السبت، 1 يونيو 2019

تناقض السببية والحرية

 

لا يمكن الجمع بين الإيمان بالحرية والإيمان بالسببية..

قضيتان أساسيتان هما من أعمدة الفكر الديني، يتمسك المؤمن بكلتيهما بشدة، ولكن يبدو لي أن القضيتان متناقضتين معا، يستحيل الجمع بينهما، بحيث إذا صحت إحداهما انتفت الأخرى بالضرورة..

أما القضية الأولى فهي "قانون السببية" أو العلية : أن كل حركة أو فعل في الوجود لها سبب محدد أدى إليها.. وعلى تلك القاعدة يطرح المؤمن دليل وجود الإله، استنادا على أنه "لكل حادث محدث"، وأن سلسلة الأسباب تلك يستحيل أن تمتد إلى ما لا نهاية، وإنما يجب أن تقف عند "السبب الأول"، والذي هو - بنظر المؤمن- الله..

وأما القضية الثانية فهي قضية "حرية الإرادة" : أن الإنسان لا تسيره القوانين الطبيعية المادية فحسب، وإنما هناك عامل ما ميتافيزيقي (النفس أو الروح) يمكنها أن تتخذ القرارات بشكل حر مستقل عن المؤثرات الداخلية (مثل الجينات وطبيعة المخ) والخارجية (مثل البيئة والتربية).. وبذلك يتحقق للإختبار الإلهي مغزاه، وللحساب الإلهي عدالته..
----------------------------------

إذن، فما وجه التناقض بين الفكرتين؟

التناقض يمكن تلخيصه في أن حرية الإرادة تتنافى مع طلاقة قانون السببية..

ويمكن توضيح ذلك بالسؤال: هل قرارات الإنسان تخضع للسببية، كما تخضع لها الأشياء الطبيعية؟

لو قلنا نعم تخضع (1) فهذا يعني أن قراراتنا وأفعالنا تنبع من عوامل معينة، وتلك العوامل تنبع من عوامل ثانية وهكذا..

مما يستدعي السؤال: هل هناك سبب أول لأفكارنا وقراراتنا؟ ولابد أن يكون الجواب بنعم، لأن المؤمن كما نعلم يرفض تسلسل الأسباب إلى المالانهاية، وإلا لسقطت  أهم حجج وجود الإله: المسبب الأول..

إذن، فهل ذلك السبب الأول لأفعالنا هو النفس الإنسانية (1-أ)  أم الله (1- ب)؟

إن كان السبب الأول لقراراتنا هو النفس (1- أ)، فهذا يعني أن النفس أزلية لم يخلقها الله، وهو يطعن في مفهوم الألوهية بالكامل، ولا يقبله المؤمن الذي يرى أن الله خالق كل شيء في الوجود..

أما لو قلنا أن السبب الأول لأفعالنا وقراراتنا هو الله (1- ب) فهذا يسقط مفهوم حرية الإرادة، ويعني أن الله هو من يجبرنا على أفكارنا وسلوكنا، وبالتالي منطقيا لا يحق له لومنا إن أخطأنا، ويصبح الإختيار والحساب على الأعمال مسألة عبثية تماما.. 

أما لو رجعنا للسؤال الأول وأجبنا بلا، أي أن قرارات الإنسان لا تخضع للسببية (2)، فهذا يعني أن هناك عنصر آخر (غير الله) لا يخضع لقانون السببية، مما يعني أنه ليس قانونا مطلقا يسري على كل شيء، وبالتالي لا يصح الإستدلال به، مما يسقط واحدة من أهم القواعد التي يبني عليها المؤمن برهانه على وجود الإله الخالق للوجود..

وبذلك يتبين أن الإيمان بالإرادة الحرية يسقط طلاقة قانون السببية، كما أن الإيمان بطلاقة قانون السببية يسقط حرية الإرادة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق