من متابعة النقاشات لاحظت أن بعض الإخوة تختلط عليهم مفاهيم بسيطة وأساسية، مما ينتج عنه أشكال من سوء الفهم..
--------------------------
منها مفهوم "المتوسطات الإحصائية"، فيتم الخلط بينها وبين التعميم..
فحين يقال- مثلا- أن السود أطول قامة من الشرق آسيويين، فهنا لا يصح تفنيد ذلك باستحضار آسيوي طويل وأفريقي قصير، إذ أن صاحب الإدعاء لم يقصد أن كل أسود هو بالضرورة أطول من كل آسيوي، وإنما المقصود هو مقارنة المتوسط العام بين الفئتين، على سبيل الإحتمال العام وليس الشمول..
كذلك حين يقال أن الدين مسألة وراثية، فهنا لا يصح الرد على ذلك بذكر أسماء فلان أو علان ممن غيروا دينهم، بل وحتى لو ذكرنا الآلاف ممن بدلوا أديانهم الموروثة، فستظل تلك الأعداد قليلة بالنسبة للمليارات الذين يموتون على الدين الذي ولدوا عليه - وبالتالي فنحن نتحدث هنا عن ادعاء إحصائي يتم نقاشه بالإحصاء وليس باستدعاء حالات معاكسة..
--------------------------
هذا يرتبط بمفهوم آخر هو "تعدد العوامل": فحين يذكر تأثير عامل ما على أحد الظواهر، فهذا لا يعني أنه العامل الأوحد، كما لا يعني أن تأثيره مطلق..
فحين يتم الربط مثلا بين شرب الخمر وبين حوادث السيارات، فلا يصح تفنيد ذلك بذكر أنه ليس جميع من يشرب الخمر يرتكب حادثة، أو القول أن ليس كل من يرتكب حادثة يكون سكرانا وكأن الخمر هي الدافع الأوحد للحوادث، فكلا القولين صحيح ولكنه لا يفند الإدعاء- لأن الربط هنا إنما يعني أن هناك علاقة إحصائية احتمالية بين الأمرين فحسب، أي أن نسبة من يرتكبون الحوادث من السكارى أعلى نسبة (وليس عددا) من أولئك الذين يرتكبون الحوادث وهم غير سكارى.. كما يمكن أن يعني أنه كلما زادت كمية ما يشربونه كلما زادت احتمالية (وليس حتمية) ارتكابهم للحوادث..
وحين يقال أن عقيدة معينة ترتبط بممارسات إرهابية، فهذا لا يعني أن كل من يعتنق تلك العقيدة إرهابي، كما لا يعني أن كل إرهابي لابد وأنه يعتنق تلك العقيدة وكأنها الدافع الأوحد للإرهاب، وإنما يعني أن ثمة علاقة إحصائية، أي أن نسبة من يمارس الإرهاب تحت تلك العقيدة هي نسبة أعلى ممن يمارسون الإرهاب بدون تلك العقيدة.. كما يمكن أن يعني أنه كلما ازداد الشخص تعمقا في تلك العقيدة كلما زادت احتمالية (وليس حتمية) ممارستهم للإرهاب.. وبالتالي فذكر أشخاص من تلك العقيدة لا يمارسون الإرهاب، أو ذكر إرهابيين لا يعتنقون تلك العقيدة، كلاهما (على صحته) لا يفند الإدعاء..
--------------------------
مفهوم آخر مهم هو أن العكس ليس دائما صحيحا..
أذكر نقاشا لمبشر مسيحي، سأله أحدهم: ما الدليل أن الكتاب المقدس من عند الله؟ فكان جوابه أن خلو الكتاب من الأخطاء العلمية يعتبر دليلا على أنه من عند الله، ولما أبدى المحاور اندهاشه من ذلك المنطق، بادره المبشر قائلا: أليس لو وجدنا خطئا في الكتاب ستعتبره دليلا أنه ليس من الله؟ نعم،
وإذن بالتالي لو لم تجد خطئا في الكتاب فهذا سيثبت أنه من الله!
بالطبع هو منطق ساقط، يشبه أن أقول لك أنني أعمل في وكالة ناسا للفضاء، والدليل أنني أعرف عدد كواكب المجموعة الشمسية.. والمنطق كالآتي: إذا أنت سألتني عن عدد كواكب المجموعة ومنحتك جوابا خاطئا، ألن يعني ذلك أنني لا أعمل في ناسا وإلا لما جهلت معلومة بتلك البساطة، أليس كذلك؟ بلى - وإذن فالعكس صحيح: إذا أجبتك بالصواب فلابد أنني أعمل بناسا!
وسبب سقوط المنطق أن العكس ليس دائما صحيح، حين أقول- مثلا- أن أغلب الأطباء أذكياء، فإن هذا لا يعني أبدا أن أغلب الأذكياء أطباء - بل إننا نتحدث عن ادعائين مختلفين، قد يصح أحدهما دون الآخر، كما أن نفي أحدهما لا ينفي الآخر..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق