الجمعة، 2 يناير 2015

هل كان العلماء المسلمون ملحدين؟






هل كان العلماء و الفلاسفة في الحضارة الإسلامية ملحدين فعلا؟

سؤال يتم تداوله كثيرا، بين مؤيد يؤكد أنهم كانوا جميعا زنادقة منكرين لوجود الله ،
 و بين معارض بحماس يصل إلى ادعاء عجيب قرأته حديثا: أنه لم يكن هناك ثمة وجود للإلحاد في ذلك الزمن!

حسب ما قرأت- و أرحب بالتصحيح- أن الغالبية العظمى من الفلاسفة القدماء عموما كانوا يؤمنون بالإله أو بالخالق، و لكن النسبة الأكبر منهم كان لهم آراء معارضة للأديان السائدة، و هناك منهم الربوبيون و منهم من يعتنق مذهبا شبيها بوحدة الوجود الهندوسية..إلخ.

 هكذا معظم من نسمع أسماءهم من العلماء و الفلاسفة "المسلمين" هم يتراوحون بين التدين على مذاهب معينة، و بين الربوبية التي تنكر الأديان و التي ترى الإله في صورة مختلفة عما تصوره.

لكني لم أجد نصا واضحا يدل أن أحدا من مشاهير الفلاسفة في الحضارة الإسلامية أنكر وجود الخالق بشكل مطلق ؛ أما الملحدون، أي المنكرون لوجود الإله فهم على ما يبدو قلة قليلة، لكنها موجودة حتما، عند الهنود و عند اليونانيين و عند الفرس و العرب قبل الإسلام و بعده.

ربما ما أثار بعض الخلط هو أن كلمة "ألحد" و "ملحد" كانت تطلق في الأصل بشكل عام على أي مذهب "مائل عن الحق"، ثم لاحقا تم تحوير معناها لتعني إنكار وجود الخالق.

 هكذا يمكن القول أن كلمة الإلحاد قديما كانت تعني الميل عن الحق، أما الكلمة اليوم فهي مجرد ترجمة سيئة نوعا لكلمة أثيست اللاتينية ؛ و ربما التسمية الأدق، لكن الأقل شيوعا، هي "اللاربوبيون
".

و لكن، كون كلمة "الإلحاد" المستخدمة حاليا كان لها معنى مختلفا في الماضي لا ينفي وجود الملحدين - فقط ينفي أنه كان يطلق عليهم اسم ملحدين!


و قد تكلم الشهرستاني عن اللاربوبيين (المتوفي 1053م) تحت نوع ممن أسماهم "المعطلة"، فكتب:

(معطلة العرب وهم أصناف : منكرو الخالق والبعث والإعادة :فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحي والدهر المفني والذين أخبر عنهم القرآن المجيد ( وقالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ) إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفلي وقصرا للحياة والموت على تركبها وتحللها فالجامع هو الطبع والمهلك هو الدهر (وما يهلكنا إلا الدهر)) الملل و النحل للشهرستاني- 2\234


و لو عدنا إلى آية (وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) الجاثية 24، فسنجد أن ابن كثيرا (المتوفي 1373م)  يفسرها كالآتي:


(أي: ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم، ويعيش آخرون، وما ثم معاد ولا قيامة(

 و يضيف أن من ينسبون الموت للدهر هم أنواع، منهم المشركون، و منهم اللاربوبيون:

)وتقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى(
 
 
و في كتاب الغزالي (المنقذمن الضلال) يتحدث (ص 54) عن أنواع من الفلاسفة، و منهم "الدهريون"، و هم اللاربوبيون:

)الصنف الأول: الدهريون:- وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع المدبر ، العالم القادر ، وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه بلا صانع ، ولم يزل الحيوان من النطفة ، والنطفة من الحيوان ، كذلك كان ، وكذلك يكون أبداً وهؤلاء هم الزنادقة.(

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق