الجمعة، 2 يناير 2015

الثنائية الجهنمية





لعل المشكلة الكبرى تكمن في أن قصة الإسلام الأولى- سيرة نبيه- انقسمت إلى قسمين لا ثالث لهما: فترة الإضطهاد و فترة التمكين
.

فأبرز ما نلاحظه في حياة محمد الدعوية -كما وصلت لنا- أن نصفها الأول تقريبا قضاه مظلوما خائفا مختبئا هو و جماعته، و نصفها الثاني قضاه محاربا منتصرا متسلطا مهيمنا.

في تلك السيرة لا تكاد ترى مرحلة وسطا، عاش فيها المسلمون بندية و تساوي و احترام متبادل مع غيرهم.. هذا ببساطة لا وجود له؛ إما أن يُضطهدوا- بضم الياء- و إما يَضطهدوا- بفتحها.

و ربما هذا هو السبب الأكبر في أن المسلم، أو لنقل الإسلامي، المتشرب بذلك التراث المقدس، و المتلقيه على أنه النموذج الأمثل الذي يجب أن تكون عليه الأمور (خير القرون)- هذا الإسلامي بات لا يعرف غير تلك الحالتين، القمع أو فرض السيطرة، و لا يفهم غير لغة الهزيمة أو النصر- فلا حلول وسط.

و لكن الهزيمة و النصر هي مفردات حربية لا مجتمعية؛ و الفارق ببساطة أن الحرب بطبيعتها لا تعرف الحلول الوسط؛ إما أن تسحق العدو و إما أن يسحقك هو- لا خيار ثالث.

هذا مفهوم في إطار الحرب؛ أما الحياة المجتمعية العادية فتستلزم التعايش، و الندية، بل و المساومة، و منح الحقوق و تلقّيها بالتبادل و التنازل عن بعضها لو لزم الأمر، في إطار  سلمي هادئ يتعامل مع الآخرين باعتبارهم شركاء في الوطن - و هذا ما يجد الإسلامي اليوم صعوبة شديدة في استيعابه و فهمه، ناهيك عن تقبّله، لأنه لا يكاد يجده في تراثه الديني.

و ذلك رغم أن هذا التعايش موجود في التاريخ الإسلامي -بدرجات متفاوتة طبعا- لكن المؤسف أن الإسلامي المعاصر لا يعبأ كثيرا بتاريخ حضارته الماضية، إلا فقط على سبيل استلهام مظاهر العزة و المجد..إلخ، للتفاخر بها أمام الآخرين، تعويضا لبؤس الحاضر- لكن وقت الجد فالمثل و النموذج هو ما فعله النبي و أصحابه لا غير: و هو لا يحتمل إلا الذل أو السيادة؛ النصر أو الشهادة.

بالتالي فبينما نرى المسلم قد يتعايش مع الآخرين في أي مجتمع بشكل معقول ؛ لكن الإسلامي المتحمس، الذي يقرأ القرآن و يقتدي بمحمد، فنراه عاجزا عن ذلك – فهو مازال يحلم بفتح الأرض و الإنتصار على الكفار، و سيستمر يرى أي إعاقة لحلمه على أنها اضطهاد و ظلم يقع عليه من أولئك الكفار  - فالمسكين قاموسه الديني\الحربي لا يحتوي سوى هذين العالمين البائسين: مكة و المدينة القرن السابع للميلاد.

و يؤسفني القول أن هذا يجعل العالم مجبرا على حصاركم في شعاب مكة مضطهدين؛ فهذا أفضل من أن يترككم تذبحونه في فتوحات جديدة منتصرين- و لا خروج من هذه المعضلة إلا حين يكتشف المسلمون جميعا وجود الحل الثالث، غير الوارد في نصوصهم المقدسة.

هناك تعليق واحد:

  1. نظرة ضيقة للاسلام ، الا تجد ان الاقوى مهما كان دينه ومعتقده هو الغالب حالياً ، الملحد هتلر كم قتل من الناس والملحد ماو كم قتل؟

    ردحذف