تخيل أن لك صديقا عبقريا أنجب ثلاثة أبناء، وقرر أن يطلق عليهم جميعا نفس الإسم: طارق مثلا..
وبالتالي حين ينادي أحدهم: يا طارق، يجد الثلاثة يتخبطون للإستجابة، وقد يبادر أحدهم قائلا: لم أقصدك أنت يا طارق وإنما قصدت طارق، والآن من فضلك قل لطارق يرسل لي طارق..
ما رأيك في قرار الأب باختيار تلك التسمية؟ ليس أمرا ذكيا وعمليا بشكل خاص، أليس كذلك؟
------------------------
الإحصان: كلمة واحدة بعدة معاني: يرجع جذرها اللغوي إلى "المنع"، فالمحصنة بشكل عام هي غير المتاحة جنسيا، ومنه اشتقت المعاني الآخرى المختلفة :
1- فالإحصان هو العفة، فيقول القرآن عن مريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) التحريم 12.. ويقول للمؤمنين تزوجوا المحصنات، أي العفيفة التي لا تزني، سواء المسلمات أو من أهل الكتاب (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) المائدة 5..
2- والإحصان هو الحرية، بعكس العبودية، فهنا يقول للمؤمنين من لم يستطع أن يتزوج محصنة فليتزوج أمة (جارية) (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) النساء 25
3- والإحصان هو الزواج، فيقول للمؤمنين حرمت عليكم بعض النساء منهن المحصنة أي المتزوجة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...وَالْمُح
------------------------
والنتيجة أن هذا الكتاب يحتوي أمرا للمؤمنين أن يتزوجوا من المحصنات (المائدة 5) ثم ينهاهم أن يتزوجوا من المحصنات (النساء 24)، والمقصود في الآية الأولى هن العفيفات، بينما المقصود في الآية الثانية هن المتزوجات..!
هذا التداخل يخلق معاني عجيبة متناقضة، تكون فيها المحصنة غير محصنة، أوغير المحصنة محصنة، مثنى وثلاث ورباع :
1- فقد تكون المرأة محصنة (حرة) ومحصنة (متزوجة) ومحصنة (عفيفة)،
2- وقد تكون محصنة (حرة) ومحصنة (متزوجة) وغير محصنة (زانية)،
3- وقد تكون محصنة (حرة) وغير محصنة (عزباء) ومحصنة (عفيفة)،
4- وقد تكون محصنة (حرة) وغير محصنة (عزباء) وغير محصنة (زانية)،
5- وقد تكون غير محصنة (جارية) ومحصنة (متزوجة) ومحصنة (عفيفة)،
6- وقد تكون غير محصنة (جارية) ومحصنة (متزوجة) وغير محصنة (زانية)،
7- وقد تكون غير محصنة (جارية) وغير محصنة (عزباء) ومحصنة (عفيفة)،
8- وقد تكون غير محصنة (جارية) وغير محصنة (عزباء) وغير محصنة (زانية)،
------------------------
وجعك راسك من اللوغارتيمات الإلهية؟
لننهي بفقرة واحدة (آيتين) من سورة النساء، تحتوي على لفظ الإحصان 6 مرات، وتحتشد فيها كل تلك المعاني، ولنحاول فك طلاسمها:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...وَالْمُح
التفسير، أو الترجمة :
أيها المؤمنون حُرّمت عليكم المحصنات (المتزوجات) من النساء،
وأحل لكم أن تتزوجوا ما عدا ذلك على أن تظلوا محصنين (ملتزمين بالعفة)،
أما من لم يستطع أن يتزوج المحصنات (الحرائر) فليتزوج جارية،
بشرط أن تكون تلك الجارية محصنة (عفيفة)،
أما لو صارت الجارية محصنة (متزوجة) ثم زنت فعليها نصف ما على المحصنة (الحرة) من العذاب..
أو لنحاول ترجمة الآية وفقا للتقسيمة المرقمة السابقة:
حرمت عليكم الفئات رقم 1 و2 و5 و6،
إن لم تستطيعوا أن تتزوجوا من الفئة 3 فعليكم بالزواج من الفئة 7
واحذروا أن يكن من الفئة رقم 8
فإذا أصبحن من الفئة 5 وانتقلت إلى الفئة 6، فعليهن نصف ما على الفئة 4 (أو 2) من العذاب..
------------------------
ختاما: نجد أن الآية الأخيرة مشوشة وأثارت بعض الجدل الطريف، فهي تقول أن الجارية المتزوجة زنت فعقوبتها تكون نصف عقوبة المحصنة..
ولكن أي محصنة يقصد؟ الحرة أم المتزوجة؟
لو كانت الأولى فالمقصود هو الجلد: 50 جلدة..
ولو كانت الثانية فحكمها (حسب السنّة) هو الرجم.. ولكن المشكلة أن الرجم ليس له نصف!
هذا جعل بعض "المجددين" يستشهدون بتلك الآية لإثبات أن الرجم دخيل على الإسلام،
فكأن الآية دليل على أن عقوبة الزانية المتزوجة هو مائة جلدة..
فيرد عليهم الأصوليون بأن الإحصان هنا يا جهلة لا يقصد به المتزوجة وإنما الحرة العزباء..
فمن المخطئ برأيكم: المجدد أم الأصولي، أم الأب العبقري الذي قرر تسمية ثلاثة من أبنائه بنفس الإسم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق