الجمعة، 1 مارس 2019

الإسلام العنيف






يتم اتهام الإسلام عادة بأنه دين عنف ودماء، فهو - مثل أي محتل- يشرع لغزو الآخرين في ديارهم، كما أنه دين معادي للحرية، فهو - مثل عصابات المافيا- لا يسمح لأحد بالخروج منه إلا جثة هامدة..

وعلى الجانب الآخر يحاول المسلمون الدفاع عن تلك "الشبهة"، ومجمل دفاعهم يكمن في أن طبيعة ذلك العصر كانت عنيفة، وأن القتال في الإسلام للدفاع فقط وليس للإعتداء على الغير، وأن حد الردة لا يعارض حرية العقيدة لأنه يطبق على المرتد المحارب فقط..

ونلاحظ أن تلك الدفاعات حديثة زمنا، فالصحابة والتابعين والمفسرين والفقهاء القدامى لا يبدو أنهم كانوا يسعون لتجميل صورة الإسلام بهذا الشكل، وإنما هذه الحاجة ظهرت في العصور الأخيرة تحت ظل قيم الحداثة والقانون الدولي وحقوق الإنسان..

وربما هذا ما يجعل بعض المجددين يلصقون التهمة بالتراث، ليبرئوا منها الدين نفسه، وهذا أحد الدفاعات المشهورة..

وربما لهذا السبب تحديدا - أن بناة الإسلام الأصليين لم يقصدوا بناءه بشكل ينفي عنه تهمة العنف - نجد أن الدفاعات المعاصرة ضعيفة متهافتة تتناقض تماما مع النصوص والتاريخ والواقع والمنطق..
--------------------------------------------

فلنبدأ بمسألة أن القتال في الإسلام هو فقط للدفاع عن النفس، ولنسأل: هل رد العدوان يحتاج إلى دين ونصوص إلهية أصلا؟

هل كان البشر قبل القرآن لا يدافعون عن أنفسهم وأهلهم وأوطانهم إذا تعرضوا إلى الهجوم الخارجي؟ أليس حماية النفس وحتى الأرض هو أمر طبيعي تقوم به الحيوانات بالغريزة؟

يحكون لنا أيضا أن أهل مكة اضطهدوا المسلمين طويلا حتى اضطروهم للهجرة ومن ثم القتال، وهذا وارد، ولكنه يستحق أيضا طرح المزيد من الأسئلة، مثل: هذا الإضطهاد الشرس الذي استمر طوال ثلاثة عشر سنة، ولم يكن المسلمون حينها مأمورين بالقتال (حتى دفاعا عن أنفسهم!)، كم نتج عنه من ضحايا قتلى؟ يتم طرح اسم سيدة عجوز قتلها أحدهم في ثورة غضب، ولكن لو تذكرنا المدة (13 سنة) فإن عدد الوفيات الطبيعية يتوقع أن يكون أكثر من واحد، فما بالك باضطهاد ديني عنيف؟!

وأيضا: نعرف أن مكة كانت موطنا للتعددية الوثنية التي تخدم التجارة، فكان فيها من يعبد اللات أو العزى أو مناة وغيرها، كما يأتيها الحجاج العرب وكل يعبد صنمه، كما كان فيها يهود ونصارى وأحناف، يدينون بالوحدانية وبعضهم له أشعار يرفض فيها عبادة الأصنام، بل إن بعضهم ادعى النبوة - فما الذي جعل أهل مكة يضطهدون أتباع محمد حصرا؟!

ربما إجابات تلك الأسئلة تظهر من خلال الروايات نفسها، فنعرف أن الوثنية بطبيعتها تقوم على تعدد الأديان فما كان يضيرهم أن يظهر دين جديد أو نبي جديد، ولكن ما حصل أن محمدا بدأ بشتم آلهتهم علنا، مما مثل انتهاكا لمقدسات القوم وتهديدا لتجارتهم التي تقوم على السلام والتعددية الدينية، ثم إنهم - على ما تقول الروايات- ذهبوا إلى عمه يرجونه، لا أن يرجع محمد إلى دينهم فيترك ربه ويعبد أصنامهم، وإنما فقط أن يتوقف عن شتم مقدساتهم، فرفض نبي الإسلام ذلك..

وهنا نطالب المسلم أن يتخيل الوضع معكوسا: لو ظهر بين المسلمين مدعي نبوة، كفر بدينهم وبدأ يدعو إلى إله آخر، ولم يكتف بذلك بل استمر بشتم رب المسلمين علنا رافضا كل رجاء لكي يكف عن ذلك، فما حكمه حسب شريعة خير أمة أخرجت للناس؟ لو سألنا العلماء فسنجد أن صاحبنا لن يتجاوز مرحلة الرجوع عن الإسلام، فهذه وحدها تستحق الذبح عندهم..

ولكن أهل مكة لم يذبحوا محمدا، حتى بعد وفاة عمه الذي كان يحميه، كما نفهم من السيرة أن المجتمع انقسم حوله فهناك من حاول التعدي عليه وهناك من دافع عنه، ومنهم أبو لهب نفسه في إحدى الروايات، بل إن القرآن حين يتكلم عن الهجرة لا يذكر محاولة اغتيال محددة واضحة لمحمد كما تحكي السيرة، وإنما مرة يقول أنهم فقط أخرجوه (التوبة 40) ومرة يقول بشكل مبهم أنهم خططوا لحبسه أوقتله أو طرده (الأنفال 30)، والمعنى الواضح أنهم بالنهاية أرادوا الخلاص منه بأي شكل، ليس لأنه دعا إلى دين جديد، فهذا أمر معتاد لدى الوثنيين، وإنما لأنه أصر على إهانة مقدساتهم وتهديد سلمهم الإجتماعي وتجارتهم، والأخطر أنه - حسب الروايات- قام بالتلويح بالقتال أكثر من مرة، حين خاطب قريش قائلا "جئتكم بالذبح"، وحين حاول إغراءهم بغزو العرب والعجم وتلقي الجزية منهم، وحتى حين قام ببيعة العقبة مع أهل المدينة تطرق الحديث بوضوح إلى الحرب والدم..

ولكن لننسى كل ذلك ولنصدق المشهور أنه دعا إلى دينه بسلام فحاربوه، وحينها لنرجع إلى التساؤل: هل القتال في القرآن دفاعي فقط فعلا؟ وهل الإنسان يحتاج إلى نحو سبعين آية لكي يدافع عن نفسه وأهله وأرضه وماله؟ في تلك الحالة ألم تكن آية واحدة تكفي "مسموح لكم القتال دفاعا عن أنفسكم يا شباب"، وانتهينا، ولكن لو تأملنا في الآيات فسنجدها تأمر محمد بتحريض المؤمنين على القتال بأنفسهم وأموالهم، وتغريهم بالمغانم والجنة ونساءها، كما أنها تلوم القاعدين والبخلاء بشدة وتصفهم بالنفاق وتهددهم بالعقاب في الدنيا والآخرة - والآن، من سمع عن شخص يحتاج إلى التحريض والإغراء والتهديد فقط لكي يدافع عن نفسه؟ أترك الجواب للقارئ..

وإن كانت هناك آيات تركز على القتال الدفاعي، فهذا معروف أنه كان بأول الدعوة، ولكن هناك آيات أخرى (تتركز بسورة التوبة) تعلن القتال المفتوح الهجومي على الجميع، وناسخة- كما يرى المفسرون- لجميع آيات الصبر والسلام، فيما سيعرف لاحقا بـ"جهاد الطلب" وهو غزو الكفار في ديارهم ابتداءا حتى لو لم يهاجموا المسلمين، كما أجمع الفقهاء، وكما تم على الأرض..

وهذا ما يعجز الكثيرون عن فهمه، أن القرآن متدرج يحتوي نصوصا من مراحل مختلفة للدعوة، فمنها ما يأمر بالسلام والصبر على الأذى ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ ) البقرة 109، ومنها ما يسمح بالقتال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) الحج 39، ولاحقا منها ما يأمر بالقتال أمرا (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) الأنفال 65.. فالفارق بين الإذن والتحريض في الآيتين هو الفارق بين الدفاع والهجوم..

وفي مرحلة ما كان القتال يبدو عادلا دفاعيا بالفعل (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ - فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ - وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة 191-193، هنا نجد الموقف من القتال متوازنا بل يميل إلى السلمية واحترام المقدسات..

لكن بنهاية الدعوة ختمت المسألة بالأمر المفتوح بقتال جميع المشركين وجميع أهل الكتاب، بالذات في الآيتين 5 و29 من سورة التوبة.. الأولى هي آية السيف المشهورة (فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، والثانية مهدت للغزوات التالية (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).. لاحظ، لم يقل : قاتلوا المعتدين فقط، ولم يقل: إن انتهوا عن عدوانهم فاتركوهم، وإنما اشترط أن يدخلوا بالإسلام ويمارسوا شعائره لإخلاء سبيلهم، كما نلاحظ في قتال أهل الكتاب أنه قرن المسألة بعدم إيمانهم وليس بأية ممارسات عدوانية من قبلهم، وفي الآية التالية مباشرة سيؤكد على كفرهم بأنهم قالوا لله ولدا، مما يعني أننا أمام حرب دينية لا سياسية ولا دفاعية، كما اتهمهم مرة بأنهم يريدون إطفاء نور الله "بأفواههم" وهو تعبير يوحي بأن أكبر تهمة يمكن أن توجه لهم أنهم يخالفون تعاليم الإسلام، فسلاحهم- بأقصى الأحوال- هو الفم وليس اليد، ومع ذلك أمر بقتالهم بالسيف..

ولو تركنا القرآن فسنجد الأحاديث تسير في نفس الخط، فتلوم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، كما يعلن محمد أنه بعث بالسيف يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الشعائر الإسلامية، كما يتفاخر بأن الله جعل رزقه تحت ظل رمحه، مما يعني حربا دينية مفتوحة، وهو ما حصل بالفعل في حياة محمد ثم تم استكماله من بعده وإلى اليوم..
--------------------------------------------
لو انتقلنا إلى حد الردة، فما يقال بالعادة أنها للمقاتلين فقط، ولا أدري لماذا يقرن القتال بالردة وهما غير متلازمان؟ فلو قام مسلم بقتالكم ألن تقاتلوه؟ ولو قام مرتد بمسالمتكم ألن تسالموه؟ إذن كان يجب أن يربط الحد بالمحارب وليس بموقفه الديني إن كنتم صادقين..

شخصيا لا أميل إلى أن قتل المرتد هو حد شرعي، بنفس طريقة حد السارق مثلا، فنحن نجد روايات متضاربة عن موقف محمد وصحابته من المرتدين، فمرة يقتلون ومرة يتركون، ولو كان حدا ثابتا لتوقعنا أنه يطبق دائما بشكل يخرج عن السلطة النبوية لمحمد (كما عاتب النبي أسامة لأنه حاول أن يشفع لرجل سرق، معلنا بأنه سيقطع يد ابنته لو سرقت)، ولو كان حدا ثابتا لما رأينا جدالا بين أبي بكر وعمر حول قتال المرتدين، وبالتالي القول الأدق- فيما أرى- أن قتل المرتد ليس مأمورا به وإنما مسموحا به، على حسب الظروف وتقديرات المصالح..

والحقيقة أن هذا لا ينطبق على المرتد وحده وإنما كل الكفار، فالكافر في الإسلام - مشرك أو كتابي- مهدور الدم ليس له حرمة، ولا يتم الحفاظ على حياته إلا بما يسمى عهد الذمة، وهو لأهل الكتاب فقط ويدفعون مقابله الجزية صاغرين أي مذلولين محتقرين معلنين خضوعهم للدولة الإسلامية، وأما البقية من مشركين ومرتدين وكتابيين غير ذميين فيمكن قتلهم لمن شاء ومتى شاء..
--------------------------------------------
نستخلص مما سبق أن العنف في الإسلام ليس طارئا وليد اجتهادات ابن تيمية أو البخاري..إلخ، كما يروج بعض من يحاول الإصلاح، وإنما هو عنف أصيل تمتد جذوره إلى القرآن ثم السنة..

ولفهم ذلك لا نحتاج إلى جهد كبير، فقد سمعت بعض المحللين يتكلمون عن فقه ابن تيمية ولماذا يميل إلى الحدة والعنف، ففسروا ذلك بأن الرجل كان يعيش مرحلة الغزو المغولي الدموي، فتأثر بتلك المرحلة وظهر ذلك في كتاباته، وهذا تحليل منطقي من الناحية النفسية والإجتماعية، وحري بنا أن نطبقه على كاتب القرآن نفسه..

نعم، المشكلة الرئيسية بالإسلام أنه دين حربي، نشأ- كما يتضح من القرآن- وسط أجواء من الإحتقان الديني المتبادل بين اليهود والنصارى والمشركين، والذي لا يكتفي بالجدال الفكري أو التكفير المعنوي وإنما إلى الأذى والقتال وهدم المعابد (راجع مثلا الآية 40 من سورة الحج والآية 114 من البقرة)، ولنقل- مسلمين بالرأي التراثي- أن أصحاب تلك الدعوة كانوا مضطرين لحمل السيف والدفاع عن أنفسهم في مرحلة ما، فحتى حينها لا يمكن إنكار أن السيف صار أسلوب حياتهم بعد ذلك..

هذا لا يعني أن المرحلة المكية كانت مرحلة محبة وتسامح، فرغم وجود آيات جيدة إلا أن العنصر الأهم للتعصب كان موجودا برأيي، وهو الجحيم، حيث نجد تهديد المخالف بعذاب الله المخيف، ولكن الأمر لم يتعد ذلك قبل الهجرة..

هنا يمكن تشبيه محمد المكي بيسوع الناصري، والذي أيضا كان يلجأ إلى إدانة خصومه وتهديدهم بجهنم، ولكنه لم يلجأ إلى رفع السلاح بل نهى عنه، ولكن رغم تلك السلمية يمكن القول أنه قد زرع البذرة الأولى للتعصب المسيحي التي ستزهر نارا في العصور الوسطى، والبذرة هي تقسيم الناس إلى قسمين أبيض وأسود، مؤمنين وغير مؤمنين، جماعة الرب وجماعة الشيطان، وحيث لا يمكنك أن تتخذ موقفا وسطا فإن لم تكن معنا فأنت مع الآخرين - فالعقيدتان تتشابهان هنا، وكلاهما له أصل يهودي، وفي الحقيقة لا أحد يدري كيف سيكون الحال لو أن محمدا مات قبل الهجرة، كما لا يدري أحد كيف سيكون الحال لو أن يسوع نجح في الحصول على قوة مادية..

ولكن ما حدث هو العكس: فيسوع هزم ومات، بينما محمد عاش وانتصر، فتراجع الجانب الديني في الإسلام وبرز الجانب القتالي، وامتد سيف المسلمين إلى الشعوب المجاورة دون استثناء، كما امتد إلى رقاب بعضهم البعض حين قاتل الصحابة بعضهم تنافسا على السلطة، وهو خلاف لم يكونوا يعرفون وسيلة أخرى لحسمه فيما بينهم سوى القتل، فنبيهم لم يعلمهم التصويت الإنتخابي أوالجدل الحزبي مثلا..

وبينما نجد أن الرموز الأولى للمسيحية- يسوع وتلاميذه ورسله- غالبا ماتوا مقتولين ظلما على أيدي السلطات بوسائل بشعة مخيفة، ولا نقرأ أنهم رفعوا السيف للقتال، مما خلق نماذجا مسالمة مستكينة يتطلع لها المسيحي بتوقير ممزوج بالشفقة، نجد أن الرموز الأولى للمسلمين جميعا قتلة وسفاحين وغزاة، ولا يكاد يوجد في سيرتهم غير القتل والنكاح، يتطلع لهم المسلم بفخر ممزوج بالشبق للدماء وحلم استعادة الكرامة، والتي لا تعني عنده سوى دهس كرامة الآخرين..

وربما تلك هي مأساة المسلمين الحقيقية، أنه رغم امتلاء تراثهم المتأخر بنماذج غنية متنوعة، إلا أنهم - اليوم- قرروا العودة إلى التراث النبوي الأول مباشرة، والذي لا نجد فيه سوى حالين لا ثالث لهما: تلقي للإضطهاد أو ممارسة له، فقبل التمكين نحن مستضعفين مظلومين يتآمر علينا الكفار، وبعد التمكين نحن أقوياء غالبين نضع رقابهم تحت سيوفنا وأموالهم تحت حكمنا ونساءهم تحت سيطرتنا، وهي الثنائية التي يمكن أن نسميها ثنائية مكة\المدينة، ولا يعرف الإسلامي وضعا ثالثا يتعايش فيه المسلم وغير المسلم بشكل متكافئ كمواطنين في دولة تساوي بين الناس، فهذا الحال الذي يميز الدول الحديثة لا يجد له المسلم مثالا في قاموسه الخاص، فعنده إن لم تسمح لي باضطهادك فهذا يعني- بالتعريف- أنك تضطهدني..

وهنا نتذكر واحدة من محاولات الرد على الشبهات، وهي أن تلك كانت طبيعة العصر، وهذا هو الرد السليم، فالإسلام عنيف لأنه نشأ في بيئة خصبة تسمح بنمو العنف، وبالتالي فهو لا يصلح في حالات السلم والتعايش، وهي الحالة التي تعيشها الشعوب التي تحضرت، ويأبى المسلمون..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق