السبت، 1 يونيو 2019

الملك



لو كان الله ملكا أرضيا لأحد البلاد،
لكان ملكا عظيما - كما يزعم أتباعه - قويا عادلا حكيما، لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ويصلحها..

لكن كما يقال فالشيطان يكمن في التفاصيل..

فسنجد أولا أن ملكنا العظيم يحكم مختفيا في قصره البعيد، لا يراه أحد أبدا حتى بدأ البعض يتشكك في وجوده..

وهو لا يتدخل في أي من أحداث مملكته، فيترك القاتل يقتل والسارق يسرق والمغتصب يغتصب، كما يترك الجائع يجوع والمريض يموت،

فيبدو أنه يفضل ترك الناس لحريتهم، كما يزعم أتباعه..

وبين الحين والآخر ينجح المواطنون -بالجهود الذاتية- في إنقاذ جائع أو شفاء مريض أو منع سرقة، فيبرز أتباع الملك المخلصين ليعلنوا أن له كل الفضل في تحقيق العدالة والخير، وليس إلى المواطنين الصالحين..

ثم أن ملكنا أصدر مراسيم قانونية تشريعية منذ زمن بعيد، لم يجددها ولم يطورها، وهي مليئة بالأخطاء والتناقضات،

أو بمعنى أدق، نجد أن أتباعه يزعمون أنه أصدر تلك المراسيم، ويبرهنون على ذلك بالإشارة إلى الختم الملكي الواضح عليها،

إلا أن المواطنين عاجزون عن تقييم ذلك الختم، كونهم لم يروا ختما ملكيا من قبل،

ثم إن الملك العظيم وترك الناس يفسروها حسب هواهم ويتشاجرون حولها دون أن يتدخل بالتوضيح،

تلك المراسيم تتمثل في أن هدف المواطنين الأهم هو عبادة الملك، ويأمرهم بأن يمجدوه ويمدحوه قدر ما أمكنهم، كما يطالبهم بأن يحضروا عند قصره ليدوروا حول السور العالي الذي لا تظهر عليه أي علامة للحياة..

لكن الحق يقال أن الملك يتوعد الظالمين بأنه يوما ما سيقتص منهم، ويعد المظلومين بأنه يوما ما سيحقق لهم كل العدالة التي يحلمون بها، إلا أنه لم يحدد متى يأتي ذلك اليوم، بل يأمرهم فقط بالإنتظار،

وهو يعد الأشرار بأن يجمعهم جميعا في سجن جبار تحت الأرض، لم يره أحد، ممتلئ بأشنع وسائل التعذيب التي لا تخطر على البال،

مع ملاحظة أن العذاب الموعود لن يقع على الظالمين للناس، وإنما سيقع على أولئك الذين يرفضون عبادة الملك وتمجيده والثناء عليه، فملكنا المختفي لا يغضبه شيء قدر أن تتجاهل وجوده الظاهر للجميع، حسب ما يقول أتباعه،

وأما أولئك الذين يمدحوه ويعظموه ليلا ونهارا، فهو يعدهم بأنه سيسامحهم على جميع جرائمهم مهما كانت، وسيستضيفهم في قصره الممتلئ عن آخره - كما يزعمون - بالطعام الشهي والنساء الجميلات..

فياله من ملك عظيم حكيم، ولولاه لصارت حياتنا جحيما،
 أو هكذا يقول أتباعه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق