الجمعة، 1 مارس 2019

قريش والبحر




تضاربت الأقوال في أصل تسمية "قريش"، فالرأي الشهير أنها من "التقريش" بمعنى التجمع والتآلف، وهناك من ربطها بـ"التقرش" أي الإكتساب والتجارة التي كانت تمتهنها، ولكن ثمة تفسير ثالث غريب ومشوق:

أنقل عن كتاب سليمان بشير "مقدمة في التاريخ الآخر" (منهم من قال أن قريشا قد تسمت بذلك نسبة إلى سمك القرش "دابة من دواب البحر". وقد أخذ مكسيم رودنسون بهذا الرأي وأضاف: "وربما يكون قد اشتق من طوطم قديم للقبيلة").. ثم يقول بشير أنه على الرغم من أي تحفظات، فإن كثير من الروايات الإسلامية (توفر أساسا صلبا لمثل رأي رودنسون)، منها (الحديث المروي عن ابن عباس قوله أن قريشا قد سميت "بدابة في البحر من أحسن دوابه لا تدع شيئا من الغث والسمين إلا أتت عليه")..

ويكمل قائلا (ووجه الغرابة في هذه الروايات وفيما ذهب إليه رودنسون يكمن في أن مثل هذا الطوطم يناسب المجتمعات الساحلية التي تعتاش على صيد الأسماك أو الملاحة البحرية الأمر الذي يختلف عن الإطار البيئي والمعيشي الذي خصصته الرواية الإسلامية لقريش) انتهى..

وتعليقنا أنه ربما يختلف هذا الأمر مع ما تسرده السيرة التقليدية، ولكن لا يبدو أنه يختلف كثيرا مع ما يقول به أقدم المصادر وأقربها إلى الحدث: القرآن..

ولنبدأ بالتذكير بآيات متكررة يتم تقديمها أحيانا وكأنها "إعجاز علمي بالقرآن"، وهي التي تشير إلى التقاء الماء العذب بالماء المالح، فيتساءل البعض: من أين لسكان الصحاري أن يعلموا بوجود تلك الظاهرة؟

وللجواب يكفينا تأمل آية قرآنية واحدة ورد فيها الحديث عن تلك الظاهرة، وهي الآية 12 من سورة فاطر:

(وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تاكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)..
لاحظ قوله: تأكلون - تستخرجون - ترى - تبتغوا..

فهو يخاطب القوم وكأنهم يرون ذلك البحر- بل البحرين- أمامهم مباشر بل ويتعاملون معه يوميا..
وفي مواضع أخرى يستشهد بالسفن السائرة في البحار (البقرة 164)
ويؤكد أن القوم الذين يخاطبهم يركبون السفن باستمرار (الأنعام 63 ويونس 22)
ويهتدون بالنجوم في إبحارهم (الأنعام 97)
و يشير إلى استخراج اللؤلؤ والمرجان من البحار (الرحمن 22)
وكذلك يأكلون منه السمك والحلي (النحل 14)
ويحل لهم صيد البحر وطعامه للمؤمنين وللعابرين (المائدة 96)

وحتى في ثنايا السيرة نجد إشارات للبحر في أماكن لا يفترض وجود بحر فيها، كما نقرأ في غزوة بدر أن سعد بن معاذ يقول للرسول: والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك"..

فربما ليس التاريخ وحده يحتاج إلى المراجعة، وإنما الجغرافيا أيضا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق