الاثنين، 1 أبريل 2019

عن شريعة الطبيعة



بما أن موضة "الحديث بإسم الله" لم تعد رائجة كما مضى، بفضل جهود التنوير الطويلة عبر القرون، فقد عثر أعداء الحرية الأعزاء على موضة جديدة، ذريعة أخرى لقمع البشر والتدخل في حياته، وهي "الحديث بإسم الطبيعة"..

"عليك أن تفعل ذلك لأنه أمر طبيعي" - "ممنوع أن تفعل ذلك لأنه ضد الطبيعة"..

عند البعض أصبحت الطبيعة هي الصنم الجديد، المشرع والحاكم الذي يحدد لنا ماذا نأكل وماذا نشرب ومن نضاجع وكيف نعيش حياتنا، ويتوجب علينا طاعة ذلك الصنم..

ولكن لأن الطبيعة - مثل الله تماما- صامتة لا تتكلم، فقد تطلب الأمر وجود من يمثل مطالبها ويتحدث بإسمها..

وبالتالي صار من العادي جدا أن تسمع شخصا يدعو إلى قمع الغير والبطش بهم واقتحام خصوصياتهم، فقط لأنهم لا يتماشون مع فكرته القاصرة والمحدودة عما يجب أن يكون طبيعيا، وربما يطالب بإقامة محكمة تفتيش تبحث في أدمغتهم وقلوبهم وربما مؤخراتهم، لكي تتأكد أن كل شيء يسير على ما يرضي - ليس الله، فنحن لسنا متطرفين دينيا والعياذ بالله- وإنما يرضي الطبيعة..

ماذا تريد الطبيعة؟ ما هي قوانينها؟ صاحبنا وحده يعرف.. فقد سمعت أنه استقال مؤخرا من مهنة "الكاهن" التي لم تعد تؤتي ثمارها، وتم تعيينه في منصب جديد هو "وكيل الطبيعة ومندوبها والممثل الأوحد لها".. كهنوت وحشرية وتطرف في ثوب عصري جديد، نتمني أن يحوز إعجابكم..

وبالطبع كلنا نعلم ما الله، وما الطبيعة، هي أسماء سميتموها أنتم وآباءكم، أطلقتموها على عادات قبيلتكم.. فكل ما تربيت عليه وتكاسلت عن الإطلاع على غيره، صار في نظرك قوانين كونية، إن لم يصيغها الله فقد حددتها الطبيعة، أو هكذا تتوهم..

تريد الطبيعة؟ ما رأيك أن تذهب وتعيش في غابة أمازونية، أو ربما الصحراء الأفريقية؟ صدقني هناك ستجد كل شيء يسير حسب قوانين الطبيعة.. وحظ سعيد في البقاء حيا قبل أن يفترسك نمر أو تلدغك حية أو يصيبك وباء قاتل..

هل تريد العيش فيما هو طبيعي لم يلوثه تدخل الإنسان؟ أول شيء تخلى عن هاتفك وجميع أجهزتك الإلكترونية، وقل وداعا للسيارات والمباني والكهرباء.. ولا تنسى الأدوية والطب..

بل إن أردت تبني قيم الطبيعة كما وجدناها، أو وجدتنا، فأول ما يجب أن تكفر به هو القوانين والمحاكم والحقوق، فلا شيء من ذلك في الغابة.. شعارات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان هي اختراعات إنسانية بحتة ليس لها أصل في الطبيعة..

أما ما ستجده بوفرة هناك فهو القتل مثلا - نعم، القتل شيء طبيعي جدا، وهو جزء أصيل من الحياة اليومية لكائنات الغابة.. كذلك القسوة والوحشية بأنواعها، والإعتداء على الأملاك وقهر القوي للضعيف وحتى الإغتصاب.. ولا ننسى الأمراض التي كانت تحصد الملايين من الأرواح بشكل مستمر..

وأي محاولة لتبديل ناموس العنف والقسوة، واستبداله بنظام علمي لطيف رحيم، هي محاولة غير طبيعية بالمرة..

بالعربي: يلعن رب الطبيعة أمنا العزيزة والمجرمة.. كما يلعن رب الله والأديان من قبل..

نحن البشر، لم نصنع شيئا إلا بالإعتماد على أنفسنا، والآن نحن نحتكم إلى عقولنا وضمائرنا وقيمنا وقوانيننا وخبراتنا ووأعرافنا الحالية، والتي تطورت كثيرا عما مضى، والتي تم صقلها عبر قرون من التجربة والتفاعل الإنساني.. وتكون مصيبة لو أن الطبيعة هي مرجعنا الأخلاقي، فقررنا أن نستلهم سلوكياتنا من الضباع والفئران والخنافس!

ألم تنتبهوا إلى أننا خرجنا من الغابة منذ زمن طويل، وصرنا أكثر تقدما وإنسانية وسعادة من أسلافنا؟

فإن كنا حيوانات بيولوجيا، فمن المؤكد أننا صرنا بشرا فكريا واجتماعيا وأخلاقيا..

ومن المؤكد أننا لم نتحرر من عبودية الكهنوت لنستبدل به عبودية أخرى..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق