أحد أكثر الأمور التي ترينا حقيقة الدين بوضوح، كخرافة سخيفة لا تهدف إلا للسيطرة على البشر، هي مطالبة الأديان لليقين التام من البشر، و إصرارها عليه.
الإيمان بالتعريف يتضمن مبدأ التصديق بشكل يقيني قاطع ، فكلما
قلّ الشك صار المؤمن أكثر إيمانا ؛ و الدين يمجّد هذا اليقين بشكل كبير و يرفعه إلى
أعلى المراتب ، بينما يُظهر الشك و التردد و الحيرة و كأنها مظاهر شر أو ضعف نفسي مذموم
، و يحاربها بكل الوسائل خاصة الوسائل غير العقلانية مثل اللوم و التخويف و الإبتزاز
العاطفي..إلخ
لكن تأمل الواقع يخبرنا شيئا مختلفا، و هو أن اليقين بضاعة
رخيصة سهلة و يمكن إيجادها بسهولة عند العوام بل عند أحط البشر عقلا و أخلاقا : هات
أي أحمق أو جاهل أو متعصب و غالبا ستجده أكثر الناس يقينا من كل ما يشكل عقيدته و هويته
الموروثة ، بغض النظر عن قوة الأدلة عليه.
على الجانب الآخر كلما زاد الإنسان علما و تعمقا فكريا، يدرك
أن الحقائق قد تكون معقدة و نسبية بل مراوغة تتغير حسب الطريقة التي ننظر لها بها ؛
أما الحواس و العقل فهي أمور محدودة (كما يحلو للمؤمنين أنفسهم قول ذلك، دون إدراك
توابعه).
لهذا نرى أن الفيلسوف و العالم في حالة شك دائم و مراجعة
مستمرة للأفكار و النظريات؛ و حتى ما يصلون له بالنهاية يفترض أن يكون متصلا بالواقع-
لا بالغيب- و يكون قائما على أدلة ملموسة ، فهي "قناعات" و ليست "إيمانا".
و لهذا نجد أنه حتى المفكرين و الباحثين من المؤمنين بالأديان
لا يكون إيمانهم بنفس شمول و عمق و رسوخ المؤمن الجاهل و البسيط ، بل يكون أكثر تعقيدا
و تركيبا و غالبا يكون إيمانا جزئيا انتقائيا ، فلا يؤمنون بالضرورة بكل المتفق عليه
في دينهم بل يرفضون الكثير منه.
في ميزان العقل و الإنسانية فاليقين بحد ذاته ليس فضيلة،
و الشك العقلي بحد ذاته ليس نقيصة بل هو باب المعرفة ؛ و تمجيد الأديان بهذا الشكل
للإيمان القوي الراسخ هو أكبر دليل على تناقضها الجذري مع العلم و المنطق، و أكبر دليل
أنها موضوعة خصيصا لطلب السيطرة على البشر: ففي عالم السياسة و الإجتماع اليقين يساوي
الطاعة، و هذا هو المراد بالنهاية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق