كيف بدل محمد تحالفاته..
في سورة البقرة 113 - 115 يتحدث القرآن عن تكفير متبادل ما بين اليهود والنصارى، وعن جهة ما تخرب مساجد الله وتمنع الصلاة فيها، ويلي ذلك بقوله للمؤمنين: أينما تولوا وجوهكم فثم وجه الله، وبعدها بعدة آيات سيأتي قرار تحويل القبلة..
وفي الإسراء 4 - 7 يحكي عن هزيمة إسرائيل واحتلال أرضهم من جهة ما تدخل عليهم المسجد، ثم انتصارهم على خصومهم، ثم هزيمتهم مرة ثانية على أيدي الأعداء الذين يدخلون إلى المسجد ليهدموه مرة ثانية، ويقرن ذلك بما يسمى "وعد الآخرة"..
"وعد الآخرة" هذا يرد في موضع آخر من نفس السورة (آية 104) يخاطب فيه إسرائيل أنهم سيأتون بجمعهم حين يأتي هذا الوعد..
وفي أول سورة الروم 2 - 4 يتحدث عن هزيمة الروم من جهة ما، ثم يتنبأ بعودتهم للغلبة مرة ثانية، ويقرن ذلك بفرح المؤمنين..
ويبدو لي أن جميع تلك الآيات تتكلم عن نفس الواقعة..
--------------------------
في تلك الفترة كانت الحروب الكبرى بين الروم البيزنطيين والفرس الساسانيين، ومنذ عام 610 بدأ تقدم الفرس غربا حتى احتلوا العديد من أراضي بيزنطة، وفي عام 614 سقطت القدس بأيديهم بعد حصار قصير..
وكان يصاحب الفرس جماعات مقاتلة من اليهود والعرب، والذين ترك لهم المجال لحكم المدينة وإعادة بناء الهيكل الثالث، تحقيقا لحلم إعادة بناء دولة إسرائيل وعودة المسيح اليهودي المنتظر..
إلا أن القدر لم يمهلهم، فسرعان ما تفجرت ثورة مسيحية كانت نتيجتها مذابح لليهود وتهديم معبدهم، وانتهت الفوضى بمعاهدة سلام بين الفرس والروم في عام 628 نتج عنها إرجاع الأراضي البيزنطية..
--------------------------
ولا شك أن دعوة محمد قد تأثرت بتلك الأحداث، من عدة نواحي: أولها وربما أهمها أن أتباع محمد - كما تحكي السيرة الرسمية- كانوا يصلون نحو القبلة اليهودية، وفي تلك الفترة تحديدا حدث تحول القبلة من القدس إلى كعبة العرب..
وقد تزامن ذلك مع يأس محمد من دعوة اليهود للإيمان به نبيا رغم إلحاحه عليهم، كما نلاحظ تحول الخطاب في سورة البقرة تحديدا، حيث نرى فتور ذكر موسى وظهر لأول مرة ذكر إبراهيم الأب المشترك..
ورغم هذا فالسورة تميل إلى التعاطف سياسيا مع اليهود في تلك الحرب، وتكفر النصارى الذين يجعلون لله ولدا..
أما في الإسراء فقد صار الخطاب لليهود أكثر برودة وانفصالا عنهم، حيث يصف خصومهم بالشدة ويتشكك فيما إذا كان اليهود يستحقون النصر أصلا..
وحين نصل إلى سورة الروم نجد التحول الكامل في الموقف، حيث اكتمال الحلف السياسي لمحمد مع جهات ما - مسيحية، ربما في الشام - وهو التفسير الوحيد لأن يفرح المؤمنون بنصر الروم مرة أخرى على خصومهم الفرس\اليهود..
وبالطبع نلاحظ أن أكثر تلك النصوص وضعت في شكل نبوءات، أي أنها كتبت في زمن متأخر عن زمان الأحداث نفسها، وصيغت بشكل يجعلها تبدو وكأنها كتبت في أثناء وقوعها..
أما لو أردنا إيجاد تاريخ محدد لذلك التحالف، فيبدو لي أنه العام 628، وهو عام الصلح بين الروم والفرس، وبنفس الوقت هو العام الذي تزعمه السيرة لما أسمته "صلح الحديبية" والذي سماه القرآن "فتحا مبينا" واعتبره نصرا عظيما لجماعة محمد..
وربما في تلك الفترة ظهرت بعض الآيات التي تحكي قصص مريم وعيسى وتمدح النصارى وتذم اليهود (مثل المائدة 82)..
وربما هذا يفسر غضب بعض الصحابة - أصحاب الميول أو الخلفيات الأقرب إلى اليهودية - مثل عمر ابن الخطاب، والذي تنقل لنا السيرة احتجاجه العنيف على الصلح وحتى قيامه بمنع محمد من كتابة وصية أخيرة..
ويحتمل أن النبي قد مات مسموما على يد جهات يهودية أو حتى بعض أصحابه، بسبب ذلك الحلف الأخير..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق