الجمعة، 2 يناير 2015

"لهذا الغرض".. الحل السحري لحل أي تناقض



"لهذا الغرض" هي محاولة متواضعة مني لترجمة المصطلح اللاتيني المعروف بـad hoc

ad hoc هي مغالطة منطقية شهيرة تستعمل كثيرا.. و تعريفها ببساطة هو أن تظل تزيد باستمرار عناصر إضافية من عندك على النظرية, فقط بغرض أن تحميها من التفنيد..

مثال تخيلي للتوضيح:
نعلم أن سانتا كلوز (أو بابا نويل) هو شخصية خيالية فولكلورية من المفترض أنه يعيش في القطب الشمالي و يأتي كل عام ليلة الكريسماس ليجلب الهدايا للأطفال..

تخيل لو وجد شخص يسعى لإقناعك أن سانتا كلوز هو شخصية حقيقية و واقعية تماما..
و تخيل أن الحوار التالي يدور بينكما:

أنت (في محاولة منطقية لإقناعه بسخافة معتقده): و لكن لماذا لم ير أحد سانتا كلوز هذا أبدا؟
هو: لأنه يحرص على التخفي بصورة مستمرة..

أنت: و لكن كيف يعيش في القطب الشمالي و لا يظهر مسكنه في صور الأقمار الصناعية و لا يراه الطيارون المارون بتلك المنطقة؟!
هو (بعد تفكير) :هذا لأن مسكنه يقع تحت الأرض فلا يراه أحد..

أنت: فكيف يتنفس إذن وهو تحت الأرض؟
هو (بعد تفكير): يوجد في مسكنه فتحات خاصة علوية يتنفس من خلالها..

أنت: فكيف لا يتم رؤية تلك الفتحات في الأقمار الصناعية؟
هو (بعد تفكير): هذا لأنها فتحات سحرية خاصة و مخفية..

أنت: و كيف تقولون أنه يأتي راكبا عربة طائرة تقودها الغزلان, و من المعلوم أن الغزلان لا تطير؟!
هو (بعد تفكير): هذه ليست غزلان بل هي طيور..
أنت: و لكن تقولون أنها غزلان!
هو :لا لا لا هذا مجرد تشبيه مجازي- هي طيور تطير بالعربة و هذا منطقي..

أنت: ولكني مازلت غير مقتنع أن يتم تشبيه الطيور بالغزلان!
هو(بضيق):حسن حسن.. هي غزلان حقيقية.. و لكنها غزلان سحرية و لها قدرات خارقة فتستطيع الطيران..

أنت: من المعروف أن سانتاكلوز يدخل المنازل من السطح عبر المدخنة , و أحيانا تكون المدخنة ضيقة جدا و الرجل –كما يتم تصويره دائما- بدين للغاية فكيف يتمكن من المرور عبرها؟!
هو(بعد تفكير طويل): هذا لأن سانتا كلوز يمتلك قدرة خاصة على الإنضغاط كالمطاط بحيث يصبح جسده نحيلا جدا فيتمكن من دخول المداخن الضيقة..

هنا نلاحظ أنك مهما فعلت فلن تستطيع إقناع الرجل بخطأ معتقده و سخافته و مخالفته للواقع, بل قد يستمر الحوار بينكما بهذا الشكل و لا ينتهي أبدا! و هذا لأنه يلجأ باستمرار لمغالطة ad hoc فيظل يضيف للنظرية عناصر جديدة لم تكن واردة فيها فقط بغرض أن يتفادي الإحراج.. تلك الإضافات قد تكون سحرية أو تأويلية لا يهم, المهم أنه لا يمكن نفيها أو تفنيدها.. و لو حاولت تفنيدها فسيغرقك مرة أخرى بمزيد من الإضافات الجديدة من عنده فقط "لهذا الغرض"..

و هذا غالبا ما يفعله المبررون لأخطاء القرآن و تناقضاته, و كذلك المبررون لأخطاء الكتب الدينية الأخرى و تناقضاتها.. و هم يخفون ذلك في ثوب التفسير و التأويل و فهم القرآن بالقرآن و أنه وحدة واحدة متكاملة..إلخ

و سأكتفي بمثال واحد نموذجي:
القرآن يقول عن أهل النار: (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ) الغاشية 6
و في موضع ثاني يقول : (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ- وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) الحاقة 35-36
و في موضع ثالث: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ- طَعَامُ الْأَثِيمِ) الدخان 43-44

فمرة يقول أنهم لن يأكلون سوى الضريع,
و مرة يقول لن يأكلون سوى غسلين,
و مرة يقول طعامهم من شجرة الزقوم..

فهل هذا التناقض البين لا يمكن رده؟
بلى يمكن طبعا و بكل بساطة, باستخدام الحل الرائع: "لهذا الغرض"..

و ننظر لرد الإمام أحمد ابن حنبل على "الزنادقة" في تلك النقطة, حيث يعرض كلامهم أولا:

((وأما قوله تعالى : { ليس لهم طعام إلا من ضريع} [ 6 الغاشية] ثم قال : { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم} [ 43 الدخان] فقد أخبر أن لهم الضريع فشكوا في القرآن وزعموا أنه متناقض..))
ثم يرد:

((أما قوله ليس لهم طعام إلا من ضريع يقول ليس لهم طعام في ذلك الباب إلا من ضريع ويأكلون الزقوم ذلك الباب فذلك قوله إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة..))

فليس لهم طعام إلا من ضريع المقصود بها في باب معين من أبواب جهنم, أما الأبوب الأخرى ففيها الزقوم!

هذا الإفتراض يحل التناقض تماما..

و لكن المشكلة أن القرآن لم يقل به!!

ما قاله ابن حنبل غير مذكور لا في تلك الآيات و لا في مواضع أخرى و لا في أي حديث فيما نعلم (و إلا لكان ذكره) .. و هذا يجعل تلك الإضافة من عنده هو لا دليل عليها و لا هدف لها إلا فقط الرد على التناقض, فهي نموذج واضح لمغالطة "لهذا الغرض" ..

و ليس رد ابن حنبل هنا هو الرد الوحيد الممكن, فيمكننا أن نقول مثلا: ليس لهم طعام إلا من ضريع المقصود بها لمدة ألف عام فقط, أما الأعوام التالية فلهم الزقوم..

و حل ثالث: ليس لهم طعام إلا من ضريع المقصود بها أهل النار من المشركين فقط, أما المنافقون فلهم الزقوم..

و هكذا فيمكن رد هذا التناقض – و كل تناقض بالمناسبة- و تقديم ليس فقط حل واحد بل عدة حلول.. و الفضل للوسيلة السحرية "لهذا الغرض"!!

و بالمناسبة فكثير من ردود ابن حنبل و غيره على التناقضات القرآنية تعد أمثلة نموذجية للمغالطة المذكورة..

و لكن لو أردنا-و أراد زملاؤنا المؤمنين- الحق فيجب أن نتفق على التفرقة بصرامة بين التفسير و الإفتراض:

فالتفسير هو فقط توضيح للمعنى- و هو لا بأس به, بشرط أن يلتزم بما ورد و لا يزيد عليه إلا بدليل,
أما الإفتراض فهو تأويل متعسف يقوم بوضع افتراضات من عند الشخص لا أصل لها و لا دليل عليها, و إنما تهدف فقط لرأب الشقوق و الصدوع - "لهذا الغرض"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق