يعني أنني أسمح بتذويب نفسي - عقلي ومشاعري- إلى درجة الإختفاء في جماعة أو فكر، ربما لم أخترها وغالبا لم أصنعها ولا أشارك في قيادتها، فأفقد هويتي الشخصية وأصير تابعا لهذا الشعار أو ذلك النص، أستمد منه أفكاري وقوتي وتقديري لذاتي، وبدونه أفقد تلك الأمور.. 


وحين أصنف الآخرين من زاوية الهوية الجماعية: البلد أو العرق أو الدين أو الأيديولوجيا، فهذا يعني أنني أنزع الإنسانية عن الطرف الآخر، وأتعامل معه كرقم جامد أصم في معادلة، فالذي أمامي هو سوري أو عراقي أو مصري أو أمريكي أو مسلم أو ملحد أو شيوعي..إلخ، وسأبني رأيي فيه وأحدد موقفي منه ليس على سماته الشخصية وإنما بناءا على ذلك الإنتماء الجماعي بالأساس..

ومن هنا نرى البعض يؤيد أبشع الجرائم بكل أريحية، لأنها خرجت من جماعته، أو وقعت على الجماعة الأخرى التي يضعها في سلة واحدة.. 


وربما الخروج من ذلك النفق هو إدراك أن البشر أوسع كثيرا من هوياتهم الجماعية، فالشخص الموصوف بأنه سوري أو عراقي أو مصري أو أمريكي أو مسلم أو ملحد أو شيوعي..إلخ، هو بالأول إنسان، مثلي ومثلك، وهو - غالبا- يسعى لكسب رزقه ويحب أسرته ويخاف من الموت، وهو - غالبا- لا يستمد أفكاره وأفعاله من تلك الهوية وحدها، ولهذا يتباين البشر ويختلفون..


فمن الحماقة أن نتصور أن المسلم- مثلا- هو كائن أحادي البعد لا يمتلك عقلا أو ضميرا أو عواطف، ولا يحركه بالحياة غير نصوص القرآن والسنة بخيرها وشرها، وإنما الحق أن المسلم إنسان قبل كل ذلك، والإنسان - عموما- كائن مشحون بالغرائز والعواطف المتداخلة وأحيانا المتناقضة، سواء تناقض الهويات (فانتماءه لبلده قد يتعارض مع انتمائه لدينه، وقد يغلب أحدهما على الآخر في بعض الأمور)، أو حتى تناقض الهوية مع العقل والضمير (وقد يغلب أحدهم على الآخر).. وأما المسلم الذي يزيح كل مشاعره وأفكاره وهوياته لصالح الهوية الدينية فقط، فهو متعصب حسب الوصف المذكور، وكذلك الحال مع أي صاحب فكر آخر..   


ولعل المشكلة أن المتعصب الذي يستمد أفكاره من هويته، يتصور أن الجميع مثله، وفي حالات معينة من انتشار التعصب بالمجتمع يكون ذلك التصور صحيحا مع الأسف، فنجد حربا - كلامية أو فعلية - مشتعلة بين هويات متجسدة في صورة بشر تم تفريغهم من محتواهم الإنساني، وصاروا لافتات تجسد شعارات جماعية متصارعة..


وأرى الحل في أن تتراجع الهويات كلها لصالح الإنسانية، وننبذ تصنيف أنفسنا أو الناس من خلال هوياتهم..
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق