هل تم صياغة سير الأنبياء المحليين على ملوك الشعوب الأخرى؟
الأنبياء المذكورون بالكتب المقدسة غالبا لا يذكرهم التاريخ، أو إن كان لهم ذكر فيكون مجرد سطور قليلة وغامضة.. ولكن على الجانب الآخر هناك شخصيات تاريخية واضحة، ملوك وعظماء، تتشابه سيرهم بشكل مدهش مع سير الأنبياء الإبراهيميين، مما قد يعتبر تفسيرا تاريخيا لما حدث، وقد يعني أن كتبة السير المقدسة اخترعوا - أو أعادوا صياغة- قصص أنبياءهم مستلهمين أحداثا ووقائع تخص ملوك الأمم الأخرى..
هي مجرد اجتهادات أو تخمينات، وربما لا تستند إلى وقائع يقينية، ولكن أعتقد أنها نظرية تستحق البحث..
1- من آدم إلى نوح..
الباحث العراقي خزعل الماجدي له كتاب بعنوان "أنبياء سومريون: كيف تحوّل عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين".. وكما يتضح من العنوان، فقد فحص الكاتب أسماء عشرة من أنبياء التوراة (آدم ، شيث ، إنوش، قينان ، مهلالئيل ، يارد ، أخنوخ (إدريس ) ، متوشالح ، لامك ، نوح) وقارن بينهم وبين قوائم ملوك سومر ببلاد الرافدين، ليخلص إلى أن كتبة التوراة قاموا باستلهام أسماء أولئك الملوك وحولوها إلى قصص لأنبياء البشرية القدامى..
2- إبراهيم ونبونيد..
نبونيد هو آخر ملوك بابل (القرن السادس ق.م)، وجذر اسمه من "نبو" أي الحكمة، والتي صارت لاحقا "النبوة".. وتحكي قصته أنه ابتعد عن عبادة إله بابل الأكبر مردوخ، ومال إلى ديانة أمه الحرانية حيث عبادة إله القمر سين، حتى أنه هاجر من العراق إلى صحراء الجزيرة العربية واستوطن واحة تيماء حيث بنى معبدا لإلهه، وظل هناك نحو عشر سنوات..
وفي التوراة نقرأ أن إبراهيم هاجر من العراق إلى فلسطين، ولكنه (بدون سبب واضح) مر بحران أيضا، مما قد يعكس تتبعا جغرافيا لنبونيد، كما تم تسجيل رحلته إلى الصحراء والمرتبطة بمورد ماء، ويحكي لنا القرآن أن إبراهيم بنى الكعبة في وادي بالصحراء، كما يحكي أنه في مرحلة ما عبد الشمس والقمر وكوكب، قبل أن يتركها ويهجر قومه إلى عبادة الإله الواحد، مما يتوازى مع نقش شهير يصور نبونيد في بابل واقفا يتعبد أمام ثلاثي: شمس وقمر وكوكب الزهرة..
3- يعقوب ويعقوب حار..
هناك ربط محتمل بين الهكسوس والعبرانيين، فبينما لا نجد أي دليل تاريخي على قصص دخول اليهود مصر زمن يوسف أو إقامتهم فيها أربعمائة سنة أو خروجهم منها زمن موسى، إلا أننا نجد أدلة متوازية على تواجد الهكسوس وخروجهم في نفس تلك الفترة تقريبا، كما أن الهكسوس استوطنوا نفس المنطقة التي خصصتها التوراة لليهود (شرق دلتا النيل)، وأخيرا يحتمل أن الهكسوس بعد ما خرجوا من مصر استقروا في فلسطين، مما يضع احتمالا جيدا أننا نتحدث عن نفس الشعب، ربما مع اختلاف المسميات..
يعقوب حار هو أحد ملوك الهكسوس، وقد وجد اسمه على خرطوش موجود بالمتحف البريطاني، ولا يعرف الكثير عن حياته.. وليس هناك سبب قوي لربطه بالنبي العبراني إلا تشابه الإسم وتطابق الفترة الزمنية.. فلو صحت تلك النظرية فيحتمل أن ملوك الهكسوس كان منهم أيضا يوسف..
4- موسى وأحموس..
أحموس هو الفرعون المصري الذي طرد الهكسوس وأسس الأسرة الثامنة عشر (القرن 16 ق.م)، واسمه مكون من مقطعين أه- موس، أي ابن آه، وهو إله قمر مصري.. ونلاحظ أن موسى يحمل اسم الإبن أو الوليد باللغة المصرية.. وقد ربط فرويد بين جماعة موسى وبين بعض الموحدين المصريين..
لو صح ذلك التشابه فيكون كتبة التوراة قلبوا الأوضاع وجعلوا التواجد في مصر استعبادا، كما جعلوا الملك الذي طردهم مخلصا إسرائيليا، ولتبرير نشأته في القصر استعانوا بفصل من قصة سرجون الأكادي لتفسير تلك النقلة.. أما لماذا قلبوا الوضع بهذا الشكل فلعلهم كانوا متأثرين بأجواء العداء لمصر، ولاحقا السبي البابلي، التي كانت تحدث في زمن كتابة التوراة بالقرن السابع والسادس ق.م..
5- موسى وسرجون الأكادي
سرجون هو حاكم عراقي قديم (القرن 23 ق.م) وتقول أسطورته أن أمه حملت به وولدته سرا، ثم أنها وضعته في سلة وأغلقتها وتركته في مياه نهر الفرات الذي حمله إلى أحد الملوك حيث تربى بقصره، وهناك أسبغت عليه عشتار محبتها، ولم تمر سنوات حتى صار بدوره ملكا..
ومن السهل رؤية التشابه بين تلك القصة وبين حياة النبي والزعيم الإسرائيلي موسى..
6- سليمان وشلمنصر الثالث..
شلمنصر هو ملك أشوري من القرن 9 ق.م، كان له نفوذ واسع وكان ملك إسرائيل أحد الذين يدفعون له الجزية.. جذر الإسم هو "شلمونو ينتصر" حيث شلمونو أو شلمان هو أحد الآلهة الرافدية، ونلاحظ تشابه الإسم مع سليمان..
لكن التشابه الأهم هو أن شلمنصر اشتهر بالبناء وكان له قصر عظيم، ونلاحظ أن وصف بناء المعبد اليهودي بالكتاب المقدس يحمل ملامح أشورية واضحة..
7- محمد وهرقل
هرقل هو الملك البيزنطي الذي حارب الفرس في أثناء حياة محمد، وبدأت في زمنه الغزوات الإسلامية.. ونجد هناك توازيات لافتة بينه وبين حياة محمد كما نقلتها السيرة، حيث أن هرقل تولى الحكم عام 610، وهو نفس عام بعثة محمد بالنبوة، كما أنه تعرض إلى حرب وهزيمة في نفس فترة اضطهاد قريش لمحمد، ثم في 622 ترك مدينته وبدأ حملاته العسكرية المضادة، وهو نفس عام الهجرة وبدء سيرة محمد الحربية، ثم في 624 حقق انتصارا كبيرا على الفرس، وهو نفس عام بدر، وفي 627 تعرضت عاصمته القسطنطينية إلى حصار خطير، وهو نفس عام حصار يثرب وغزوة الأحزاب، وأخيرا في عام 630 دخل منتصرا إلى القدس، وهو نفس عام فتح مكة، وسبق ذلك مذابح أقامها هرقل ضد اليهود، بالتزامن مع غزوات محمد خاصة خيبر..
عمل رائع
ردحذف