الأربعاء، 1 مايو 2019

الأخلاق لا تساوي الردع



من الأسئلة المتكررة: إذا لم يكن الله موجودا فما هو الرادع الأخلاقي الذي سيمنع البشر عن الجرائم؟

المغالطة هنا هي افتراض مسبق أن الأخلاق تنبع من الردع والتخويف، وفي تلك الحالة فالكلب الذي يمتنع عن خطف الطعام فقط لأن سيده يقف أمامه ممسكا بالعصا، هو كلب على خلق عظيم.

نعم الردع مهم لكبح نوازع الشر في المجتمع، ولذلك اخترع البشر القوانين والعقوبات قبل الأديان، ولذلك شرعت الأديان التي حكمت (كاليهودية والإسلام) قوانين وحدود كالرجم والجلد..إلخ، ولو كان الإيمان بالآلهة يكفي لإيقاظ الضمائر وردع الأشرار لما كانت حاجة الأديان إلى عقوبات دنيوية، وهو ما تم التعبير عنه في التراث الإسلامي أن "الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

أما الأخلاق فهي أوسع كثيرا من الردع ، ولا تنبع من التخويف كأخلاق الكلاب التي ذكرناها، وإنما الأخلاق تنبع من الغريزة البيولوجية ومن العقل وتعقد المجتمع: منذ القدم اكتشف البشر، ومن قبلهم الكائنات الأخرى، أن الفرد لا يمكنه العيش والبقاء بمفرده، وأننا بحاجة إلى بعضنا البعض للحصول على احتياجاتنا الأساسية.

فكما أن الصفات اللاأخلاقية (الأنانية، القسوة، الكذب..إلخ) هي صفات مفيدة أحيانا للبقاء على الرغم من الآخرين، وبالتالي فهي مزروعة فينا، فكذلك الصفات الأخلاقية (الإيثار، الرحمة، الصدق..إلخ) هي أيضا صفات مفيدة تساعدنا على البقاء بالتعاون مع الآخري، ولذلك هي مزروعة فينا أيضا- ولهذا فنحن بشر، لا ملائكة ولا شياطين.

الأخلاق أوسع من الردع لأنها تشمل الضمير والعاطفة ومساومة المصالح وبعد النظر، ولم نتعلمها من الدين وإنما تعلمناها من الغرائز والعقل والتجربة : بداخلي غريزة تمنعني من الشرور لأن من أؤذيه اليوم قد يؤذيني غدا إن استطاع، أو تنتقم له أسرته ، وبداخلي غريزة تعاطف مع الآخرين لأن حياتهم وازدهارهم سيساعدني في وقت الضعف، فمن مصلحتي أن أدعمك اليوم لأنني حتما سأحتاج لدعمك غدا، فوحدي لا يمكنني الحفاظ على وجودي ومكاسبي.

هذا يجعل الأخلاق مسألة عقلانية بالأساس: هي تبادل مصالح واعي ومحسوب وذكي؛ وكلما استقرت المجتمعات كلما كانت مكاسب التعاون السمح البناء أكبر بكثير من مكاسب الصراع الدائم؛ فمثلا حين يزدهر التبادل التجاري بين الشعوب تتراجع الحروب، لأن مصلحتي في وجودك حي وبخير تكون أكبر من مصلحتي في قتلك.

 وللحفاظ على مصالحنا اخترعنا مفاهيم مثل الخير والعدل والحق، كما ابتكرنا مؤسسات - كالحكومات والمحاكم والمنظمات- لتطبق تلك المفاهيم، بل لهذا اخترعنا الدين والله والحساب والجنة والنار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق