السبت، 1 يونيو 2019

فاينمان والساعة السحرية




إلى جوار عبقريته العلمية وذكاءه المتقد، وإلى جوار هواياته المتنوعة من قرع الطبول وصولا للذهاب إلى مراقص التعري لرسم اسكتشات - ليس للراقصات وإنما لوجوه الجمهور وتعبيراتهم - فقد اشتهر أيضا الفيزيائي الأمريكي الحاصل على نوبل ريتشارد فاينمان بسعيه المتشكك وفضوله الدائم تجاه الكون والحياة، واشتهرت عنه قصص عديدة في هذا الإطار، تبدأ من اكتشافه لسبب سقوط مكوك فضاء عن طريق غمس حلقة مطاطية في كوب ماء بارد، مما أجبر وكالة ناسا على الإعتراف بخطأ تصميمي، وصولا إلى سيره على أربع ومحاولته لتشمم الأرض، ليتأكد إن كان كلبه فعلا- كما يقال- يمتاز بحاسة شم أكثر دقة من البشر، وهو ما أثبتته التجربة الصغيرة بالفعل..

ومن تلك القصص هي قصة الساعة السحرية، والتي كتبها في مذكراته، ثم سجلت في عدة كتب عن حياته، منها كتاب "فاينمان، رجل الكم" لورنس كراوس، وكذلك كتاب "العبقري: حياة وعلم ريتشارد فاينمان" جيمس غليك، وهي نموذج لكيف يعمل العقل العلمي مع أي ظاهرة..

في عام 1945، أواخر الحرب العالمية الثانية، وفي أثناء عمله بمشروع سري ذي أهمية قصوى: القنبلة الذرية، تلقى فاينمان مكالمة هاتفية تفيد بأن زوجته التي تسكن مدينة بعيدة عن عمله، تحتضر..

حينها عمره 27 عاما، وهي في العشرين، مصابة بنوع من أنواع سرطان الدم، وكانا قد تزوجا منذ عامين فقط، وكان أمامها ساعات قليلة للعيش، قضاها العالم الشاب إلى جوارها حتى فارقت الحياة..

قامت الممرضة بتسجيل موعد الوفاة 9:21 مساءا، ومع مشاعر الأسى العميقة قام بتحضير حاجياتها والبدء بترتيب الدفن، وحين تمشى إلى غرفتها مرة أخرى فوجئ بأن الساعة المعلقة على الحائط قد توقفت عن الدق، ووجد أن الأذرع متجمدة عند توقيت معين..

9:21!

 يمكن أن تحاول وضع نفسك مكانه: أعز شخص لديك توفى، زوجته الحبيبة التي لم ينسها، ولاحقا كتب لها رسالة مؤثرة بعد موتها، ثم إنك تجد الساعة توقفت بنفس اللحظة..

هل هي رسالة إلهية ما؟
هل الكون يتعاطف مع آلامنا بشكل غامض؟
هل كل شيء إذن جزء من خطة معينة؟

ولكن فاينمان- كما كتب بنفسه- لا يمكنه التفكير بتلك الطريقة، وإنما ركز ذهنه قليلا، ليتذكر أن الساعة كانت هشة قابلة للعطب، وأنه هو بنفسه قام بإصلاحها عدة مرات في أوقات سابقة، ثم استنتج بأن الممرضة حين عرفت بالوفاة، لابد أنها حملت الساعة لتنظر لها عن قرب في الإضاءة الضعيفة، ثم سجلت التوقيت وأعادت الساعة، ثم إن تلك الهزة قد أوقفت الساعة المهترئة أصلا..

لا معجزات هنا..

كتب هو في مذكراته "لم يمكنني عمل ذلك، رغم أنني أردته.. أردت تخيل وجود جمهورا أكبر في لحظة مثل هذه"..

(المقولة بالصورة: أستطيع العيش مع الشك واللايقين وعدم المعرفة، وأعتقد أنه من الأكثر تشويقا أن تعيش مع عدم المعرفة، بدلا من أن تعيش مع إجابات قد تكون خاطئة)..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق