السبت، 1 يونيو 2019

النفس الباسكالية

 

 (أنا أؤمن بالله، فإن كان موجودا سأربح، وإن لم يكن موجودا فلن أخسر شيئا)..

رهان باسكال تم الرد عليه مرارا ومن جوانب كثيرة، فلن أزيد..

لكن سأضيف فقط أن استخدام الرهان يدل على سمة معينة غير عقلانية وغير أخلاقية في القائل، وهي أن لا يعبأ بالحقيقة وإنما بالمصلحة، ولا مانع لديه من أن يكون مخدوعا، طالما أن في ذلك مجرد احتمال خير له..

طارح الرهان يفترض صورة قبيحة للإله، وكأنه جبار يبطش بكل من اتبع عقله ورفض الخضوع له، وهو إله بائس إلى درجة أنه مستعد أن يقبل إيمانا زائفا من منافق يريد النجاة، إيمان كهذا يرى طارح الرهان أن الله سيفرح به، فياله من إله مسكين يبدو أنه مصاب بعقدة نقص حادة ومزمنة..

على الجانب الآخر يعلن صاحب الرهان أنه يجب على الجميع أن يتماشى مع ذلك الإله، ويعطيه ما يريد، ليس بسبب روعة الإله أو بسبب قوة الأدلة المقدمة على وجوده، وإنما فقط اتقاءا لشره..

لكن طارح الرهان أيضا متشكك في ذلك الوجود، وهو يتفهم قول الملحد أنه لا دليل واضح على وجود الإله، إلا أنه يختار أن لا يعبأ إن كان موجود أم لا، وبمزيج من الكسل العقلي والإنتهازية الأخلاقية يعلن أنه سوف يلتزم الجانب الرابح، بغض النظر عن الوقائع والأدلة..

بغض النظر عن الوقائع والأدلة، وبغض النظر عن الحقيقة ذاتها.. 

نعرف أنه من سمات الشخص الحكيم أو الأخلاقي أنه يهتم بالحقيقة قبل كل شيء، وليس لديه استعداد لخداع أحد، كما لا يقبل أن يتم خداعه هو.. ولكن صاحب رهان باسكال هو على النقيض من ذلك تماما: لا يظهر أي اهتماما بما هو حق، ولا يبدو أن لديه أي مشكلة في أن يكون الله خدعة، وأن يظل هو مؤمنا طوال حياته بتلك الخدعة، فيقبل تماما أن يعيش عمره كله في كذبة، ولا يرى إهانة في ذلك أو احتقارا لعقله، طالما أنه في النهاية يكسب احتمال- مجرد احتمال- النجاة من العذاب في الآخرة..

طارح رهان باسكال لا يحترم نفسه، ولا يمتلك الرقي العقلي ليهتم بالشيء الوحيد الجدير بالإهتمام، الحقيقة، وهو مصنوع من نفس المعدن الذي صنع منه كل منافق للسلطة أو متملق للطغاة كذبا وانتهازية، ذلك النوع من الناس الذي لا يهمه المبادئ أو الحق أو العدل، بقدر ما يهمه أن يحقق الأمان والخير لنفسه..

ولو كان هناك إله سيفرح بشيء حقير كهذا، فمرحبا بالجحيم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق