الجمعة، 2 يناير 2015

يقين الجهل






أحد أكثر الأمور التي ترينا حقيقة الدين بوضوح، كخرافة سخيفة لا تهدف إلا للسيطرة على البشر، هي مطالبة الأديان لليقين التام من البشر، و إصرارها عليه
.

الإيمان بالتعريف يتضمن مبدأ التصديق بشكل يقيني قاطع ، فكلما قلّ الشك صار المؤمن أكثر إيمانا ؛ و الدين يمجّد هذا اليقين بشكل كبير و يرفعه إلى أعلى المراتب ، بينما يُظهر الشك و التردد و الحيرة و كأنها مظاهر شر أو ضعف نفسي مذموم ، و يحاربها بكل الوسائل خاصة الوسائل غير العقلانية مثل اللوم و التخويف و الإبتزاز العاطفي..إلخ

لكن تأمل الواقع يخبرنا شيئا مختلفا، و هو أن اليقين بضاعة رخيصة سهلة و يمكن إيجادها بسهولة عند العوام بل عند أحط البشر عقلا و أخلاقا : هات أي أحمق أو جاهل أو متعصب و غالبا ستجده أكثر الناس يقينا من كل ما يشكل عقيدته و هويته الموروثة ، بغض النظر عن قوة الأدلة عليه.

على الجانب الآخر كلما زاد الإنسان علما و تعمقا فكريا، يدرك أن الحقائق قد تكون معقدة و نسبية بل مراوغة تتغير حسب الطريقة التي ننظر لها بها ؛ أما الحواس و العقل فهي أمور محدودة (كما يحلو للمؤمنين أنفسهم قول ذلك، دون إدراك توابعه).

لهذا نرى أن الفيلسوف و العالم في حالة شك دائم و مراجعة مستمرة للأفكار و النظريات؛ و حتى ما يصلون له بالنهاية يفترض أن يكون متصلا بالواقع- لا بالغيب- و يكون قائما على أدلة ملموسة ، فهي "قناعات" و ليست "إيمانا".

و لهذا نجد أنه حتى المفكرين و الباحثين من المؤمنين بالأديان لا يكون إيمانهم بنفس شمول و عمق و رسوخ المؤمن الجاهل و البسيط ، بل يكون أكثر تعقيدا و تركيبا و غالبا يكون إيمانا جزئيا انتقائيا ، فلا يؤمنون بالضرورة بكل المتفق عليه في دينهم بل يرفضون الكثير منه.

في ميزان العقل و الإنسانية فاليقين بحد ذاته ليس فضيلة، و الشك العقلي بحد ذاته ليس نقيصة بل هو باب المعرفة ؛ و تمجيد الأديان بهذا الشكل للإيمان القوي الراسخ هو أكبر دليل على تناقضها الجذري مع العلم و المنطق، و أكبر دليل أنها موضوعة خصيصا لطلب السيطرة على البشر: ففي عالم السياسة و الإجتماع اليقين يساوي الطاعة، و هذا هو المراد بالنهاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق