الاثنين، 1 أبريل 2019

ملامح من الإزدواجية الإسلامية



اعتدنا على رؤية الغائصين في الخرافات والتطرف والتطنع والدروشة والتعصب ببلاد المسلمين، حتى صارت المسألة مألوفة..

ولكن هناك شيء منحط ومقزز بشكل خاص في النشاط الإسلامي بالجانب المقابل من الكوكب: بلاد الغرب..
وذلك من جانبين..
-----------------------------------------------

الأول: نلاحظ أن كثير من الإخوة المسلمين يتهمون اللاديني بأنه منبهر بشكل أعمى بالغرب ويعاني من عقدة الخواجة، بينما يتفاخرون هم بهويتهم الشرقية، ولكن أظن أن العكس هو الصحيح، فدوما نجد المسلم يتقافز فرحا بكلمة مدح في دينه من أي عابر سبيل غربي، ويكاد يفقد وعيه من فرط الفرحة لو دخل أي صعلوك أجنبي بالإسلام، طالما أنه أشقر ذو عيون ملونة، والأدهى أن هذا الأخ المسلم صرنا نراه يلعن الملحد العربي ويصفه بأحط الصفات، بينما نراه - لسبب ما- يعلن احترامه وتقديره، وربما محبته العميقة، للملحد الغربي..

أما من ناحيتي - كملحد متحدث بالعربية - فأتبنى الموقف المعاكس: لا أستغرب كثيرا حين أرى مشرقيا يتمسك بدين أجداده ويدافع عنه بكل حماس، وأتفهم ذلك بل أكاد أشعر بالتعاطف معه، ربما كوني كنت مثله يوما ما، فتبني العقيدة بالولادة، وغسيل الدماغ المتمثل في الحصار الثقافي والتجهيل المتعمد والتشويه لأفكار الآخرين، مع الترهيب النفسي وأحيانا الجسدي، هو أمر لا ينجح الجميع في الفكاك من إطاره بسهولة، وفي هذا الإطار يمكن القول أن المولود والمولودة في مجتمع إسلامي هم بمثابة ضحايا لغسيل المخ والتجهيل، تماما كما هو حال المواطنين تحت كافة الأنظمة الأيديولوجية المتعصبة في الشرق والغرب..

ولكن ماذا عن الغربي الذي ولد في مجتمع متقدم منفتح حر، وأتيحت له سبل المعرفة والبحث، ووضعت أمامه أفكار مختلفة، وتربى على العلمانية والحرية والديمقراطية وحق الإختلاف، ثم اختار - بمحض إرادته- الإسلام، وأحيانا بنسخته السلفية الوهابية أو الجهادية الداعشية، حيث عقوبات القطع والجلد والرجم، وحيث لا حرية دينية بل المرتد يقتل؛ هل يمكن التماس الأعذار لهذا الشخص؟

والأدهى حين تكون امرأة، ولدت ونشأت في بلد غربي يمنحها حقوقا متساوية، ثم تقرأ عن دين بدوي هي فيه شبه إنسان، عورة شيطانة ناقصة عقل ودين أكثر أهل النار، تقطع الصلاة وتنقض الوضوء وتتنجس شهريا، ميراثها النصف وشهادتها النصف وديتها النصف، يحق لزوجها طلاقها وردها وضربها، وهي عنده مثل الأسيرة، ثم إذا بها تعتنق ذلك الدين وهي تكاد تطير من الحماس والفرح!

بالطبع كل إنسان حر طالما لم يضر، وهذا يتضمن حرية اعتناق الخرافات بأنواعها، وكذلك حرية المازوخية النفسية (الإستمتاع بالخضوع وتعذيب النفس) أو حتى الإستكهولمية (وقوع الأسير في حب من يأسره)، ولكنها تظل حرية تستدعي الدهشة ولا تستدعي الإحترام..

وسامحوني على التشبيه، إذ لو اعتبرنا المشرقي المتمسك بدينه مثل الفقير المسكين الذي يأكل من القمامة لأنه لا يجد - ولا يعرف - غيرها، فأعتبر الغربي الذي يعتنق الإسلام مثل شخص لديه بمنزله وليمة صحية شهية، فيتركها ويذهب إلى الشارع ليفتش بالقمامة ويأكل منها متلذذا؛ الأول ضحية جدير بالتعاطف وموقفه مفهوم إلى حد كبير، وأما الثاني فيصعب إيجاد عذر منطقي له، فسلوكه هذا يحتاج إلى تفسير نفسي لا فكري..
-----------------------------------------------

الثاني: هناك شيء مقزز بشكل خاص في سلوك كثير من المسلمين (بالولادة أو الإعتناق) الذين يعيشون بالغرب، ويتمثل في تبنيهم لسياسة الكيل بمكيالين - وهو أمر مميز لأهل الأديان وأصحاب التعصبات عموما - ولكني هنا أقصد نوعا معينا من الإزدواجية الأخلاقية المتطرفة ما بين تبني الإسلام حينها وتبني الليبرالية حينا، حسب الهوى والمزاج والمصلحة..

فالمعروف أن المسلم حين يحاول الدفاع نظريا عن نصوص وتاريخ دينه، فهو غالبا يتبنى نظرة تقليدية محافظة خشنة بدائية، مواكبة لذلك الدين، فتراه - مثلا - يدافع عن الجهاد بالقول أن المسلمين من حقهم غزو بلاد الآخرين بالسيف وفرض الجزية التي يقارنها بالضريبة، ويدافع عن العبودية بالقول أنه كانت لها ضرورات وأنه يكفي الإسلام أن يأمر بحسن معاملة الرقيق، ويدافع عن زواج الأطفال واغتصاب الأسيرات بالقول أنه كان طبيعة العصر وبالتالي لا مشكلة فيه، ويدافع عن اضطهاد المرأة بالقول أن طبيعتها أضعف وأكثر عاطفية من الرجل مما يعطيه حق القوامة عليها، ويدافع عن دكتاتورية الخلافة وقمع الأقليات بالقول أنها أمور تهدف لتماسك المجتمع وفرض النظام، ويدافع عن حد الردة بالقول أنه ضروري للحفاظ على الدين وردع المارقين..إلخ..


حين يتبنى المسلم تلك الآراء فهو يتبنى روحا فاشية تجعله يبدو قريبا من الإتجاهات اليمينية التقليدية بالغرب، مما يضعه في مصاف الجمهوريين بأمريكا بل حتى النازيين بالثلاثينات.. 

أما حين يطالب المسلم بحقوقه في بلاد الغرب، فتراه قد تحول 180 درجة كاملة، ليرتدي قبعة الليبرالية والحداثة، ويتبنى أفكارا مناقضة تماما لما سبق، فتسمعه يطالب بمساواة كاملة لجميع المواطنين، ويردد كلمة الحرية ألف مرة بالدقيقة، ويرفع شعارات التعايش والمواطنة، ويدين أي بادرة تدين أو محافظة تأتي من المجتمع (غير المسلم) الذي يعيش بداخله.. 

هذا يعني أن المسلم يتبنى معايير محافظة متعصبة همجية ذات طابع ديني حين يتعامل مع الآخرين أو يكونوا تحت وصايته، ولكنه بنفس الوقت يطالب بمعايير علمانية حداثية ليبرالية ديمقراطية في تعامل الآخرين معه أو حين يكون هو تحت وصايتهم - وهو في ذلك لا يشعر بأي تناقض أو تنافر معرفي، ولا يرى نفسه منافقا أو فصاميا.. 

وكما قال أحدهم ساخرا حين تم انتخاب ترامب وسط احتجاجات المسلمين بأمريكا: المسلمون لديهم خوف شديد أن يأتي رئيس يعاملهم كما يعاملون هم غير المسلمين ببلادهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق