الاثنين، 1 أبريل 2019

العمامة والقبعة



يقال أحيانا أن الإسلامي يرفض قيم الحداثة كالعلمانية والحرية والديمقراطية والمساواة..إلخ، وهذا- تالله- ظلم مبين:

فالحق أن الإسلامي فقط يرفض أن يلتزم هو بتطبيق قيم الحداثة في تعامله الآخرين،
ولكنه يرحب بتلك القيم- بل يطالب بها بكل حرارة - حين يتعلق الأمر بتعامل الآخرين معه..

الإسلامي يحتفظ في جعبته النقاشية- السياسية الإجتماعية - بغطائي رأس متناقضتين، لنقل قبعة وعمامة، يستخدمها على التوالي، ويبدل بينهما بسرعة الضوء، وكأنه يمتلك آلة زمن تنقله من القرن الحادي والعشرين إلى السابع، وبالعكس..

القبعة تمثل قيم الغرب الكافر المعاصر: العلمانية، الديمقراطية، الليبرالية، حرية التعبير، حقوق الأقليات، المساواة أمام القانون..إلخ،

أما العمامة فهي القيم الإسلامية الأصولية: الحكم الشمولي الثيوقراطي، الولاء والبراء، الجهاد والغزو، القمع، العقوبات البدنية، التراتبية الذكورية، ضرب النساء، تزويج الأطفال، قهر الأقليات..إلخ..

أما أيهما يبرز لك، فيعتمد على القضية المثارة للنقاش : إن كانت تتعلق بأفعاله هو ارتدى العمامة وأغلظ صوته وتكلم، وإن كانت تتعلق بأفعال الآخرين تجاهه ارتدى القبعة ورقق صوته وتكلم..
 
فإن كان أقلية في بلد ما إذا به يتكلم عن العلمانية وضرورة احترام المواطن، ومنها حقوقه في ارتداء ما يشاء من ملابس وممارسة طقوسه بحرية بما في ذلك الصراخ بالآذان أو قطع الطريق للصلاة- أهم شيء الحرية..

فإن كان أغلبية تبدلت اللغة وسمعت عن ضرورة احترام الأقلية للأغلبية ودينها وفقهها البدوي، بما يتضمن أن تخرس الأقلية فلا يسمع لهم صوتا ولا تؤدي شعائرها جهرا ولا تظهر صلبانها ولا يأكلون علنا في الشهر الذي تصوم فيه خير أغلبية أخرجت للناس - أهم شيء النظام الإجتماعي..

وإن شارك الإسلامي بالعملية السياسية وفاز بالمقاعد إذا بقبعة الديمقراطية تخرج إلى حيز النقاش، فتسمع مصطلحات شرعية الصندوق وصوت الشعب والسلطات التي يكفلها الدستور لصاحب المقعد- وهي أمور لم يعرفها الإسلام وإنما هي وليدة الحداثة الكفرية..

وإذا لم يحالفه التوفيق بالديمقراطية أو أنه تمكن من الحكم بسبيل آخر- ثورة أو انقلاب- فستسمع حديث القرون الوسطى بما فيه الخلافة والولاية وربما الجهاد..

وإذا كان الإسلامي مستضعفا مظلوما ستجده يتحدث عن مواثيق حقوق الإنسان وحرمة الدم وهمجية التعذيب والمعاملة الوحشية التي تعرض لها من السلطات حيث منعوا عنه الكورن فليكس وعصير الأناناس..

وإذا كان حاكما يسجن معارضيه فستسمع نغمة مغايرة تماما تحكي كيف كان الرسول يأمر باغتيال منتقديه وكيف كان يسمل أعين المتمردين ويعذبهم بالنار بأبي هو وأمي، وتلك هي الغلظة الحلال- بل المحمودة- التي أمرنا بها شرع الله تجاه الكفار..

فالحداثة عند الإسلامي الإنتهازي ليست سوى أداة لتمكينه من الحكم وتطبيق شريعته المعادية لجميع قيم الحداثة.. وهي أداة سيتخلى عنها فورا أول ما يمتلك القوة اللازمة..
وهذا - للحق- يقدم لنا أداة معيارية ممتازة لقياس مدى أخلاقية منظومة قيمية ما، فالمنظومة الأخلاقية الجيدة ليست هي التي ستود أنت تطبيقها على الآخرين، وإنما هي التي ستود أن يطبقها الآخرون عليك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق