في الصورة: راهب جايني، صام حتى الموت
هو عادة قديمة تسبق الأديان المعروفة، وله عدة أشكال.. أما عن معناه بعيدا عن الإسلام ، فمن خلال بعض الإطلاع على المعتقدات القديمة، أظن يمكن طرح فكرتين، لعلهما يعكسان الفلسفة التي انبعثت منها تلك العادة..
الأولى ألمح ظلالا منها في الأديان البدائية، حيث كانت الصورة الأولى للإله لم تتطور بعد، في هيئة أرواح الموتى المقدسة، فالأجداد لم ينتهوا بفناء أجسادهم وإنما صاروا في عالم آخر، ويمكن التواصل معهم عن طريق الأحلام أو التأملات والنشوة الروحانية.. وهنا يأتي دور سحرة القبيلة القائمون على ذلك التواصل، وهم أجداد الكهنة ورجال الدين..
ويبدو أن الإمتناع عن الشهوات كان أحد وسائل التقارب مع الأرواح، ويمكن تحليل المسألة بأن الشهوات هي انغماس في الحياة، وأن الصوم عنها هو اقتراب من حالة الموت، بما في ذلك الصوم عن الكلام، حيث أن الميت لا يأكل ولا يتكلم ولا يمارس الجنس، فمن يمتنع عن تلك الأمور يصبح أكثر شفافية، مما يمكنه من التواصل مع الأرواح بشكل أفضل..
أما الفكرة الثانية فأراها في عادات الرهبنة جميعا، والموجودة في البوذية والمسيحية، وتتضمن الصيام عن الطعام، والعزوف عن الجنس، والعزلة عن الناس.. وهناك من يرى أن فلسفة الرهبنة تقوم على تأكيد الجانب الإنساني، بالمقارنة مع سائر الحيوانات..
منذ القدم لابد وأن الإنسان قارن نفسه بالحيوان، وفي سفر التكوين نجد أن آدم وحواء أكلا من شجرة المعرفة، مما جعلهما يدركان عريهما ويلبسان، كما جعلهما عارفان بالخير والشر، وفي مصادر أخرى نجد الله يعلم آدم أسماء الكائنات، وكلها تعكس تميز الإنسان عن الحيوانات الأخرى.. وكذلك تفعل الرهبنة، حيث أنها تهتم بمخالفة سلوك كائنات الغابة، فالحيوان يلتهم بشراهة دون نظام، والراهب يصوم، وأحيانا يمتنع عن اللحم، المرتبط بحالة الإفتراس، وكذلك الحيوان ينغمس في الجنس، والراهب يمتنع عنه، والحيوان يعيش في قطيع، بينما الراهب ينعزل عن البشر، والحيوان يتقاتل، والراهب يمتنع عن العنف..
فكأن الصوم هو جزء من منظومة دينية، تهتم بالتأكيد على الجوانب "الروحانية" في الإنسان..
على الجانب الآخر نجد أن الرأي العلماني والعلمي السائد اليوم، يقوم على رفض تلك الثنائية القديمة، فالإنسان ليس له جانبان، ولا فصل بين الروح والجسد، وإنما الأفكار والمشاعر كلها ناتجة عن نشاط المخ، ولا يختلف ذلك - في الطبيعة - عن نشاط المعدة أو الكبد، وإن اختلف معه في الوظيفة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق