الجمعة، 2 يناير 2015

الله يتكلم معي




(رئيس الولايات المتحدة قد ادعى، في أكثر من مناسبة، أنه يخوض نقاشات مع الله.


لو أنه قال أنه يتكلم مع الله عن طريق مجفف الشعر الخاص به، لكان ذلك من شأنه أن يفجر حالة طوارئ على المستوى القومي.



لا أفهم كيف أن إضافة "مجفف الشعر" يمكن أن يجعل المسألة أكثر سخافة أو إساءة).

الفيلسوف و عالم الأعصاب الأمريكي سام هاريس، متحدثا عن جورج بوش الإبن، في مقاله "رسالة إلى الأمة المسيحية".


تصور لو أنك جلست مع مجموعة من الشباب، الذين تصادف أنهم من المعجبين بشدة بشخصية "ألبرت أينشتاين"، الفيزيائي العبقري المعروف؛

و تصور لو أن هؤلاء الأشخاص في نفس الوقت مؤمنون بعالم الأرواح، و مقتنعون أن أرواح الموتى يمكنها أن تتفاعل مع البشر، عن طريق ما يسمى بـ"تحضير الأرواح" و غيره؛

و الآن تصور أن كل من هؤلاء الشباب المتحمسين يزعم أن روح العالم الألماني تظهر له بشكل شخصي، و تكلمه، و تتحاور معه في مناسبات مختلفة؛  و تصور أن كل منهم لديه الكثير من القصص التي يحكيها حول تلك الظهورات و تلك المناقشات الروحانية بينه و بين نجمه الحبيب المتوفى منذ عشرات الأعوام.

البديهي أننا أمام احتمالين لا ثالث لهما : إما أن هؤلاء الأشخاص على حق، و أن روح أينشتاين تتفاعل معهم فعلا بشكل ما، و إما أنهم مخطئون (سواء كاذبون أو متوهمون).

السؤال هنا هو : كيف يمكننا حسم تلك القضية، و معرفة هل أصدقاءنا مصيبون أم مخطئون؟

ليست المسألة صعبة كما قد تبدو لأول وهلة: فإن لم يكن بإمكاننا رصد ذلك الوجود الروحاني المزعوم بشكل مباشر ، فيظل بإمكاننا وضع بعض التوقعات و الفرضيات البسيطة لما يمكننا انتظاره في حالة لو كان وجوده حقيقيا ، و ما يمكننا انتظاره في حالة لو كان وجوده متوهما - و من ثم بناء الإستنتاج سلبا أو إيجابا ، على حسب ما نراه من ظواهر.

أولا: لو كان ذلك التفاعل الروحاني المزعوم مع العالم الألماني حقيقيا، لتوقعنا أن يخبر أصحابنا بحقيقة أو نظرية أو معلومة واحدة (فيزيائية مثلا) تكون جديدة تماما و غير معروفة لهم.

أما لو كان كل ما ينسبه الشباب لأينشتاين و نسمعه منهم على لسانه، هي كلمات عامة أو أمور معروفة مسبقا لهم، على طريقة "يا شباب اعلموا أن القراءة شيء رائع"، أو "العقل السليم في الجسم السليم" أو "أنا أحب طلبة العلم"..إلخ، دون أي شيء خاص أو مختلف أو يحوي معلومات جديدة،  ففي تلك الحالة ألن يكون الأمر مدعاة للشك أن المدعين هنا إما كاذبون أو متوهمون يرددون خواطرهم الخاصة على أنها من العالم الكبير؟!

و ثانيا: لو كان التفاعل حقيقيا، لتوقعنا أن الآراء (و تحديدا الآراء الفيزيائية ) التي يتبناها الشباب، ستكون متشابهة- بل متطابقة- فيما بينهم، نظرا لأن مصدرهم - الذي يتفاعلون معه- واحد.

أما لو كانوا مختلفين مشتتين في معظم المسائل العلمية أو الفيزيائية، فسيكون هذا الأمر سببا للشك في صدق دعواهم أن جميعهم يستقون من ذات المنبع.

هكذا فمن يدعون أنهم يتفاعلون مع كيان ما متفوق، فأولا يمكنهم إثبات ادعاؤهم هذا من خلال أمر واحد رئيسي و هو الإتيان بمعلومة جديدة مبهرة غير معروفة لهم من قبل ؛ و ثانيا عليهم أن يحتفظوا بحد فوق المعتاد من التطابق في الرؤى و الأفكار خاصة في المجال الذي ينتمى له ذلك الكيان المتفوق.


و الآن، لنجرب تطبيق هذين المقياسين على الشخص المؤمن الذي يدعي أن "الله يكلمه"- و هو ادعاء نسمعه كثيرا من الأصدقاء المسيحيين تحديدا: "الله حقيقة أتفاعل معه يوميا و أكلمه في صلواتي" ، "الله يرسل لي رسائل" ، "الله أخبرني بكذا"..إلخ.

و لكن حين نمرر تلك الإدعاءات بالإختبارين المذكورين، فالمؤكد أن النتائج لا تكون مبهرة.

لنبدأ بمقياس المعلومات: هل يمكن لمؤمن أن يكلم الله في مساء ذات ليلة، فيخبره بتطور سياسي مستقبلي معين، أو بمصير سعر السهم الفلاني في البورصة، أو حتى بنتيجة مبارة الكرة غدا؟

بل أبسط: هل يمكن لهذا الإله الذي يتصل بك ، أن يخبرك عن رقم كتبته أنا في ورقة مخفية لا يمكنك أنت رؤيتها؟!

هل سبق أن تكلم أحد مع الله، ثم أخرج لنا نظرية علمية جديدة، أو كشف لنا حقيقة كونية لم تكن معروفة من قبل؟

الجواب دوما بالنفي، بل كل ما ستجده من المدعين هي محاولات تبريرية لامتناع الرب عن التكلم في تلك الأمور : "هي ليست مجال اهتمامه"، "هو يتركها لنا نحن البشر"..إلخ ؛ و ذلك رغم أن الله في كتبه المقدسة تكلم في أمور أقل أهمية من هذا، و حقق معجزات لا تختلف كثيرا عما نطلبه هنا، مما يعني أننا لا ننتظر شيئا بعيدا تماما عما يدعي أنه يقوم به.

و النتيجة أن الإله الذي يتكلم مع المؤمنين المسيحيين، هو لسبب ما لا يقول شيئا مهما على المستوى العملي، و لا يضيف أبدا معلومة جديدة! و هو في كلامه غالبا يهتم بالأمور التافهة التي تهمك أنت على المستوى الشخصي و الأسري، بأكثر مما نجده مهتما بالقضايا الكبير كالحروب أو المجاعات..إلخ.

و الآن لننتقل إلى المقياس الثاني: هل المسيحيون- الذين يتكلم معهم الله ليل نهار- نجحوا في أن يتفقوا على عقيدة دينية واحدة، بخصوص ذلك الإله؟!

لدينا حول العالم طوائف مسيحية متداخلة، كبيرة و صغيرة، قديمة و حديثة، حية و منقرضة، شرقية و غربية: كاثوليك، أورثوذوكس، لوثريين، أنجليكان، معمدانيين، مسيحيين أصوليين، تقويين، إنجيليين، خمسينيين، ميثوديين..إلخ، و تحت كل طائفة يوجد اختلافات تنتج كنائس متضاربة تعدّ بالآلاف، يختلفون حول كل شيء من أول طبيعة المسيح وولادته و طبيعة أمه، مرورا بطقوس القداس و التناول..إلخ، وصولا إلى تفسيرات نصوص الكتاب المقدس بعهديه - و الكل يدعي أنه يمتلك الحق الديني الأوحد.

هنا التساؤل يفرض نفسه: هل إله المسيحية الرحيم، و هو يثرثر مع أتباعه يوميا ليخبرهم أنه يحبهم و يحب أسرتهم و يحب أصدقاءهم و يحب كاتب هذا المقال و يحب كل الناس، لم يفكر لحظة في إخبارهم عن حقيقة عقيدتهم ، بشكل يريحهم إلى الأبد من الخلافات و النزاعات و الشقاقات، التي أثارت حروبا دموية و اضطهادا في الماضي، و تثير الكثير من التفكك و التشذرم و الأحقاد في الحاضر، و المستقبل كما يتوقع؟

و أولئك الأتباع- المخلصين منهم- ألم يفكروا هم في حسم خلافاتهم، بخصوص طبيعة ولادة يسوع مثلا، أو تفسير النص الفلاني، أو حقيقة الطقس العلاني..إلخ، عن طريق سؤال يسوع نفسه بشكل مباشر في إحدى تلك الليالي الحوارية؟!

لو حدث ذلك، فلن يزيل الكثير من الشرور و فقط، بل و سيثبت للعالم أجمع أن هناك قوة واحدة بالفعل، تخاطب أولئك الناس، و أن أفكارهم و خلافاتهم ليست وليدة عقولهم و نوازعهم البشرية- كما هو واضح!

فياللفرص الهائلة التي تضيع كل يوم، من أناس يتكلمون مع الله وجها لوجه، و لا يستخدمون تلك الخاصية الرائعة لمعرفة حقائق دنيوية جديدة أو لحسم خلافات دينية قديمة.

ختاما، فالبديهي أن من يؤمن بشيء بشدة (دين أو إله أو حتى فكرة) ، فمن السهل أن يمتزج هذا الشيء بعقله و حواسه، بحيث يخلط بين ما هو وليد لذلك الشيء، و ما هو وليد خياله الخاص : هكذا حين أحب أبنائي مثلا فما أسهل أن أحلم بأبي- جدهم المتوفى الذي لم يراهم أبدا- يظهر لي ليقول أنه يحب أبنائي؛ هنا من الواضح لكل ناظر محايد أننا نتحدث عن خواطر عاطفية ؛ أما الحقائق فلها مقاييس أخرى؛ و هي متاحة لمن يقدر عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق